مبدئياً فإن الخدمات تكون أفضل والأسعار أقل إذا ما قدمتها شركات قطاع خاص تتنافس في ما بينها، وتنظم المؤسسات الرسمية عملها وتتولى مراقبة أدائها، لكن تجربة العراق خلال العقدين الماضيين أثبتت أن تفشي الفساد يؤدي إلى أن تكون خدمات القطاع الخاص، لا تقلُّ سوءاً عن القطاع العام المنخور بالبيروقراطية والفساد...

على مدى سنوات طويلة من عملها كمستشارة لوزراء اتصالات عديدين، لم يسجل على السيدة هيام الياسري أية شبهة فساد، رغم أن هذه الوزارة تعدّ من البؤر الكبيرة للفساد، بل إنها أعفيت من منصبها، بسبب اعتراضها على عقود رأت فيها شبهات فساد.

لا أحد يشكك في نزاهتها أبداّ، لكن من يعرفها جيداً يستطيع أن يسجل عليها خللًا واضحًا في العمل. لم تجانب النائبة حنان الفتلاوي الصواب كثيراً، عندما قالت إنها «اشتراكية» العقلية، من خلال عملي في هيئة الإعلام والاتصالات كنّا في تجاذب مستمر مع الوزارة، وكانت الياسري تحاول جاهدة تجريد الهيئة من صلاحيتها لصالح الوزارة، وتحويل الأولى إلى كشك لمنح الترددات، خلافا لدورها المرسوم في الدستور كهيئة منظمة لقطاع الاتصالات.

كانت تريد حصر تقديم الخدمة بالوزارة، أو على الأقل إدخال الوزارة لمنافس للقطاع الخاص في تقديم خدمة الاتصالات، وهو ما يتعارض مع بديهيات اقتصاد السوق، الذي يفترض اعتماده في العراق وفقا للدستور.

كان النقاش محتدما حول ضرورة كسر احتكار الوزارة للبنى التحتية وقوامها الكابل الضوئي، في حين ينص القانون على حق شركات الاتصالات في مدّ شبكاتها الخاصة، متشاركة بها أو منفردة.

هذا الأمر يلعب دوراً كبيراً في تدهور خدمة الانترنت والاتصالات عموما. فالكابل الحكومي قديم ومهترئ، وعند تعرضه للتلف أو القطع التخريبي، يستغرق إصلاحه أسابيع عدة، يعاني الناس خلالها من تدهور كبير في الخدمة، بينما لا يستغرق إصلاح الأعطال أكثر من ساعات قليلة، لو كانت تملك الشركات هذا الكابل، لأن أي تأخير سيكبدها خسائر مالية كبيرة.

الوزارة تأخذ من الشركات أجوراً عالية، مقابل استخدام الكابل الحكومي مما يدفع هذه الشركات إلى تقليل سرعة الانترنت، ورفع أجوره للمحافظة على نسبة الأرباح ذاتها.

بالأمس شهدنا خطوة أخرى في طريق احتكار الوزارة للبنى التحتية بالعقد الموقع مع شركة نوكيا.

لكن سوء الخدمة لا تقتصر أسبابه على موضوع الكابل، بل إلى الفساد المعشعش في الوزارة والعلاقات المشبوهة بين مسؤولين فيها مع الشركات. أحد أوجه الفساد المؤدي إلى سوء الخدمة هو – حسب الوزيرة- العقد الاحتكاري مع شركة انترنت واحدة، بشروط مجحفة ومانعة لأية منافسة مع شركات أخرى.

هذا العقد وغيره كثير، جرى توقيعه في عهد وزراء سابقين، وبدفع وترتيب من مسؤولين في الوزارة عاصروا كل الوزراء. والوزيرة الحالية تعرفهم جيدا حسب قولها، ما دفعها إلى إقصائهم عن مناصبهم واحالتهم إلى لجان تحقيق.

يبدو أنها تحرشت بعش الدبابير، وفتحت على نفسها بوابات التشويه والتسقيط، ومعها المساءلة البرلمانية، التي قد تصل إلى الاستجواب والإقالة.

أستغرب كيف لنائبٍ أن يحاسب وزيرًا لأنه أجرى مناقلات وأزاح موظفين، يدرك أنهم محل شبهة على الأقل. هذا بعض صلاحيات الوزير، ووظيفة الرقابة التي يمارسها النائب لا تعطيه الحق في التدخل في الشؤون التنفيذية داخل الوزارة. الوزير يعمل برؤية يتبناها ويساعده في ذلك مستشارون مختصون، وهناك مجلس وزراء يصادق على خطواته، وليس من حق النائب فرض أسلوب معين في الإدارة أو تنفيذ المشاريع.

مبدئياً فإن الخدمات تكون أفضل والأسعار أقل إذا ما قدمتها شركات قطاع خاص تتنافس في ما بينها، وتنظم المؤسسات الرسمية عملها وتتولى مراقبة أدائها، لكن تجربة العراق خلال العقدين الماضيين أثبتت أن تفشي الفساد يؤدي إلى أن تكون خدمات القطاع الخاص، لا تقلُّ سوءاً عن القطاع العام المنخور بالبيروقراطية والفساد.

شركات القطاع الخاص تستظل بسياسيين ومسؤولين لحمايتها من أية محاسبة عن سوء خدماتها أو احتكارها للسوق.

الأسئلة البرلمانية التي وجهت لوزيرة الاتصالات لا تمس نزاهتها، بل تتعلق بخطوات تنفيذية اتخذتها مبررة ذلك بأنها تستهدف وقف الاحتكار والفساد المتوطن في هذه الوزارة.

.....................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق