q
ينبغي شكر كل نعمة بما يلائمها من صور الشكر؛ فشكر اللسان بحسن المقال واجتناب القول الفاحش والبذيء، وشكر العين بالنظر في المباحات وفي التأمل والاعتبار، وعدم النظر إلى ما حرّم الله، وشكر اليد باستعمالها في المباحات والطاعات وكفها عن الأذى والتعدي على الآخرين، وشكر العلم بالعمل به وتعليمه...

شكر الله سبحانه وتعالى على نعمه وآلائه واجب عقلاً وشرعاً، وهي من موجبات الزلفى والرضا عنده عزّ وجلّ، وسبب لمضاعفة نعمه ومنحه للشاكر الشكور.

للشكر أثر عظيم في زيادة النعم وديمومتها، وأما كفران النعم وجحودها، والجهل بقيمها وأقدارها، وعدم شكر الله عليها فهي من موجبات غضب الله سبحانه وزوال النعم وانهيار الأمم، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة في قوله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾.

حثّت النصوص الدينية على شكر الله تعالى، حتى يتخلق العبد بهذا الخُلُق العظيم، وهذه الصفة النبيلة؛ وإلا فإن الله سبحانه غني عن شكر عباده، وليس بحاجة إليهم؛ وإنما يمتحن عباده بذلك؛ فينظر من يشكر ومن يكفر، ثم إنهم هم المحتاجون لشكره حتى ينعم عليهم بالمزيد من النعم والمنح الإلهية، ويبارك لهم فيها، وحتى يفوزوا برضاه ومحبته ومغفرته في الآخرة.

ينبغي شكر كل نعمة بما يلائمها من صور الشكر؛ فشكر اللسان بحسن المقال واجتناب القول الفاحش والبذيء، وشكر العين بالنظر في المباحات وفي التأمل والاعتبار، وعدم النظر إلى ما حرّم الله، وشكر اليد باستعمالها في المباحات والطاعات وكفها عن الأذى والتعدي على الآخرين، وشكر العلم بالعمل به وتعليمه ونشره، وشكر المال بإنفاقه فيما يرضي الله سبحانه وعدم إنفاقه في المحرمات.

إن أشكر الناس لله أشكرهم لخلقه؛ إذ أن شكر من يستحق الشكر هو شكر لله سبحانه، لما روي عن الإمام زين العابدينَ (عليه السلام): «أشكَرُكُم للَّهِ أشكَرُكُم للناسِ» للتأكيد على شكر المحسنين؛ مع ملاحظة أن الشكر لله واجب عقلاً وشرعاً، ولغيره أمر راجح في نفسه ومطلوب عقلاً وأخلاقاً.

ويأتي في طليعة من يستحقون الشكر بعد الله عزّ وجلّ هو شكر الوالدين، فهم أحق الناس بالشكر بعد شكر الخالق لفضلهما على أولادهم، وقد أكد القرآن الكريم على ذلك في قوله تعالى: ﴿... أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾.

ان تقديم كلمات الشكر والثناء لكل من يعمل عملاً حسناً أمر مطلوب أيضاً لإظهار المشاعر الإيجابية تجاههم، وتشجيعهم على فعل المعروف، فتقديم الشكر للزوجة على ما تبذله في المنزل من أعمال بيتية يعزز لديها الحماس والاندفاع أكثر في خدمة زوجها وعائلتها، وتقديم الزوجة آيات الشكر والامتنان لزوجها الذي يتعب ويكدح لتوفير الكسب الحلال كي تعيش أسرته بكرامة وسعادة يدفعه أكثر لبذل المزيد من الجهد لتوفير المستلزمات والحاجات المنزلية.

للشكر والثناء على أعمال الآخرين الحسنة تأثيراً إيجابياً في تحفيزهم نحو زيادة أعمالهم الحسنة وأفعالهم الجميلة؛ ومع الأسف فإن قسماً من الناس يعاني من الجفاف الأدبي في التعامل مع الآخرين، ويبخل عليهم بأدنى كلمة شكر أو تقدير، ويتعامل مع الناس وكأنهم قطعة من الأحجار أو الصخور!

ولابد من شكر العاملين في خدمة المجتمع، والمساهمين في تطويره، كأعضاء الجمعيات الخيرية، وكوادر الأعمال الدينية والتطوعية، والمساهمين في المشاريع والمبادرات الخيرية وغير الربحية وغيرها من أفعال المعروف؛ لأنه يعزز السلوك الإيجابي في المجتمع، ويحفز أهل المعروف على مضاعفة أفعال الخير والإحسان؛ بخلاف من يكثر من النقد السلبي لأي عمل خيري، ويطعن في أصحاب الأعمال التطوعية فإن ذلك يولّد حالة من السلبية والتشاؤم في الوسط الاجتماعي.

إن على المؤمن ألا ينتظر شكراً من أحد لأعماله الحسنة، وألا يكون دافعه شكر الشاكرين له ومدحهم له، بل أن يكون دافعه الأساس هو الإخلاص لله تعالى والحصول على الأجر والثواب، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا﴾ فالعمل لوجه الله يجب أن يكون هو الأصل والدافع في سيرة الإنسان المؤمن، وليس البحث عن الشهرة والتفاخر أو المدح والثناء.

اضف تعليق