التهم باطلة اذن إزاء من يسمونهم (أبناء الشوارع ).. والادانة الحقة لا تقترن ولا تنطبق إلى على أولئك، الذين يتاجرون بالمظاهر الكاذبة، بينما هم يسرقون في السر والعلن كل حقوق الناس، ويلقون بسيئاتهم على فقراء الناس، الذين لا يمتلكون القدرة في الدفاع عن انفسهم، وليس من أحد مصدق بهم..ذلك لمجرد أنهم يعيشون في القاع...

يتحدث ويدين عدد من (المحللين) و(السياسيين) ما يطلقون عليهم (أبناء الشوارع). بوصفهم مجموعة من القتلة والمجرمين والمهرّبين والمرتشين والفاسدين والعابثين والخارجين عن القوانين، والسفلة والمنحطين أخلاقيا، والذين ترتبط بهم المخدرات والمشروبات...

شحصيات سلبية، لا علاقة لها بالأصول والأعراف، ولا تمت بصلة بالناس الأسوياء، وإنما هم بشر يعيشون على هامش الحياة وفي قاع المدينة.. يفترشون الأرض، وينامون في العراء، ويتسولون رغيف خبزهم من الآخرين.

والواقع أن (أبناء الشوارع) هم ضحايا المجتمع، الذي يتخلى عنهم في شيخوختهم أو فقرهم أو تردي أوضاعهم المرضية والمادية أو مواقفهم الاجتماعية الآفلة، إنهم قوم يتهمون بالتشرد والتسول والتمزق الأسري.

يتهمون بالجنون والشواذ والرذيلة وكل ما يسيء إلى الطبقات الاجتماعية العليا.. على أنهم أصحاب سوابق، ومجموعة من المعتوهين القذرين.!

وفي جميع الأحوال، هم كائنات بشرية تخلى المجتمع عن الاهتمام بها، وعمد إلى تهميشها، مثلما غيبت الحكومة هذه الكائنات الحية.. وتركتها في الشوارع من دون رعاية ولا اهتمام الا باستثناءات ضئيلة تتعلق برعاية المسنين ودور العجزة والأطفال المشردين أو ضحايا المخدرات ـ ولا علينا من الرعاية الاجتماعية، التي وردت فيها أسماء كثيرة لم تكن بها حاجة إلى أية رعاية.

نعم.. (أبناء الشوارع) لم يصنعوا انفسهم، ولم يختاروا أحوالهم، ولم يرتضوا لأنفسهم أن يعيشوا حياة الفقر والعوز والنكد هذه.. والتي استغلها عدد من ضعاف النفوس واتخذوا من المتسولين (شركة)، يوزعونها في الشوارع والأسواق والأزقة، لقاء حمايتهم وتوفير عيشهم البسيط ووضعهم في أماكن عفنة لا تليق بالعيش البشري.

المجتمع والحكومة.. مسؤولان عن هؤلاء الذين كسرتهم الازمنة المرة، وهجرًوا عن بلدانهم ودورهم.. ومن لم يعد بوسعهم توفير قوت يومهم، مما أودى بهم إلى الفقر والى عدم قدرتهم على تعليم أبنائهم أو معالجة مرضاهم..

هؤلاء الذين يعانون من البطالة وعدم وجود مصدر للعيش الأمن والمستقر. هؤلاء الذين تبصرهم عيوننا كل صباح ومساء.. وهم في أرذل حال، حتى لنجد البعض منهم يفترشون الأرصفة والزوايا ويتدفأون بجلودهم.. هؤلاء الذين يملأون الأسواق الشعبية بعد اقفالها، ليحصلوا على ما تبقى من فتات الخضراوات والفواكه.. هؤلاء الذين يبحثون في أماكن النفايات على ما تبقى من طعام أصحاب الليالي السعيدة والمترفة، وما يلتقطونه من علب المشروبات والكارتونات.. ليبيعونها لقاء ثمن زهيد جدا.

هؤلاء الأبرياء الذين كانوا ضحايا الحروب والإرهاب والمجتمع القاسي والحكومات العمياء.. التي تشنُّ حملات لجمعهم من الشوارع في بعض الأحيان.. من دون أن تعالج شؤونهم وتتعرف على همومهم، وكل ما تفعله القاء القبض عليهم ومن ثم اطلاق سراحهم، ومن ثم تلقيهم في الشوارع ثانية.

هؤلاء.. لا يعرفون السرقة ولا يمارسون القتل ولا يعيثون في الأرض فسادا.. لا يعرفون الغش والتجارة في الطعام والدواء الفاسد، ولا يتقنون الاغتصاب وتشريد الناس في بيوتهم، وأماكن عملهم وتهديدهم والعبث بحياتهم ومقدراتهم..

انهم منكسرون، يعيشون على فتات

الأشياء..

نعم.. هؤلاء هم (أبناء الشوارع) اذن.. فلماذا تلصق بهم كل الرذائل ويساء اليهم ويتم التعامل معهم على أنهم أراذل البشر.. مع أن من يدينهم ويتهمهم ويسيء إليهم.. هو من به هذه الرذائل كلها.. بوصفه من يأخذ المال العام من دون وجه حق، مثلما يتولى مواقع وظيفية غير مؤهل لها.. وسواه ممن يملك القدرة والكفاءة والنزاهة يعيش في أقسى الظروف.

هو.. من يمتلك القدرة على تعليم أبنائه في أفضل المدارس والكليات، ويعالج أسرته في أحدث المستشفيات العالمية، وينام في قصور باذخة، ويأكل ما لذ وطاب..

كل ذلك يجري عن طريق سلب قوت الآخرين واغتصاب حقوقهم واموالهم وممتلكاتهم وحتى شرفهم..

كل هذا يحدث في ظل تفاوت اجتماعي وطبقي حاد.. متخم بالاموال، ومعدم آخر بالفقر والجوع والأمية والمرض وفقدان الأمن.

التهم باطلة اذن إزاء من يسمونهم (أبناء الشوارع ).. والادانة الحقة لا تقترن ولا تنطبق إلى على أولئك، الذين يتاجرون بالمظاهر الدينية والاجتماعية الكاذبة، بينما هم يسرقون في السر والعلن كل حقوق الناس، ويلقون بسيئاتهم على فقراء الناس، الذين لا يمتلكون القدرة في الدفاع عن انفسهم، وليس من أحد مصدق بهم..ذلك لمجرد أنهم يعيشون في القاع.. ومن عاش في هذا الواقع المتردي على كل المستويات ؛ لن يجد له من ينتصر له ويقف في صفه. ويحق له حقا، ومن يشبعه من الجوع.. وهو أهم ما يبحث عنه.

فقراء الناس، الذين لا يتم اهمالهم حسب، وانما يدانون في ما لا يليق بهم، ولا هم المسؤولون عنه، وانما هم ضحايا زمن زج بهم في هذه الأحوال القاسية والمرة.

..........................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق