فهل ستتمكن الخلافات القائمة بين اقطاب الخليج العربي من وأد المقترح؟، الذي وصفته قطر بالمضحك المبكي في ذات الوقت، فكثيرا ما تحاول بعض الجهات الفاعلة من استثمار الأزمات لتحقيق المكاسب على المستوى السياسي، الى جانب إعادة القوة الاقتصادية للمنطقة التي تشتت بسبب تفرد السعودية بالقرارات المصيرية...

فرض تفشي فيروس كورونا وضعا جديدا على العالم، فبعد ان وقفت الرحلات الجوية، وانقطعت سلسلة استيراد المواد الغذائية، حذرت منظمة التجارة العالمية من الآثار السلبية التي من المتوقع ان تلحق بالشعوب ومن بينها دول المنطقة العربية.

الوضع الجديد يشير الى ان التداعيات ستستمر حتى وقت اطول، ما دفع بدولة الكويت الى الإعلان عن مبادرة إنشاء شبكة موحدة لأمن إمدادات الغذاء، بين دول مجلس التعاون الخليجي، التي تعتمد بنسبة تسعين بالمئة على استيراد موادها الغذائية، وهو ما حتم عليها إعادة التفكير مليا بهذه المسألة وتأمين الغذاء اللازم في الفترة القادمة.

المقترح الكويتي يتضمن إنشاء خطوط سريعة في مناطق الكمارك، لضمان انسيابية دخول المواد الغذائية، لكن من المخيف ان يحول اختلاف الرؤى السياسية بين الزعماء العرب دون تحقيقه، ويبقى مجرد احرف خطتها الأنامل في وقت عصيب وربما يزداد سوءً.

فهل ستتمكن الخلافات القائمة بين اقطاب الخليج العربي من وأد المقترح؟، الذي وصفته قطر بالمضحك المبكي في ذات الوقت، فكثيرا ما تحاول بعض الجهات الفاعلة من استثمار الأزمات لتحقيق المكاسب على المستوى السياسي، الى جانب إعادة القوة الاقتصادية للمنطقة التي تشتت بسبب تفرد السعودية بالقرارات المصيرية، وتمسكها بدور الزعامة للدول العربية.

الكويت من الأقطار التي تحرص وعلى مدار السنوات الماضية على لملمة الشمل، وتجسد هذا الدور هذه المرة في هذا المقترح الذي قال عنه البعض "جميل"، لكن لنعود قليلا الى الواقع العربي، وننظر الى الامور من زوايا مختلفة، وبعد ذلك نطلق التخمينات والتوقعات، فهل تتمكن دولة الأمارات العربية المتحدة من تصدير سلعة ما فائضة عن حاجتها، الى دولة قطر التي قد تكون بأمس الحاجة اليها؟، بالتأكيد هذه الأمنية او التوقع سيتبدد وتخور روحه وتذهب الى حيث تُركن الخلافات السياسية التي استعرت في حزيران عام ألفين وسبعة عشر، حيث أعلنت الإمارات والسعودية والبحرين ومصر قطع علاقتها الدبلوماسية والتبادل التجاري مع الدوحة وإغلاق كافة المنافذ الجوية والبرية معها.

المنطقة العربية فيها الكثير من الإمكانيات الاقتصادية، ما يجعل تحقيق الرؤية الكويتية امر ممكن التطبيق دون عناء، لكن يبقى المانع الوحيد هو عدم وجود الإرادة الحقيقة من بعض الدول، ويمكن ان تكون السعودية غير جادة في جعل الموضوع يتم بالشكل السليم.

المعارضة السعودية في حال بانت ملامحها في الأيام القادمة، تعود لجملة من العوامل، فهي تمتلك أراضي واسعة صالحة للزراعة، بما يؤمن حاجتها المحلية ويفيض عنها بكثير، بالإضافة الى امتلاكها عدد من الموانئ المطلة على البحر الأحمر، وبذلك ستكون الممر الذي تتدفق منه السلع والبضائع الى منطقة الخليج العربي، فهي اقرب ما تكون الأم الرؤوم لدول المنطقة.

يعول الكثير على هذه المبادرة ان تكون فاتحة خير وتذيب الخلافات ومن ثم تلاشيها من الواقع، ويبقى التعويل لم يتعدى حدود الأمنيات، اذ لا تزال قطر متمسكة ببعض البنود التي تراها السعودية من مفاتيح الحوار الناجح والمثمر فيما اذا تم التباحث حول المسائل العالقة.

لو أمعنا النظر في الامور القائمة نجدها تتجاوز حدود الأمن الغذائي والوحدة العربية وغيرها من الشعارات التي كثيرا ما تطرق مسامعنا، فهي تعتبر ضمن سياسة لوي الذراع التي اتبعتها الدول المقاطعة بزعامة المملكة العربية السعودية، لكنها قد لا تجدي نفعا طالما عملت قطر على تعزير موقفها في المنطقة.

فهي لم تُشهر جميع اوراقها، بل استخدمت ما يخدمها في المرحلة الحرجة، مستثمرة الخلافات الحادة بين بعض دول المنطقة ومن أهمها الخلاف الإيراني السعودي الذي تعود جذوره الى عقود خلت، هذا الصراع الدائم جعل من قطر تذهب صوب ايران لتعزز الكفة المعادية للسعودية.

ويبقى السؤال القائم هنا هو في حال بقي الاقتراح الكويتي قابع تحت ركام الخلافات السياسية، هل ستعتمد قطر على حلفاءها من غير العرب لتأمين قوت شعبها؟، وهل ستقدم السعودية بعض التنازلات لتضمن بذلك عودة الدوحة الى الحاضنة العربية، فالمنطقة لا تستغني عن احد أقطابها المؤثرة، لا سيما وان قطر أصبحت تضاهي الدول الكبرى في اقتصادها، اذ حققت الكثير من النجاحات في شتى المجالات.

فقطر تمكنت من الارتقاء بسلم الأمن الغذائي واحتلت المرتبة الثالثة عشر عالميا، بينما نجد السعودية تحمل التسلسل عشرين عالميا، ما يؤكد عدم حاجتها الفعلية لمجلس التعاون الخليجي، الذي يسعى لابراز مكانة السعودية وإعطاءها مكانة ربما اكبر مما تستحق.

وهذا التقدم الذي نلاحظه يجعل من فرصة العودة غير قابلة في الوقت الحالي، بمعنى ان في الوقت الذي تتوقع فيه الدول العربية إثارة الخوف لدى حكومة الدوحة ومن ثم التراجع عن موقفها، نجدها غير مهتمة لتلك المحاولات، كونها تتمتع بمكانة اقتصادية لا يمكن تغافلها وتأثير في المعادلة الدولية يصعب إخفاءه او التقليل من أهميته.

تتسم بعض المواقف بالثبات وعدم التغير على مر الأزمان، لكن وكما هو معروف لا ثبات في السياسة، المصالح فوق كل شيء، ولا توجد عداءات دائمة مثلها الصداقات قد تتكون بشكل غير متوقع، ومن هنا فمن الجائز حدوثه هو تهديم قصور الخلافات التي شُيدت بالسنوات الماضية، وإحلالها بأخرى تقوم على التفاهم والتعاضد من اجل الحفاظ على المكانة العربية والعيش تحت مظلة الإسلام.

هذا الأمر لم يتحقق مالم تكن هنالك نية صادقة من جميع أطراف الخلاف، وبعد هذا العمل على تنحية المشاكل الداخلية والتفرغ الى مواجهة الأخطار التي تحيط بالأمة العربية من كل جانب.

اضف تعليق