منذ عصور قد ابتلينا كشعوب وأوطان بالاستبداد المطلق والذي هو أسوأ وأحقر أشكال السياسة وأكثرها فتكاً بالشعوب والمجتمعات العربية المحكومة بالظلم والطغيان مما أدى إلى تراجع هائل في كافة إشكال الحياة ووجوهها ومرافقها، وأدى إلى تعطيل الطاقات والكفاءات وهدرها، وإلى سيادة السرقات وطغيان الفساد...

منذ عصور قد ابتلينا كشعوب وأوطان بالاستبداد المطلق والذي هو أسوأ وأحقر أشكال السياسة وأكثرها فتكاً بالشعوب والمجتمعات العربية المحكومة بالظلم والطغيان مما أدى إلى تراجع هائل في كافة إشكال الحياة ووجوهها ومرافقها، وأدى إلى تعطيل الطاقات والكفاءات وهدرها، وإلى سيادة السرقات وطغيان الفساد المشرعن والنفاق والرياء، ومجتمعاتنا والتي بمجملها كانت ولازالت خانعة ودائم عليها الخضوع والركوع للاستبداد وللأستعباد، والذي أضحى واقعا مترسخا فيه شعار "أن العدالة هي طريق التخلف والتأخر! وإن الظلم والاستبداد والاستعباد هم طريق البناء والتقدم!".

الاستبداد هو صفة للحكومة المطلقة العنان وللحكومات المزاجية التي لا يحكمها قانون، وحكوماتنا هي مثل ذلك وأسوء، ففيها ساد انحطاط بمجمل الحيوات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والروحية والأخلاقية، مما جعلنا كمواطنين فاقدين لحب أوطاننا لأنها غير عادلة ومستبدة ولا حق ولا آمن فيها ولا نشعر بالاستقرار فيها مطلقا إذ تم من حكامنا اغتيال مستقبلنا واستعبدونا تماما جراء سطوتهم فأضحينا نود متمنين لو سنحت لنا أية فرصة للانتقال والهجرة منه إلى أي مكان في الدنيا !! وفي بلادنا ما من دكتاتوري أو متسلط أو مستعبد أو مستبد سياسي إلا وأتخذ له صفة القدسية، غير ان الشعوب بصمتها وبتجرع عبوديتها هي التي منحت العجرفة للظلم المستبد وقوته عليها، وليصول بأبناء الشعب على بعضهم، وبهم على غيرهم يطول، والحكومات المستبدة هي كالتي مرت بنا فعشنا ونعيش معها، ولتكون مستبدة في كل فروعها وشؤونها.

عانينا كعرب في أوطاننا العربية ولعقود طويلة من كل إشكال ومظاهر الاستعباد السياسي والروحي الاجتماعي، واليوم نحن نعاني ولا زلنا وقد نبقى فيها نعاني، ولكن شكل معاناتنا قد يختلف هنا ويتشابه هناك، فالاستبعاد عن المشاركة السياسية، والحرمان من الموارد الاقتصادية، وعدم العدالة واللامساواة في توزيع فرص العيش على جميع أبناء المجتمع، تعد مؤشرات أيضا لوجود استعباد اجتماعي، هذا علاوة على الفقر والحرمان المادي، وإن الفقر يختلف عن الاستعباد وأن تشابه معه في بعض الوجوه، فهو قد يحصل لفئات كثيرة في المجتمع, وإن الاستعباد والحرمان الاقتصادي المتراكم، قد يكون هو أحد أهم أسباب الاحتجاجات الحالية في كلا من العراق ولبنان.

من المؤسف إن نبين حقيقة مرة وهي أن أكثر شعوب الأرض المعانية من التسلط والظلم والقهر والاستعباد ما هي إلا نحن الشعوب العربية، وتختلف هذه المظاهر بيننا من دولة لأخرى، فقد تقل هنا وتزيد هناك وتتشابه في أحيان كثيرة، ولكن مظاهر الاستعباد من إقصاء وإزاحة واجتثاث وتهجير تتنوع وتختلف وتتميز من حيث الممارسة والتطبيق والتمييز بين إفراد المجتمع، وغالباً ما تم وكان يتم على أسس طائفية ودينية وحزبية ومناطقية وانتمائية، وحتى لو تطرقنا عن وجود بعض مظاهر الاحتواء الاجتماعي قبيل مرحلة الفوضى الانية فقد كانت آلياتها وانواعها وحتى طريقة تطبيقاتها وتنفيذ ممارساتها وبكافة إشكالها استعباد تام واستبعاد اجتماعي حقيقي وغالباً ما كانت تجرى وتتم بشكل استبدادي وقهري، ولذا فليس غريبا إن ذكرنا إن الثقافات التي كانت منتشرة ومطبقة كانت بحقيقة أصولها قائمة ومتسمة بأنظمة القمع والاستبداد وسياسات الفقر والتجويع وعسكرة الناس وتجهيل المجتمعات، ولذلك فما هي إلا مؤشرات كبرى لمظاهر استراتيجيات الاستعباد السياسي والاجتماعي والتي نمت واتسعت تلقائيا بعد اجتياحها بالفوضى والنزق والإرهاب فتطورت من حيث النوع والكم وتطورت وسائلها وأساليبها وطرقها والتي أخطرها كان العمل على تحقيق مفهوم الاستعباد الشامل للوجود الإنساني العربي.

إن مظاهر الاستعباد تعددت وتنوعت ومست كافة فئات المجتمع وطبقاته وثقافاته وحتى أديانه ومذاهبه، فالفرد داخل الجماعة يعاني، والجماعة داخل المجتمع تعاني بمرارة وتعيش في عزلة تامة، والمجتمع أصبح عبارة عن طوائف وأعراق وإثنيات متنافرة ومتنازعة ومتقاتلة من أجل الحصول على بعض البعض من المكاسب التافهة والبسيطة للمحاولة في تحقيق مصالحها الضيقة وعلى حساب الإطراف الأخرى، مما أدى لان يكون كله يعاني من كله!.

ومع كل تكفيرنا للغرب ونقدنا المتواصل لدوله واتهاماتنا التي لا تنقطع بأنه يخط ويرسم ويصيغ ويصنع المؤامرات لحكوماتنا ودولنا غير إننا إن حاولنا رصد الحكومات الغربية واستراتيجياتها وآلياتها لمحاربة الاستعباد والتقليل من وطأة أعراضه، لوجدنا جهودها متمثلة وبارزة في نتاج _دولة الرفاه_ و _الطريق الثالث_ كنموذجين يجمعان بين آليتين أساسيتين في تنمية الموارد البشرية ومحق كل استعباد وتفعيل المجتمع المدني وترشيد رأس المال الاجتماعي, بيد أنه وفي دولنا ومجتمعاتنا العربية لم تقم أية استراتيجيات ولا حتى أية محاولات لاقتفاء أثر تلك النماذج أو غيرها من التجارب الكثيرة لمكافحة الاستعباد السياسي ولا حتى الإقلال منه اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا حتى روحيا!.

فهل إن تساؤلنا ألان عن فشلنا بذلك سنعود به لشماعة الاختلافات البنيوية والتي سندعي أنها أنتجت وبرزت نتيجة للسياقات التاريخية والثقافية المفارقة للتجربة الاجتماعية الغربية وللمجال الحضاري الذي صدرت منه أصول وأخطاء والبنيان الأعوج لنا ولمجتمعاتنا العربية وبسببيته العوراء تم صنع حاضرنا الأغبر بطبيعته المتردية لتترجم عبره وبقرف حالتنا الاستعبادية السابقة والراهنة ولربما حتى المقبلة!.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق