q
في الماضي كانت الناس أكثر تواصلاً مع بعضهم البعض رغم بساطة الحياة، وشظف العيش، ومع ذلك كانوا أشد تقارباً، وأكثر انسجاماً، وأما اليوم فقد ساهمت بعض التحولات الحديثة على انخفاض روح التواصل الاجتماعي لصالح الاهتمامات الفردية الخاصة، وأمسى كل واحد منا مشغول بحاله وعائلته، ودائماً ما نسمع كلمة...

من الأمور المهمة في حياة الإنسان التواصل مع الناس، والتفاعل الإيجابي معهم، وحضور مناسباتهم الاجتماعية العامة في الأفراح والأتراح، ومشاركتهم في السراء والضراء؛ فهذا التواصل الاجتماعي مع الآخرين مصدر من مصادر السعادة والسرور والبهجة والارتياح.

لأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه لا يمكنه الاستغناء عن التواصل مع بني جنسه، فهو يأنس بهم، ويأنسون به، ولذا لا يمكن أن يشعر أي إنسان بالراحة والسعادة لو تُرك يعيش لوحده حتى لو تمّ توفير كل المستلزمات الحياتية ووسائل الترفيه والراحة له، ولكنه حُرم من رؤية الآخرين والتواصل معهم.

كلمة الإنسان مشتقّة من مادّة «أُنس» كما يقول اللغويون، فهو يأنس بمثله، ويشعر بالسعادة عندما يخالطهم ويجالسهم، والحاجة إلى الأُنس بالآخرين أمر بديهي وفطري، ولا يتحقق ذلك إلا عبر التواصل معهم والتآلف مع من يختلط بهم.

والإنسان المنعزل عن الناس، والمنطوي على ذاته يعاني –غالباً- من اعتلالات نفسية واضطرابات باطنية وأمراض أخلاقية ومشاكل اجتماعية نتيجة انعزاله عن الآخرين، وابتعاده عن المجتمع، ويتحول بمرور الزمن إلى إنسان مستوحش ومتوحش، مما ينعكس سلباً على تصرفاته وسلوكياته وأخلاقياته.

ففي الماضي كانت الناس أكثر تواصلاً مع بعضهم البعض رغم بساطة الحياة، وشظف العيش، ومع ذلك كانوا أشد تقارباً، وأكثر انسجاماً، وأما اليوم فقد ساهمت بعض التحولات الحديثة على انخفاض روح التواصل الاجتماعي لصالح الاهتمامات الفردية الخاصة، وأمسى كل واحد منا مشغول بحاله وعائلته، ودائماً ما نسمع كلمة (أنا مشغول) للتبرير عن غيابه الاجتماعي أو عدم رغبته بالقيام بأي دور أو مسؤولية اجتماعية عامة.

وقد أكدت التعاليم والوصايا الإسلامية على التواصل والتزاور والتعارف بين الناس، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ والتعارف لا يتم إلا عبر التواصل والتداخل مع الناس، ولذا قال الإمام علي (عليه السلام) - وهو على فراش الموت موصياً ولديه الحسن والحسين (عليه السلام) -: «عَلَيكُم يا بَنِيَّ بِالتَّواصُلِ وَالتَّباذُلِ وَالتَّبارِّ، وإيّاكُم وَالتَّقاطُعَ وَالتَّدابُرَ وَالتَّفَرُّقَ» وعنه (عليه السلام): «علَيكُم بالتَّواصُلِ والمُوافَقَةِ، وإيّاكُم والمُقاطَعَةَ والمُهاجَرَةَ» ووصية الإمام لأولاده وهو على فراش الموت بهذه الوصية الاجتماعية يؤكد أشد التأكيد على أهمية التواصل مع الآخرين في حياة الإنسان، وينهى أشد النهي عن التقاطع والتنافر والانعزال.

إن للتواصل الاجتماعي علامات ومصاديق متعددة، ومنها: صلة الأرحام والأقارب، فالإنسان دائم التواصل والتزاور مع أرحامه هو إنسان اجتماعي، وأما قاطع الرحم فغالباً ما يكون منخفض الروح الاجتماعية، ويميل إلى الانعزال والانكفاء على الذات.

ومن مصاديق وعلامات التواصل الاجتماعي: هو التزاور بين الناس، وزيارة الآخرين بين الفينة والأخرى في مجالسهم وديوانياتهم، خصوصاً في المناسبات الدينية كالأعياد والمناسبات الاجتماعية العامة كالزواج.

ومن الأمور المهمة زيارة كبار السن، فهم يأنسون بزيارة أولادهم وأحفادهم وأرحامهم إليهم، وأما تركهم لوحدهم وعدم تفقد أحوالهم فيوحشهم، ويترك جروحاً غائرة لا تندمل في قلوبهم بسهولة؛ ومن المحزن حقاً ما نسمعه من تصرفات غير لائقة من قبل البعض، حيث يذهبون بكبير السن إلى دار العجزة ويضعونه عندهم، ثم يتركون زيارته أو السؤال عنه أو الاهتمام بأحواله، مما يسبب له آلاماً نفسية شديدة.

إذا كانت زيارة الآخرين أمراً راجحاً في حد نفسه؛ فمن الأولى زيارة الأرحام والأقارب، وخصوصاً كبار السن منهم.

ومن مصاديق التواصل الاجتماعي أيضاً: هو المشاركة الحضورية في أفراح الآخرين كالزواج، وفي أتراحهم كموت قريب لهم، أو لا أقل مشاركتهم عبر الوسائل الحديثة كالهاتف النقال، أو تطبيقات التواصل الاجتماعي.

وكذا ينبغي الحضور الاجتماعي في المناسبات العامة كالفعاليات الاجتماعية والعلمية والتطوعية والرياضية وغيرها من المناشط الاجتماعية التي تقام في المجتمع.

ومن العبادات التي لها بعد اجتماعي – بالإضافة إلى الأبعاد الأخرى- صلاة الجماعة، فحضور الإنسان يومياً للمسجد للالتحاق بصلاة الجماعة يعزز التواصل الاجتماعي بينه وبين المصلين، وتقوية أواصر العلاقة والصداقة معهم، وزيادة تعارف بعضهم مع البعض الآخر.

إن علينا أن نحيي هذه القيمة الدينية والإنسانية بعدما تراجعت عما كانت عليه في الماضي بسبب التحولات المتسارعة في حياتنا المعاصرة، وأن ننمي حالة التواصل والتزاور بين أفراد المجتمع، وأن نخصص وقتاً من برنامجنا اليومي للتواصل الاجتماعي مع الناس.

واغتنام فرصة التواصل مع الآخرين لتقوية التآلف والانسجام معهم، فمن صفات المؤمن الألفة والتآلف، لما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «المؤمنُ يألَفُ ويُؤلَفُ، ولا خيرَ فيمَن لا يألَفُ ولا يُؤلَفُ» وعنه (صلى الله عليه وآله): «المؤمنُ إلْفٌ مألوفٌ».

اضف تعليق