في السنتين الأولتين للإحتلال برعت الفلوجة كما مدن عراقية أخرى في المزاوجة بين مواجهة الجنود الأمريكيين وقتلهم، وبين التوغل في المواجهة الطائفية، كانت القوات الأمريكية تتوغل في الداخل العراقي، بينما تعلن المدن الكبرى إستسلامها الواحدة تلو الأخرى، ولم يكن الأمريكيون متحمسين لوقف الإحتقان بين المكونين الأساسيين في البلاد، وتشكلت مجاميع مسلحة وقوى شعبية وبعض التنظيمات المرتبطة بأجهزة مخابرات دولية وعربية، وصار القتل على الهوية مألوفا وماعليك سوى أن تتخذ تدابير حماية لنفسك حين تتحرك في المناطق الموضوعة على خارطة البؤر الأكثر خطورة على حياة الناس بسبب إنتمائهم الطائفي، وفي العادة تعجز المجموعات البشرية المسالمة عن توجيه الأفراد والمجموعات من حملة السلاح فتكون تلك المجموعات خارج دائرة التهديد، بينما يدفع الأبرياء والبسطاء منهم الثمن فيقتلون بدم بارد، ويبحث المسلحون عن الثأر لهم فيقتلون أبرياء من الطرف الآخر.

الفلوجة التي تشتهر بمآذنها، المدينة المشبعة بالرمال، ونسائم الفرات، وأصوات المتهجدين، كانت تستسلم رويدا للمجموعات المتشددة التي لم يألفها العراق، وكانت بوادرها قبيل العام 2003 حين أعدم صدام حسين عديد المتشددين، ووضع آخرين في السجن لكن الإنفلات الديني في العراق مابعد صدام جعل من المتدينين هم الحكام والحكماء والمتصدين لشؤون العامة يقررون مايشاوؤن حتى لو تعارضت قراراتهم مع القرآن والدين وتعاليم السماء، فسرعان مايروجون لفكرة إن مايقومون به هو من عند الله، وماعلى الناس إلا أن يستسلموا وينصاعوا بلا أدنى مقاومة، أو تساؤل.

الجماعات المتشددة القاسية تمكنت من مناطق السنة في العراق، لكن غالبية المواطنين السنة الرافضين للعنف والذين يحبون الحياة كانوا يستقبلون الإتهامات بالتواطئ، وكان عليهم أن يتحملوا جنون المتدينين الملتحين والقادمين من بلدان شتى، فتحالف الدينيين المحليين بالدينيين من الخارج مع بعض أجهزة المخابرات ترك الناس بلا حول ولا قوة، ولإنعدام التواصل مع المكون الآخر كانت القاعدة تتوغل عميقا يغذي وجودها رفض الإحتلال الأمريكي، وتصاعد ألسنة اللهب الطائفي فلم تكن تنحاز لكنها صارت تسكت مرغمة كارهة وقد تصفق لمنظر الدم مكرهة وهي تتلوى بالفجيعة وتبكي دما في الوجدان المكلوم.

في تلكم الفترة الصاخبة لم يكن ممكنا التكهن بإمكانية نهاية اللعبة الطائفية، وصار مراقبون يتحدثون عن بداية اللعبة لا نهايتها، البداية الصاخبة كان تحضر لمعركة مستمرة هادئة رغم وحشيتها، هدوؤها كان تعودا لطول الفترة الزمنية، فلم يكن الناس يتوقعون أن يعودوا الى حياتهم الطبيعية، فالخطايا يكمل بعضها البعض، ولم يكن المجتمع يملك إرادة التغيير، أو التسامح فهو لايمتلك القدرة على توجيه الأمور لصالحه، وكان عليه أن ينتظر القرار والرأي من شخصيات وجهات فاسدة، أو متطرفة، أو موغلة في القتل والدم والثأر والرغبة في الإنتقام، ورغم جهود المصالحة، إلا إنها لم تنجح فوجود تنظيم كالقاعدة الذي يبرع في إدارة التوحش لايترك المجال للسنة ولا للشيعة أن يتقربوا الى بعض، وكان يجيد لعبة إقتناص الفرص، فيفجر السيارات المفخخة، ويقتل بقسوة ويحرق الدور والزروع ويهجر الناس، ومع إستمرار الصراع، وفساد أجهزة الحكم، وصعود نجم السياسيين الفاشلين والمحرضين، مع رجال دين لايملكون الخبرة ويتسلحون بالفتاوي المحرفة، ثم إندفاع غير مسبوق لحركة داعش، أصبحنا في مواجهة مرحلة جديدة أكثر قتامة علينا التأقلم معها، وأن نكون ضحاياها وأدواتها، هي لعبة بالتأكيد وقد بدأت.

اللعبة بدأت للتو.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق