q
الازمة بين البلدين موجودة ولا يمكن اخفائها ويجب الحديث هنا عن امكانية المحافظة على هذا القدر من التوتر الذي نتج على خلفية العلمية التركية في شمال سوريا، ويأتي الى جانب قائمة الاسباب هو الاصرار التركي على ان تكون شريكة الاتحاد الاوربي دون انضمامها بشكل كامل...

مرة اخرى يتراشق الحليفان بحرب كلامية، كان سببها ارض عربية وتحديدا التدخل العسكري التركي في الشمال السوري، فتصريحات اوردغان قادت الى التوتر في العلاقة بين فرنسا وتركيا، وقد ادت تلك التصريحات الى مشهد غامض في طبيعة مجريات الاحداث القادمة.

التصريحات التي اطلقها الرئيس التركي رجب طيب اوردغان اعتبرتها فرنسا مهينة لرئيسها، الذي وصفه أردوغان بالميت دماغيا والمبتدئ الذي لا يعرف اساليب محاربة الإرهاب.

ما صرح به الرئيس التركي جاء ردا على انتقادات نظيره الفرنسي للعملية العسكرية التركية في الشمال السوري التي اعتبرها ماكرون هجوما مجنونا تنفذه أنقرة دون التنسيق مع الحلفاء الآخرين في الناتو وهو ما دفعه للقول إن هذا الحلف يعاني موتا اكلينيكيا في وقت تستعد فيه لندن لاستضافة زعماء الحلف.

تصريحات اوردغان يمكن ان تكون محاولة منه لاستعطاف الاطراف الحلفاء الآخرين في حلف شمال الاطلسي لصالحه ضد الرئيس الفرنسي، والسبب واضح لان الرئيس ماكرون دائما ما يطلق تصريحات تهاجم تركيا وفي مناسبات مختلفة سواء داخل الحلف الاطلسي او المجموعة الاوربية.

يصف البعض الرئيس الفرنسي بأنه يحمل قدر كاف من الحماقة، ولذلك ليس على تركيا ان تاخذ هذه التصريحات بجدية عالية وتبني عليها مواقف محددة تنع كس بشكل سلبي على السياسة الخارجية لتركيا.

لا ينكر ان الازمة بين البلدين موجودة ولا يمكن اخفائها ويجب الحديث هنا عن امكانية المحافظة على هذا القدر من التوتر الذي نتج على خلفية العلمية التركية في شمال سوريا، ويأتي الى جانب قائمة الاسباب هو الاصرار التركي على ان تكون شريكة الاتحاد الاوربي دون انضمامها بشكل كامل.

اما الانتقادات الفرنسية لم تكن موجهة فقط لتركيا بل وجهت لجميع دول حلف الشمال الاطلسي وهذا يعني ان امريكا ضمن تلك الدائرة، فلا يمكن ان تكون عملية تركيا في سوريا مالم يعطى الضوء الاخضر من قبل حكومة واشنطن، وبالتالي لا يمكن ان تتحمل تركيا وحدها هذه النتائج.

ربما يكون ماكرون قد تعمد لاثارة هذه الخلافات بين حلف الناتو وجعل من الهجوم على الرئيس التركي اول الغيث، وهنا لابد ان يتحمل هذه المسؤولية، لاسيما وان هنالك عدم قبول دولي ازاء هذا التصرف من قبل ميركل ورئيس الوزراء البريطاني جونسن تحديدا.

هذه الاجواء المشحونة بين تركيا وفرنسا وسبقها تصريح للرئيس الفرنسي حول عدم وضوح المزاجية الامريكية التي يصعب توقع ماذا تريد وبم تفكر في الوقت الحالي، فمن الممكن ان تكون هذه الخلافات تنبأ عن خلافات حقيقة في حلف الناتو الذي اصبح يعاني المرض وربما يحتضر في الايام القادمة.

فرنسا تعتقد ان لها ارث ليس في حلف شمال الاطلسي بل لها الحق ايضا في السيطرة على مستعمراتها بصورة عامة في الدول الافريقية ما يحتم على الجميع اعطائها المجال في توجيه سياسة حلف الشمال الاطلسي، ولكنها في ذات الوقت عليها ان تعي ان هذا العهد قد انتهى ولم تبدو الامور مثلما تتصور وتتمنى.

الخلاف الذي بانت ملامحه في الوقت ناتج من وجود قناعة لدى فرنسا ان من يتحكم برسم سياسة الحلف والمهيمن عليها بشكل كامل هي امريكا، وهذا بالتالي لا يروق لفرنسا التي تعتبر نفسها مهمشة الى حد ما في هذا الخصوص، فالديك الفرنسي يصيح ولكنه غير مؤثر في المشهد السياسي الدولي، مما ادى الى تأجيج او اتساع هذه الازمة بالتأكيد، فماكرون يريد القفز عن مكانه وان يخلق له مكانا آخر يعمل بموجبه بحرية اكبر وتأثير اكثر في العملية الدبلوماسية الاوربية.

ان ما يجعل اوردغان مسيطرا الى حد ما هو الدعم الامريكي له كون ترامب يرى في تركيا تغيير في بعض السياسات التي تصب بالنتيجة في مصلحة تحالف شمال الاطلسي الذي يعاني في الوقت المتأخر من بعض المشادات بين اعضاءه على سبيل المثال بين امريكا وتركيا من جهة وتركيا والاتحاد الغربي وعلى رأسه فرنسا من جهة اخرى.

حاجة الدول الاوربية لتركيا يحتم عليها الدخول بحوارات معها من اجل ضمها الى صفها او على الاقل ضمان عدم الوقوف بوجه رغباتها المتعددة، وهنا من المتوقع ان تستثمر تركيا هذه الحاجة لتحقيق مصالح معينة بالشكل الذي يعزز مكانتها الدولية وموقفها الساند لهم في مختلف التحركات والتوجهات.

الموقف الاوربي لايريد ان يكون هنالك عزل للموقف التركي وذلك لأهميتها في التخلص من الشوكة المغروسة في الخاصرة الغربية سوريا والدور الروسي فيها، فالجميع في الاتحاد الاوربي مرتاح بشكل كبير الى العلمية التي حصلت في الشمال السوري، اذ من الملاحظ وبشكل جلي ان الانتقادات ماهي الا تصريحات إعلامية لا ترقى لان تكون حقيقية.

رفع التصعيد من قبل اوردغان بوجه باريس ربما يكون نابع من ضمان المساندة الامريكية له، لذا نجدها شنت الهجوم على اجزاء من سوريا بذريعة حفظ امنها القومي وايقاف التهديدات من قبل وحدات حماية الشعب الكردية التي تصفها حكومة انقرة بالإرهابية.

فرنسا ومن خلال هذه التصريحات ربما تريد ان تجد لها موضع قدم في سوريا، ما يحتم على اوردغان سد الباب بوجه ماكرون وتقديم ما بوسعه لكي يمنع هذا المطلب من التحقق، ومن الطبيعي ان تكون هذه النتيجة طالما فرنسا نأت بنفسها عن ما يدور في منطقة الشرق الاوسط واصبحت بمثابة الصياد الذي يتحين الفرصة للظفر من فرسيته.

اضف تعليق