خلال التظاهرات الاخيرة في مدينة البصرة رفع احد المواطنين لوحة مكتوبٌ عليها (تطالبني بالتظاهر كمواطن أوربي وانت تعاملني كمواطن صومالي)، ومعنى ذلك انه يلقي باللوم على الأوساط الحكومية ويحملها اية تصرفات تخرج عن السياق أو اللياقة العامة، وهنا يضع الكرة في ملعب صناع القرار وبالتالي...

خلال التظاهرات الاخيرة في مدينة البصرة رفع احد المواطنين لوحة مكتوبٌ عليها (تطالبني بالتظاهر كمواطن أوربي وانت تعاملني كمواطن صومالي)، ومعنى ذلك انه يلقي باللوم على الأوساط الحكومية ويحملها اية تصرفات تخرج عن السياق أو اللياقة العامة، وهنا يضع الكرة في ملعب صناع القرار وبالتالي عليهم تحمل تبعات ذلك.

وبالرغم من الرفض القاطع للاعتداء على المؤسسات العامة والخاصة او القنصليات او المقرات، فانه في الوقت نفسه لا ينبغي للقوات الأمنية والعسكرية أن تلجأ لإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين إلا عند الضرورة وفي حالات خاصة ومعروفة لا تتعدى حالة الدفاع عن النفس، فهذه الأحداث تضعنا في صورة الفجوة الثقافية و القصور المعرفي لدى كثيراً من الفئات الشعبية إلى جنباً إلى جنب مع سوء إدارة الأزمات من قبل صناع القرار العراقي في اختيار الكيفية المثالية لمواجهة التظاهرات أو إحداث الشغب التي تخللتها، ولإزالة اللغط والخلط في اختيار طريقة الاحتجاج فالدستور العراق كان واضحاً في المادة (38) على ان تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب:

اولاً:ـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، ثانياً:ـ حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر، ثالثاً:ـ حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.

وهو نص صريح يكفل حرية الراي والتظاهر بشرط بقائها في اطار السلمية، على ان تأخذ موافقة وزارة الداخلية عند القيام بأية تظاهرات والاجراء هنا هو لإخطار او اخبار السلطات المختصة بمكان وموعد التجمهر الا ان البعض ذهب لاعتبار هذا الاجراء هو مجرد اشعار السلطات وليس اخذ الموافقة بخروج التظاهرة من عدمه بعكس ما تروج له السلطات المختصة بضرورة تقديم طلب لأخذ رخصة الخروج.

وخلافاً للأعراف المتعارف عليها دولياً، فقد ساد اعتقاد لدى الاوساط الشعبية ((بأن اية تظاهرة لا يتم الاستجابة لها دون ان يتخللها احداث عنف كحرق مؤسسة او سقوط ضحايا او التصادم مع الامن)) وهذا الامر لم يكن اعتباطياً بالرغم من خطورته، ففي السياق العام وكما هو حال الانظمة الديمقراطية توجد مراحل للاحتجاج تتصاعد تدريجياً، وهنا الحديث عن المشاكل العامة والتظاهرات الكبرى التي غالباً ما تبدأ بالتجمهر الشعبي ورفع الشعارات ثم يليها الاعتصام ثم الاضراب وصولاً للعصيان المدني مالم يتم الاستجابة لتلك المطالبات او التفاوض من أجل تلبيتها سواء كلياً او جزئياً او ربما تأجيلها.

والامر يتطلب حنكة وحكمة القادة باختيار آلية الرد حتى وان كانت خارج امكانية الدولة، وعلى هذا الاساس وقياساً بالتظاهرات الاخيرة التي لا تتعدى كونها حقوقاً ولا تصل حتى للمطالب مع ذلك كان يفترض بصناع القرار احاطة الموضوع منذ بدايته وتجنب التصعيد، وهنا الحديث يعيدنا لأصل الموضوع فصانع القرار بات لا يُصغي للمطالب والاحتجاجات السلمية ويأخذ طابع الاسهاب او التسويف دون حصول مؤثر كبير يقلب المعادلة حتى يستشعر المسؤول الخطر ويبدأ البحث عن حلول، وهو مؤشر خطير بعد قرابة الخمسة عشر عاماً من التغيير لا يدرك صانع القرار او لا يحسن ادارة الازمات، والامر يمتد حتى للقوات الامنية التي غالباً ما تبقى في حيرة من امرها حول طريقة امتصاص غضب المحتجون والكيفية التي يتعامل معها عنصر الامن، لذلك غالباً ما يحصل الاحتكاك واطلاق الرصاص الحي بالضد من المتظاهرين في محاولة لتفريقهم او ابعادهم عن مؤسسات الدولة.

وسيادة هذه الثقافة سواء لدى المسؤول او المواطن البسيط تعود لمسببات عدة ومنها التالي:

1- حداثة التجربة: بالرغم من مرور قرابة الـ15 عاماً على التغيير السياسي في العراق الا ان التجربة لاتزال في طور النمو وفي مرحلة الانتقال الديمقراطي دون الوصول للتحول او تعزيز الديمقراطية.

2- اغلب التظاهرات اما تتبع لجهة سياسية او موجهة من قبلها او تستغل سياسياً وبالتالي يدخل عامل التنافس والصراع السياسي في توظيف اهدافها.

3- السلوك غير المنضبط من قبل بعض المتظاهرين في طريقة التعبير عن آرائهم عبر تصور مؤسسات الدولة ملك لأشخاص مسؤولين وليست ملكاً عاماً وبالتالي يشرعن حرقها.

4- الطابع العشائري وثقافة العنف وغياب تطبيق القانون واستشراء الفساد والمحسوبية والمنسوبية والبطالة تعد من المؤثرات في مستوى ثقافة الاحتجاج والتعبير.

5- التسويف والمماطلة من لدن صانع القرار واللعب على الوقت في الاستجابة لمطالب المتظاهرين حتى وان كانت بسيطة.

6- اختراق اغلب المظاهرات من قبل ما يعرف بالمندسين في محاولة لتحريف مسارها.

7- ضعف خبرة القوات الامنية في استخدام الطريقة الامثل للتعامل مع المتظاهرين وهو ما يفسر كثرة الحوادث والخروقات خلال التظاهرات وسقوط ضحايا من قبل الطريفين.

لذلك على الحكومة القادمة اجراء مراجعة شاملة لمجمل الاخطاء والوقوف على المسببات لا سيما وان اغلب المطالب ذات طابع خدمي ومتشابه في غالبية المحافظات، وهذا يسهل من تنفيذها في حال توافرت النية الصادقة لذلك والعمل على مكافحة الفساد وازالة الترهل وتقليل الروتين وصرف المخصصات لمستحقيها والابتعاد عن المنافع الحزبية والعمل بمبدأ الوطنية، وايجاد قوة خاصة مهمتها التعامل مع التظاهرات والازمات بالطرق الحديثة بعيداً عن العنف، ويبقى الامل معلقاً في انتظار الحكومة الجديدة.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2018
www.fcdrs.com

اضف تعليق