تسارعت الاحداث وتوالت التحليلات للرد على سؤال محدد، الى اين تتجه سفينة العملية السياسية المثقوبة بنظام مفاسد المحاصصة، ويتضمن هذا السؤال مجموعة تساؤلات كبرى عن تلك السيناريوهات المتوقعة في إدارة ازمة إعادة بناء جسور الثقة ما بين القوى السياسية بلا وجود للتيار الصدري، وبين كل هذه القوى والاغلبية الصامتة...

تسارعت الاحداث وتوالت التحليلات للرد على سؤال محدد، الى اين تتجه سفينة العملية السياسية المثقوبة بنظام "مفاسد المحاصصة"، ويتضمن هذا السؤال مجموعة تساؤلات كبرى عن تلك السيناريوهات المتوقعة في إدارة ازمة إعادة بناء جسور الثقة ما بين القوى السياسية بلا وجود للتيار الصدري، وبين كل هذه القوى والاغلبية الصامتة التي تمثل 80% من قوى الشعب العراقي التي لم تشارك في الانتخابات الأخيرة.

النتائج المترشحة عن الاجتماع الأخير لقوى الاطار التنسيقي تؤكد انها راغبة تشكيل حكومة برئاسة السيد نوري المالكي، هذا الامر يجعلني استذكر وقائع اجتماعات صلاح الدين ما قبل تشكيل حكومة المالكي الثانية بعد انتخابات 2010، وما تضمنتها من قرارات سرعان ما ذوبت وعودها وتملص منها بإحالتها الى مجلس النواب حينها وربما ننتظر ماراثون جديد من المباحثات والوفود التي تزور أربيل عاصمة إقليم كوردستان العراق لإعادة وصال الود المنقطع بين دولة القانون على الأخص وبقية قوى الاطار التنسيقي والحزب الديمقراطي الكوردستاني، وأيضا ربما ستكون هناك معرفة ودراية كردية في التعاطي مع عودة هذا الوصال واليات عقده من جديد، والتي ربما تمارس عليها ذات أساليب "التقية السياسية" للتمسك بإدارة السلطة من دون ديمومة هذا الوصال ما بعد تشكيل الحكومة المنشودة.

اما موقف قوى التيار الذي يتزعمه السيدين خميس الخنجر ومحمد الحلبوسي، فالواضح انه يفضل التمسك بما حصل عليه وما يمكن ان يحصل عليه في تشكيل الحكومة المقبلة من دون خسائر، هذا يعني إمكانية حصول التوافق مع قوى الإطار التنسيقي وفقا لحسابات الربح والخسارة في إدارة السلطة وليس بناء الدولة.

كل ذلك يطرح الاحتمالات التالية:

أولاً: ربما ستظهر شروطا قاسية على قوى الاطار من القوى الباقية في التحالف الثلاثي، لكن من دون نظرية التحول من إدارة السلطة الى بناء الدولة، وهذا يؤكد تأجيلا واقعيا لكل ملفات الفساد السياسي ونتائج اللجان التحقيقية في سقوط الموصل وجريمة سبايكر وغيرها من الملفات المركونة على الرفوف العالية لمجلس النواب، وربما سيتم اعداد موازنة تكميلية لنصف العام المتبقي توزع فيها الأموال وفق نظام "مفاسد المحاصصة"، ولكن المعضلة ستتمثل في اليات قبول الاطار بالشروط الكردية او توصيفات "انقاذ وطن" وما يمكن ان يؤدي ذلك من ردود أفعال على الجمهور الحزبي لجميع هذه الأطراف.

ثانياً: ليست هناك مثالية مطروحة للنقاش في تشكيل الحكومة المقبلة، فنظام المحاصصة هو الغالب، لكن هناك مشاكل جوهرية ابرزها قرارات المحكمة الاتحادية ولعل ابرزها قرارها في عدم دستورية قانون النفط والغاز لإقليم كوردستان، واذا كانت تسوية ذلك ممكنة سياسياً، الا ان تعديل القرار من قبل مجلس النواب او من قبل المحكمة الاتحادية في اصدار قرار اخر او تجاهل القرار الاسبق، لا يمنح القضاء العراقي او مجلس النواب تلك المصداقية امام الأغلبية الصامتة التي ستنظر الى هذا المتغير بكونه مجرد صفقة سياسية على حساب الشعب لاسيما مع كثرة احاديث قوى الاطار عن نفط البصرة المورد الوحيد للموازنة العامة وخلافه من الاحاديث التي عممت خلال الأشهر القليلة الماضية.

ثالثاً: لا اعتقد ان أي من الأطراف النافذة في العملية السياسية ستعمل على إيجاد قواعد تطبيقية في التنمية السياسية لتجاوز أزمات متوالدة في كل دورة برلمانية في الالتزام بالمواعيد الدستورية او العمل على برنامج حكومي يغادر وصفة الاقتصاد الريعي الجاهزة في زيادة اعداد موظفي الدولة على حساب الأجيال المقبلة في استثمار افضل للموارد المتحصلة من زيادة أسعار النفط من بينها على سبيل المثال تأسيس صندوق استثماري للأجيال، او تطبيقات واقعية في البنى التحتية فأي مقارنة بين مدن جنوب العراق ومدن إقليم كوردستان تظهر هذا الفارق بوضوح، والبرنامج الحكومي المقبل لا يمكن ان يكون افضل حال مما سبقه، وهذا ينعكس على واقع الخدمات العامة لاسيما الكهرباء والزراعة في سياق شحة موارد المياه، فضلا عن الزيادة المتصاعدة في معدلات التضخم وهشاشة الفقر ناهيك عن معدل العوائل التي تعيش تحت خط الفقر، مما يبقي جذوة ثورة الجياع مقبلة لا محالة.

رابعا: ما بين هذا وذاك، كيف سيتم الاتفاق على شخص رئيس الوزراء المكلف، في صفقة تسمية رئيس الجمهورية ومن ثم رئيس الوزراء، ربما ستظهر اعتراضات على عودة ترشيح السيد المالكي لهذا المنصب، مقابل تمسك وتأييد قوى الإطار لتسمنه هذا المنصب حصرا، فسبق وان قيل مرشحهم غير المالكي هو المالكي نفسه!

قد يظهر أي مرشح اخر لمحرقة منصب رئيس الوزراء، هذا المنصب الذي يتحمل دستوريا كل تبعات إدارة الجهاز الحكومي في ركنين مهمين هما القوات المسلحة والخدمات العامة، لكنه يبقى تحت رحمة التوافق السياسي الذي يأتي به الى هذا الكرسي، واي مرشح اخر غير السيد المالكي سيكون عليه التعامل مع الحكومة العميقة التي خلفها وراءه بعد دورتين في الحكم، هذا ما سبق وان حصل، ناهيك عن توابع ما تبقى من قوى التيار الصدري داخل الجهاز الحكومي، كل ذلك مثار عدم توافق بل تضارب في المصالح والسؤال كيف سيتم تطبيق البرنامج الحكومي المقبل في سياق كل ذلك؟

خامسا: مع تزايد درجات الحرارة وفشل مرجح في خدمة الكهرباء والوظائف العامة، وعدم توليد فرص العمل من خلال القطاع الخاص، ستكون هناك مسيرات واعتصامات لأصحاب الشهادات وغيرهم من المفسوخة عقودهم وسواهم، التي ربما تتحول الى ما يشابه احتجاجات تشرين الماضية، والتي أيضا ربما أقول ربما لن تكون خارج سياق قيادة وإدارة التيار الصدري او غيره من القوى المدنية، مما يجعل عمر الحكومة المقبلة على كف عفريت الانتفاضة الشعبية المرجحة، مقابل وعود ستطرح في البرنامج الحكومي تراهن على صبر العراقيين الذي يبدو انه في أواخر نفاذه.. ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق