تكرر مني القول ان اية عملية اصلاحية يجب ان تنطلق من رؤية فكرية او نظرية محددة. ويخطيء من يظن ان الامر لا يحتاج الى نظرية. كل التحولات الاصلاحية والتغييرية الكبرى في التاريخ سبقتها افكار طرحها اشخاص انشغلوا بما ينبغي ان يكون ولم يغرقوا في ما هو كائن...

تكرر مني القول ان اية عملية اصلاحية يجب ان تنطلق من رؤية فكرية او نظرية محددة. ويخطيء من يظن ان الامر لا يحتاج الى نظرية. كل التحولات الاصلاحية والتغييرية الكبرى في التاريخ سبقتها افكار طرحها اشخاص انشغلوا بما ينبغي ان يكون ولم يغرقوا في ما هو كائن.

واليوم ونحن نستشعر المعاناة بسبب الاحوال الصعبة التي يمر بها اهلنا وبلدنا ندرك الحاجة الى فكر متنور ونظرية مستوعبة ومنهج علمي من اجل اخراج البلاد والعباد مما هم فيه، وصولا الى حياة افضل، ووضع احسن.

تتحرك عجلة الاصلاح واعادة البناء والاعمار في ثلاث دوائر او عوالم هي:

اولا، الاصلاح في عالم الاشياء

ثانيا، الاصلاح في عالم الاشخاص

ثالثا، الاصلاح في عالم الافكار

ومن اراد ان ينجح فعليه ان يولي كل عالم من هذه العوالم ما يستحقه من جهد واهتمام بدون تغليب عالم على اخر، او اهمال عالم لصالح اخر.

عالم الاشياء يشمل المفردات المادية في الاصلاح مثل المباني المدرسية، واثاثها ومستلزماتها، والمستشفيات وتجهيزاتها وطرق المواصلات، و غير ذلك.

اما عالم الاشخاص فيشمل النازحين والمهاجرين والمخطوفين وغيرهم مما ينبغي اعادتهم الى منازلهم التي خربها داعش في فترة سيطرته على مناطق من العراق. ويشمل كذلك المسؤولين الفاشلين او الفاسدين الذين ينبغي استبدالهم بمن هم افضل منهم.

ويبقى عالم الافكار الذي يشمل الرؤى والقيم التي يتم بناء الانسان على اساسها ووضع الخطط بموجبها وغير ذلك.

اذا شبهنا المجتمع بانه مثل جهاز الكومبيوتر فان عالم الاشياء يمثل ال hardware في المجتمع، فيما يمثل عالم الافكار ال software ويبقى عالم الاشخاص الذي يمثل الانسان الذي يستخدم الكومبيوتر. كذلك الامر في المجتمع. نحتاج الامور الثلاثة بشكل متضامن مع اعطاء الاولوية للانسان الذي سيقوم باستخدام الاجهزة.

نتذكر هنا ان الانسان هو محور #المركب_الحضاري المؤلف من خمسة عناصر هي: الانسان، الزمان، الطبيعة، العلم واخيرا العمل.

وبالتأمل بهذه العناصر سوف نلاحظ انها تتألف من طرفين اساسيين هما الانسان والطبيعة، ويربط بينهما (١) حركة الانسان (اي عمله) في اطار (٢) زمن معطى و(٣) علم محصل.

واذاً، فمن خلال حركة الانسان في الطبيعة على اساس العلم والاستخدام الامثل للزمن يتحقق البناء والاعمار والاصلاح.

دعوات الاصلاح ومحاربة الفساد التي انطلقت في السنوات القليلة الماضية كانت تنظر للامر بعين واحدة (عالم الاشخاص) ركزت على استبدال بعض الوزراء الموجودين. والاتيان بوزراء يحملون وصف "التكنوقراط المستقل". ماذا كانت النتيجة؟ لا شيء. والسبب ان هذه الدعوات الاصلاحية لم تنطلق من رؤية شاملة تغطي العوالم الثلاثة: عالم الاشياء وعالم الاشخاص وعالم الافكار.

في سياق تحليله لفكرة العوالم الثلاثة، بيّن المفكر الجزائري مالك بن نبي ان هذه العوالم تمثل نضجا وتطورا وتدرجا في السلم الحضاري. ففي البداية يكون الانسان محبوسا في عالم الاشياء، فاذا تطور درجة انتقل الى عالم الاشخاص، واذا حقق درجة اعلى انتقل الى عالم الافكار. الانسان المكتمل النضج الحضاري ينظر الى عالمي الاشياء والاشخاص من خلال عالم الافكار، والعكس بالعكس. الانسان البدائي ينظر الى عالم الافكار من خلال عالم الاشياء والاشخاص، فيبحث عن فائدة مادية من وراء الفكرة، او ينشغل بالشخص قبل النظر الى ما طرحه من فكره.

اين يقف مجتمعنا؟

يبدو انه مازال يراوح بين عالمي الاشياء والاشخاص، ولم يدخل عالم الافكار الا من اوتي حظا عظيما. وهذه مهمة المثقفين والكتاب والاعلاميين في جهدهم لبناء نظام القيم الحضارية.

.........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق