تتطلب عملية الاصلاح التشريعي -اصلاح البرلمان، ويكون ذلك بالبدء بتقويم بنية البرلمان الحالي، عن طريق تقويم الاسس التي تقوم عليها هذه البنية. اصلاح البرلمان لا يقتصر على اصلاح وظائف البرلمان وتقويمها، لذلك رأينا عرض افكار حول اصلاح البنية العضوية للبرلمان، لتكون منطلقا نحو اصلاح وتطوير وظائف البرلمان...
إعداد الباحث المدرس الدكتور ميسون طه حسين
كلية الإمام الكاظم –ع- للعلوم الاسلامية الجامعة، اقسام بابل
بحث مقدم الى مؤتمر (الاصلاح التشريعي طريق نحو الحكومة الرشيدة ومكافحة الفساد) اذي اقامته مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام وجامعة الكوفة/كلية القانون 25-26 نيسان 2018
المقدمة
موضوع البحث:
تمثل القوانين الأساس الناظم لكل العلاقات والنشاطات داخل الدولة، والضابط المحوري للعملية الدستورية والممارسة السياسية، وأي عملية اصلاح في الدولة لابد من ان تتخذ من القانون منطلقا لها في مجال مسيرتها، وبما ان البرلمان يضطلع بمهمة إقرار القوانين، بما فيها القوانين التي تتناول جوانب اصلاحية وتطويرية لمختلف المجالات، يكون من المقبول عقليا وعمليا البدء بإصلاح الخلل الذي تعاني منه هذه المؤسسة التشريعية، ووضع خطة عمل لتطويرها شكلا وموضوعا، ليتناسب وجودها وتشكيلها القانوني مع حجم الوظائف التي يفترض بها اداؤها على أكمل وجه.
إصلاح البرلمان هو اولى خطوات الاصلاح التشريعي، وتطوير البرلمان مدعاة لتطوير العملية التشريعية، انطلاقا من هذه المضامين يتناول الباحث موضوع اصلاح وتطوير البرلمان العراقي تحت يافطة الاصلاح التشريعي في العراق باعتباره خطوة لبناء حكومة رشيدة وسلاح من اسلحة مكافحة الفساد. قد لايتسع البحث لكل محاور موضوع اصلاح البرلمان، غير ان الباحث يأمل في ان تكون هذه الدراسة أحد مدخلات الموضوع، وان تكون النتائج المتحصلة من بحث الموضوع جديرة باهتمام المعنيين، وتفتح الباب واسعا أمام الدراسات والبحوث المستقبلية في موضوع الاصلاح التشريعي بشكل عام، واصلاح المؤسسات التشريعية بشكل خاص.
مشكلة البحث: تتمحور المشكلة التي يطرحها البحث للدراسة في المحاور التالية:
1- هل هناك مواطن خلل في البنية العضوية للبرلمان؟ وما هو دور الاصلاح التشريعي لقوانين العملية الانتخابية والسياسة (الانتخابات والاحزاب السياسية) في التشكيل الانسب للبرلمان؟
2- هل يكتمل وجود البرلمان بوجود أحد مجلسيه وتغييب المجلس الثاني؟ وماهي اهمية المجلس الثاني وهل هناك ضرورة لتشكيله ام بالإمكان الاستغناء عن وجوده؟
3- التعرف على مدى تأثر العملية التشريعية بالنظام السياسي التوافقي الذي اصبح أمرا واقعا منذ تغير النظام السياسي بعد العام 2003 ومحاولة تحديد اهم المعوقات التي تقف حجر أمام اقرار القوانين المهمة في الدولة.
منهج البحث:
اعتمد البحث منهجا تحليليا، انطلاقا من النصوص الدستورية والقانونية في ظل دستور جمهورية العراق لسنة 2005، مع التعرض الى أهم معطيات الواقع السياسي العراقي التي تجلت في التجربة السياسية والدستورية في العراق والتي بدأت بعد العام 2003 وحتى الوقت الحاضر.
خطة البحث:
المبحث الأول: اصلاح البنية العضوية للبرلمان.
المطلب الاول: اصلاح النظام الانتخابي والنظام الحزبي
الفرع الاول: اصلاح قوانين الانتخاب.
الفرع الثاني: اصلاح النظام الحزبي.
المطلب الثاني: استكمال تأسيس مجلس الاتحاد.
الفرع الأول: اهمية تشكيل مجلس الاتحاد.
الفرع الثاني: معالم قانون مجلس الاتحاد.
المبحث الثاني: تطوير وظائف البرلمان
المطلب الاول: تطوير العمل البرلماني بشكل عام
الفرع الاول: تطوير لائحة النظام الداخلي للبرلمان
الفرع الثاني: تأهيل أعضاء البرلمان.
المطلب الثاني: تقويم وتطوير العملية التشريعية.
الفرع الاول: مراجعة وتعديل وتوحيد منظومة القوانين النافذة.
الفرع الثاني: توفير سبل انجاح عملية تشريع القوانين.
المبحث الأول
اصلاح البنية العضوية للبرلمان
تتطلب عملية الاصلاح التشريعي -اصلاح البرلمان، ويكون ذلك بالبدء بتقويم بنية البرلمان الحالي، عن طريق تقويم الاسس التي تقوم عليها هذه البنية. اصلاح البرلمان لا يقتصر على اصلاح وظائف البرلمان وتقويمها، لذلك رأينا تخصيص هذا المبحث لعرض افكار حول اصلاح البنية العضوية للبرلمان، لتكون منطلقا نحو اصلاح وتطوير وظائف البرلمان.
المطلب الاول: اصلاح النظام الانتخابي والنظام الحزبي
تقوم عملية تشكيل البرلمان على أساسين: النظام الانتخابي، والنظام الحزبي، سنعرض فيما يلي كيف ان اصلاح هذين النظامين يؤثر في اصلاح البنية العضوية للبرلمان.
الفرع الاول: اصلاح قوانين الانتخاب
يتمثل النظام الانتخابي وفق المعنى العام، بمجموعة العناصر القانونية والفنية التي تنظم العملية الانتخابية ابتداء من المراحل الاولى المتمثلة بإعداد سجل الناخبين وتدقيقه وتحديثه، تسجيل الكيانات والتحالفات الداخلة في الانتخابات، تنظيم عملية الاقتراع والاجراءات الضرورية في يوم الاقتراع، عمليات العد والفرز، انتهاء بإعلان النتائج والمصادقة على النتائج النهائية للانتخابات(1)، وهي بذلك تتضمن مجموعة من التشريعات التي تتنوع بين القوانين الانتخابية والانظمة والتعليمات الصادرة عن الادارة الانتخابية، غير ان الاساس في كل نظام انتخابي يتمثل بالتشريع الانتخابي، والتشريع الانتخابي هو مجموعة القواعد القانونية التي تقوم بتنظيم علاقات اجتماعية ذات صلة بترتيب العملية الانتخابية ابتداء بتقسيم الدوائر الانتخابية مرورا بتسجيل الناخبين و المرشحين و انتهاء بإعلان نتائج الانتخابات(2).
ويمثل قانون الانتخابات محور التشريعات الانتخابية، وقد طبق في العراق قانونيين للانتخابات(3) منذ العام 2005، ولغاية العام 2018، حيث نحن على ابواب انتخاب الدورة البرلمانية الرابعة ولم يتم تشريع قانون انتخابي جديد، بل عمد مجلس النواب الى تعديل القانون رقم 45 لسنة 2013، وكان من الاوفق تشريع قانون جديد يتلافى اي مواطن نقد تضمنها القانون رقم (45) ولنا ان نورد الملاحظة الاتية على القانون ذاته وعلى تعديله:
اولا: حدد مجلس النواب العراقي عدد اعضاءه ب 329 عضو(4)، وهي خطوة ايجابية تتمثل بمنع زيادة اعضاء المجلس التشريعي زيادة كبيرة اذا ما جرى اتباع التطبيق الظاهري لنص المادة (49) التي نصت على ان يتكون مجلس النواب من عدد من الاعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة الف نسمة من نفوس العراق، كان الاوفق لو ان المشرع العراقي خفض هذا العدد ومن ثم تثبيته وذلك للمبررات الاتية:
- تشير تطورات الاحداث السياسية العالمية الى اتجاه اصلاحي يتضمن تقليل عدد اعضاء المجالس التشريعية، حيث سيصبح الجهاز التشريعي أصغر حجماً ولكن قدرته على المساهمة في عملية صنع القرار السياسي ستكون أفضل، فعلى سبيل المثال ضمن الرئيس الفرنسي ماكرون التزامه بحملة الاصلاحات الكبرى امام البرلمان – دعوته الى أن يتم تقليل عدد البرلمانيين بحوالي الثلث، أي أن ينخفض عددهم في غرفة النواب من 577 وفي غرفة الشيوخ من 348، حتى يعمل بشكل أكثر فعالية(5). أيضا لجنة الشؤون الدستورية في البرلمان الأوروبي، قدمت تصورا واضحا لتخفيض عدد مقاعد البرلمان الأوروبي من 751 حالياً إلى 705، وذلك ضمن حملة اصلاح البرلمان الاوربي(6) من الداخل قبل انتخابات العام 2019.
- بخصوص نص المادة (49) من الدستور يمكن لمجلس النواب تبني مفهوم تفسيري لها على نحو يجعل النسبة تمثل الحد الادنى وبالتالي تضمين قانون الانتخاب قاعدة توزيع العدد الثابت من المقاعد المحددة على أساس عدد سكان كل محافظة وبالتالي تصبح المعادلة في توزيع مقاعد البرلمان هي عدد السكان مقسوما على العدد الثابت للمقاعد والناتج سيمثل نسبة تحديد عدد المقاعد لكل دائرة انتخابية وفي حال اعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة، سيمثل الناتج، العتبة الانتخابية التي يفترض الحصول عليها في الانتخابات لغرض الفوز بمقعد واحد في مجلس النواب، وهذا المنهج ليس غريبا بل هو ذات موقف الدستور الامريكي، في الولايات المتحدة الامريكية ادرك المشرعون عدم فاعلية زيادة عدد مقاعد النواب وبموجب المادة الأولى، القسم الثاني من الدستور، تقسم المقاعد في مجلس النواب بين الولايات حسب السكان، على النحو الذي يحدده التعداد الذي يجري كل عشر سنوات. ولكل ولاية الحق في تمثيل ممثل واحد على الأقل، مهما كان عدد سكانها صغيرا. والقاعدة الدستورية الوحيدة المتعلقة بعدد اعضاء مجلس النواب تنص على ما يلي: "لا يجوز أن يتجاوز عدد الممثلين واحدا لكل ثلاثين ألفا، ولكن يكون لكل ولاية ممثل واحد على الأقل". أي ان المنهج الذي اتخذه الدستور الامريكي هو تحديد الحد الادنى الذي يمكن ان يمثله مقعد واحد في مجلس النواب وهذا افضل من تحديد نسبة ثابتة وزاد الكونغرس بانتظام حجم مجلس النواب نتيجة النمو السكاني إلى أن تم تثبيت عدد أعضاء مجلس النواب (435 عضو)(7) في العام 1911.
ان تبني هذا التفسير، سيخرج مجلس النواب من دائرة عدم الدستورية فيما لو تم تعطيل التفسير الظاهري لنص المادة (49) من الدستور.
ثانيا: كان يفترض ان يتضمن قانون الانتخابات، ضمانات اكثر للناخبين قبالة الاحزاب والقوائم المرشحة وذلك بفسح المجال امام الناخبين للطعن بالبرامج الانتخابية للمرشحين متى ما تضمنت خرقا صريحا او ضمنيا للدستور وحقوق وحريات الافراد، وهذا المطلب بدوره يتضمن ضرورة الزام المرشحين بإعلان البرامج الانتخابية قبل مدة كافية من اجراء الانتخابات.
الفرع الثاني: اصلاح النظام الحزبي
تعد الاحزاب واجهة النظام الديمقراطي، واداة العمل السياسي المنظم، وتمثل حرية تأسيس الأحزاب، إحدى الدعامات الأساسية للنظام الديمقراطي(8)، ويمثل قانون الاحزاب محور النظام الحزبي في اي دولة، فهو القانون الذي يثبت الدعائم الاساسية للتعددية الحزبية ودورها في اثراء الحياة السياسية.
تضمنت دستور جمهورية العراق النص على حرية تأسيس الاحزاب والانضمام اليها (المادة (39) – اولا - حرية تأسيس الجمعيات والاحزاب السياسية، او الانضمام اليها، مكفولة، وينظم ذلك بقانون) وقد شهد العراق تطبيق مجموعة من القوانين الخاصة بالأحزاب(9) كان اخرها قانون رقم (36) لسنة 2015النافذ، وهو قانون بحاجة الى تعديل شامل، على ذلك سنورد ملاحظاتنا في اصلاح النظام الحزبي تحت عنوان – تعديل قانون الاحزاب السياسية – تعديل هيكلية دائرة الاحزاب السياسية وكما يأتي:
أولا: تعديل قانون الاحزاب السياسية
صدر القانون بعد جدل طويل في اروقة مجلس النواب وقد حمل بين نصوصه العديد من المبادئ العصرية، غير انه تضمن ايضا بعض مواطن الخلل التي بالإمكان اصلاحها لما لها من تأثير على مجمل الحياة السياسية في الدولة ولاسيما فيما يخص تشكيل مجلس النواب العراقي من هذه الملاحظات:
- يقرر القانون اعتماد مبدأ المواطنة في تأسيس الاحزاب السياسية، وهذا منهج ايجابي وكان يفترض التوقف عند الحكم وحظر كل اشكال التنظيمات السياسية الاخرى التي تقوم على اساس غير المواطنة، غير ان ذات المادة التي قررت هذا المبدأ (المادة 5 من القانون) تعطي مفهوما اخر بتعدادها قائمة الاحزاب التي يحظر تأسيسها وهذا منهج غير سليم لان التعداد يعني الحصر وان ماعدا هذا التعداد مسموح به، مثلا القانون لا يحظر تكوين أحزاب دينية أو قومية إلا أنه لا يسمح بتأسيس أحزاب تنتهج التعصب الطائفي او العرقي أو القومي، الحقيقة ان السماح بتأسيس احزاب دينية او قومية وان كان لا يلقى اعتراضات خطيرة من مختلف الاتجاهات السياسية والمجتمعية، غير ان هذه الرخصة تسمح بتغذية النفس الطائفي والاثني بين شرائح المجتمع بالدرجة الاولى وبين المكونات السياسية في البرلمان بالدرجة الثانية، الامر الذي يشكل عامل اختلاف وعدم انسجام في البنية العضوية للبرلمان.
- اوردت المادة (32) من القانون مجموعة من الانشطة والسلوكيات التي من شأنها ان تؤدي الى جواز حل الحزب السياسي، وبعض هذه الحالات تشتمل على جانب كبير من الخطورة كان يفترض وضعها ضمن ابواب الحل الوجوبي لا الجوازي(10).
- لابد ان يتضمن القانون تنظيما لحظر الحزب السياسي، خصوصا الاحزاب السياسية التي تنتهج التعصب او التكفير او تدعو الى التطهير العرقي اسوة بحظر حزب البعث الوارد في المادة (7) من الدستور، كأن يكون الحظر على قياداته ومنعهم من مزاولة اي نشاط سياسي أو حظراً على جميع أعضاءه وحسب كل حالة، كما يمكن أن يكون الحظر مؤقتاً أو مطلقاً، لذا فإن الحزب الذي يحل للأسباب المذكورة سابقاً لابد من وضع الحظر على مؤسسيه لمنعهم من تأسيس حزب جديد وتحت مسمى مختلف مع ذات المنهج المحظور سابقا، خاصة وأن النشاطات التي ورد عليها الحظر لا تظهر في برنامج الحزب واهدافه على الاغلب وانما تظهر في نشاطاته التي يباشرها بعد التأسيس(11).
ثانيا: تعديل هيكلية دائرة الاحزاب السياسية
نصت المادة -17- من قانون الاحزاب في فقرتها الاولى على ان " تستحدث دائرة تسـمى (دائرة شؤون الاحزاب والتنظيمات سياسية) ضمن الهيكل التنظيمي للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وترتبط بمجلس المفوضين مباشرة يرأسها موظف بدرجة مدير عام من ذوي الخبرة والنزاهة والاختصاص حاصلاً على شهادة عليا في القانون أو العلوم السياسية وتضم عدداً كافياً من الموظفين. وتتمتع دائرة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية بالشخصية المعنوية والقانونية ويمثلها في المحاكم الرئيس او من ينوب عنه". ان تأسيس دائرة تختص بكل شؤون الاحزاب السياسية يعد تطورا تشريعيا لافتا، غير ان المشرع العراقي، جعل ارتباط هذه الدائرة بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهذا المسلك منتقد ذلك انه يفترض ان تكون المفوضية هيئة مستقلة وحيادية وهي تشرف على الانتخابات في العراق وزجها بعملية تأسيس الاحزاب السياسية عن طريق ربط دائرة الاحزاب السياسية بها، سيخل بحيادها خاصة وان مجلس المفوضين يتم تشكيله وفقا للمحاصصة الطائفية المعروفة، وهذا الامر سيفتح الباب امام تأثير الكتل والاحزاب السياسية التي ينتمي لها هؤلاء المفوضين، وتدخلهم في مجال تأسيس وتنظيم عمل الاحزاب السياسية.
اضافة الى ذلك، فان التنظيم العضوي لدائرة الاحزاب هو محل نظر، إذ ان جعل هذه الدائرة برئاسة موظف رغم حجم المهام الملقاة على عاتق هذه الدائرة المتمثلة بتنظيم عملية تأسيس الاحزاب السياسية والاشراف على عملها ونشاطها، هو امر غير موفق، وما نراه في هذا الخصوص هو تحويل دائرة الاحزاب الى هيئة لشؤون الاحزاب على ان ترأسها لجنة أسوة بالمشرع المصري في قانون الاحزاب(12) ويكون ارتباطها بمجلس النواب.
المطلب الثاني: استكمال تأسيس مجلس الاتحاد
من عادة دساتير الدول الاتحادية إنها تنص على تنظيم البرلمان الاتحادي وفق نظام المجلسين، حيث يمثل احدها افراد الشعب بحسب تعدادهم السكاني ويسمى بالمجلس الادنى او المجلس الشعبي، أما الاخر فهو يمثل الوحدات الداخلة في الاتحاد ويسمى بالمجلس الاعلى او مجلس الشيوخ، ويتم فيه تمثيل الوحدات الداخلة في الاتحاد سواء كانت اقاليم او دويلات او مقاطعات او امارات او أيا كانت تسميتها، وغالبا يكون التمثيل بعدد متساوي(13).
وقد فصل الدستور في الاحكام الخاصة بمجلس النواب من ناحية تشكيله والعضوية فيه واليمين الخاصة بأعضائه ونظامه الداخلي وجلساته ودورته الانتخابية واختصاصاته وعلاقته بباقي السلطات في المواد (49 – 64) غير انه غاير نهجه فيما يتعلق بمجلس الاتحاد، والتزم الصمت حيال هذا المجلس الا بضع اشارات مختصرة، فمن المألوف ان معظم برلمانات الدول المركبة (الفيدرالية) تتألف من مجلسين تشريعيين، و ترد النصوص الخاصة بالمجلسين في صلب الوثيقة الدستورية(14).على ذلك وجدنا ضرورة بحث اهمية تشكيل هذا المجلس، وخصائص القانون المفترض تشريعه لتأسيس هذا المجلس.
الفرع الاول: اهمية تشكيل مجلس الاتحاد
لتشكيل مجلس الاتحاد اهمية لا تخفى في تأثيرها على صحة البنية العضوية للبرلمان العراقي، وتأتي ضرورة تشريع قانون هذا المجلس وتشكيله للمبررات الآتية:
أولا: وجود النص الدستوري الصريح
تنص المادة (48) من الفصل الاول الذي جاء بعنوان السلطة التشريعية على ان " تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد"، ان صراحة النص الدستوري غير خافية باعتبار مجلس الاتحاد جزءا من السلطة التشريعية، بمعنى انه لا يمكن وفقا لهذا النص انفراد مجلس النواب بمهام السلطة التشريعية، وان تشكيل هذا المجلس ضرورة تشريعية لاكتمال البنية العضوية للبرلمان، غير ان المادة (65) التي نصت على " اولاً ـ يتم انشاء مجلس تشريعي يدعى بـ"مجلس الاتحاد" يضم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في أقليم، وينظم تكوينه وشروط العضوية فيه واختصاصاته، وكل ما يتعلق به بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب"- اضعفت كثيرا من المركز الدستوري لمجلس الاتحاد، وللأسف موقف المشرع الدستوري لم يكن موفقا في هذا الامر، فليس منطقيا وضع احد المجلسين تحت سيطرة المجلس الثاني.
ثانيا: متطلبات النظام الفدرالي
تبنت غالبية الدول التي اتخذت الشكل الفدرالي، نظام المجلسين التشريعيين كأسلوب عمل تنظيمي للبرلمان، بحيث اضحى نظام المجلسين من سمات النظام الفدرالي(15)، إذ ان وجود مجلس الوحدات المكونة للاتحاد إلى جانب مجلس النواب أمر في غاية الأهمية لأنه يساعد على تمثيل كافة مستويات السلطة في الدولة –المركزية والمحلية- بالإضافة إلى ايجاد نوع من التوازن بين الوحدات المكونة للدولة، وكذلك اسهامها وعلى قدم المساواة في صناعة التشريع الاتحادي عبر المؤسسة التشريعية الدستورية في الدولة، والأهم من ذلك هو تفادي الخوف لدى الوحدات الصغيرة من تسلط الوحدات الكبيرة وفرض ارادتها عليها(16). وتجدر الإشارة إلى أن مشاركة الوحدات السياسية او الدستورية لمجلس النواب الاتحادي في وضع القوانين الاتحادية عبر ما يسمى ب (مجلس الولايات او الاتحاد) ينبغي أن تعطي هذا الأخير ذات المركز القانوني الذي يتمتع به الأول فيما يتعلق بالصلاحيات الدستورية والقانونية المفوضة للسلطة التشريعية الاتحادية حسب الدستور الاتحادي، وبمعنى أخر فأنه ينبغي الإقرار بمبدأ المساواة بين المجلسين في عملهما التشريعي(17).
ثالثا: أداة توازن
من الممكن جدا ان يعمل مجلس الاتحاد على تحقيق قدر من التوازن سواء بين السلطات السياسية، بان يكون الوسيط لحل الخلافات السياسية التي ممكن حدوثها بين مجلس النواب والحكومة او بينهم وبين رئيس الجمهورية، فوجود مجلس ثاني ممكن ان يلعب دور ايجابي في عدم استفحال شدة الاختلافات بين السلطة التنفيذية والتشريعية، هذا من باب، من باب اخر يمكن ان يحقق وجود المجلس الاتحادي توازن في التمثيل النيابي، إذ ان وضع النائب في المجلس الشعبي (مجلس النواب او مجلس الشعب) له خصوصية من حيث التمثيل، ذلك ان من القواعد الاساسية في النظام النيابي ان النائب يمثل الامة كلها وليس دائرته الانتخابية، وقد ذهبت معظم النظم السياسية الحديثة الى تدوين هذا المبدأ في دساتيرها أو في القوانين التي تنظم عمل البرلمان، حيث نص الدستور العراقي في المادة (49) منه على (اولا: يتكون مجلس النواب من عدد من الأعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة ألف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي بأكمله...)، بالتالي يفترض بالنائب ان ينظر لمصلحة الشعب بأكمله لأنه يمثل الشعب بأكمله، وفي اثناء ممارسته لعضويته في البرلمان فإنه يجب ان يضع في اعتباره انه يعبر عن مصالح الدولة بأسرها وليس عن مصالح طائفة معينة، وحكمة هذه القاعدة هي ضمان استقلال النائب وضمان تحقيق المصلحة العامة للمجتمع بكامله في جميع القوانين والقرارات الصادرة عن البرلمان.الا انه يلاحظ وان كانت القواعد القانونية المجردة تقضي بذلك، فإن الواقع العملي يفيد بغير ذلك، إذ ان العضو في البرلمان دائما ما يكون معبراً عن مصالح دائرته الانتخابية فقط وذلك حرصا منه على علاقته بالناخبين(18). وجود المجلس الثاني على اعتبارات التمثيل المناطقي او المحلي سيخفف من حدة ارتباط النائب في المجلس الاخر بدائرته الانتخابية، وكذلك سيتحول نظر الناخب الى نواب المجلس الفدرالي فيما يتعلق بشؤون اقليمهم او محافظتهم، ويخف بذلك الضغط الشعبي المناطقي على النائب في المجلس الشعبي.
الفرع الثاني: معالم قانون مجلس الاتحاد
لأهمية مجلس الاتحاد لبنية السلطة التشريعية في الدول الاتحادية، فإن القانون التأسيسي لهذا المجلس لابد ان يتسم ببعض الخصائص التي تؤهله للقيام بدوره الى جانب المجلس الآخر، وايضا دوره كممثل عن الوحدات المحلية الداخلة في الاتحاد.
أولا: تمثيل سائر الاقاليم والمحافظات بنسبة متساوية بغض النظر عن المساحة وعدد السكان، وقاعدة التمثيل المتساوي للولايات في المجلس الاعلى قد اتبعتها معظم الدول التي تأخذ بالنظام الفدرالي، بالطبع مع وجود استثناءات(19) لان العبرة في التمثيل هنا، ليس التمثيل البشري او السكاني وانما التمثيل السياسي للوحدات الداخلة في الاتحاد.
ثانيا: اعتماد نظام الاغلبية في انتخاب ممثلي الاقاليم والمحافظات، ويفضل لو ان الترشيح يكون على أساس الخبرة والكفاءة، بحيث تكون شروط الترشيح اكثر تطلباً من الشروط التي يشترط توافرها في التشريح للمجلس الاخر وهو المجلس الشعبي (مجلس النواب) إذ ان قاعدة تمثيل الشعب بسائر مكوناته وطبقاته الاجتماعية متحققة في تشكيل المجلس الشعبي، اما مجلس الاتحاد فإن تشكيله يقوم على أساس تمثيل وحدات سياسية (في العراق يمثل مجلس الاتحاد وحدات سياسية – الاقاليم – اضافة الى الوحدات الادارية – المحافظات غير المنتظمة في اقليم وذلك وفقا للمادة 45)، لذلك فإن المرشحين لتمثيل هذه الوحدات يفترض ان تتوفر لديهم مقومات تؤهلهم لهذا التمثيل، كالشهادة والعمر، والخبرة، او غيرها من المعايير.
ثالثا: منح مجلس الاتحاد اختصاصات حقيقة في التشريع والرقابة، ان كان المشرع الدستوري قد أخفق في ضمان فاعلية مجلس الاتحاد، ولم يخصص له المساحة التشريعية الكافية في متن الدستور، فإن المشرع العادي مطالب كنتيجة لهذا الاهمال الدستوري، بتشريع قانون يتلافى النقص الدستوري ويمنح مجلس الاتحاد اختصاصات حقيقية وفاعلة، ليؤدي دوره كجزء من السلطة التشريعية الاتحادية، وهذا يتمثل في منح المجلس حق اقتراح القوانين المتعلقة بالأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم وهذا المنهج ليس بجديد على المشرع العراقي، اذ سبق ومنح مجلس القضاء الاعلى رخصة اقتراح القوانين المتعلقة بالسلطة القضائية(20) في القانون رقم (45) سنة 2017. وتفترض القاعدة العامة ان سن القوانين الاتحادية في الدول الاتحادية يكون بشكل تعاوني بين المجلس الشعبي والمجلس الاتحادي، حيث يفترض ان هذه العملية تحتاج الى اغلبية معينة في كلا المجلسين(21).
وكذلك لايفوتنا ذكر اهمية الدور الرقابي الذي يمكن ان يضطلع به مجلس الاتحاد، إذ يمكن ان يعمل كوسيلة تحقق من السياسة التشريعية -الإقليمية والوطنية - والمتغيرة بسرعة في مجلس النواب، فعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة الامريكية يملك مجلس الشيوخ العديد من الاختصاصات المتميزة، منها على سبيل المثال، صلاحيات (المشورة والموافقة) (مثل سلطة الموافقة على المعاهدات) وهي امتياز خاص بمجلس الشيوخ(22). في حين يحتفظ مجلس النواب الحق الدستوري في تشريع جميع مشاريع القوانين العامة، وقد سمح لمجلس الشيوخ في تعديلها على أوسع نطاق ممكن. مجلس الشيوخ يملك في هذا الخصوص تعديلها بالإضافة عليها لاسيما القوانين المالية، وله ادخال التعديلات ليس فقط في المبالغ المحددة بل حتى أهداف الإنفاق(23).
المبحث الثاني
تطوير وظائف البرلمان
يؤدي البرلمان عددا من الوظائف، تختلف في مجالها ونطاقها من دولة الى أخرى، وذلك حسب النظام الدستوري الخاص بالدولة، والمكانة التي يتمتع بها هذا البرلمان،. وبوجه عام، فإن اهم الوظائف التي يقوم بأدائها البرلمان هي الدور التشريعي، والدور الرقابي للمجلس، إذ من خلال هاتين الوظيفتين يؤدي البرلمان دوره كهيئة ممثلة للشعب، ويؤدي دوره في رسم السياسة التشريعية في الدولة كسلطة تشريعية ورقابية. سنحاول في هذا المبحث تسليط الضوء على مسألة تطوير العمل البرلماني بشكل عام، وعلى تطوير دور البرلمان في الوظيفة التشريعية بشكل خاص.
المطلب الاول: تطوير العمل البرلماني بشكل عام
وفيه نعرض لمجالين: الاول هو تطوير اللائحة الداخلية للبرلمان او النظام الداخلي، والثاني يركز على تأهيل اعضاء البرلمان بشكل عام.
الفرع الاول: تطوير لائحة النظام الداخلي للبرلمان
اصطلاحا، تعرف القواعد البرلمانية كمجموعة من القواعد الرسمية يحكم سلوك السياسة في الساحة البرلمانية، بما في ذلك علاقة البرلمان بالهيئات الأخرى. يتم تدوين هذه القواعد عادةً على الأقل وثيقتين قانونيتين: الدساتير، وهي تنظم العمل البرلماني بشكل عام في حين يتم تضمين قواعد أكثر تفصيلا في اللوائح أو الانظمة الداخلية التي يختلف وضعها القانوني وقيمتها باختلاف البلدان، بدءًا من تمتعها بقيمة القوانين المكملة للدستور او القوانين العضوية الاساسية، الى اعتبارها بذات قيمة التشريعات العادية، او اعتبارها كقواعد داخلية متفق عليها(24).
من هنا تأتي أهمية النظام الداخلي او قانون المجلس، كونه ينظم عمل السلطة النيابية التي تأتي بالانتخاب المباشر من قبل الناخبين، وهي أحوج ما تكون الى نظام داخلي متطور، يحيط بتفاصيل العمل البرلماني إحاطة متمكنة، ويعالج فنيات العمل البرلماني بطرق علمية متوافقة مع الدستور، ومتناغمة مع تطور التجارب البرلمانية العالمية في هذا الخصوص. ولأن النائب يمثل الشعب بأكمله، ويستدعي ذلك ان يكون سلوكه منضبطا اثناء تمتعه بصفة النيابة، حتى لاتنحرف الممارسة الديمقراطية ويتشوه كيانها، فإن ذلك يستدعي وضع قوانين ومدونات للسلوك البرلماني، وإقرار مدونة السلوك البرلماني العراقية لعام 2016، تتطلب تفعيلا جديا، وتتطلب ضوابط أكثر جدية، فاذا كان المشرع الدستوري أغفل تبيان المسؤولية السياسية للنواب، واسبغ الحماية لعضو مجلس النواب يفترض تلافي ذلك في النظام الداخلي لمجلس النواب، وتضمينه نصوصه تقرر حق المجلس بفصل أحد اعضاءه لأسباب تتعلق بإخلاله بمسؤوليته السياسية الوطنية او اخلاله بقسمه الدستوري او اثر ادانته بجناية مثال ذلك في الولايات المتحدة الامريكية يسمح الدستور لمجلس النواب بطرد عضو بأغلبية الثلثين، ومن ضمن أسباب الطرد هي المواقف السياسية التي تخل بالدستور وتتقاطع مع النظام الدستوري وفي تاريخ الولايات المتحدة، تم طرد ثلاثة نواب لمواقفهم الداعمة لانفصال الولايات وهم (جون بولوك كلارك، جون ويليام ريد وهنري كورنيليوس بورنيت)(25).
وفي هذا الصدد نشير الى الافكار الخاصة بتطوير اللوائح الداخلية للبرلمانات العربية الواردة في تقرير ندوة تطوير العمل البرلماني(26) و هي"(أ) ألاّ يتعارض التنظيم اللائحي للمناقشات مع حرية التعبير عن الرأي والفكر للأعضاء كافة، أو مع تنوع الاتجاهات السياسية داخل البرلمان؛ (ب) أن يكون هذا التنظيم جزءاً من منظومة قانونية أشمل تأتي اللائحة فيها في مرتبة قانونية ثالثة بعد أحكام الدستور والقانون؛ (ج) ألاّ تكون النظرة إلى اللائحة جامدة بل يفترض أن تكون إمكانات تعديلها متاحة وفق التطورات الاقتصادية والسياسية والثقافية للمجتمع؛ (هـ) ألاّ يكون تنظيم اللائحة ووضعها معقداً إلى الحد الذي يخلق صعوبة بالتعامل معها حتى من قبل المتخصصين وأهل الخبرة القانونية؛ (و) ألاّ تميل هذه اللوائح إلى معاملة رئيس البرلمان بوصفه قيِّماً على أداء الأعضاء وسلوكهم، إذ إن ذلك يتجافى مع الطبيعة المساواتية لأعضاء البرلمان".
الفرع الثاني: تأهيل أعضاء البرلمان
ان من نتائج تبني الديمقراطية النيابية، وتوسيع قاعدة الناخبين وفق مبدأ الاقتراع العام، ومنح حق الترشيح على قدم المساواة، ان يؤدي ذلك الى وصول نماذج مختلفة من المرشحين للفوز بالمقاعد الانتخابية، وليس بالضرورة ان يكون الجميع على مستوى عال من الثقافة البرلمانية، بل ان احتمالية وصول عناصر تحمل امية برلمانية تحظى بنسبة كبيرة(27) لذلك تبرز الحاجة الى عملية تأهيل اعضاء البرلمان، واعدادهم لتولي مهامهم الدستورية على افضل وجه، ويمكن العمل على تأهيل عضو المجلس النيابي من خلال الفقرات الاتية:
أولا: دورات تثقيفية للنواب
الامية البرلمانية حقيقة حاضرة في معظم برلمانات العالم، النائب يحتاج إلى تثقيف بخصوص النظام الداخلي وقوانين المجلس، وتثقيف بخصوص كيفية ممارسة الاختصاصات العامة للبرلمان لاسيما مايتعلق منها بالتعامل مع باقي السلطات وعلى كيفية التعامل مع الأدوات والاجهزة الرقابية، وكيفية إعداد التقارير والدراسات البرلمانية، كما يحتاج إلى التدريب والتثقيف على آليات عمل اللجان البرلمانية وكيفية التقدم بمشروعات قوانين أو تعديل القوانين، وغير ذلك من مجالات العمل البرلماني.
ثانيا: تطوير المكتبة البرلمانية
تعتبر تنمية الدراسات البرلمانية مدخلا للتنمية التشريعية، والتي هي جزء عضوي من عملية التحول الديمقراطي، ولاسيما من حيث ارتباط التنمية التشريعية بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتطور الثقافي وعملية الاصلاح السياسي، لذلك يبدو من الضروري توفير مكتبة برلمانية شاملة لمواضيع الدراسات البرلمانية،وتضمينها مراجع ومصادر متخصصة في فن الصياغة التشريعية، والدراسات المتعلقة بتطور التجارب البرلمانية العربية والعالمية.مثلا يمكن اعداد كتيبات من قبل مختصين صغيرة وواضحة للممارسة البرلمانية (على سبيل المثال: كيف تعد اقتراحا بمشروع قانون، كيفية تقديم استجواب، أسس مناقشة الخطة والموازنة وغيرها) لكي تكون دليلا عمليا لممارسة الحقوق والواجبات البرلمانية، يتجه اليه العضو بسهولة ويسر ليجد إجابة واضحة على مايهمه من امور اجرائية(28).
ثالثا: استحداث وحدات البحوث والمعلومات البرلمانية
ان البرلمان كسلطة تشريعية احوج من غيره من المؤسسات السياسية، الى وجود منظومة بحثية ومعلوماتية متطورة وشاملة لمختلف مجالات الحياة، لان تنظيم امور المجتمع المختلفة يحتاج الى قوانين مختلفة ومتطورة ومواكبة لعصر الحداثة والتطور العلمي والانساني الذي يعيشه سكان المعمورة، ان وحدات المعلومات والبحوث والدراسات سواء ماكان منها متخصصا في الاعمال البرلمانية والتجارب البرلمانية المعاصرة، او ماكان منها متوزعا بين مجالات التشريع المختلفة العلم والتكنلوجيا، الطب والهندسة، الاقتصاد، الزراعة، السياحة.. الخ، تعد من اهم ادوات ووسائل تطوير العمل البرلماني، والاموال التي تصرف تحت عنوان نثرية او ضيافة او امتيازات مادية للنواب، من الاجدر انفاقها على تطوير العمل البحثي داخل البرلمان عن طريق استحداث وحدات للبحوث والمعلومات، فدور الوحدات البحثية والمعلوماتية في تكوين بنية القانون في غاية الاهمية، حتى نتوصل الى قوانين منسجمة مع تطورات الحياة.
المطلب الثاني: تقويم وتطوير العملية التشريعية
يعد التشريع المصدر الرسمي الأول للقانون، ويتمتع بأهمية بالغة في الوقت الحاضر بعد ان كان العرف هو الذي يتقدم على بقية مصادر القانون في المجتمعات القديمة، فالتشريع يقف في صدارة مصادر القانون في اغلب بلدان العالم(29). ومن الاسباب التي منحت التشريع موضع الصدارة هو تطور دور الدولة وازدياد تدخلها في تنظيم مختلف اوجه ومجالات الحياة في الدولة، وازدياد تدخلها في مجال تنظيم العلاقات بين الافراد في شتى الميادين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.. الخ(30)، لذلك تعد عملية تقويم وتطوير الوظيفة التشريعية للبرلمان من اهم عوامل اصلاح البرلمان، وسنبحث ذلك في عدة مواضع وكالآتي:
الفرع الاول: مراجعة وتعديل وتوحيد منظومة القوانين النافذة.
أولا: مراجعة شاملة للقوانين القديمة: لا تقتصر الاختصاصات التشريعية للمجالس النيابية على عملية اقتراح وتشريع القوانين، بل يدخل التعديل التشريعي للقوانين ضمن هذه الاختصاصات، ولا يقل عنها اهمية لاسيما القوانين القديمة نسبيا والتي لازالت نافذة، نلاحظ ان مجلس النواب بين فترة واخرى يضطر الى الغاء او تعديل احد القوانين السابقة وذلك بمناسبة نزاع او دعوى مرفوعة امام المحكمة الاتحادية، أن تدخل مجلس النواب بشكل مستمر عن طريق التعديل والإضافة أو الإلغاء يربك الاوضاع القانونية، ويربك القضاء أيضا، لذلك يكون من الاوفق لو ان المجلس يتصدى لهذه التشريعات بإجراء المراجعة الشاملة والتعرض لها بالإلغاء وبالتعديل لتجنب المشاكل التي يخلفها استمرار تطبيقها بالصورة الاصلية لها دون تعديل، يمكن للمجلس تشكيل لجنة مهمتها جمع وفحص هذه القوانين ولها الاستعانة بمن تراه مناسبا وضروريا من الخبراء والفقهاء والمختصين، وبحسب كل قضية، ولها رفع تقرير بعد الدراسة المعمقة لهذه القوانين، يتضمن التوصية بإلغاء ما يستوجب الغاءه من هذه القرارات او القوانين، وتعديل ما يحتاج تعديل. وهذه التجربة متبعة في الكثير من الانظمة الدستورية، في بعض الدول تم اصدار قانون خاص لمراجعة القوانين مثال ذلك قانون مراجعة القوانين التشريعية في استراليا رقم 73 لعام 2008، اذا تضمن هذا القانون خلاصة بأهم التعديلات والمراجعات التي تم التوصل اليها من قبل لجنة مراجعة القوانين.وهناك من القوانين ماتعرض للتعديل لأكثر من مرة، لذا يصبح من الافضل الغاء هذه القوانين كثيرة التعديلات، وسن قوانين جديدة مثل قانون الخدمة المدنية العراقي لسنة 1960 اذا تجاوز تعديلاته ال 200 تعديل وهو عدد غير مقبول والاصلح الغاءه وسن قانون جديد.
ثانيا: توحيد التشريعات: بلا شك ان من العوامل المؤثرة في فاعلية المنظومة التشريعية في أي دولة، هو توحيد التشريعات المتعلقة بموضوع واحد او التي تعالج مسائل مشتركة،وهذا يتطلب تشكيل لجنة متخصصة لكل مجال محدد من التشريعات، مثال ذلك لجنة متخصصة بالتشريعات المدنية، واخرى للتشريعات الجنائية وهكذا، مهمتها توحيد القوانين ذات العلاقة.
الفرع الثاني: توفير سبل انجاح عملية تشريع القوانين.
لايكفي لنجاح عملية تشريع القوانين، المام النائب بالعناصر الموضوعية والاجرائية في عملية التشريع، بل لابد من توفير مجموعة معايير او وسائل من خلالها نتوصل الى بنية تشريعية سليمة، تعكس متطلبات المجتمع المتطور والمتغير، وتبتعد قدر الامكان عن العيوب والاخطاء التشريعية، وفي هذا الخصوص اقترحنا الوسائل الاتية:
أولا: اعتماد الاسس العلمية في التشريع
بالإضافة الى اعتبارات المطابقة الدستورية وتبني الأسس الديمقراطية والمفاهيم الحديثة لحقوق الانسان وفق ضوابط الدستور، عملية تشريع القوانين لابد ان تعتمد ايضا على أسس علمية، لان المجتمع يحتاج الى منظومة قوانين، ونظام تشريعي مستقر وفي ذات الوقت يعكس الحاجات المتغيرة والمتطورة للمجتمع، ولتحقيق هذه الغاية لابد ان يتم اعتماد التطور العلمي والياته في التشريع، لاسيما في التشريعات التي تعالج امور التنمية والتطوير في المجتمع، لان عملية تطوير المجتمع مرتبطة ارتباطا لا يقبل الانفكاك مع تطور القوانين(31). هنا تأتي اهمية استحداث وتفعيل وحدات البحوث والمعلومات، كونها تساهم في اعداد قوانين عصرية ومتطورة.
ثانيا: تشريع القوانين المهمة ومنع عرقلتها
البرلمان مؤسسة دستورية تعمل وفق مبدأ النيابة لغرض تشريع القوانين اللازمة في الدولة اضافة الى ادوارها الاخرى، بالتالي يتجلى الوجود الحقيقي للبرلمان في كونه الأداة التشريعية التي تعمل نيابة عن الشعب، وهذا يتطلب من النائب القيام بدوره التشريعي بكل أمانة وحرص على حياة ومصالح افراد الشعب الذي وكلوه بالنيابة، ومن متطلبات هذا الدور العمل على تشريع القوانين المهمة لاسيما تلك القوانين التي تتعلق بالمؤسسات السياسية او التي على تماس مباشر بحقوق وحريات المواطنين وتنظيم اوجه انشطتهم وضمان وكفالة مستويات المعيشة اللائقة لهم، لذلك يتوجب على مجلس النواب تدارك اي خلل في هذا الموضوع والعمل على إسراع الملية التشريعية لجملة من القوانين المهمة منها قانون مجلس الاتحاد، قانون المحكمة الاتحادية، قانون الخدمة الاتحادية وغيرها من القوانين، وهذا يتطلب من رئاسة مجلس النواب المحاسبة على الاخلال بالنصاب حين التصويت على القوانين المهمة، واعتبار ذلك تنصلا عن المسؤولية السياسية والاخلاقية امام الشعب، ونشر اسماء النواب الذي يعتمدون هذه الطريقة لتعطيل العملية التشريعية.
ثالثا: فحص دستورية مشروعات القوانين بدقة قبل التصويت
ان تدرج التشريعات من سمات الانظمة الدستورية المعاصرة، ولهذا تم اقرار الرقابة على دستورية القوانين، بحيث يتم الغاء القوانين المخالفة للدستور، وليس سهلا تقبل فكرة ان البرلمان يشرع قوانين مخالفة للدستور، ولا سهل على السلطة القضائية اعلان عدم دستورية احد قوانين البرلمان وبالتالي الغاؤه، ولذلك ولتدارك حصول مثل هذا الأمر يفضل شروع اللجنة القانونية في البرلمان بدراسة كل مشاريع القوانين من الناحية الدستورية والتحقق من عدم مخالفتها لأي نص او مبدأ من مبادئ الدستور قبل البدء بإجراءات تشريع هذا القانون.
الخاتمة
في ختام هذه الاوراق البحثية، نتوصل الى نتيجة مفادها ان الاصلاح التشريعي يبدأ من اصلاح البرلمان، السلطة التشريعية هي سلطة محورية في أي نظام دستوري، وتأتي هذه المكانة كنتيجة لعظم الاختصاصات التي تتولاها هذه السلطة، واصلاح هذه السلطة يستلزم النظر بعين التقويم لبنيتها العضوية والوظيفية، لإصلاح مواطن الخلل وتطوير هذه المؤسسة. وهذا يتطلب بدوره اصلاح النظم الانتخابية والحزبية في الدولة، واعادة تقييم النشاط الوظيفي للبرلمان ومحاولة تطويره، وفي هذا الخصوص سجلنا عدداً من التوصيات:
التوصيات
1- تشريع قانون انتخابات جديد يكون من اولويات مجلس النواب الجديد على ان يتضمن القانون مايأتي:
- تبني تفسير جديد للمادة (49) من الدستور يتضمن اعتبار نسبة ال 100 الف نسمة من نفوس العراق والتي تقابل مقعدا نيابيا واحدا هو الحد الادنى وليس الاعلى
- الزام المرشحين بإعلان البرامج الانتخابية قبل مدة كافية من اجراء الانتخابات، واتاحة المجال للناخب في ان يطعن بهذه البرامج متى ما تم تشخيص مقاطعة للدستور او تضمنت دعوة مبطنة للعنصرية او التطرف او الانتقاص من حقوق وحريات المواطنين
2- تعديل قانون الاحزاب السياسية، برفع الفقرة ثانيا من المادة (5) منه، بحيث يبقى الاساس الحاكم لتأسيس الاحزاب السياسية في العراق هو مبدأ المواطنة وبما يتفق مع الدستور، ومنع كل انواع التوجهات الاخرى.
3- ضرورة الاسراع بتشريع قانون مجلس الاتحاد، اما اذا كان التوجه التشريعي يتجه نحو عدم تشريع قانون هذا المجلس او تشكيله فهنا لابد من اجراء تعديل دستوري لرفع النصوص التي تضمنت تشكيل هذا المجلس.
4- اعداد دراسة متكاملة من قبل مختصين واكاديميين وخبراء لغرض اعداد دورات تأهيلية وتثقيفية للنواب الجدد، لتدريبهم على الية تطبيق النظام الداخلي وتوعيتهم بخصوص مدونة السلوك البرلماني، وتثقيفهم بخصوص ممارسة اختصاصاتهم البرلمانية الاخرى، وايضا اعداد دراسة لغرض تطوير واعادة تأهيل المكتبة البرلمانية ووضع خطة عمل لغرض اغناءها بالمصادر والبحوث في مجال الدراسات البرلمانية.
5- تشكيل لجنة مهمتها جمع وفحص القوانين ولها الاستعانة بمن تراه مناسبا وضروريا من الخبراء والفقهاء والمختصين، وبحسب كل قضية، ولها رفع تقرير بعد الدراسة المعمقة لهذه القوانين، يتضمن التوصية بإلغاء ما يستوجب الغاءه من هذه القرارات او القوانين، وتعديل ما يحتاج تعديل وهنا نرى ضرورة الغاء القوانين التي تعرضت للتعديل المتكرر (مثل قانون الخدمة المدنية الذي تجاوز تعديلاته ال 200 تعديل)وسن قوانين جديدة وتوحيد القوانين ذات الاختصاص المشترك قدر الامكان.
اضف تعليق