ثمة ثلاثة مشاريع جيوسياسية تريد الاستحواذ على دول مجلس التعاون الخليجي، ولا أفرق بينها على الإطلاق وهي: المشروع التركي، المشروع الإيراني، المشروع الإسرائيلي، وهي بالأساس خطرة على الدول العربية كافة. الأول والثاني مع أخطارهم الجيوبوليتيكية؛ يحملون خطرًا آخرًا لا يقل أهميةً عن الأول وهو خطر اللعب...
ثمة ثلاثة مشاريع جيوسياسية تريد الاستحواذ على دول مجلس التعاون الخليجي، ولا أفرق بينها على الإطلاق وهي: المشروع التركي، المشروع الإيراني، المشروع الإسرائيلي، وهي بالأساس خطرة على الدول العربية كافة.
الأول والثاني مع أخطارهم الجيوبوليتيكية؛ يحملون خطرًا آخرًا لا يقل أهميةً عن الأول وهو: خطر اللعب على وتر الهويات الفرعية سنية (إخوانية)، وشيعية، وهو ما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي لدول المجلس، وقد لعبت ايران وحلفائها على هذا الوتر عام (٢٠١١) في البحرين بشكل واضح مما دفع بدول المجلس لا سيما السعودية التدخل عسكريًا بقوات درع الجزيرة، لمنع أية إمكانية قد تؤدي إلى تغيير النظام البحريني الحاكم، الأمر الذي سيؤدي إلى تعزيز النفوذ الإيراني في هذه الدولة ذات الغالبية الشيعية، وهو ما تعده السعودية خطرًا على أمنها، وأمن النظام الحاكم فيها.
أما إسرائيل فهي ذات تهديد جيوبولتيكي، لا يحمل طابعًا مذهبيًا، وبالتالي يمكن أن نحلل الابعاد الجييوساسية لهذا التقارب كما الآتي:
أولًا: البعد السياسي بطابعه الآيديولوجي
ترى دول مجلس التعاون الخليجي (ربما عدا قطر التي لا ترى في المشروع التركي خطرًا على أمن دول المجلس الأخرى، بل هي متحالفة مع تركيا، وكذلك إيران. كذلك بالنسبة لسلطنة عُمان فيما يخص علاقاتها الجيدة مع إيران، بالتالي لا ترى في المشروع الإيراني خطرًا عليها). كما أنها أي قطر تدعم الإخوان المسلمين، الجماعة التي تعدها بعض من دول المجلس الخليجي خطرًا على أمنها الداخلي، وهي من أبرز الأسباب التي أدت إلى مقاطعتها من قبل (السعودية، والإمارات، والبحرين).
وبما أن هذه الدول ليست دول مواجهة مع إسرائيل، ترى أن خطر المشروعين التركي، والإيراني، أكبر عليها من المشروع الإسرائيلي، ذلك لأنها دول ذات غالبية سنية، وكذلك تضم جزءًا كبيرًا من أبناء الطائفة الشيعية، لا سيما في البحرين، وغنية في ذات الوقت، ولا تمتلك القدرة الكافية للدفاع عن نفسها بمفردها، كما أن إيران مجاورة لهذه الدول، ولا يفصل بينهما إلا الخليج العربي، أضف إلى ذلك، إن إيران تعد هذه الدول مساحةً لنفوذها، فضلًا عن أنها لها مطالبات تتعلق بضم البحرين لها، وتدعم شيعة هذه الدول وغيرها من الأسباب.
أما عن تركيا، فهي تدعم التيارات الإخوانية في هذه الدول، التي ترى في الإخوان خطرًا سياسيًا على استقرار أنظمتها السياسية لا سيما أنظمة (السعودية، والإمارات، والبحرين) حتى أنها دعمت الرئيس المصري (عبد الفتاح السيسي) عندما إنقلب أيام ما كان وزيرًا للدفاع على الرئيس المصري السابق (محمد مرسي) المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين. وكذلك يرى الأتراك في هذه الدول فرصةً اقتصاديةً كبيرةً لاقتصادها، وأيضًا يحمل توجهها بعدًا تأريخيًا-جيوسياسيًا، على اعتبار أن هذه الأراضي كانت تابعة للدولة العثمانية، لهذا فهي منطقة نفوذٍ طبيعيةٍ لهم.
ثانيًا: البعد الامني
أدت الخلافات السياسية بطابعها الآيديولوجي إلى تزايد حجم الهوة بين أقطاب البيت العربي الخليجي، حول أولوية المخاطر مما أدى إلى انقسامه، لتنتهي مسألة أن أمن دول مجلس التعاون الخليجي واحد. فاليوم السعودية، والإمارات، والبحرين في خندقٍ واحد، وقطر في خندقٍ متخذةً من تركيا قوةً إقليميةً تسند أمنها، وكذلك عمقت علاقاتها مع إيران عقب الحصار الذي فرضه عليها الثلاثي (السعودية، والإمارات، والبحرين)، بالتالي لم يبق لها من منفذ سوى المنفذ الإيراني، والكويت وسلطنة عُمان تقريبًا يقفان على الحياد من الخندقين الأول، والثاني، لأن حساباتهما تختلف بخصوص أولويات أمنهما، حتى أن الكويت سعت إلى عقد الصلح بين قطر والدولة المقاطعة لها، إلا أن مساعيها فشلت؛ لأن هذه الأطراف متمسكة في خياراتها، ولن تقبل بالتنازل، أما السلطنة فبحكم واقعها الجيوبوليتيكي القريب من إيران، وكذلك المطل على مضيق هرمز، بالتالي يصعب عليها تبني موقف طرف من الأطراف.
زيادةً على ذلك، تخشى دول مجلس التعاون الخليجي، من أطماع الدول العربية الكبيرة؛ لما تمتلكه من ثروات (عندهم فلوس زي الرز كما يقول المصريون)، وفي ذات الوقت لا تمتلك القدرة على الدفاع عن نفسها، بالتالي هي مجبرةً للاعتماد على الحماية الأمريكية، وتأكد لها هذا التوجه بعد احتلال العراق للكويت عام (١٩٩٠)، إذ رأت أن التهديد جاءها من الأشقاء العرب قبل غير الأشقاء.
وعليه يقع التطبيع الإماراتي-الإسرائيلي ضمن هذه القراءة، والتي سيتبعها دولٌ أخرى كالسعودية، والبحرين، وسلطنة عُمان، وربما حتى الكويت، وهي بالأساس أي هذه الدول مطبعة سرًا مع إسرائيل، ولا يخفى على الغالب الأعم منا أن شهر تشرين الأول/أكتوبر من عام (٢٠١٨)، شهد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لسلطنة عُمان، كما أن وزيرة الثقافة الإسرائيلية (ميري ريغيف) كانت قد زارت الإمارات في ذات العام، زيادةً على عدد من الزيارات الأخرى التي تحمل الطابع الثقافي، والاقتصادي.
لهذا إن عملية تطبيع الإمارات مع إسرائيل، مهد لها منذ أمد، ولم تكن محض صدفة، فلا صدف في السياسة، فكيف في مثل هكذا مسائل تعدها غالبية الشعوب العربية مصيرية؟!. والشيء بالشيء يذكر، إذ يتحدث الرئيس الأمريكي الأسبق (بِل كلينتون) في كتابه (حياتي)، كيف أن القيادة الإسرائيلية أيام محادثات السلام (أوسلو ١٩٩٣) مع السلطة الفلسطينية، حاولت توصيل رسائل إعلامية للرأي العام الإسرائيلي؛ تؤكد على تمسكها الصلب بمصالح دولتها، ولن تفرط بأي شيء منها، لأنها تخشى من الأطراف الإسرائيلية الداخلية، المعارضة لعقد السلام مع (ياسر عرفات).
إذ كان ينبغي التمهيد إعلاميًا، وسياسيًا، وجيوسياسيًا لهذه العملية أي التطبيع بين الإمارات، وإسرائيل، حتى تكون هنالك عملية قبول شعبية، عبر توصيل رسائل من قبيل أن الخطر الإيراني أكبر من الإسرائيلي، وكذلك التركيز على النفوذ الإيراني في المنطقة وغيرها من المسائل، التي يمكنها أن تبعد الرأي العام العربي عن هكذا قضية، وكذلك تصدير فكرة أن السلام مع إسرائيل سيجلب السلام، والرخاء للعرب، كذلك أخذت بعض الجهات الإعلامية الخليجية، تصدر فكرة أن العرب هم أبناء عم مع اليهود.
وربما من بين الغايات الرئيسة لهذا التطبيع، مواجهة النفوذ الإيراني ومحاصرته في المنطقة، فإسرائيل ستصبح بنفوذها في الإمارات على مرمى حجر من إيران، وهي هنا تزاحمها على ما تعده أي إيران مناطق نفوذٍ لها، ولهذا ندد الرئيس الإيراني (حسن روحاني) بهذا التطبيع، لإدراكه مدى الأخطار التي يشكلها على مصالح بلده. أيضًا ترغب إسرائيل بأن تقول للإيرانيين مثلما أنتم قريبون منا في سوريا، ولبنان نحن أيضًا صرنا قريبون منكم، ولا يفصل بيننا إلا الخليج. وربما قريبًا يأتي الدور على سلطنة عُمان أي أنها ستطبع رسميًا مع إسرائيل، إلا أنها ربما متريثة بسبب خشيتها من إيران، ولما لها من مصالح متبادلة معها، بالتالي يتبع الإسرائيليون في الوقت الحاضر مع إيران، إستراتيجية الاحتواء، والحصار، وإحاطته بعدد من العلاقات المتميزة مع الدول القريبة من إيران، كدول مجلس التعاون الخليجي
النتيجة النهائية من هذا التقارب، تكمن برغبة الإمارات لقيادة دول المجلس التعاون الخليجي من الناحية السياسية، والاقتصادية. ولكن، خلف الستار تحتاج الإمارات إلى دعم طرف إقليمي فاعل ووجدت ضالتها في إسرائيل، التي يمكنها مساعدتها، من أجل تحقيق هذا الهدف. لا سيما بعد فشلها في جنوب اليمن بسبب قوة النفوذ السعودي، والعُماني مما أدى إلى انسحاب قواتها من هناك. مع ذلك لم تزل الإمارات تطمح إلى السيطرة على البحر الاحمر لبناء قواعد اقتصادية هناك، حتى تحقق الهمينة على دول المجلس، ولا سيما هي من تطرح فكرة المشروع الفيدرالي لدول مجلس التعاون الخليجي.
أخيرًا يمكننا القول، أن هذا الانقسام الذي حدث بين دول مجلس التعاون الخليجي، شكل فرصةً جيوسياسيةً كبيرةً للقوى الإقليمية غير العربية، التي ذكرناها فيما سبق وهي (تركيا، وإيران، وإسرائيل)، من أجل أن تنفذ إلى هذه المنطقة الغنية بمواردها، والحيوية بموقعها الجيوبوليتيكي.
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية ترغب بهذا الانقسام المحسوب، حتى تبقى هي المهيمن الرئيس الضامن لأمنها؛ إذ في حالة استمرت الوحدة الخليجية، وتطورت مستقبلًا، ربما يشكل ذلك خطرًا على مصالحها في هذه المنطقة المهمة.
اضف تعليق