شهدت الساحة السياسية العراقية أزمات متلاحقة في ظل نظام دولة وصفت في بعض الاحيان بالفاشلة، وفشلها هذا يعد سابقة في تأريخ العراق السياسي، فلم يتم وصف دولة العراق بالفاشلة إلا في تلك السنوات تحديداً، وهذا الفشل كان النتيجة الحتمية للملامح الرئيسية التي رسمتها معالم العملية السياسية التي ما ان امتدت لها أصابعه الاحزاب الخبيثة حتى تلوثت ودفعت بالبلد ليكون عرضة لأزمات إقتصادية وسياسية وأمنية أضاعت هيبته وأفشلت في نفوس ابناءه كل أحلامهم في قيام دولة تحفظ كرامة أبناء شعبها وتحفهم بالعدالة الاجتماعية وتحسن من مستويات الخدمات العامة.
لم تكن الصحافة لدينا بمعزل عن تلك التغييرات والازمات؛ بل كانت واحدة من أهم المؤشرات التي ترتقي لمستوى الازمة، صحافة متنوعة وصحف كثيرة ومواقع ألكترونية عديدة منها المستقل ومنها من طوع لخدمة أهداف ومصالح حزبية وفؤية ضيقة حتى دخلت الصحافة في خضم الصراعات السياسية والامنية ذلك ما حملها ذلك وزراً كبيراً تحمل الكثير من الصحفيين خلاله مصاعب جمة وصلت الى حد القتل.
وفي اليوم العالمي للصحافة الذي يوافق الثالث من أيار/مايو من كل عام.. نستذكر المئات من شهداء الاسرة الصحفية من قدموا أرواحهم فداء لمهنتهم لم يأبهوا مطلقاً بتعرضهم للقتل أو الخطف أو الاصابات القوية الناتجة عن عملهم كمراسلين حربيين لتغطية جبهات المعارك الذي تقودها القوات الامنية ضد العصابات التكفيرية.
أولئك الشهداء الذين ساروا على طريق خلودهم؛ سيبقون علامة مميزة في مسيرة الصحافة العراقية ويؤشرون على عظم المسؤولية الملقاة على عاتق الاعلاميين ممن يخوضون نزال الكلمة الحقيقية والشريفة أمام موجات من التقلبات السياسية في بلد تنوعت جبهات الصراع فيه ولم تعد تقتصر على طوائف مختلفة أو قوميات مختلفة بل أن الصراع السياسي والعسكري وبفعل إحتواء تلك الاحزاب على أجنحة مسلحة أصبحت له جبهة داخلية واضحة المعالم تطوقها الحصول على مكاسب في الارض وفرض أطواق السيطرة على المناطق في العاصمة بغداد، كل ذلك كان السبب الاول في وضع الاعلاميين أمام فوهات المدافع السياسية وفي خضم المواجهة الكبرى أمام قوى التعصب على اختلاف مشاربها.
المئات من الصحفيين العراقيين قدموا أرواحهم فداء لمهنتهم دافعين بمستقبل عوائلهم الى المجهول في خضم الازمات الاقتصادية، نستذكرهم اليوم بكل فخر واعتزاز مقتدين بمسيرتهم النيرة في عالم الصحافة التي توهموا يوماً أنها حرة وأن حقبة ما بعد 2003 ستمنحهم الحرية الكاملة في عملهم الشريف ونضالهم المستمر في كشف الفساد وبؤرة التي حطمت كل مقومات الدولة.
مرصد الحريات الصحافية JFO، كشف عن حدوث 477 انتهاكاً بحق الصحافيين والإعلاميين منها تسع حالات قتل، خلال الأشهر الـ12 الماضية، مؤكداً على وجود "مخاطر جسيمة" تهدد الصحافيين بما في ذلك غلق العديد من مكاتب الفضائيات والمواقع الإخبارية، والتهديدات المباشرة وغير المباشرة، وفي حين اتهم القوى السياسية المتنفذة بـ"استغلال" نفوذها لعرقلة العمل الإعلامي، والبرلمان بـ"الإخفاق" بحماية حرية الصحافة، شدد على أن العراق يتصدر قائمة "الإفلات من العقاب" لضحايا الإعلاميين، بنسبة 100%.
موضوع الاحتفال في اليوم العالمي لحرية الصحافة لهذا العام تحت شعار "الوصول إلى المعلومات والحريات الأساسيّة: هذا حقك".. أي حق في الوصول الى المعلومة ونحن نعيش في ظلال كبير ووهم العمل الحر، لا معلومات تتوفر اليوم في العراق سوى تلك التي يراد منها ضرب حزب ما أو كتلة ما، فنحن نغرق في فوضى من المعلومات المظللة ومئات الدعاوى أمام محاكم النشر، غرامات بالمليارات، كانت أحد أهم السبل في مواجهة حرية الصحافة في العراق والتي تكبح جماح العمل الصحفي الحر القادر على مواكبة الحدث ولا ننسى التهديدات التي طالت أرواح المئات من صحفي العراق كما أشرنا والتي كانت في مقدمة تلك الكوابح للحرية المزعومة.
ان التهديد الامني الذي تشكله قوة الفساد بحيتانها وأساطينها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسمح للإعلام الشريف بالتقرب من مناطق تواجدها والكشف عن حجم الضياع الهائل في ثروات البلد، نحن امام قدرات مالية كبيرة التهمتها تلك الحيتان أعاق النظام السياسي المحاصصي فرصة الكشف عنها وعن ملفاتها التي أضحت اليوم في خبر كان مفوتة الفرصة للحاق البلد بركب حتى الدول النامية ودول العالم الثالث.
الاعلام اليوم يتعرض للتهديد وبقسوة من قبل أطراف فاسدة امتلكت كل القدرة على شراء الذمم وتطويع الاعلام المأجور لخدمة مآربها متوعدة المتبقي منه بالويل والثبور وبالقتل في أحايين أخرى، العشرات من حوادث القتل للصحفيين لم يتم الكشف عنها وعن منفذيها بل أن المنفذين قد أفلتوا من العقاب لتسجل جرائمهم الفظيعة ضد مجهول.
لازال حلم الاعلام الحر القادر على تبني كل موقف يدفع بإتجاه خلاص أبناء شعبنا من ازماته المتلاحقة ويعمل بحرفية بالغة لتقصي الحقائق وتوطين تلك الحرية؛ يراودنا بقوة ونحن نعيش أزماتنا الفتاكة التي لم تترك لنا فرصة لالتقاط انفاسنا. وفي اليوم الدولي لحرية الاعلام ندعوا الحكومة أن تكشف لنا بعض الحقائق الغامضة عن إنتهاك تلك الحرية وعدم السماح بالتجاوز على تلك الحرية وبأي طريقة وتقديم من انتهكوها الى العدالة لينالوا جزائهم كي لا تذهب دماء شهدائها سدى.
اضف تعليق