q
كثف مسؤولو الأمم المتحدة ودول مجموعة السبع الدعوات المطالبة بهدنة إنسانية للمساعدة في تخفيف معاناة المدنيين في غزة التي دكت الضربات الجوية مبانيها وتنفد منها الإمدادات الأساسية. وتحولت الحرب إلى الحلقة الأكثر دموية آلاف الفلسطينيين الفارين من الشمال شقوا طريقهم على قلق في موكب طويل عابرين بالمباني التي دمرتها القنابل...

جثة لطفل صغير يتم انتشالها من تحت ركام منزل تعرض للقصف، وامرأة تبكي أمام صف من الجثث الملفوفة في أكفان بيضاء، ومصاب جديد يصل إلى مستشفى مكتظ بالجرحى والنازحين، وسكان يقفون في طوابير لساعات طويلة للحصول على بضعة لترات من المياه التي يشاركونها مع عشرات آخرين. إنها لقطات تلخص الوضع في غزة.

وبعد مرور شهر على الهجوم العسكري الإسرائيلي المدمر على القطاع الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، يواجه الفلسطينيون العالقون داخل القطاع المحاصر معاناة يومية كبيرة ومتكررة تؤجج مشاعر الغضب واليأس لدى البعض منهم.

وقال أبو جهاد، وهو مواطن متوسط العمر من خان يونس بجنوب القطاع ذي الكثافة السكانية العالية، "والله ننتظر الموت. سيكون أفضل من هذه الحياة. ننتظر الموت في كل لحظة. إنه موت معلق".

وكان يقف في شارع قريب من منزل سوّي بالأرض في غارة جوية هزت الحي في منتصف الليل.

وعبر أبو جهاد عن غضبه من إسرائيل والعالم الذي اتهمه بالصمت والعجز "نريد حلا فهذه ليست حياة. إما أن تقتلونا جميعا أو تتركونا نعيش".

وتقول السلطات الصحية في القطاع الساحلي إن الهجوم الجوي والبحري والبري الإسرائيلي اللاحق على حماس أدى منذ ذلك الحين إلى مقتل ما يزيد على 10 آلاف فلسطيني. وقال مسؤولون فلسطينيون إن 10569 شخصا قتلوا حتى الآن، 40 بالمئة منهم أطفال. وقال كريستيان ليندميير، المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، في جنيف، إن مستوى الوفيات والمعاناة "يصعب استيعابه".

وطلبت إسرائيل من سكان الجزء الشمالي من القطاع، حيث تطوق قواتها مدينة غزة، الانتقال إلى الجنوب حفاظا على سلامتهم لكنها تقصف الجنوب أيضا وإن كان بشكل أقل كثافة من الشمال.

صف من الجثث

قال مسؤولو صحة يوم الثلاثاء إن غارتين منفصلتين على منازل في خان يونس ورفح أسفرتا عن مقتل 23 شخصا الليلة الماضية.

وفي موقع الهجوم في خان يونس، رفع رجل جثة لطفل صغير يرتدي ما يشبه ملابس النوم من تحت أنقاض منزل مدمر.

ونجت فتاة صغيرة لكن لوحا خرسانيا سقط على ساقيها. وحاولت مجموعة من الرجال انتشالها بأيديهم بينما وقف حشد من الناس في حالة قلق خارج المبنى وظلوا يشجعون رجال الإنقاذ.

وخرج أحمد عايش، أحد السكان الذين أصيبوا في الضربة، من موقع الانفجار ووجهه ملطخ بالدماء التي تناثرت أيضا على قميصه وذراعه. وبدا عليه الغضب وهو يتحدث مع الصحفيين.

فقال بصوت عال وهو يشير بإصبعه إلى الخراب "هذه هي شجاعة ما تسمى بإسرائيل، إنهم يظهرون قوتهم ضد المدنيين، هناك رضع وأطفال في الداخل، وكبار السن".

وتقول إسرائيل إنها تستهدف المسلحين فقط وتتهم حماس باستخدامهم دروعا بشرية وإخفاء الأسلحة ومواقع العمليات في المناطق السكنية. وتنفي حماس هذه الاتهامات.

وفي مستشفى ناصر بخان يونس، كان هناك صف من الجثث الملفوفة بالأكفان البيضاء مسجاة على الأرض خارج البوابة. وتبين من طول الجثث أن بعضها لبالغين والبعض الآخر لأطفال.

وأجهشت امرأة ترتدي فستانا أحمر وحجابا باللون البيج بالبكاء وأحنت ظهرها إلى الأمام بينما حاول رجل تهدئتها. كان هناك رجل آخر يرتدي قميصا أسود يبكى ويتلوى من الألم.

وبعد فترة من الوقت، أدت مجموعة من الرجال، بينهم طاقم طبي يرتدي ملابس الجراحة ومآزر بلاستيكية، صلاة الجنازة على الموتى.

وفي رفح، الواقعة أيضا في الجنوب، كان هناك مشهد آخر مألوف جدا وهو اصطفاف رجال وصبية على أرض رملية مليئة بالقمامة عند خرطوم واحد يعد المصدر الوحيد المتاح لآلاف السكان الآن للحصول على المياه.

وكان هناك طابور طويل من عبوات المياه الصفراء والخضراء والزرقاء والسوداء بينما ينتظر الناس لساعات من أجل الحصول على حصة ضئيلة من المياه.

وقال الشاب بكر الكاشف الذي كان يرتدي سترة صفراء "كل شخص يأتي بوعاء سعته 20 لترا ويتقاسمه مع بقية أفراد أسرته. كل شخص يحصل على أربعة أو خمسة لترات. هذا هو نفس الوضع كل يوم".

فرار آلاف المدنيين من شمال غزة

وفر آلاف المدنيين الفلسطينيين في موكب بائس من شمال قطاع غزة يوم الأربعاء بحثا عن ملاذ من الضربات الجوية الإسرائيلية والقتال البري الشرس بين القوات الإسرائيلية ونشطاء حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

وحدث الخروج الجماعي في مهلة مدتها أربع ساعات أعلنتها إسرائيل وطلبت فيها من السكان إخلاء المنطقة وإلا غامروا بالوقوع وسط أعمال العنف.

لكن الأجزاء الوسطى والجنوبية من القطاع الفلسطيني الصغير المحاصر تعرضت أيضا لإطلاق نار مع دخول الحرب بين حماس وإسرائيل شهرها الثاني.

وقال مسؤولو صحة فلسطينيون إن غارة جوية أصابت منازل في مخيم النصيرات للاجئين أسفرت عن مقتل 18 شخصا صباح يوم الأربعاء. وفي خان يونس، قُتل ستة أشخاص، بينهم فتاة صغيرة، في غارة جوية.

وقال شاهد عيان يدعى محمد أبو دقة إن ضربة جوية بطائرة إف-16 أصابت فجأة منزلا ونسفته بأكمله وثلاثة منازل متجاورة حين كانوا يجلسون في سلام. وأضاف أن السكان كلهم مدنيون ومن بينهم امرأة ورجل طاعنان في السن وأن هناك آخرين ما زالوا تحت الأنقاض.

وطوقت قوات الجيش الإسرائيلي مدينة غزة، المعقل الأساسي لحماس، بالكامل. وقال الجيش إن قواته تتقدم صوب قلب المدينة المكتظة بالسكان بينما قالت حماس إن مقاتليها كبدوا القوات الإسرائيلية خسائر فادحة.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الأميرال دانيال هاجاري إن جنودا من سلاح المهندسين يستخدمون عبوات ناسفة لتدمير شبكة أنفاق بنتها حركة حماس وتمتد لمئات الكيلومترات تحت القطاع.

وقال الجيش في بيان يوم الأربعاء إنه دمر 130 فتحة نفق حتى الآن. وأضاف أن "أفراد سلاح المهندسين الذين يقاتلون في غزة يدمرون أسلحة العدو ويحددون مواقع منافذ الأنفاق ويكشفونها وينسفونها".

وأضاف الجيش الإسرائيلي أن الضربات الجوية قتلت أيضا محسن أبو زينة المسؤول عن صنع الأسلحة في حماس، وعددا آخر من المقاتلين.

وتقول مصادر في حماس وحركة الجهاد الإسلامي إن الدبابات الإسرائيلية تواجه مقاومة شرسة من مقاتلي حماس الذين يستخدمون الأنفاق لنصب كمائن وشن هجمات. وقالت إسرائيل إن 33 من جنودها قتلوا.

وكثف مسؤولو الأمم المتحدة ودول مجموعة السبع الدعوات المطالبة بهدنة إنسانية للمساعدة في تخفيف معاناة المدنيين في غزة التي دكت الضربات الجوية مبانيها وتنفد منها الإمدادات الأساسية.

وتحولت الحرب إلى الحلقة الأكثر دموية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ أجيال.

قال شهود إن آلاف الفلسطينيين الفارين من الشمال شقوا طريقهم على قلق في موكب طويل عابرين بالمباني التي دمرتها القنابل.

وكان الجيش الإسرائيلي قد أخبرهم بأن عليهم التحرك جنوبي مستنقعات وادي غزة على طول طريق صلاح الدين الرئيسي. ولم يتضح أين سينتهي بهم المطاف تحديدا، نظرا لأن الأعداد الهائلة من النازحين من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة تكتظ بهم بالفعل المدارس والمستشفيات ومواقع أخرى في الجنوب.

وما زال آلاف آخرون داخل المنطقة الشمالية المحاصرة، ومنها مستشفى الشفاء الرئيسي في مدينة غزة حيث كانت أم هيثم حجيلة تعيش مع أطفالها الصغار في خيمة بدائية.

وقالت أم هيثم "الوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم... لا يوجد طعام ولا ماء. وعندما يذهب ابني لإحضار الماء، يقف في الطابور لمدة ثلاث أو أربع ساعات. ضربوا المخابز، ولم يعد لدينا خبز".

وأعلنت إسرائيل أنها تريد القضاء على حماس، وهاجمت غزة جوا وبرا وبحرا واستخدمت قوات برية لتقسيم القطاع الساحلي الضيق لجزئين في قتال ضار وسط أنقاض المباني في مناطق حضرية.

نازحون يرفعون رايات بيضا

نزولًا عند الأوامر العسكرية سار عدد كبير من أهالي قطاع غزة الثلاثاء بين الجثث والأشلاء وسط الدبابات الإسرائيلية وهم يرفعون ما تيسر من رايات بيض في نزوحهم القسري نحو الجنوب هربًا من نيران القصف.

علا الغول التي نزحت بعد شهر من بدء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس تحدثت عن "الخوف". وقالت الشابة التي غطت رأسها بحجاب ذهبي اللون "لم نر جنودًا، رأينا الدبابات (الإسرائيلية) على جانبي الطريق".

وأضافت "مشينا أسرابا رافعين أيدينا، حاملين رايات بيضا".

اضطُر خلال الشهر الماضي وفقا للأمم المتحدة نحو 1,5 مليون نسمة للنزوح داخل القطاع المحاصر من أصل مجمل سكانه البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة.

وروت أميرة السكني أن خلال سيرهم من وسط القطاع باتجاه الجنوب بعد أن ألقت عليهم إسرائيل منشورات تحثهم على الرحيل "رأينا جثثا، أشلاء، شهداء، الناس تترك دوابها وتكمل طريقها مشيا". واضافت الشابة التي كانت تحمل طفلها وعبوة مياه "لم أتخيل المسافة التي قطعناها، حصلنا على مياه من الجيران".

وأضافت "نحن لا نريد الحرب، نريد هدنة، نريد السلام".

وقالت الأم إن طفلها الذي لم يكمل العامين صار "يعرف الصاروخ ويقول: لا أريد القصف يا ماما".

وأظهرت مقاطع فيديو لوكالة فرانس برس النازحين، وبعضهم على كراس متحركة، وهم يحملون بعض الأمتعة الضرورية إلى جانب أطفالهم.

قال هيثم نور الدين (29 عاما) إنه قطع مسافة بعيدة مع والدته وأخوته الأربعة وعدد من أقاربه إلى أن وصلوا إلى مخيم البريج في جنوبي القطاع.

وأضاف أنه ترك منزل العائلة قرب مستشفى الشفاء بسبب القصف العنيف وأنه شاهد في الطريق نحو الجنوب "جثثا متحللة".

وتقول إسرائيل إنها تطوق مدينة غزة حيث تقع المراكز القيادية التابعة لحماس لكنها ستسمح للسكان بمغادرة شمال القطاع.

ولكن على الرغم من إعلان إسرائيل عن ممر آمن وخصوصا على الطريق الواصل بين شطري القطاع، إلا أن الأرقام الرسمية للقتلى أكدت أن لا مكان آمنا في القطاع إذ قتل نحو 3600 شخص في جنوب ووسط قطاع غزة وفقا لوزارة الصحة التابعة لحماس.

أما حاتم أبو رياش الذي حمل عصا يتكئ عليها وتعينه على المشي الطويل فتحدث لفرانس برس عن الرحلة "المروعة".

وقال الرجل الذي نزح من مخيم جباليا الذي تعرض تكرارًا للقصف العنيف منذ بداية الحرب إنهم مروا على طول الطريق "بجانب الجنود والبنادق والدبابات والمدافع والرشاشات، الأمر كان مروعا".

وأكد الرجل ذو اللحية البيضاء "نحن لسنا إرهابيين، نحن مدنيون نريد أن نعيش بسلام".

ولا تنتهي معاناة الغزيين بنزوحهم من الشمال نحو المناطق الوسطى أو الجنوبية حيث يعيش أكثر من 550 ألف شخص في 92 منشأة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). فالبنية التحتية والمرافق في حالة مزرية والأمراض منتشرة.

وقالت المنظمة الأممية إن 600 شخص في أحد المواقع يتشاركون مرحاضًا واحدًا.

وأضافت أنها سجلت آلاف الإصابات بأمراض الجهاز التنفسي الحادة والتهابات الجلد والإسهال وجدري الماء، كما صار الوصول إلى الإمدادات الأساسية كالخبز صعبا أيضا.

معتز العجلة الذي نزح مع عائلته وصف الوضع بأنه "سيء جدا جدا".

وأضاف الرجل وهو يلتقط أنفاسه بينما ظهر خلفه شاب يدفع امرأة مسنة تجلس على عربة أطفال، "لا يوجد وضع إنساني بل هو كارثي".

عائلة فلسطينية تفقد ثلاثة أجيال من أبنائها

قال محمد حمدان إن ضربة جوية إسرائيلية أصابت منزله في غزة بعد وقت قصير من صلاة العشاء يوم الثلاثاء وتسببت في مقتل 35 فردا من ثلاثة أجيال في عائلته الكبيرة.

وأوضح أن أكبر القتلى كان كمال (70 عاما) والأصغر رسمي (سبعة أعوام).

وقال حمدان (50 عاما) إن منزله انهار جراء الضربة الجوية بينما كان هو بداخله وإن عملية انتشاله استمرت ساعة ونصف الساعة، مضيفا أنه خرج ليكتشف أنه فقد ابنته ملك وأخيه أحمد وابن أخيه وبنات أخيه والعديد من أبناء عمومته.

وقال وهو يروي لحظة الغارة "كنت أنا وأخي وابن أخي نجلس مع أخ آخر بعد الصلاة مباشرة، وصرنا فجأة تحت الأنقاض".

وعائلة حمدان واحدة من العديد من العائلات في غزة التي عانت جراء القصف الجوي والمدفعي غير المسبوق الذي أودى بحياة أكثر من 10 آلاف شخص وفقا للسلطات الصحية في القطاع الصغير المزدحم الذي تديره حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).

وبالنسبة لحمدان، كتبت هذه الحرب النهاية لكل ما كان عزيزا عليه. وقال "نشأنا هنا وعشنا مع هؤلاء الأطفال. لم أكن أتخيل أن يحدث كل هذا الدمار".

وبُنيت خان يونس كمخيم للاجئين في عام 1948 عندما فر الفلسطينيون، ومنهم عائلة حمدان، أو أجبروا على ترك منازلهم خلال القتال الذي صاحب قيام دولة إسرائيل.

ولم يُسمح لهؤلاء بالعودة مطلقا، وتحول المخيم إلى مدينة ذات أزقة ضيقة ومربعات سكنية خرسانية تحت سلطة الإدارة المصرية ثم تحت الاحتلال الإسرائيلي المباشر، وخضعت في نهاية المطاف لسيطرة حماس لكن إسرائيل فرضت عليها حصارا محكما.

شهد قطاع غزة على مدى العقدين الماضيين اندلاع القتال بشكل دوري بين إسرائيل وحماس، واعتادت أجيال متعاقبة من اللاجئين الفلسطينيين، الذين يشكلون أكثر من نصف عدد السكان البالغ 2.3 مليون نسمة، على مشاهد سقوط الصواريخ وقذائف المدفعية.

وفي ظل هذه المعاناة الممتدة منذ عشرات السنين امتدت عائلة حمدان وصار منزلها في خان يونس محور حياتها. وقال حمدان "كنا نلعب مع الصغار والكبار. وكنا نجلس في الخارج خلال فصل الصيف. وفي بعض الأحيان كنا نوقد مشعلا. ولكن انظر الآن. لم يبق سوى الدمار".

وقال إن أخيه أحمد وابن أخيه حمدان، اللذان كانا يجلسان معه عند انهيار المنزل، لقيا حتفهما.

وبعد انتشاله وجد حمدان نفسه أمام مشهد دمار شامل. وقال "اعتقدت أننا الوحيدون (الذين أصيبوا) لكن بعد ذلك اكتشفت أن الحي بأكمله قد تعرض للقصف". وأضاف أن معظم أفراد عائلتي أبو ستة وأبو سلطان، وهما من جيرانه، سقطوا أيضا بين قتيل وجريح.

وأُصيب العديد من أقارب حمدان ولا يعرف متى أو ما إذا كانوا سيخرجون من المستشفى.

وقال "كنا نتزاور ونجلس معا ونوقد المشعل ونتناول الإفطار معا. كنت أزور أخي وأختي. الآن لم يبق أحد، لا أخت ولا أخ".

ويتذكر حمدان بشكل خاص ابنته ملك (12 عاما) وابنتي عمومتها تالا وسيلا. وقال "كنت أحبهن وكن يحبونني. اعتدن المجيء واللعب والضحك لكني فقدتهن الآن".

تفاقم الأزمة الصحية

ترعى تحرير عزام الممرضة في مستشفى المقاصد بالقدس الشرقية الشباب الفلسطينيين المصابين بأمراض خطيرة منذ 16 عاما.

ومنذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) الشهر الماضي تجد تحرير صعوبة في العثور على المرضى.

وتقول منظمة الصحة العالمية إن حوالي مئة مريض من غزة عادة ما يتلقون الرعاية يوميا لتلبية احتياجات صحية معقدة مثل العلاج من أمراض السرطان النادرة وجراحات القلب المفتوح في مستشفيات مثل ذلك الذي تعمل به تحرير وفي الضفة الغربية المحتلة وإسرائيل ودول أخرى أيضا.

وتحاول تحرير وزملاؤها الوصول إلى مرضاهم منذ ذلك الحين بطرق من بينها البحث على فيسبوك لمعرفة ما إذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة.

وقالت لرويترز في مقابلة "رأينا منشورا يعلن أن أحد مرضانا من الأطفال قتل في الضربات. كان في القسم قبل أسبوع واحد فقط وعمره ست سنوات. لا أستطيع أن أنسى صورته".

وتطالب منظمة الصحة العالمية بالسماح للفئات الأكثر ضعفا من المصابين بأمراض مزمنة بمغادرة القطاع لتلقي العلاج. وعرضت دول مثل مصر وتركيا والإمارات استقبال المرضى.

وكان حوالي 20 ألف مريض سنويا يطلبون تصاريح من إسرائيل لمغادرة غزة للحصول على الرعاية الصحية قبل الحرب، وكان كثير منهم يحتاج إلى رحلات متكررة عبر الحدود وثلثهم من الأطفال. ووافقت إسرائيل على نحو 63 بالمئة من طلبات المغادرة للأغراض الطبية في عام 2022، وفقا لمنظمة الصحة العالمية. وتعاني مرافق الرعاية الصحية في غزة من ضغوط شديدة تحت وطأة الحصار الذي تقوده إسرائيل منذ 16 عاما وجولات القتال المتكررة.

وقال أسامة قدومي المشرف في مستشفى المقاصد "في الحروب السابقة، كان المعبر يغلق لمدة يوم أو يومين، ويتمكن المرضى من العودة بعد ذلك. إنها المرة الأولى التي يفرض فيها حظر شامل على الحركة، ولا يستطيع المرضى مغادرة غزة".

وأضاف "كلما طال انتظارنا، كلما ساءت حالة بعض المرضى. سيموت الكثير من الناس لمجرد عدم حصولهم على العلاج".

لا يقتصر القلق على الحالات الأكثر تعقيدا فقط، إذ أنه بحسب بيانات منظمات الأمم المتحدة يوجد في غزة 350 ألف مريض يعانون من أمراض مزمنة من بينها السرطان والسكري بالإضافة إلى 50 ألف امرأة حامل.

وكان بإمكان أغلبهم في السابق الحصول على الرعاية الطبية في غزة، لكن الأمم المتحدة تقول الآن إن النظام الصحي الهش في القطاع على وشك الانهيار، في ظل ما يتعرض له من ضربات جوية وارتفاع الإصابات والتناقص السريع في إمدادات الأدوية والوقود. وتم السماح بدخول قدر ضئيل من المساعدات، بينما سمح لنحو 80 مريضا بالخروج.

وقال الدكتور ريتشارد بيبركورن ممثل منظمة الصحة العالمية في غزة والضفة الغربية في مؤتمر صحفي الشهر الماضي "نتحدث دوما عن الإصابات، وهذا أمر في محله... لكن علينا أن نفكر في 350 ألف مريض".

وهناك بعض الاحتياجات توصف بكونها ملحة أكثر من غيرها. فوفقا لمنظمة الصحة العالمية هناك نحو ألف مريض في غزة يحتاجون إلى غسيل كلوي للبقاء على قيد الحياة، إلا أن 80 بالمئة من الأجهزة موجودة في مستشفيات محلية تلقت أوامر بالإخلاء. والمستشفى الوحيد لعلاج السرطان في القطاع لم يعد يعمل. وطلب الجيش الإسرائيلي من المدنيين إخلاء شمال قطاع غزة حيث توجد بعض المستشفيات في إطار حملته التي يقول إنها تهدف للقضاء على حركة حماس. ويقول الجيش إن حماس تقيم مراكز قيادتها تحت المستشفيات، وهو ما تنفيه الحركة.

وقالت الصحة العالمية إنه مع احتدام القتال، تقطعت السبل بحوالي 400 مريض ومرافقيهم في القدس الشرقية والضفة الغربية بعدما غادروا غزة لتلقي العلاج قبل الحرب. ويجد العديد منهم صعوبة في التواصل مع أقاربهم في ظل تردي خدمات الهواتف المحمولة والكهرباء في غزة.

تقول أم طه الفراح، التي اصطحبت حفيدتها هالة البالغة من العمر ست سنوات إلى مستشفى المقاصد في الخامس من أكتوبر تشرين الأول لإجراء عمليتها الجراحية الثالثة في العمود الفقري "لم أتمكن من إخبارهم كيف كانت الجراحة". ولم تحصل والدة هالة على تصريح لمرافقتها للمستشفى.

وعندما يتصل والد هالة، يتمكنون فقط من التحدث لدقيقة أو دقيقتين قبل أن ينقطع الاتصال. وتضيف أم طه "يسألون: كيف حال هالة؟ وأجيب الحمد لله، هذا كل شيء".

وتفتقد هالة والديها ومنزلها. وتقول أم طه "لا أعرف من بقي من عائلتي. أنا متأكدة أنهم لا يخبرونني بكل شيء".

طبيب يعود لعلاج الجرحى

انتابت الطبيب محمد أبو ناموس يوم الثلاثاء مشاعر جياشة عندما احتضن ربما للمرة الأخيرة ابنته بينما تستعد أسرته لمغادرة غزة إلى مصر عند معبر رفح الحدودي بعد أن قرر البقاء في القطاع لرعاية آلاف الجرحى جراء القصف الإسرائيلي.

وأسرة أبو ناموس، التي تحمل الجنسية المولدوفية، هي من بين المئات من سكان غزة الذين يحملون جوازات سفر أجنبية ويسمح لهم بالمغادرة إلى مصر عبر المعبر، وهو السبيل الوحيد للخروج من الجيب الفلسطيني المحاصر ولا يقع على حدود إسرائيل.

وقال أبو ناموس لرويترز، بينما يجلس إلى جوار زوجته وابنته في منطقة الانتظار، "لا يوجد سبيل آخر للخروج من هذا الوضع. لا أمان هنا. قطاع غزة بأكمله غير آمن. ولهذا السبب من الأفضل أن أخرجهم حتى أتمكن من التركيز على عملي في علاج المرضى".

وأضاف "قطعا سأخرجهم، لكني سأبقى في قطاع غزة ولن أغادره".

ويقول أبو ناموس، وهو جراح عظام، إنه نقل أسرته من مخيم جباليا في شمال غزة مع بدء الغارات الإسرائيلية إلى منطقة الزهراء السكنية ثم إلى مخيم النصيرات في وسط غزة، لكن إيجاد مكان آمن للأسرة كان أمرا بعيد المنال.

وقالت دينا، ابنة أبو ناموس، إن مشاعر متباينة تعصف بها كلما تذكرت أنها قد تغادر القطاع.

وأضافت "سنذهب إلى هناك، حيث توجد الكهرباء والمياه والإنترنت وكل شيء... لكنني في الوقت نفسه حزينة لأن أبي سيبقى هنا".

* المصدر: وكالات+رويترز+فرانس برس

اضف تعليق