q
إن التنمية لا تعتمد على التقدم الاقتصادي فقط، بل تركز على التعامل مع الانسان كمحور لأي مبادرة تنموية ومما لا شك فيه أن العالم يمر بمرحلة تغيرات سريعة، ولعل التنمية أبرز القضايا التي اهتمت بها الدول وظهرت إلى حيز الوجود، إذ وضعت الحكومات لنفسها خططه، وبرامج تنموية تتفق وفلسفاتها الاجتماعية...
بقلم: د. محمد صباح علي

تمهيد:

إن التنمية لا تعتمد على التقدم الاقتصادي فقط، بل تركز على التعامل مع الانسان كمحور لأي مبادرة تنموية ومما لا شك فيه أن العالم يمر بمرحلة تغيرات سريعة، ولعل التنمية أبرز القضايا التي أهتمت بها الدول وظهرت إلى حيز الوجود، إذ وضعت الحكومات لنفسها خططه، وبرامج تنموية تتفق وفلسفاتها الاجتماعية، واتجاهاتها الايدلوجية، وثقافتها الوطنية؛ من أجل القضاء على التخلف ورفع مستوى المعيشة، وزيادة انتاجية الفرد في المجتمع.

وبما أن جوانب التنمية تتعدد وتتسع لتشمل النظام المجتمعي بأسره بكل ما يتضمنه من نظم فرعية مثل الجانب (الاجتماعي، والسياسي والاقتصادي، والثقافي، والاتصالي)، فإن مسؤولية وسائل الاتصال في أي مجتمع كبيرة جدا، خاصة إذ كانت تمتلك من الإمكانات، والأساليب، ما يجعلها تؤثر في محيطها بفعالية واضحة إذ يؤدي الإعلام والعلاقات العامة في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية أدواره مهمة ومؤثرة في عمل الأفراد والمجتمعات.

ويبحث العلاقة القائمة مع العلوم الأخرى، ومنها علوم الاجتماع، السياسية، الاقتصاد، والإدارة)، الأمر الذي حفز الباحث إلى محاولة البحث في هذه العلاقة القائمة ما بين العلاقات العامة ودورها في تنمية رأس المال الاجتماعي في المؤسسات الحكومية، وكذلك ابراز الدور الوظيفي التنموي للعلاقات العامة في المؤسسات الحكومية ويكون دور العلاقات العامة في تنمية رأس المال الاجتماعي عن طريق الأنشطة الاتصالية التي تقوم بها في المؤسسات الحكومية، وان استخدام مفهوم رأس المال الاجتماعي (SocialCapital) لوصف ذلك الجوهر غير الملموس الذي يساوي الكثير في الحياة اليومية للأفراد.

اذ اهتمت البحوث العلمية بالعلاقات الاجتماعية ما بين أولئك الذين يكونون الوحدة الاجتماعية داخل المجتمع، وكذلك استخدم المفهوم من منظمة البنك الدولي بكونه فكرة تنظيمية مفيدة تبين التماسك الاجتماعي مهمة وحاسمة في ازدهار المجتمعات. ويتمثل رأس المال الاجتماعي بتلك العلاقات الاجتماعية التي تساعد الأفراد على التعاون والتعامل فيه بينهم بفاعلية أكثر مما لو كانوا أفراد، كل على انفراد.

أولا: مفهوم العلاقات العامة

هناك مفاهيم كثيرة تعطى للعلاقات العامة، فبعضهم يتصور إنها مرادفة لكلمة الإعلام أو الإعلان أو الترويج أو الدعاية، وبعضهم يلبسها ثوبا فضفاضا كأنها تشمل النشاط الإنساني ذلك إلى كل فرد يلونها بوجهة نظره التي تكشف عن خبرته الشخصية وغالبا ما تكون هذه الخبرة محدودة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نشاط العلاقات العامة في المجال العملي يختلف كثير عن مفهوم العلاقات العامة من الوجهة النظرية، والسبب في عدم فهم الكثيرين لمفهوم العلاقات العامة هو عدم تقبلهم لفكرة العلاقات العامة كجهاز يسهل الإجراءات.

ويعمل على تحقيق الرفاهية لجميع افراد المجتمع ومؤسساته أو أيهما معا، وهذا ما لاحظه أثناء تواجده في الوزارات العراقية، إذ يعدون العلاقات العامة جانب مختصر على التشريفات أو المراسم أو الاستعلامات، وهذه النظرة سائدة حتى في البلدان العربية، ولم تتغير إذ كانت سائدة في السبعينيات كما اشار اليها الكاتب المصري حسن محمد كتابه اصول العلاقات العامة من الناحيتين النظرية والعملية عام 1977، والان نحن في عام 2016 والنظرة كما هي لم تتغير وبحاجة إلى معالجة من الباحثين.

لكن تطورت العلاقات العامة كمفهوم اتصالي واداري وفلسفة للعلاقات الاجتماعية، وقد حدث هذا التطور نتيجة المتطلبات الاجتماعية الحديثة، والقوة المتزايدة للراي العام وزيادة الفهم والدوافع لدى الأفراد والجماعات والمؤسسات، اذ أصبح کسب وتأييد وتعاون وثقة الاخرين عن طريق الاقناع جزء لا يتجزأ من العمل اليومي لإدارة الحكومات والمؤسسات في أي نوع من انواع النشاط في المؤسسات العامة والخاصة والمنظمات الدولية والحكومية (1).

وإن عمل العلاقات العامة وهدفها الأساس قائم على تحقيق التفاهم الإنساني، ففي وأي مجتمع تكون العلاقات العامة ظاهرة اجتماعية، وفي المؤسسات الخدمية تحديدا والتي تقدم خدمات محددة إلى جمهور محدد، فإن العلاقات العامة تشير إلى تنظيم معين، لتحقيق التفاهم الانساني، ومن ثم تقديم هذه الخدمات إلى الجمهور بأفضل طريقة ممكنة (2).

ثانيا: تعريف العلاقات العامة

تعرف الجمعية الدولية العلاقات العامة بأنها (وظيفة إدارية ذات طابع مخطط ومستمر ترمي عن طريقها المنظمات والهيئات العامة والخاصة إلى المحافظة على تفهم وتعاطف وتأييد اولئك الذين تهتم بهم وذلك عن طريق تقييم الرأي العام المتعلق بها من أجل ربط سياساتها واجراءاتها قدر الامكان؛ لتحقيق تعاون مثمر ومقابلة المصالح العامة بدرجة أكفا والمعلومات المخططة ونشرها) (3).

ويعرف المعهد البريطاني العلاقات العامة بانها (الجهود المخططة والمستمرة لتأسيس وصيانة السمعة الحسنة والتفاهم المتبادل بين المؤسسة وجمهورها) (4).

ويعرفها علي عجوة بأنها (الجهود المخططة التي يقوم بها الفرد او المؤسسة أو الدولة لكسب ثقة الجمهور وتحقيق التقاهم المتبادل عن طريق الاتصالات المستمرة والسياسات والافعال المرغوبة لتلبية احتياجات الجمهور في إطار ما هو ممكن ومشروع) (5).

فيما يعرفها مختار التهامي إنها (فن متطور من فنون الاتصال بالجماهير والتأثير فيهم يستهدف كسب المؤيدين لهدف أو قضية معينة وتحريكهم في اتجاه مرسوم في ضوء الدراسة العلمية المخططة وطبيعة القوى السياسية والاقتصادية المسيطرة على جهاز الحكم في الدولة) (6).

أما الدكتور هادي الهيتي فقد عرف العلاقات العامة بأنها (نشاط إداري يستعين بالاتصال بقصد بلورة انطباعات ايجابية عن الهيئة التي تتولى القيام به بين العاملين فيها وبين المتعاملين أو الذين يحتمل أن يتعاملوا مع الهيئة اعتمادا على تنظيم تفاعل اتصالي قوامه المعاني والمعلومات التي تحقق اغراضا اجتماعية أو سياسية) (7).

ثالثا: مفهوم التنمية

مما لاشك فيه أن العالم يمر بمرحلة تغيرات سريعة، ولعل التنمية (Development)، من أبرز القضايا التي تهتم بها المؤسسات في دول العالم المختلفة، إذ وضعت الحكومات لنفسها خططا وبرامج تنموية تتفق وفلسفاتها الاجتماعية واتجاهاتها الأيديولوجية وثقافتها الوطنية، من أجل القضاء على التخلف ورفع من مستوى المعيشة، وبما أن جوانب التنمية تتعدد وتتسع لتشمل النظام المجتمعي بأسره وبكل ما يتضمنه من نظم فرعية مثل الجانب السياسي، الاجتماعي، الاقتصادي، والثقافي، والاتصالي ...، فان مسؤولية أجهزة الإعلام والاتصال في أي مجتمع، تملك من الامكانات والسمات والأساليب ما يجعلها تؤثر في محيطها بشكل واضح (8 .

وإن اسهام وسائل الاتصال بشكل أساس بعملية التنمية عن طريق عرض الواقع الاقتصادي التنموي، بإيجابياته وسلبياته، وطرح الحلول لعملية المشكلات التنموية، وعرض معيقاتها وأهدافها، بات واضحا في دفع عملية التنمية، لأن وسائل الاتصال ترتبط ارتباطا مباشرة بها، بل أصبحت كل الخطط التنموية التي تغفل دور وسائل الاتصال والعلاقات العامة والصحافة ناقصة وتحتاج إلى تعديل، لان بدون الدعم الإعلامي لأيمكن تنفيذ الخطط والبرامج والتي تعمل على شرحه معانيها ومصطلحاته للجمهور، وتعقب نتائجها بعد التنفيذ، والكشف عن مكامن القوة والضعف (9).

ولا بد من الإشارة إلى أن التنمية الاقتصادية تهتم بالنواحي المادية كافة، ولا تستند على التصنيع وفقط بل تهتم بمختلف الأنشطة الاقتصادية (الصناعية والزراعية والتجارية) ويبقى المال هو جوهر الاقتصاد، وعموما فان التنمية عملية شاملة ذات شقين أساسيين الشق الاجتماعي والشق الاقتصادي وليس الفصل بينهما إلا فصلا نظرية؛ وذلك من أجل تسهيل الدراسة والتخطيط والتنسيق للتنمية لضمان نجاحها، وإن عملية التنمية في أية مؤسسة أو مجتمع، يجب أن تضع نصب أعينها الانسان، لأنه جوهر التنمية وغايتها وفلسفتها (10).

رابعا: أنواع التنمية

1) التنمية الإدارية: عملية مستمرة وشاملة ترمي إلى إحداث تغيير إيجابي في الأطر والعلاقات والتشريعات وأنماط السلوك الإداري التي تأتي استجابة للتغييرات البيئية والمجتمعية (11).

2) التنمية الاقتصادية: إنها عملية تحسين المهارات والقدرات والكفاءات للعامل لتؤهله إلى العمل وحصوله دخل أفضل(12).

3) التنمية الاجتماعية: هي جملة من الاجراءات الحكومية والنشاطات الأهلية الهادفة إلى وضع قدرات الاقتصادية خدمة ابنائه لرفع مستوى المعيشة لهم، وتحسين الخدمات والضمانات الاجتماعية المقدمة اليهم، وبناء قدراتهم الذاتية والارتقاء بمستواهم الثقافي، وتخضع التنمية الاجتماعية السياسة الدولة المركزية وتوجيهه مع تخصيص الميزانية المطلوبة لها (13).

4) التنمية البشرية: عبارة عن عملية تنموية مستدامة ترمي إلى استثمار قدرات البشر عن طريق تحسین مستواهم التعليمي، الصحي، الغذائي)، بهدف تحسين قدراتهم ومهارتهم؛ بغية زيادة الانتاجية، وتحقيق النمو الاقتصادي، وتوزيع عوائده على أفراد المجتمع بشكل عادل يضمن رفع مستوى رفاهيتهم، وتمكينهم من المشاركة في هذه العملية التنموية المستدامة ضمن اطار الموارد الاقتصادية المتاحة، وفي ظل السياسات المعتمدة في هذا المجال (14).

وان التنمية بأنواعها كافة، ما هي الا عملية مقصودة وممنهجه تهدف الى اشباع حاجات الفرد في المجتمع والمؤسسة، وهذا ما ترمي الدراسة التوصل اليه في المؤسسات الحكومية.

خامسا: العلاقات العامة والتنمية

تنظر العلاقات العامة إلى المجتمع والرأي العام أنه يمثل المادة الخام الأساسية لعملها، ومراعاة مصالح الجماهيرية والوطنية أحدى أوليات عمل العلاقات العامة، وان العلاقات العامة تتحمل المسؤول تجاه العمليات التنموية الوطنية (15).

إذ تذهب الموسوعة السياسية في تقديم تعريف شامل لمفهوم التنمية يتماشى مع الخطط التنموية الوطنية، بأنها( توجيه الجهود في حقل الاقتصاد نحو زيادة الإنتاج بالنسبة لكل من الدخل القومي ومتوسط انتاج الفرد في الدولة، ومن مؤشراتها ارتفاع مستوى الاستهلاك الفردي، وتوزيع اليد العاملة على القطاعات الاقتصادية كافة، نمو القطاع الصناعي، تحسين قطاع الخدمات والمواصلات، تراكم رأس المال، تدريب التقنيين والأجهزة الإدارية، زيادة حجم المشاريع الاقتصادية؛ فضلا عن التحسن في مركز المرأة الاقتصادي ومكانتها الاجتماعية) (16).

تؤدي العلاقات العامة دورا مهما في مجال التنمية عن طريق الاتي (17):

1) تسعى الحكومات إلى الاتصال الدائم بالجماهير لمعرفة حاجاتهم الفعلية والوقوف على الاتجاهات الإيجابية تجاه القضايا المختلفة لان الجمهور من أهم وسائل التنمية.

2) تهتم الدول النامية على تأكيد سياستها وسن قوانينها وتشريعاته على التزام الجماهير ومساندتهم لهذا السياسات؛ لذلك يمكن أغفال الحكومات الدور وسائل الاتصال.

ومنذ منتصف القرن الماضي ساد تفاؤل كبير في أوساط الباحثين في مجال الاتصال عن الدور الذي يمكن للاتصال القيام به في مجال التنمية. وظهرت دراسات وبحوث أسهمت بشكل أو بأخر بأحداث التنمية مثل كتاب دانيال ليرنز (زوال المجتمع التقليدي) عام 1958. ودراسة ولبر شرام (وسائل الاتصال والتنمية القومية) عام 1964، ودراسة أيفرت روجرز (الاتصال والتنمية) عام 1976، ودراسة ناهد صالح (الإعلام والتنمية الاجتماعية) عام 1973، ودراسة محمد ناجي الجوهر (دور العلاقات العامة التنمية) عام 1986 (18).

ويرى (ركس هارلو) أحد خبراء العلاقات العامة الأمريكيين (أن العلاقات العامة أصبحت موردا مهمة في عمليات صناعة رؤوس الأموال وتطوير المجتمعات اقتصاديا نظرا لما تتمتع به من خصائص عمليات الاتصال والتأثير الاستهلاكي والدعائي وتوعية الأفراد

الاقتصادية)، ومن المسلم به اليوم انه بدون وسائل إعلام الاسبيل إلى التطور والتقدم الاقتصادي

ومن المسلم به اليوم انه بدون وسائل إعلام لاسبيل إلى التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، والعلاقة بين الإعلام والتنمية لم تأتي مصادفة، أو اعتباطا وانما تستند إلى أسس موضوعية وعلمية شاملة للإنسان ونشاطه وحاجاته المادية والروحية فهو يمثل شكلا متكاملا (19).

سادسا: إدارة التنمية

إن إدارة التنمية هي إدارة التغيير المخطط، وتشمل عناصر البناء والتنظيم والسلوك اللازم لتغيير برامج التنمية، وللادارة عناصر يتم عن طريقها التغيير، وهي كالآتي (20):

1) وجود جهاز متميز من الناحية البنيوية والوظيفية بقدر تمكنه من تولي عملية التنمية وتحقيقها بفعالية.

2) إن إدارة التنمية ذات مضمون جماهيري، أذ لابد من أن تسمح علاقاتها ووظائفها بدور تقوم به الفعاليات الجماهيرية على مستوى المشاركة والرقابة، فذلك أساس مهم النجاح عملية التنمية وضبطها، بما ينسجم وتحقيق المصالح العامة.

3) تمسك إدارة التنمية بكل من إسس الوعي والمنطقية والحركية وهذا يتطلب أن يتميز جهاز إدارة التنمية بهذه الأسس لكي يكون قادرة على ممارستها.

وتتم ادارة التنمية، من الوحدات الإدارية جميعها بحسب الخطة السنوية التنموية للمؤسسة، فالتنمية في المؤسسات تضامنية تعتمد على الوحدات الادارية جميعها، ويقع الدور على الأنشطة الاتصالية والإعلامية الدور الأكبر في أيصال أهداف المؤسسة للجمهور .

وإن حاجة المؤسسة إلى نشاط العلاقات العامة في عالمنا اليوم أصبح ضرورية، إذ أن هذا النشاط يدرس سلوك الأفراد والجماعات، ويتعرف إلى الرغبات والمؤثرات والعوامل المحركة، لهذا السلوك، ويعمل على الاتصال الصادق ذي الاتجاهين، بغية تنظيم العلاقات العامة بين الطرفين على أسس الثقة والتفاهم المتبادل حتى يتم الانسجام بين المؤسسة والمجتمع، مما يكون له دور التنمية والتطور.

وان التنمية ترتبط ارتباطا وثيقا بوجود الاتي (21):

1) وجود أفراد.

2) أن يكون الفرد مستعد للتنمية.

3) هذا الاستعداد يحدث تغيرات جذرية في المجتمع.

4) هذه التغيرات تضمن التحسن في نوعية الحياة.

سابعا: العلاقات العامة والبعد الاجتماعي

يعد دور العلاقات العامة في البعد الاجتماعي فاعل في التنمية، عن طريق مجموعة من اليات داخل بنية المؤسسة والمجتمع(22):

1) التعايش مع الجمهور والتفاعل معهم في معاناتهم الاقتصادية والاجتماعية ومشاركتهم الامهم وافراحهم والاسهام الجاد في ذلك.

2) تغير العادات الاجتماعية والصحية السيئة وتنمية الوعي الصحي والاجتماعي بين الجماهير عن طريق الندوات والمحاضرات والافلام الوثائقية.

3) الدعوة إلى ترشيد الانماط السلوكية المختلفة والتي تسود أحيانا في الافراح والمناسبات الدينية وتأكيد القيم الروحية للقضاء على العادات والتقاليد الضارة بالمجتمع وسمعة البلد.

فهناك حاجة لخطة شاملة لتنشيط الإعلام التنموي في المجال الاجتماعي، لإبراز المضمون التنموي والانساني المفاهيم العمل الاجتماعي من أجل العمل على تحويل النمط التقليدي الاستهلاكي للخدمة الاجتماعية، ذات الاهداف العلاجية الضيقة، والبعد البشري والجغرافي المحدود إلى نمط العمل الاجتماعي التنموي الذي يقوم على أساس الموازنة بين الأهداف الوقائية والعلاجية والاستثمار الواقعي للطاقة البشرية في سياق الانشطة الانتاجية وتوافر برامج الرعاية الاجتماعية إيجابية يتأكد من سياقها التوازن بين الحقوق والوجبات لان التنمية تستوجب تغييرة اجتماعية ينسجم ومسيرة ونهج التنمية، وتطوير الشكل العلاقات الاجتماعية ودورها الفعال في التنمية، لذا فمن الضروري أن ينظر إلى وسائل الإعلام عن طريق العلاقة بينها وبين المضمون الاجتماعي للتنمية، بوصفه أحد العوامل الكثيرة التي تؤثر في الأفراد والسلوك الاجتماعي وإن دور العلاقات العامة باعتبارها الوسيلة الفعالة التي يمكن عن طريقها تنمية الشعور بالمسؤولية لدى الجمهور، وبالتالي تحويله من سلبي إلى ايجابي متعاون، لأن العلاقات العامة نشاط مهني متخصص بمهمات دراسة الجماهير وتحليل آرائها والوقوف على وجهات نظرها، ورود افعالها، بالنسبة للنشاطات والبرامج التي تقوم بها المؤسسة وسياستها وأنشطتها (23) .

ثامنا: ماهية رأس المال الاجتماعي في المؤسسات الحكومية

هناك اختلاف في ماهية دراسة رأس المال الاجتماعي وتباينا في مضامينها، وهناك قاسما مشتركا، وهو انها كلها معنية بالسلوك الاجتماعي ضمن اطار الجماعة، وليس بالسلوك الفردي الذي يختص به رأس المال البشري، وعليه، أن رأس المال الاجتماعي معني بسلوك الجماعة كوحدة مستقلة لها مصلحة خاصة بها، ويمكن استخلاص ماهية رأس المال الاجتماعي بوصفه شبكة من الأفراد يتفاعلون فيم بينهم لينتجوا طبقا واسعا من القيم والثقافات والمعرفة غير الرسمية، الذي يؤثر بعضهم من بعض لدعم مصالحهم الخاصة، والتي ربما تسير باتجاه مصلحة المؤسسة، اذا ما توافرت لها البيئة الخصبة، ومن ثم تكون ميزة تنافسية وقوة مخفية وتضيف قيمة المؤسسة، أو تعيق أداء المؤسسة اذا اسيء استغلال هذه الشبكة وضعف تطويرها وبناؤها بشكل صحيح(24).

إن رأس المال الاجتماعي له طبيعة ذات ابعاد عدة، وان عرض وتطبيق المفهوم يمكن تقديره في عدة ميادين وأن هذه الميزة تعطي المفهوم ملاءمة واضحة، ويمكن تمييز أربعة مداخل رئيسية لرأس المال الاجتماعي لدراسته في المؤسسات، وهي كما يلي (25):

1) مدخل نظريات التطوير الاقتصادي.

2) مدخل الأخلاق والمسؤولية الاجتماعية.

3) حاكمية المؤسسة.

4) مدخل رأس المال الفكري.

تاسعا: إسهامات رأس المال الاجتماعي للمؤسسات الحكومية

يتجلى اسهام رأس المال الاجتماعي عن طريق المردود الاقتصادي والمادي والمعنوي والمساعدة والمساهمة التي يقدمها هذا المكسب إلى العاملين في المؤسسات، وذلك عن طريق الآتي (26):

1) إيجاد قيم الالتزام لدى الفرد وترسخيها: إن الأفراد يعملون من أجل مبادئهم الشخصية، لذا فأن الجمع بين مصالح الإدارة والعاملين يعد من الطرائق الناجحة في تعزيز الثقة بينهم يؤدي إلى إيجاد الفرد الملتزم، وعندما يعتقد هذا الفرد بأن جهده جزء لا يتجزأ من جهد الجماعة فأن ذلك يولد في داخله الشعور بوجوب تسخیر معظم الوقت في خدمة المؤسسة.

2) المساعدة على تحقيق ما يسمى بالعمل المرن: إن العديد من هذه الممارسات تعتمد على الثقة والتعاون بين العاملين لأجل تحقيق العطاء الأفضل أكثر من الاعتماد على السلم الهرمي للهيكل التنظيمي أو آلية المسؤولية الرسمية.

3) الاسهام بتعزيز العمل الجماعي: يعد رأس المال الاجتماعي وسيلة ناجحة لإدارة العمل الجماعي، وعلاقات الاستخدام المستقرة يمكن أن ينظر إليها على أنها حلوة كفوءة وجيدة لتحصين العاملين ضد الاستغلال في الوقت نفسه تعد أسس منطقية لتطوير المهارات والمعارف والقابليات المحددة المؤسسة وأكد الباحثون أهمية التمييز بين العلاقات الرسمية وغير الرسمية بين الرؤساء والمرؤوسين.

4) العمل على خلق رأس المال الفكري: إن رأس المال الاجتماعي يمكن أن يكون عنصرا مهمة وربما أساس لدعم رأس المال الفكري الذي يؤمن ميزة تنافسية فريدة للمؤسسة، ورأس المال الاجتماعي يعمل على تطوير رأس المال الفكري داخل المؤسسة عن طريق العلاقات الاجتماعية ذاتها، إذ يعد وسيلة لإيصال المعلومات والمعرفة بأساليب فاعله وكفوءة.

كما يساعد رأس المال الاجتماعي المؤسسات الحكومية في الآتي (27):

1) يساعد العاملين في البحث عن العمل، وخلق صورة افضل لهم في المؤسسة، و دعم الأواصر الاجتماعية بين الأفراد في المؤسسة، والتحفيز على تبادل الثقة بينهم.

2) يؤدي رأس المال الاجتماعي الى خلق مجموعة من العاملين الكفوئين ومساعدتهم على فهم اجراءات عملهم، وتطوير الابداع عن طريق خلق رأس المال الفكري والكفاءة في العمل الفرقي، كما يسهل تبادل الموارد بين الوحدات التنظيمية.

3) يؤدي رأس المال الاجتماعي إلى تقليص النفقات والتخلص من كلف التعامل التي تتضمن المعالجات التجارية للمفاوضة.

4) يعزز وبشكل جوهري رأس المال الاستراتيجي للمؤسسة، ومحاكاة الابتكار وخلق رأس مال فكري وكفاءة الفرق المتعدد النظم.

5) يسهم بنجاح صناع المعرفة الذين يضيفون القيمة للمؤسسة.

6) اتخاذ قرارات مستقرة متانية من الفهم المشترك للموضوع.

وكذلك تكمن فوائد رأس المال الاجتماعي في تبرير التزام الفرد تجاه المجموعة أو الصالح العام. فاعتقاد الأفراد بأن جهودهم جزء من المجموعة سيدفعهم لقضاء أوقاتهم بما يعزز أهدافها، فالثقة والروابط فيم بينهم تعطل الرغبات الفردية لصالح المجموعة، ويسهم بمرونة المؤسسات وفي تطوير رأس المال الفكري بوصفه مبررا للالتزام الفردي، إذ انه يركز في العمل الجماعي والثقة وعدم منح الحوافز الفردية.

وكذلك يسهم رأس المال الاجتماعي بالاتي (28):

1) يسهم بتخفيض حالات الصراع في المؤسسات عن طريق عملية التقارب والتفاعل والعلاقات الحميمة بين الأفراد العاملين والمجموعات الذين يعملون ضمن شبكات العمل الاجتماعية التنظيمية، وهذا ما أثبتته احدى الدراسات التي طبقت على (20) مؤسسة لمعرفة العلاقة بين مستويات الصراع ورأس المال الاجتماعي أكدت نتائجها أن وجوده بمستويات عالية يسهم من التخفيف من حدة الصراعات؛ لأنه يزيد من تقوية الروابط الاجتماعية على العكس فان انخفاض مستوياته تؤدي إلى زيادة حدة الخلافات والصراعات بسبب عدم وجود انسجام وتفاعل.

2) يسهم في زيادة طاقة وقدرة الأفراد والمجموعات في المؤسسات وحتى المجتمعات لتحقيق أهدافهم، لأنه يوافر فوائد ميكانيكية للوصول إلى هدف زيادة قدرة الفرد العامل على العمل ومن ثم تحقيق الفاعلية.

3) دعم قدرة المؤسسة على إدارة المعرفة التي تخلق قيمة لها ضمن شكل الابتكار وعن طريق تسهيل وربط الموارد داخلها كما يسهم بتطوير رأس المال الفكري والقدرات الأساسية للعاملين وتشجيع العمل التعاوني.

4) يسمح في حل المشكلات التي تحصل بين الأفراد العاملين بسهولة أكبر إذ يكونون أفضل حالا اذا ما تعاونوا فيم بينهم عن طريق الشبكات الاجتماعية التي تعد الإلية المناسبة.

.............................................................................................................
المصادر والمراجع
1) نزار مهيوب، مدخل إلى العلاقات العامة، ( دمشق، الناشر العربي، 2008)، ص 3.
2) احمد کمال احمد، العلاقات العامة، (القاهرة، مكتبة القاهرة، 1994)، ص 30.
3) محمد عبد الرحيم ، العلاقات العامة ( القاهرة ، مطبعة دار التأليف ،1982)، ص 15.
4) الياس سلوم ، تقنية العلاقات العامة ، (دمشق، دار الرضا للنشر ، 2001)،ص10.
5) علي عجوة ، الأسس العلمية للعلاقات العامة ، (القاهرة، عالم الكتب ،2000)، ص 24.
6) مختار التهامي ، ابراهيم الداقوقي ، مبادئ العلاقات العامة في البلدان النامية ، بغداد ، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ،1987) ص16.
7) هادي نعمان الهيتي، الاتصال الجماهيري، المنظور الجديد، (بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة ،)1998،ص24 .
8) نبيه فريجات ورشيدة سبتي ، الاعلام وتعزيز قضأيا التنمية المستدامة ، مجلة الدراسات والبحوث الاجتماعي ، العدد الثالث ، الجزائر ، 2013 ، ص141 .
9) مصطفى المعموري، النظام الإعلامي الجديد، سلسلة عالم المعرفة، العدد94، الكويت 1985، ص115.
10) بسام عبد الرحمن الجرايدة، ادارة العلاقات العامة، (عمان، دار اسامة، 2013)، ص 77.
11) ابراهيم مراد الدعمة، التنمية البشرية الانسانية، (عمان، دار المناهج، 2014)، ص 180.
12) مليحة عوني القصير و صبيح عبد المنعم، علم الاجتماع العائلة ( بغداد، مطبعة جامعة بغداد، 1985)، ص437.
13) منظمة الاسكو "اللجنة الاقتصادية لغرب اسيا"، معجم مفاهيم التنمية، بيروت، البنك الدولي، 2004)، ص112.
نقلا عن السياسة الاجتماعي في العراق، وقائع المؤتمر العلمي الأول للسياسات الاجتماعية في العراقي، بغداد، بيت الحكمة ، 2011 ، ص 15.
14) ابراهيم مراد الدعمة ، المصدر السابق ، ص 16.
15) للجنة العالمية للبيئة والتنمية، مستقبلنا المشترك، ترجمة محمد كامل عارف، من كتب سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1989، ص142.
16)عبد الوهاب الكيالي، الموسوعة السياسية (بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1974)، ص 166 .
17) محي محمد حسن، سمير حسن منصورة، العلاقات العامة والإعلام في الدول النامية، (اسكندرية، المكتب الجامعي، 1985)، ص 147 .
18) محمد ناجي الجوهر، دور العلاقات العامة في التنمية، (بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، 1986، ص54.
19)حميد جاعد محسن، التنمية والتخطيط الإعلامي في العراق، (بغداد، دار الرشيد، 1979)، ص 39.
20) ادريس عزام، مشکلات إدارة التنمية، ( القاهرة، الشركة العربية المتحدة، 2010)، ص 10.
21) فكرة يحيي الطائي، المطويات الإعلانية والتنمية الفنية، (بغداد، دار الجواهري، 2001)، ص 26.
22) بشير العلاق، العلاقات العامة والازمات، عمان، دار اليازروي، 2008)، ص 25
23) محمد عودة ، الاتصال والتغيير الاجتماعي، ( القاهرة، دار المعارف، 1971)، ص64.
24)Eduardo Bueno, "The Role of Social Capital in Todays Economy. Journal ofIntellectual Capital , Vol.5, No.4.2004.p559.
25) Lindon Robison, "Is Social Capital Really Capital?", Manuscript is forthcoming inthe Review of Social Economy. 2000.p4.
26) Carria Leana & Harry Van Burin, Organizational Social Capital and Employment Practices", op. cit., p547-549.
27) Eduardo Bueno, 'The Role of Social Capital in Todays Economy, op. cit.p558.
28) Reed Nelson ,The Strength of strong ties: Social networks and Inter group Conflict in 377-40]32.Vol.of Management Journal Academy Organizations.(ABCT).1989p337.

اضف تعليق