q
العملات الوطنية المنهارة جعلت الناس مكشوفة أمام عواصف الغلاء والأوبئة، ناهيك عن المشكلات الداخلية، أمنية واجتماعية، استولدها هذا الواقع الذي ترفض جميع الانظمة الاعتراف بأنها أسهمت في صنعه، بل أنها ما زالت تزايد على بعضها بالشعارات وتعدم فرص الحل واللقاء على أرضية مشتركة نسبيا لمواجهة التحدي الأكبر...

من يتأمل حال منطقتنا اليوم، ويعقد مقارنة بسيطة بينه وبين ما كان عليه قبل خمسة او ستة عقود سيصاب بالذهول.. العراق وايران وتركيا وسوريا ولبنان ومصر واليمن وغيرها الكثير من البلدان الاخرى، باتت في أوضاع اقتصادية صعبة، وللمرة الأولى تصل أقيام عملات هذه الدول إلى مستويات قياسية في الانحدار، بعد أن كانت جميعها بوضع لا يمكن مقارنته بالحاضر.

وسيترك هذا آثارا كبيرة في مستقبل اقتصاديات هذه البلدان التي ما كان لها أن تصل لما وصلته، لولا غياب التكامل الاقتصادي الذي تسبب به غياب التفاهم السياسي لتصبح المنطقة باكملها عرضة لتدخلات خارجية، أسهمت في زيادة الفرقة وإشعال الفتن في ما بين دولها، ولا نقول شعوبها، وإن دفعت الشعوب أثمان ذلك وما زالت.

لقد تبنت اغلب انظمة هذه الدول ستراتيجيات غير واقعية قامت على عداء بعضها البعض، جارة او بعيدة، وصارت القطيعة والتنابذ عنوان العلاقات بينها على مر العقود الطويلة الماضية، ومبنية على اساس معادلة صفرية غير واقعية، تتمثل بضرورة الاطاحة بنظام الدولة تلك لإقامة علاقة جيدة مع نظام جديد فيها!

فأوقعت هذه الثقافة التي غذتها قراءات خاطئة للسياسة وعدم معرفة الخطوط الحمر الدولية الكثير من الانظمة في مهالك حقيقية وأوقعت معها الشعوب ايضا وأتت على كل ما هو جميل قائم فيها، وامتدت النار لتحرق مستقبل الاجيال التي ولدت لاحقا لتجد نفسها في أرض يباب، فلا اقتصاد قويا ولاعلاقات جيدة مع دول الجوار ولا أمن واستقرارا يوفر الحد الادنى من العيش، فصارت الهجرة لأوروبا، وغيرها الشغل الشاغل لأغلب شباب هذه البلدان.

وحتى اليوم وبعد هذه الدروس القاسية، لم تفكر حكومات هذه المنطقة بعقد قمة اقليمية او لقاءات بينية تسعى من خلالها لردم هذه الحفر العميقة، التي حفروها ليعزلوا شعوبهم عن بعضها مع أنهم يرونها اليوم، وأغلبها يعيش على الكفاف.

فالعملات الوطنية المنهارة جعلت الناس مكشوفة أمام عواصف الغلاء والأوبئة، ناهيك عن المشكلات الداخلية، أمنية واجتماعية، استولدها هذا الواقع الذي ترفض جميع الانظمة الاعتراف بأنها أسهمت في صنعه، بل أنها ما زالت تزايد على بعضها بالشعارات وتعدم فرص الحل واللقاء على أرضية مشتركة نسبيا لمواجهة التحدي الاكبر، الذي صار يقلق العالم بأسره اليوم.. الغذاء وشح المياه وخطر الارهاب المتنامي... فهل نشهد مؤتمر قمة يستحضر هذه المخاوف بجد ويعمل على ايجاد الحلول المناسبة لها؟!

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق