q
حرب أوكرانيا يتكرر فيها المشهد المأساوي الذي تكرر لمرات عدة في الشرق الأوسط، في (العراق) فالرجال في مواجهة جيش الدب الروسي، والنساء في جبهة النزوح وملاذات فيها شيء من الأمان، منافذ بولندا والمجر ورومانيا تصطف فيها طوابير الأطفال والنساء والعجزة، من الأوكرانيين، ويتكرر فيلم الأطفال يلعبون ويزغردون بعفويتهم...

سحابة الغيوم أمطرت صواريخها على الناس، والحرب قالت ها أنا حضرت لأجل الموت والتشرد، كأن رواية طشاري 2013 لأنعام كجه جي، كتبت لأقوام مختلفة الأعراق واللغات، صورة متشابهة الظروف في التشرد والتهجير، ورائحة الموت تفوح من مناطق الحروب.

العواجل سابقت بعضها بلسان حسناوات أجهزة التلفاز بلغات العالم» الحرب بدأت والناس تهجرت» مذيعات هذه المرة حزينات، صواريخ الدب الروسي تفرض العواجل في أوكرانيا، وكييف هي الهدف، لكل خبر يقرأ ندبة في القلوب، هذه المرة ليس قدر بغداد الحضارة التي ذبحت مرات ومرات، ولا دمشق العريقة التي استباحها الحزن من كل بقعة، ولا عواصم الشرق الأخرى، فالقدر جعل الشرق الأوروبي هذه المرة مسرح حرب عبثية، ربما يكون استجابة لدعاء عجوز ثكلى بغدادية أو دمشقية أو يمنية أو لبنانية أو حتى من شمال إفريقيا العربية، عند صلاة الفجر ضد الغرب.

شريط الأحزان، ينتزع ذكريات الماضي، لحروب صواريخها وصفت بالذكية من شدة جرائم القتل والدمار التي تتركها، حرب تخلف ترهيبا وتلويثا للون السماء بدخان الحرب واشتعال آبار النفط، الناس تهرع للهروب من بغداد نحو معابر الهروب، الى أرياف أعياد سكانها تكمن في استقبال الضيوف، نازح أو مشرد، أو هارب من الموت، قل عنهم ما شئت، الريف عكس المدن، وأتذكر سكان مدينة لن أذكرها، إكراما لتأريخها، لا لسكانها، الذين استقبلوا النازحين بجشع كانت قسوته أمضى عليهم من حد السيف أو بترهيب الصواريخ.

وفي حرب أوكرانيا بشرقي أوروبا يتكرر المشهد المأساوي، الأشجار وحدها من تقول هنا السلام، وابتسامة امرأة عجوز احتضنت احفادها المرعوبين من قصف طاردهم طيلة رحلة مضنية من السير على الأقدام حتى وصول مخيم النزوح في قرية على حدود بولندا غربا، حيث اصطف سكانها لتوزيع الطعام والشراب وأحضروا خشب مقطع لتهدئة رعشة برد أفقدت هدوءا غادر أرواح فسكنها الخوف، الجدة تمارس الكذب الأبيض على أحفادها، بل تسخر من القدر، وهي تردد لا تخافوا هذا عرس بوتين في كييف 2022، مثل عرس بوش في بغداد 2003، تضحك بحزن، وتصمد بإباء.

لكن نافورة الدموع تسكب ماءً مثل التيزاب، كلما أخفت عيناها عن الأطفال. قطار يتبرع به أثرياء البلاد لنقل مدنيين باتجاه بولندا، والمجر ورومانيا، هنا العنصرية تبرز برغم الموت الذي يجوب الشوارع فلا يسمح لمن سحنة وجهه اجنبية أو عربية، فيختارون السير 60 ساعة مشيا على الأقدام، وطابور لمئات السيارات واحدة تلو الأخرى، جيوش المدنيين تهرب، لا نريد الموت، يا الله، التاريخ تصنعه الحروب، ولا شهرة لبلد حتى يذوق شعبه مر الحروب، وترابه تكسوه أبخرة الصواريخ، فالعراق اشتهرت منذ أربعة عقود من الحروب الطاحنة.

واليوم العالم كله يهذي بحرب أوكرانيا، لا بالموسيقى، ولا بالقمح ولا بالزيت ولا بالحديد والمنغنيز التي تبلغ مراتب متقدمة في التصدير عالميا، عشرات الناس تدخل في بيوت ريفية، من الأبناء والأحفاد والأقارب، وأصدقاء الأقارب، شبح الخوف يغادر الأطفال، لمجرد اقترابهم من بعض ليكونوا جيشا طفوليا بريئا، فالنزوح عندهم رحلة ممتعة للعب في البستان وعلى الطيور والقطط، والحرب عند الكبار تحديد موعد مع المواجهة المسلحة.

لكن نساء أو عظيمات شامخات، خرجن من بيوتهن، ولسان حالهن يقول مخطئ من يشكك بصبر المرأة فأنها مصنوعة من الصبر، مجهزة بمعدات الدفاع من الخذلان، لا بدَّ من تحمل الخوف والحمل والإنجاب ورعاية الأطفال، وتوفير الطعام والشراب، مهما يبلغ مستوى العوز، العجوز هكذا أوصت بناتها «التدبير زينة المرأة، والموقف في الملمات هيبة البنات»، ورغم كل الصبر والتحمل، فثمة مرارة ما تحت اللسان، هناك يدٌ آثمة سلختها عن حياة هانئة في منزلها ومكتبتها ومطبخها الأنيق، وألقت بها في غياهب الظلمات بالمهجر، الجرح لن يندمل ما بقيت.

الحروب تتكرر والطشار بنسيج الناس اجتماعيا يتسع بهم نحو الشتات لأبعد الأماكن. والغرب «بلاد العاقرات» اعتادت بلدانه لعقود طويلة تستوعب أجيالا شبابية جاهزة من الشرق، فالحرب لمؤسساتهم رحلة صيد الشباب للعمل فيها، فهذه المرة الحروب بينهم، ولكنها حرب النوويين المدمرين للكون لو فقدوا صوابهم، ورواية الحرب تنذر بما لا يسرُّ الجميع من أمر محسوب حسابه قد يتفجر.

وحتى تنتهي الحرب تبدأ خطوة الألف ميل بأولى خطواتها، ومذيعات الأخبار تواجهنا بالعاجل» عودة نزوح، وينادي الحنين بصوت الرحيل، فيعانق الجميع بعضهم عناق الوداع، وحارات البيوت، وبساتين النخيل وساحات المراجيح، تفرغ من تجمعات النازحين، وكأنهم جميعا يرددون مع البكاء « قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزلِ... بسقط اللوى بين الدخول فحوملِ». الناس في الأرياف بالعادة كرماء يستقبلون ضيفهم برغيف الخبز وابتسامة الود تعلو شفاههم، عكس المدن الطاردة في وقت الحرب.

حرب أوكرانيا يتكرر فيها المشهد المأساوي الذي تكرر لمرات عدة في الشرق الأوسط، في (العراق) فالرجال في مواجهة جيش الدب الروسي، والنساء في جبهة النزوح وملاذات فيها شيء من الأمان، منافذ بولندا والمجر ورومانيا تصطف فيها طوابير الأطفال والنساء والعجزة، من الأوكرانيين، ويتكرر فيلم الأطفال يلعبون ويزغردون بعفويتهم، ونساء تستقبل أمثالهن بالهلا والمرحبا. لقد عاشت نتاليا مثل سعاد في مخيم النزوح، والفيلم يتكرر عبثا لكنه حتما ضد الأبرياء.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق