صراع الهندوس والمسلمين في الهند التي تحتضن العديد من الأديان السماوية وغيرها، بخصوص بعض المواضيع الخلافية ومنها قضية ( ذبح الأبقار)، أصبح اليوم من الأمور المهمة التي أثارت قلق ومخاوف داخل هذا البلد الكبير، الذي يبلغ تعداد سكانها 1,25 مليار، وتعاني من مشكلات وازمات مختلفة قد تتفاقم بسبب اعمال العنف المتكررة، التي ازدادت حدتها وبحسب بعض المراقبين، منذ انتخاب حزب الشعب الهندي (باراتيا جاناتا) اليميني المتطرف بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي في العام 2014.
وتشهد منذ نحو عامين عمليات قتل مسلمين، حيث تعرض وكما نقلت بعض المصادر 10 مسلمين على الأقل للقتل بأيدي حشود في الهند منذ نيسان/أبريل 2017. يتهم معارضو مودي رئيس الوزراء بغض النظر عن هذه الجرائم. ويرى هؤلاء في هذه الظاهرة وأعمال العنف وسيلة تفرض من خلالها الأغلبية الهندوسية نفسها على الأقليات الكثيرة الموجودة في الهند. وفي نيسان/أبريل الماضي هاجم نحو 200 شخص قافلة تنقل أبقارا وقتلوا مزارعا. وفي أيار/مايو ضرب قرويون في شرق البلاد شابين مسلمين حتى الموت اتهماهما بسرقة أبقار. ونظمت مظاهرات للتنديد بهذه الجرائم في العديد من المدن الكبرى بشعار "ليس باسمي" (نوت أون ماي نيم).
وذكر موقع إنديا سبند للبيانات الصحفية على الإنترنت في تقرير أن الهجمات التي تشمل عنفا متصلا بالأبقار منذ 2010 وعددها 63 وقعت جميعها تقريبا بعد وصول مودي وحكومته القومية الهندوسية إلى السلطة في 2014. وأفاد الموقع بأن 28 هنديا، بينهم 24 مسلما، قتلوا وأصيب 124 في هجمات متعلقة بالأبقار منذ 2010. وطالب زعماء الطائفة المسلمة مودي بفعل المزيد لحماية المسلمين.
ويتميز الدين في الهند بتنوع المعتقدات والممارسات الدينية، تعد الهندوسية هي الديانة الأكبر بنسبة 79.8% ويليها الإسلام 14.2% والمسيحية 2.3% والسيخية 1.7% اما باقي الديانات والمجموعات 2%. الجدير بالذكر أن الجماعات الهندوسية المتشددة قد بدأت تنظيم حملات إعادة تحويل الأديان في السنوات القليلة الماضية، وقد أطلقوا على تلك الحملات اسم "العودة إلى الوطن".
ويمنح الدستور الهندي حقوقًا دينية متساوية للجميع، لكن خمس ولايات هندية قد قامت بسن قوانين صارمة من أجل منع أي شكل من أشكال العمليات التي تكون بغرض تحويل الأديان عن طريق الإغراء أو إبراز القوة، وقابل حزب "بهارتيا جاناتا" تلك القوانين بحفاوة شديدة بل وطالب بتطبيقها بشكل عام في الهند، كان ذلك من أجل صد الحملات التبشيرية الضخمة التي كانت تهدف لتحويل المواطنين من الهندوسية للمسيحية.
وتشهد الهند - التي تعد من أكثر الدول في العالم تنوعًا في الدين والعرق واللغة، منذ استقلالها عن الحكم البريطاني عام 1947 - العديد من الاضطرابات الطائفية والعرقية بين الهندوس من ناحية والأقليات الأخرى من ناحية أخرى، وقد تحوّلت تلك الاضطرابات في فترة من الفترات إلى أعمال دموية أودت بحياة العديد من مواطني الهند وقاداتها. وكان من أبرزهم "المهاتما غاندي" قائد حركة استقلال الهند والذي تم اغتياله علي يد هندوسي متعصب في يناير 1948 بسبب تسامحه مع المسلمين ودعوته لاحترام حقوق الأقلية المسلمة في الهند، ذلك بالإضافة إلى اغتيال "أنديرا غاندي" رئيسة الوزراء على يد سيخي متطرف (السيخية ديانة بدأت في شمال الهند في القرن السادس عشر) في أكتوبر عام 1984 والذي قام بقتلها انتقامًا لرد الدولة العنيف تجاه حركة العصيان التي قام بها السيخ واقتحام معبدهم الذهبي في أمريتسار في شمال غربي الهند.
مقتل فتى مسلم
وفي هذا الشأن أعلنت الشرطة توقيف مشتبه به بعد قيام حشد بطعن فتى مسلم حتى الموت للاشتباه بان بحوزته لحم بقر ما يشكل اهانة في اماكن عدة من الهند ذات الغالبية الهندوسية. ويقدس الهندوس الابقار التي يحظر العديد من الولايات الهندية ذبحها وحيازة لحمها وتعاقب ذلك باحكام بالسجن المؤبد. وكان جنيد خان (15 عاما) يسافر من نيودلهي مع ثلاثة من اشقائه عندما نشب خلاف بسبب المقاعد. وهجم بين 15 و20 شخصا يحملون سكاكين ويرددون عبارات معادية للاسلام على الاشقاء مصرين على ان احدى الرزم بحوزتهم فيها لحم بقر. وتابعت الشرطة ان خان قتل بينما اصيب شقيقه شكير بجروح في العنق والصدر واليدين. بحسب فرانس برس.
وقال اجاي كومار مسؤول شرطة السكك الحديد ان "الخلاف بدأ حول المقاعد. نحقق في الامر وأوقفنا احد المشتبه بهم وهو رجل في ال35 من ولاية هاريانا (شمال)". وقال حاسم الشقيق الاخر لخان لصحافيين ان الحشد تجاهل تأكيداتهم المتوسلة بانه ليس معهم أي لحم بقر. واضاف "كانوا يشيرون الى رزمة فيها طعام ويصرون على انه لا يحق لنا الجلوس لان معنا لحم بقر". وذبح الأبقار محظور في معظم ولايات الهند التي يعتبر غالبية سكانها الهندوس أن البقرة حيوان مقدس.
الى جانب ذلك نظمت احتجاجات في مدن في أنحاء الهند ضد موجة هجمات على مسلمين شنها غوغاء يتهمونهم بقتل أبقار أو أكل لحمها. وألقت السلطات القبض على عدة أشخاص. و ضرب غوغاء رجلا وأشعلوا النار في منزله لاتهامه بذبح بقرة في ولاية جاركاند في شرق وتحمل ممثلون وكتاب وأمهات شابات يحملن أطفالهن الرضع الأمطار الموسمية وهم يحملون لافتات مكتوب عليها "ليس باسمي" و "أوقفوا إرهاب الأبقار" في مومباي وكولكاتا ومدن أخرى بينما انضم إلى مجموعة من المفكرين والنشطاء في دلهي أقارب ضحايا عمليات قتل خارج نطاق القانون. وقال بشير الدين خاندوالي (24 عاما) وهو ابن عم جنيد خان الذي قتل في القطار بالقرب من لافتة ضخمة كتب عليها (خريطة إعدام الهند دون محاكمة) "أشعر بالخوف. بل إنني لا أعرف ما إذا كنت سأتمكن من الوصول إلى منزلي بأمان".
ويتهم منتقدون الجماعات الهندوسية اليمينية، وبعضها يرتبط بحزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي، بالتحريض أو عدم فعل ما يكفي لمنع العنف ضد المسلمين والطبقة الدنيا من الهندوس التي تأكل لحم الأبقار أو تعمل في صناعتي اللحوم والجلود. وينفي مودي هذا الاتهام وانتقد علنا ما يعرف بحراس الأبقار. ويعبد كثير من الهندوس الأبقار باعتبارها مقدسة في ديانتهم.
بيع الأبقار
في السياق ذاته أوقفت المحكمة العليا في الهند قانونا كان من شأنه حظر بيع الأبقار بهدف الذبح في شتى أرجاء البلاد. ويهدف الحكم إلى "التصدي لفوضى أنشطة التجارة غير المنظمة" في أسواق الماشية. وللمرة الأولى، كان يمكن أن يصبح بيع الجاموس والجمال والأبقار، التي يقدسها الهندوس، بهدف الذبج غير قانوني. وقال رئيس المحكمة العليا إن القانون كان من شأنه التأثير على قطاعي صناعة اللحوم والجلود والمعيشة.
وتهيمن الأقلية المسلمة على هذه القطاعات، وشكلت جبهة معارضة واسعة النطاق للقانون المقترح. وكان القانون الجديد قد أوقفته بالفعل محكمة الدرجة الأولى في ولاية تاميل نادو جنوبي البلاد، في 30 مايو/أيار، بعد يوم من إعلانه أول مرة. وقالت المحكمة العليا إن الحكم المؤقت الذي أصدرته محكمة مدراس العليا سيستمر العمل به، وسيظل ساري المفعول في شتى أرجاء البلاد.
وثمة توقعات حاليا تشير إلى أن الحكومة قد تتخذ بعض التغيرات، وسوف تعيد طرح تعديلات على القانون بحلول نهاية أغسطس/آب. وتنظر الأغلبية الهندوسية في الهند إلى الأبقار نظرة تقديس دينية، وتحظر ذبحها بالفعل في معظم الولايات الهندية. لكن هذه هي المرة الأولى التي يُدرج فيها الجاموس على قائمة حظر الذبح. ويعتبر الجاموس مصدرا لمعظم اللحوم الحمراء في الهند بدلا من الأبقار، إذا يصل حجم الصادرات إلى نحو أربعة مليارات دولار، كما تعد الهند أكبر مصدر للحوم الحمراء، ومعظمها لحوم جاموس، في العالم.
وأضاف رئيس المحكمة العليا أن قراره "ينبغي ألا يؤثر على مستوى معيشة الأفراد". وكان مقدمو عرائض الشكوى في مقاطعة تاميل نادو قد احتجوا بأن الحظر ينتهك حق اختيارهم ما يأكلون. وقال عبد الفهيم قريشي، رئيس لجنة عمل جمعية قريش لعموم مسلمي الهند التي تدعم بائعي اللحوم، ممن قدموا عريضة التماس للمحكمة العليا، لوكالة رويترز إن الحكم يعد "انتصارا". بحسب رويترز.
وبدأت ولايات كثيرة تفعيل حظر ذبح الأبقار بعد تشكيل حزب بهاراتيا جاناتا القومي للحكومة الاتحادية الهندية في عام 2014. ومررت ولاية غوجارات في غرب البلاد قانونا في مارس/آذار الماضي، يجعل ذبح الأبقار جريمة تستوجب عقوبة تصل إلى السجن مدى الحياة. وبالإضافة إلى ذلك، تنشط مجموعات في عدد من الولايات، تعتبر نفسها حامية للأبقار. وقتلت هذه الجماعات في بعض الحالات مسلمين للاشتباه بأنهم ذبحوا أبقارا.
الهستيريا ضد المسلمين
على صعيد متصل حظي اليوغي، وهذا هو الاسم المعروف به، عند عودته إلى بلدة غوراخبور الدينية باستقبال الأبطال، بعد أدائه اليمين لتولي منصب الوزير الأول في 19 مارس/آذار، ليكون حاكم الولاية الرابع والأربعين. وتحولت البلدة إلى اللون البرتقالي، وهو اللون الذي يمثل حزبه، باراتيا جاناتا، وازدانت الطريق المؤدية إلى المعبد بأعلام الحزب والزهور والبالونات.
واليوغي خطيب مفوه، وقد انتخب خمس مرات ليمثل غوراخبور في البرلمان، من عام 1998، ويكاد البعض يقدسه، بل يقول كثيرون إن "الآلهة حلت فيه". بيد أنه أيضا زعيم مثير للجدل جدا، ويصفه منتقدوه بأنه أكثر سياسيّ الهند إثارة للانقسام، وأنه يستغل مسيرات انتخابه لإشعال الهستيريا ضد المسلمين. وهو يتهم المسلمين بالانغماس فيما يعرف بـ"نكاح الجهاد" لإغواء الهندوسيات ودفعهن إلى التحول إلى الإسلام. كما ادعى أن الأم تيريزا كانت تريد تنصير الهند.
ودعا إلى حظر مماثل لما دعا له الرئيس دونالد ترامب للمسلمين في الهند، وشبّه نجم بوليوود شاه روخ خان بحافظ سعيد المتشدد المقيم في باكستان. وقال أحد مؤيديه ذات مرة "إذا تولى يوغي أديتيانات السلطة، فلن يعود للمسلمين الحق في التصويت، وسيغتصب أنصاره المسلمات الميتات".
ومن بين وعوده الانتخابية تشكيل ما سماه بـ"فرق مكافحة روميو" لمنع التحرش بالهندوسيات، وتعهد بحماية الأبقار، وإغلاق جميع المسالخ غير القانونية. وكان بعض الغوغاء من الهندوس قد سحلوا مسلما لأنه كان - كما قيل - يخزن لحم بقر في بيته. ويواجه اليوغي أديتياناث تهما جنائية، فقد اتهم بمحاولة قتل، وبالترهيب الإجرامي، وبالشغب خلال اشتباكات حدثت في 1999. وقضى في 2007 أحد عشر يوما في السجن بسبب خطاباته التحريضية. ولذلك فقد أثار ارتقاؤه إلى أعلى سلطة في الولاية خوف كثيرين في الهند وفي أرجاء العالم. وعبر كثيرون عن قلقهم مما سيواجهه 40 مليون مسلم من صعوبات في فترة قيادته.
وقالت صحيفة الغارديان - في افتتاحية لها إن انتصاره هو "انتصار متعصب ديني مناوئ للمسلمين"، وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن رئيس الوزراء الهندي، مودي يحاول "مسايرة المتطرفين الهندوس". ووصفت الصحيفة تعيينه بأنه "إهانة صادمة للإقليات الدينية". ووصف براتاب بانو ميتا، الصحفي الهندي المشهور تعيينه بأنه "شؤم وبغض". وتعد ولاية أوتار براديش من أكثر الولايات الهندية ازدحاما بالسكان، إذ يقطنها 222 مليون شخص، ولو قدر لها أن تكون دولة منفصلة فسوف تعد الخامسة من حيث عدد السكان بعد الصين، والهند والولايات المتحدة، وإندونيسيا.
ويمثلها في البرلمان 80 نائبا، متفوقة بذلك على الولايات الأخرى. لكن صورة اليوغي في الصحف المحلية في غوراخبور تبدو مختلفة. إذ تتحدث تلك الصحف عن مهاراته، وذاكرته القوية وقدرته على الحديث مع أبقاره الـ500، وقروده، وكلابه وطيوره. وهو أحد المشاهير بالنسبة إلى السكان المحليين، وهو كبير الرهبان، ورئيس إدارة المعبد، الذي يتبعه أيضا مستشفى ومعاهد تعليمية.
وقد ولد اليوغي في عام 1972، لأب كان يعمل حارس غابة. ودرس الرياضيات، ثم انتقل إلى غوراخبور في 1993، وعين نائبا لرئيس رهبان المعبد، ليصبح فيما بعد سياسيا هندوسيا ذا نفوذ. وهو نباتي، أعزب. ويشير بعض أنصاره إلى أن ما يقال عن عدائه للمسلمين محض دعاية مغرضة، ومؤامرة. ويقولون إن مسلمين يحترمونه، ويلجأون إليه لحل بعض خلافاتهم. بل إن بعض المسلمين صوت لحزبه. ويوجد خارج المعبد محال لمسلمين، ولم يبد هؤلاء أي قلق من تعيينه.
امام القضاء
من جانب اخر اتهمت محكمة هندية وزيراً واثنين من كبار قادة حزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي بالتآمر الجنائي في قضية هدم مسجد في العام 1992 أدى الى أعمال شغب دموية بين المسلمين والهندوس. ووجهت الى الثلاثة تهمة تحريض مجموعة من الهندوس على تدمير مسجد بابري الذي يعود تاريخه الى القرن السادس عشر في مدينة ايودهيا وهو ما أثار موجة من العنف الديني في أنحاء الهند.
وحضرت وزيرة المياه اوما بهارتي ولال كريشنا ادفاني و م.م. جوشي واثنان من حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي، وثمانية متهمين آخرين، جلسة المحكمة التي عقدت في لكناو عندما تلا القاضي التهم الموجهة اليهم. وقال ممثل النيابة ر.ك. ياداف للصحافيين ان "المحكمة وجهت تهمة إضافية هي التآمر الجنائي ضد المتهمين. وسيواجهون الان محاكمة مشتركة". ونفى الثلاثة أي ضلوع لهم في هدم المسجد، إلا أن المحكمة قضت بأنه "يوجد دليل كاف في السجلات" لتوجيه تهم التآمر الجنائي لهم. وتم الافراج عن الجميع بكفالة بانتظار محاكمتهم.
وقبل النطق بالحكم قالت بهارتي انها لا تعتبر نفسها مجرمة وأنها لا ترى أية مؤامرة وراء هدم المسجد. وصرحت للصحافيين "لقد كانت حركة مفتوحة .. لم تكن هناك أية مؤامرة". واسقطت محكمة ابتدائية التهم التي تقدم بها مكتب التحقيقات المركزي، إلا أن المحكمة العليا قضت بأنه تجب محاكمة المتهمين. وأثار هدم المسجد الواقع في ولاية اوتار براديش العديد من اعمال الشغب في انحاء الهند بين الهندوس والمسلمين خلفت الاف القتلى. بحسب فرانس برس.
ويعتقد العديد من الهندوس ان المسجد بني على انقاض معبد هو مكان ولادة آلهتهم رام، ولا تزال هذه القضية تتسبب في خلاف كبير. ويطالب عدد من قادة الحزب الحاكم ومن بينهم الوزيرة بهارتي ببناء معبد على أنقاض المسجد المهدم، وهي فكرة تثير الغضب العارم بين الأقلية المسلمة ذات العدد الكبير في ولاية اوتار براديش.
اضف تعليق