واليوم يُعاد ذات السيناريو الغامض بإظماء الشعب العراقي وتعريض أمنه القومي مرة اخرى للخطر بواسطة تهديد امنه المائي والغذائي فالتهديد والخطر هو ذاته سواء عن طريق الهجوم العسكري او الاستخفاف بحاجات الشعب العراقي وعدم النظر اليها بدواع انسانية او مصلحية رغم وجود الروابط التجارية والاقتصادية الكثيرة التي تربط...

شاءت الاقدار والمواقع الطوبوغرافية والجغرافية الظالمة ان يقع العراق في خانة دول المصب بالنسبة لحوضي دجلة والفرات (كان يسمى بأرض الرافدين او ارض السواد لاخضرارها)، وبالرغم من عدم وجود اي قانون يلزم تلك الدول وخاصة تركيا بإطلاق حصص المياه المعتادة والتي تكفي لحاجات العراق (وهو استحقاق تاريخي عراقي)، الا انها لم تراعِ ابسط حقوق حسن الجوار والمبادئ الإنسانية.

والعالم كله يرى ويسمع المناشدات التي يطلقها العراق بسبب الجفاف والتصحر وتحول اغلب اراضيه الى صحارى قاحلة مع تهديد مباشر لأمنه المائي والغذائي والديموغرافي، ورغم ان جميع التقارير البيئية والمناخية تؤكد ان العراق يعد الخامس عالميا جراء التعرض للتغييرات المناخية القاسية كالجفاف والتصحر والملوحة القاتلة وقلة الامطار وهجرة سكان المناطق المتضررة بسبب ذلك، الا ان المجتمع الدولي بقي متفرجا ولم يحرك ساكنا مايعيد الى الاذهان تلك الايام السود عندما احتل داعش ثلث مساحة العراق وعاث في ارض الرافدين فسادا وقتلا وتخريبا وسبيا، فلم يتحرك بكافة هيئاته ومؤسساته الاممية الفاعلة لوقف الاعتداء الداعشي.

واليوم يُعاد ذات السيناريو الغامض بإظماء الشعب العراقي وتعريض أمنه القومي مرة اخرى للخطر بواسطة تهديد امنه المائي والغذائي فالتهديد والخطر هو ذاته سواء عن طريق الهجوم العسكري او الاستخفاف بحاجات الشعب العراقي وعدم النظر اليها بدواع انسانية او مصلحية (رغم وجود الروابط التجارية والاقتصادية الكثيرة التي تربط العراق بتلك الدول لكنها لم تؤخذ بنظر الاعتبار).

70% من الاراضي الصالحة للزراعة تحولت الى صحارى جرداء مع خروج الكثير من محاصيل سلته الغذائية خارج الخدمة كالرز والذرة الصفراء وتحول اعمدة الانهار الى شوارع تصلح للمشي مع انحسار الاراضي الصالحة للزراعة من (80) مليون دونم الى(14) مليون دونم فقط بحسب رئيس لجنة الموارد المائية النيابية فضلا عن خروج اكثر محطات الاسالة عن الخدمة لاسيما في الوسط والجنوب.

في ظل تلك المعطيات سادت الدعوات المتلاحقة من قبل الكثير من الناشطين والخبراء والكتاب وطالبوا بتدويل الملف المائي العراقي كونه ملف سياديا وليس فنيا وشأنا دوليا وليس محليا، وبعد ان تعرض الواقع الزراعي والثرواتي الى الانحسار او التلاشي ولم يجنِ العراق سوى بعض الاطلاقات المائية الخجولة بعد زيارات مكوكية ولقاءات بروتوكولية "ودية" كأنها هبات وليست استحقاقات تاريخية للعراق وشعبه.

لم تقم تركيا بحل جذري لمعالجة هذه الأزمة بالاتفاق بين البلدين بل كل ما فعلته هو اتفاق طارئ مؤقت سمح للعراق بالاستفادة من الإطلاقات المائية والتي بلغت 1500 م مكعب فقط لشهر واحد قابل للتمديد حسب الطوارئ والذي يعد حلا ترقيعيا لن يستفيد منه العراق لعدم وجود سدود وخزانات كافية للاستفادة من هذه الإطلاقات، اما الاطلاقات المائية الاخيرة فلن تقوم بإنهاء الازمة والمطلوب هو استمرارها بمايرفع الضرر عن العراق بشكل مستمر وهو كبير، لاسيما بعد زيارة وزير خارجية تركيا (فيدان) المهيئة لزيارة اردوغان المرتقبة.

فمتى يقوم المجتمع الدولي بواجبه الاخلاقي تجاه العراق ولو لمرة واحدة فقط تجاه دول المنبع جميعها وليس تركيا فقط؟.

اضف تعليق