ليس بمستغربٍ أن يخيّم فوق رأسي القول لمن تشتكي حبة القمح إذا كان القاضي دجاجة، وأنا أهمُّ بكتابة مقالتي هذه، ففي شتى بقاع العالم يتوافر جهات معنية بكشف ما هو مرتكز على الوهم أو الحقيقة والأمر في تلك البلدان لا يحتاج أكثر من طلب تحقق...

ليس بمستغربٍ أن يخيّم فوق رأسي القول “لمن تشتكي حبة القمح إذا كان القاضي دجاجة؟!، وأنا أهمُّ بكتابة مقالتي هذه! ففي شتى بقاع العالم يتوافر جهات معنية بكشف ما هو مرتكز على الوهم أو الحقيقة.. والأمر في تلك البلدان لا يحتاج أكثر من طلب تحقق وضغطة زر من الكمبيوتر لكن في أرضنا يلتبس الأمر صعوبةٍ ما، أقول “صعوبة ما” ولم أقل مستحيلاً أو مدعاة للخيبة أو يؤدي إلى لوثة عقلية!.

فالوقوع في أمرٍ مبلبلٍ بين كونه حقيقة من عدمه يرمينا في متاهات التحري والتحرك اللولبي بين أروقة الجهات الأمنية وتلك المتخصصة بتسجيل الشركات، وقد تفلح هذه المساعي وقد لا تفلح، ولعلَّ الأهم من ذلك كلّه توافر حماية كبيرة لدعم الباحث عن الحقيقة فيما لو تعرض لتهديدٍ، فليس ببعيدٍ أن تكون هذ “الشركة أو الشركات” وهمية، بل تابعة لأحد الساسة والمتنفذين في البلد! ولنعيد ترتيب حروفنا ونزيل الضبابية من ذهن القارئ، يتواجد في بغداد حالياً شركات للاستثمار والتطوير العقاري، تقتنص زبائنها من المولات، إذ اختيرت شابة وشاب بعناية للقيام بهذه المهمة، وحالماً يريان زوجة وزوج يهرولان إليهما عارضين مشروعهما، وهو منحهما فرصة للسفر المجاني لتركيا لأيامٍ بعد ملء استمارة مقابل 25 ألف دينار فقط، قابل للاسترداد بعد اتصال من الشركة المعنية!.

ويبدو الأمر مغرياً جداً: 25 ألفاً مقابل سفرة مجانية؛ لذا سيجازف بها الأغلبية طمعاً في هذه الرحلة التي لن تكون أبداً! وبعد مدة من الزمن سيرن هاتف الزوج؛ ليسمع صوتاً أنثوياً رخيماً يطالبه بالحضور للشركة لملء استمارة السفر واستلام ال 25 ألفاً؛ مع الاعتذار عن التأخير في الاتصال.

امانة الشركة

فالمبلغ يعدّ وديعة لدى الشركة، ولترسيخ مبدأ أمانة الشركة ومصداقيتها سيستردها الزوجان! وممَّا لا يقبل الشكّ سيهرول الزوجان للشركة تدفعهما الرغبة المحمومة لرحلة مجانية، فالغالبية تروم السفر هرباً من حياة مثقلة بأعباء لا عدّ لها ولا حصر! وبوصول الزوجين اللذين يظنان نفسيهما أنهما محظوظان بزيارتهما “للمول” في تلك الساعة المباركة؛ لحصولهما على هذا العرض الذي يعدّانه نعمة وهبة من الله عليهما تقديراً لصبرهما الجميل في هذه الحياة الشاقة، سيكون في استقبالهما عرب من دولتي مصر ولبنان فضلاً عن عراقيين، وللضيافة بنغال، سينتظران مع غيرهما من العوائل (الواقعة في الفخ) في قاعة مكيفة مهيأة بها شاشة لعرض المنتجع السياحي الذي سيقيمون فيه!.

سيبدو الجالسون ثابتين كالجماد وكأن على رؤوسهم الطير، بالطبع ليس بسبب جودة المكيفات وبرودة القاعة وعدم انقطاع الكهرباء، بل ذهولاً ودهشة من المنتجع السياحي الذي سيقيمون فيه والطبيعة الخلابة المحيطة به من جبال وبحيرات، وما يتضمن من فنادق ومسابح داخلية وحمامات للمياه المعدنية ومراكز مساجٍ وقاعات رياضة. أما أثاث الغرف فكلمة فاخرة قليلة بحقّه ولا تفي وصفه.. وعند إنارة القاعة ستبوح حدقات عيونهم المتسعة بكلّ شيء؛ لذا سيجلس عند طاولة كلّ زوجين أحد المكلفين للترغيب بشراء أسهم في هذا المنتجع بعد بيان مواصفاته السياحية، زاعمين أن هذا لا يضرّ بالسفرة المجانية الهدية من الشركة! سيفردون حديثهم عن الجانب البراق من الصفقة، وأن مبلغ الشراء يكون بالتقسيط المريح وعلى وفق الاستطاعة، وحال تسديد الدفعات الأولى سيكون بإمكان المشتري السفر إلى (ملكه).. وسيبقى هذا العقار (له) مدى العمر ويمكن بيعه متى شاء بمجرد إخبار الشركة باتصال هاتفي! ولأن الخطة مدروسة فليس أمام الزوج مهلة للتفكير، فالعرض آني وإلا ستفوت الفرصة للأبد! لذا جلّ الحاضرين ستمضي العقد؛ لأنه مغرٍ، لكن سرعان ما يقع هؤلاء في مستنقع الندم بعد انتهاء الصدمة واستجلاء الأمور وقراءة العقد بتمعن، فهذه الشركة كما مكتوب بالعقد: هي شركة تسويق وبيع حصص عقارية على الشيوع.

امتلاك ارض

فالشركة تمتلك كامل الأرض والبناء عليها منشأة فندقية ومنتجع، وتشتمل المنشأة على وحدات بغرض الانتفاع بها بنظام امتلاك الحصص العقارية على المشاع ونظام السفر العقاري، ويحدد عدد الأشخاص والغرف التي يراد الانتفاع بها. والأمر المقلق أيضاً أن على الموقعين دفع رسوم صيانة الغرف سنوياً، وهي رسوم مختلفة تبعاً لعدد الأشخاص المنتفعين من الغرف، فالغرفة لعددين هي 155 دولار سنويًا، لا بل يحق للشركة تعديل الأسعار والخصومات سنوياً حسب الظروف الاقتصادية، وينبغي سداد مقدم العقد كاملاً وعدم وجود أي متأخرات مالية، وسداد الصيانة السنوية والحجز قبل فترة لا تقل عن 30 يوماً، وهذا يكون بعد جهد جهيد ومتابعة متواصلة.. سيدرك الموقعون أن بيع وحداتهم كذبة، فحالما يروم المشتري بيع وحدته للتخلص من هذه الصفقة، سيواجه بمماطلة وأجوبة ما أنزل الله بها من سلطان مثلاً: “جد أنت المشتري” أو “انتظر انتهاء بيع وحدات الشركة ثمَّ نبيع وحدتك”.. أو “سنكلم الشركة في تركيا لنرى الاجراءات” وبعد مضي فترة لن يتمكن الراغب باسترداد ماله من الاتصال بهم هاتفياً، وإذا ما زار مقرهم لحسم الأمر، فسيصبح كالكرة يتقاذفها المدير الصباحي إلى المسائي، وهذا إلى التنفيذي، وذلك إلى المصري المسافر والأخير إلى اللبناني في تركيا وهكذا!

وهو مسعى لدفع الزبون النادم بتورطه بصفقة خاسرة للملل والتراجع عن قراره، وغالباً ما يترك هؤلاء الصفقة في وسط الطريق دون استلام المبالغ التي دفعوها! الأمر باختصار شديد فيما لو كان حقيقة هو استثمار عقاري: هو امتلاك مدة محددة (أسبوع أو أكثر) سنوياً من غرفة أو أكثر من فندق في منتجع سياحي، وسيدفع ثمنه مقدماً وثمن صيانته طوال عمره! ولا يختلف اثنان أن تأجير فندق في كل سفرة أفضل بكثير من هذه السخرية، أكرر فيما لو كانت حقيقة، فكيف بالأمر إذا كان نصباً واحتيالاً؟!

ما يتبادر إلى الذهن الآن: ما مدى مصداقية هذا الشركات؟ هل هي حقيقة أم مشروع للنصب والاحتيال؟

مَنْ يحسم أمر بقائها في العراق؟

لصالح مَنْ تهرب أموال العراق بحجة الاستثمار مقابل انخفاض رهيب في سعر الأراضي والعقار في العراق؟

الآن أكرر قولي “لمن تشتكي حبة القمح…”؟!

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق