السكن من أزمات العراق المستمرة، بل المتفاقمة، لأن الزيادة في السكان أكبر بكثير من حركة بناء المساكن. أسباب بطء البناء عديدة، بعضها يعود إلى القوانين المعرقلة والمتضاربة، وآخر يتعلق بالفساد المستشري في كل مفاصل الدولة بما فيها هيئات الاستثمار، وباقي الدوائر المعنية بعمل المستثمرين...

السكن من أزمات العراق المستمرة، بل المتفاقمة، لأن الزيادة في السكان أكبر بكثير من حركة بناء المساكن. أسباب بطء البناء عديدة، بعضها يعود إلى القوانين المعرقلة والمتضاربة، وآخر يتعلق بالفساد المستشري في كل مفاصل الدولة بما فيها هيئات الاستثمار، وباقي الدوائر المعنية بعمل المستثمرين، من مصارف حكومية ودوائر بلدية ووزارات ومؤسسات أخرى.

أسباب أخرى تتعلق بغياب الأمن الاستثماري، من قوانين لا تضمن حقوق المستثمر، إلى سلطة عصابات مناطقية تبتز المستثمرين، وتدفع الكثير منهم إلى الهرب، أو الدفع لها بما يؤدي إلى زيادة الكلف وتحميل المواطنين المستفيدين تبعات ذلك. وإلى جانب كل هذا، غياب التخطيط المدني السليم والتنسيق بين وزارة التخطيط وهيئات الاستثمار، فترى مجمعات سكنية في مراكز بغداد وباقي المحافظات بما لا تتحمله البنى التحتية والخدمات في تلك المناطق. المستثمرون يشكون بداية من الابتزاز والروتين والفساد، الذي يجعل الحصول على الاجازات عملية شاقة ومكلفة وطويلة، غالبا ما تنتهي بانسحاب المستثمر.

رغم وجود ما سمي جزافا بالنافذة الواحدة، لكنها غير موجودة في الواقع، بدليل أن الموافقات الرسمية قد تستمر سنوات وقد لا تنتهي أبدا، للأسباب الواردة أعلاه. تابعت مؤخراً، حديثا متلفزاً لأحد المستثمرين الذي عمل على استحصال الموافقات والتواقيع المطلوبة لمدة ثلاث سنوات ليتوقف كل شيء، بسبب مطالبة موظفة فاسدة برشوة كبيرة، بينما حصل هذا المستثمر ذاته على إجازة مشابهة في بلد افريقي خلال ساعتين فقط. ومع كل هذا يتحدث المسؤولون عن فرص استثمارية وينفقون ملايين الدولارات على مؤتمرات في الخارج لاجتذاب المستثمرين.

في المقابل، كثير من المستثمرين العراقيين في قطاع السكن يمارسون عملية ابتزاز للمواطنين. يأخذون أراضي مجانية من الدولة لبناء المجمعات، لكنهم يبيعون المساكن بأسعار عالية أو بدفعات كبيرة خلال مدة محدودة بما يفوق القدرة المالية لأبناء الطبقة الوسطى، فضلا عن منخفضي الدخل. بعض أصحاب المشاريع يبدأ ببيع بعض المساكن بسعر معقول، ثم يبدأ برفع الأسعار بمجرد الاقبال عليها. وجود مساكن بمستويات متعددة أمر طبيعي تفرضه سنّة الحياة، فمن يملك مالاً من حقه التنعم بمنزل كبير وفخم. لسنا في دولة اشتراكية، لكن هيئات الاستثمار لا بد أن تأخذ بالاعتبار حاجة الطبقات المختلفة إلى السكن، وتقوم بتأمين حاجة الجميع للسكن من خلال شروط الاجازات، لا أن تترك الخيار لصاحب المشروع.

الحكومة يقع عليها واجب تأمين السكن، ليس من خلال توفير فرص الاستثمار للقطاع الخاص، إنما من خلال توفير مساكن منخفضة الكلفة وتسهيلات مصرفية حكومية لشراء المساكن. المدن والمجمعات السكنية الكبيرة والمتكاملة التي طرحتها الحكومة ستشكل نقلة كبيرة في باتجاه حل أزمة السكن أو تخفيفها، لكن ذلك يحتاج إلى تأهيل شركات تتخصص في إدارة هذه المدن والمجمعات، واستخدام الردع في فرض التعليمات والشروط على الساكنين، حتى لا تتحول هذه المدن الجديدة إلى عشوائيات. هذا ما يحدث في مدينة بسماية التي سميت مدينة الاحلام، لكن سوء إدارة خدماتها وشبهات الفساد الموجودة حرّكا المخاوف من تحولها إلى عشوائية جديدة.

ما زالت الحكومة تتحدث عن توزيع الأراضي لحل أزمة السكن. مرة أخرى فإن هذه الخطوة ستخلق عشوائيات جديدة ومناطق مشوهة عمرانياً، في ظل ضعف الوضع المادي للناس ولجوئهم إلى بناء عشوائي للتخلص من عبء الايجار، وغياب دور بلدي وشروط الالتزام بخرائط محددة.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق