q
إسلاميات - اهل البيت

سلام على غائب

أولست آخر الأوصياء الذين ينُزل بهم الغيث، ويُدفع بهم الشرور، ويُستجاب بهم الدعاء، فنعتهم جدك المصطفى صلى الله عليه وآله بقوله: الأوصياء مني بهم تُنصر أُمتي، وبهم يمطرون، وبهم يدفع الله عنهم، وبهم استجاب دعاءهم؟!!. أولست الحصن الحصين لأهل الأرض من البلاء، وأنت القائل بلسانك: أنا أمان لأهل الأرض...

ساعات قلائل، ويعم سديم الليل أصقاع الأرض، يجمله قمر أكتمل بدره، وكوكب أشرق ضيائه.. أنه الأمل الذي شغفت أبصارنا لرؤيته، والغائب الذي تلهفت أرواحنا إلى لقائه.

الكل يعيش لحظات وجل وقلق.. فإنسان يتوقى وباء، وفقير يخاف جوع.. وكاد ينتظر رزق.. ومريض يـتأمل شفاء، ومحتضر يرتقب موت...

ماذا لو تركنا كل متاعنا، وتعلقنا بحبل نوره الوضاء.. كي يُوصل دعواتنا إلى عنان السماء...؟

ما المانع أن نقف على بابه هذه الليلة فنندبه بألسن صادقة، وقلوب منكسرة، وبدموع منهمرة، وبحسرات عميقة؟.

نناجيه بلغة الخائف المستجير، والجائع الفقير كما خاطب أبناء يعقوب أخيهم يوسف عليه السلام: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ}.

سيدي!!... لا نملك بضاعة نقدمها بين يديك، أو حجة تشفع لنا لديك، أما أيدينا ملوثة بالحرام والشبهات، وألسننا موبوءة بالغيبة والبهتان، وقلوبنا سقيمة بالحقد والضغينة، وظهورنا مثقلة بالآثام والجريمة.. يا لها من صفات أدمت قلبك... وتقصير بخس حقك.

لكن.. مهلاً سيدي لا تتركنا.. سنذكرك، ولست محتاجاً للتذكير بما خطه نور كلماتك للشيخ المفيد: إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولو لا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء، وأليس هذا وعدك لنا... يَابْنَ الأَطايِبِ المُطَهَّرِينَ؟!!.

أيعقل... يَابْنَ النِّعَمِ السَّابِغاتِ أن يكون عطف يوسف عليه السلام على أخوته أكثر من حنانك علينا.. وكرمه على سلالة أبيه أفضل من جودك على مواليك.. ونحن من نرتجيك؟!!.

أولست من ملاك الكهف المنيع الذي يلتجأ إليه العباد في كل حين، ومصداق لما قاله أبوك المقدام عليه السلام: نحن كهف لمن التجأ إلينا، ونور لمن استضاء بنا، وعصمة لمن اعتصم بنا؟!!.

أولست وأجدادك المبتدأ بكم إلى اللَّهَ، والموحد له القابل بقولكم، وقاصد القرب منه المتوجه بكم!!.

أنت الوحيد القادر على رفع دعواتنا إلى عنان السماء، كما قال جدك باقر العلوم عليه السلام: من دعا الله بنا أفلح، ومن دعاه بغيرنا هلك واستهلك؟!!.

أولست آخر الأوصياء الذين ينُزل بهم الغيث، ويُدفع بهم الشرور، ويُستجاب بهم الدعاء، فنعتهم جدك المصطفى صلى الله عليه وآله بقوله: الأوصياء مني بهم تُنصر أُمتي، وبهم يمطرون، وبهم يدفع الله عنهم، وبهم استجاب دعاءهم؟!!.

أولست الحصن الحصين لأهل الأرض من البلاء، وأنت القائل بلسانك: أنا أمان لأهل الأرض، وبي يدفع الله البلاء عن أهلي وشيعتي؟!!.

أما والله... أنت الماء الزلال الذي يروي الظمآن.. وحضن الأم الذي يشتاق لكنفه الرضعان.

أنت والله... الملاذ الأوحد الذي يحمي الكون من تقلبات الأزمان، ونور الله الذي يستضاء به في عتمة الأسحار.

ياسليل أبو الأيامى والأيتام.. أنت كهفنا الذي نتلجأ إليه في الكربات، وأنت أرأف بنا من شفقة الآباء وحنان الأمهات.

عذراً... فقد غفلنا عن حبك، ولهتنا الدنيا عن ذكرك، وألهتنا ملذاتها عن ندبك.

ليس لنا حيلة إلا أن نتوسل إليك بدموع سالت صدقاً على جدك الحسين عليه السلام.. ورجلين خطت في طريق زيارة الذبيح.

نقسم عليك.. بعينيك الباكيتين عليه بالدماء.. وبقلبك المفجوع عليه في شفق الصباح وعتمة الأسحار... إلا نظرت إلينا بنظرة حانية... يَابْنَ الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ.

أتعلم.. أن الطرق تقطعت بنا.. وكل الوسائل تعطلت حولنا.. ولم يبق إلا سبيلك لعلنا نحظى بالظفر، ويتصل يومنا بالفرج.

أتعلم؟.. وأنت العارف... كيف عَظُمَ الْبَلاءُ بذنوبنا، وَبَرِحَ الْخَفاءُ بصنيعنا، وَانْكَشَفَ الْغِطاءُ بجورنا، وَانْقَطَعَ الرَّجاءُ بقبحنا ؛ وَضاقَتِ الاْرْضُ بفحشنا، وَمُنِعَتِ السَّماءُ بظلمنا.

مهلاً سيدي... لم لانسمع لك نجْوى، وبأي نوى ننتظرك، وأي ثرى نشم منها عطرك؟!!.

أتعرف؟.. وأنت أعرف.. ملايين البشر يريدون رؤيتك في ليلة مولدك.. ففي أي أرض استقريت.. أو بأي رضوى وطأت بها قدميك؟!!.

لا نتعب أنفسنا بالبحث عنك في أصقاعها.. أما والله وعين اليقين أنت بليلتك بجانب ضريح جدك الذبيح.. وتنعاه بقلبك الحزين.

مع كل ذلك.. سنتعلق بجلبابك متوسلين... ونندبك والهين....... كي تكفينا البلاء وتنفس عنا الكربات.. فلا تردنا عن بابك خائبين...... يا بقية الباقين.

نلتمس العذر من أي إنسان أخطأنا في حقه بزلة لسان أو فعل بالجوارح والجوانح.. فالمعذرة من كل الأنام في كل مكان، وقبول العذر من شيم الكرام، ونسألكم الدعاء في ظلمة الأسحار.

اضف تعليق