q
ربما لا يوجد ما هو أجمل من متابعة ظاهرة فلكية مثيرة للانتباه، ومن دون أي تكلفة، يتساوى في ذلك الكبار والصغار، فلن تحتاج سوى عينيك المجردتين، ومعرفة بطبيعة تلك الظواهر وموعد حدوثها وكيفية رصدها، القمر العملاق هو ظاهرة ممتعة بالنسبة للكبار والأطفال على حدٍّ سواء...
بقلم: شادي عبد الحافظ

ربما لا يوجد ما هو أجمل من متابعة ظاهرة فلكية مثيرة للانتباه، ومن دون أي تكلفة، يتساوى في ذلك الكبار والصغار، فلن تحتاج سوى عينيك المجردتين، ومعرفة بطبيعة تلك الظواهر وموعد حدوثها وكيفية رصدها.

القمر العملاق

القمر العملاق هو ظاهرة ممتعة بالنسبة للكبار والأطفال على حدٍّ سواء، تحدث حينما يتزامن طور البدر مع وجود القمر في أقرب مكان له من الأرض، وبالتالي يظهر القمر أكثر لمعانًا وأكبر من المعتاد، خاصةً حينما تتأمله بعد الغروب مباشرة، عندما يكون القمر في الأفق.

وفي عام 2023 لدينا قمران عملاقان، والغريب أن تلك الظاهرتين سيحدثان في الشهر ذاته، الأول في مساء يوم 1 أغسطس والثاني في مساء يوم 30 أغسطس، ولا يحتاج رصد القمر العملاق إلى أي أدوات، فقط اخرج إلى الشرفة أو اصعد إلى سطح المنزل وتأمل ذلك المشهد الممتع.

جدير بالذكر أن القمر العملاق يوم 30 أغسطس يسمى "القمر الأزرق" Blue Moon، وهو لا يعني أن القمر سيصبح أزرق اللون، بل هو اصطلاح يُستخدم للإشارة إلى ثالث قمر مكتمل من أربعة أقمار مكتملة تحدث في الفصل نفسه، ويطلق كذلك على اكتمال القمر مرتين في شهر ميلادي واحد، ولهذه التسمية أصول غربية قديمة، إذ كان الفلاحون في الولايات المتحدة الأمريكية يستخدمون تعبير "مرة كل قمر أزرق" Once in a Blue Moon للإشارة إلى ندرة الشيء (كما يقولون في مصر مثلًا: "في المشمش")، وهذه الظاهرة الفلكية نادرة كذلك، تحدث مرة كل عدة سنوات.

كسوف الشمس

ولنبدأ من كسوف الشمس، وربما كان هو الظاهرة الأجمل عادةً في أي دولة، لكننا للأسف في مصر والعالم العربي لن نشهد أي كسوفات شمسية في 2023، على الرغم من أن كوكب الأرض بالفعل سيشهد كسوفين شمسيين: الأول في 20 أبريل ويتركز بشكل أساسي في جنوبي آسيا وأستراليا، والثاني سيكون في 14 أكتوبر، وسيكون لافتًا حقًّا للانتباه، إذ يغطي غالب النطاق الجغرافي للأمريكتين الشمالية والجنوبية، وسيكون كسوفًا حلقيًّا، أي أن القمر سيغطي جسم الشمس كله ما عدا حوافها، فتظهر الشمس وكأنها قرص أسود كبير وسط حلقة دائرية من نار.

وبشكل عام، يحدث كسوف الشمس بالنسبة للبشر على الأرض، عندما يمر القمر أمام الشمس، فيحجب ضوءها عنهم فترةً من الزمن، سواء بشكل كامل أو جزئي.

في كل الأحوال، في مصر بشكل خاص لن نشهد كسوفات شمسية خلال الأعوام الأربعة القادمة، لكن هذا الصبر الطويل سينتهي بهدية فلكية، إذ إننا سنكون على موعد، قبل ظهر يوم الثاني من أغسطس عام 2027، مع كسوف شمسي كلي سيمر بجنوبي مصر، وفي القاهرة والإسكندرية سيُغطى سطح الشمس بنسبة حوالي 95%، ولعله أهم حدث فلكي تقريبًا منذ الكسوف الشمسي في عام 2006.

خسوف القمر

ويبدو أن عام 2023 ليس الأفضل في الظواهر الفلكية، إذ لن تشهد مصر والوطن العربي إلا خسوفًا قمريًّا جزئيًّا واحدًا فقط، سيكون موعده في 28 أكتوبر 2023، سيستمر فقط ساعةً وثلث الساعة، وسيبدأ في الساعة 11:35 مساءً بتوقيت مصر، وخلاله سيبدو القمر وكأنه رغيف خبز أكل أحدهم قضمةً منه، ثم يرجع القمر إلى حاله مرةً أخرى، ومقارنةً بالخسوف الكلي الذي شهدناه في 2018، لا يلفت هذا الخسوف الانتباه كثيرًا للأسف. ويحدث خسوف القمر عندما يمر القمر خلف ظل الأرض في أثناء دورانه حولها، يشبه الأمر أن يقف أحد أصدقائك أمام مصباح كبير في الغرفة، وتمر أنت في الظل الممتد خلفه.

أمطار الشهب

وعلى الرغم من أن 2023 لن تكون الأفضل فيما يتعلق بظواهر الخسوف والكسوف، إلا أنها ستكون من أفضل السنوات بالنسبة لزخات الشهب Meteor Showers، وهي ظاهرة تحدث حينما تمر الأرض في أثناء دورانها السنوي حول الشمس ببقايا مذنب أو كويكب، تدخل تلك البقايا إلى الغلاف الجوي بسرعات هائلة وتحترق، متسببةً في ظهور الشهب التي نراها مضيئةً لامعةً في السماء.

في الأيام العادية، يمكن أن ترى شهابًا أو اثنين في السماء حينما تنظر إليها ليلًا، لكن في مواعيد تلك الزخات يمكن أن ترى عشرات الشهب، على سبيل المثال في الليلة الواقعة بين 12 و13 أغسطس من عام 2023 نحن على موعد مع أوج أهم شهب هذا العام وأكثرها شهرة، وهي البرشاويات Perseids، وفيها يمكن أن ترى في الساعة الواحدة حوالي 90 شهابًا.

أما في مساء يوم 14 ديسمبر، فيمكن أن تراقب شهب التوأميات Geminids، وفيها يمكن أن ترى حوالي 120 شهابًا في الساعة، لمراقبة الشهب في الحالتين لا تحتاج سوى مكان مناسب للاستلقاء عليه والنظر إلى السماء.

وبشكل عام، فإن أعداد الشهب تتناسب عكسيًّا مع شدة إضاءة المكان، ففي صحراء نائية يمكن في ليلة واحدة أن ترى بالفعل مئات الشهب، لكن في سماء المدينة تنخفض أعدادها انخفاضًا جذريًّا، لتصل إلى عدة عشرات من الشهب في الليلة.

لقاء القمر مع الكواكب

تلمع بعض الكواكب في سماء الليل مثل النجوم، يحدث ذلك ببساطة لأنها تعكس ضوء الشمس مثلما يفعل القمر، لكن لأنها بعيدة جدًّا عن الأرض فإنها تظهر صغيرةً جدًّا كالنجوم البعيدة، وفي بعض الأحيان تقترن تلك الكواكب بالقمر أو يقترن بعضها ببعض، لتصنع مشاهد بديعة تستحق التأمل.

على سبيل المثال، إذا خرجت إلى الشرفة أو صعدت إلى سطح المنزل بعد غروب يوم 23 يناير القادم، فسترى الهلال رفيعًا كأنه خيط من نور، وإلى جواره جرمان لامعان كأنهما متلاصقان، الأكبر يلمع باللون الأبيض وكأنه مصباح منير، هذا هو كوكب الزهرة، والثاني أقل لمعانًا ويميل إلى اللون الأصفر، وهو كوكب زحل.

أما في 22 فبراير، فبعد الغروب كذلك يمكن أن ترى مشهدًا ساحرًا للهلال، إذ ستراه محاطًا بجرمين لامعين كمصباحين منيرين باللون الأبيض، أعلاه المشتري وأسفله مباشرةً كوكب الزهرة، في واحد من أجمل مشاهد 2023 على الإطلاق!

أما كوكب المريخ فيظهر في السماء بلون أحمر لامع، قديمًا تصور الناس أنه لون الدماء، فربطوا المريخ بالحرب والغضب، لكننا الآن نعرف أن سبب ذلك اللون الأحمر هو تأكسد بعض مركبات الحديد على سطح الكوكب، خلال عام 2023، سيكون شهرا يناير وفبراير هما الأفضل لرؤية الكوكب الأحمر على مسافة قريبة جدًّا من القمر، يحدث ذلك في 3 يناير و30 يناير و27 فبراير، أما في مساء يوم 22 يونيو فإن لقاء المريخ مع القمر يتزامن مع وجود كوكب الزهرة، فيصنع الثلاثة معًا مشهدًا ساحرًا، وكأنها رقصة جميلة بين الكوكبين والقمر.

في بعض الأحيان يقف القمر إلى جوار مجموعة من النجوم اللامعة، قلب العقرب Antares مثلًا هو أكثر نجوم كوكبة العقرب Scorpius لمعانًا، وهو عملاق أحمر عظيم في نهاية عمره، هذا النوع من النجوم ينفجر في نهاية حياته صانعًا مستعرًا أعظم Supernova هائلًا، يعرف العلماء أن ذلك الحدث بات قريبًا، لكن لا يمكن تحديد الوقت بدقة، ربما الآن وربما بعد عدة ملايين من السنوات.

ويمكن لك في مساء يوم 25 أغسطس أن تتعرف إلى هذا النجم، إذ ستراه واقفًا إلى جوار القمر.

أما في مساء 26 أبريل فيمكن لك أن ترى القمر واقفًا إلى جوار نجمين لامعين، الأقرب إلى القمر هو "رأس التوأم المؤخر" Pollux، أما الأبعد قليلًا فهو رأس التوأم المقدم Castor، وقد سُميا كذلك في الأسطورة اليونانية القديمة نسبة إلى "كاستور" و"بولوكس"، كانا أخين لكن أحدهما (بولكس) كان نصف إله في الأسطورة، وقد أحب أخاه جدًّا، بعدما مات كاستور ذهب بولكس إلى أبيه ملك الآلهة وطلب منه أن يخلد في السماء مع أخيه كمجموعة من النجوم.

من اللطيف أن تعرف أن رأس التوأم المقدم ليس نجمًا واحدًا كما يبدو لك بعينيك المجردتين، فلو تمكنت من رصده بتلسكوب ضخم لرأيت أنه في الحقيقة في الحقيقة نظام نجمي مكون من ستة نجوم، يدور بعضها حول بعض في تناغم بديع! وتُعد ظاهرة النجوم التي يدور بعضها حول بعض من الظواهر الشائعة في سماء الليل.

اضف تعليق