q
يمثل الخامس عشر من آذار لعام 2023، أول يوم عالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا، بعد أن أقرته الأمم المتحدة قبل عام، ليكون يوما يهدف إلى زيادة الوعي بتلك الظاهرة، التي باتت متنامية بصورة كبيرة خلال الأعوام الماضية، خاصة في المجتمعات الغربية، وساهمت عدة عوامل في زيادتها وتأجيجها...

يمثل الخامس عشر من آذار لعام 2023، أول يوم عالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا، بعد أن أقرته الأمم المتحدة قبل عام، ليكون يوما يهدف إلى زيادة الوعي بتلك الظاهرة، التي باتت متنامية بصورة كبيرة خلال الأعوام الماضية، خاصة في المجتمعات الغربية، وساهمت عدة عوامل في زيادتها وتأجيجها.

وكان أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، البالغ عددهم 193 عضوا، قد تبنوا في 15 آذار/ مارس2022، قرارا اقترحته باكستان يجعل 15 آذار/مارس من كل عام، يوما لمحاربة الإسلاموفوبيا، ويدعو نص القرار الذي صدر حينئذ، إلى "توسيع الجهود ، الدولية لخلق حوار عالمي، من شأنه أن يشجع التسامح والسلام، ويركز على احترام حقوق الإنسان وتنوع الأديان والمعتقدات".

وبحلول اليوم العالمي الأول لمكافحة الإسلاموفوبيا، يقول موقع الأمم المتحدة على الإنترنت، في معرض تعريفه للظاهرة إن " كره الإسلام أو كراهية الإسلام أو ما يعرف بـ "الإسلاموفوبيا "، هو الخوف من المسلمين والتحيز ضدهم، والتحامل عليهم، بما يؤدي إلى الاستفزاز والعداء، والتعصب بالتهديد وبالمضايقة، وبالإساءة وبالتحريض، وبالترهيب للمسلمين ولغير المسلمين، سواء في أرض الواقع أو على الإنترنت، وتستهدف تلك الكراهية،- بدافع من العداء المؤسسي والأيديولوجي والسياسي والديني الذي يتجاوز تلك الأطر إلى عنصرية بنيوية وثقافية - الرموز والعلامات الدالة على أن الفرد المستهدف مسلما."

ووفقا لموقع الأمم المتحدة أيضا، فإن تقريرا صدر مؤخرا عن المقرر الخاص للأمم المتحدة، المعني بحرية الدين أو المعتقد، أشار إلى أن الشك والتمييز والكراهية الصريحة تجاه المسلمين وصلت إلى أبعاد وبائية.

ويشير الموقع، إلى أنه وفي الدول التي يمثل فيها المسلمون أقلية، فإنهم غالبا ما يتعرضون للتمييز، في الحصول على السلع والخدمات، وفي العثور على عمل وفي التعليم. كما أنهم يحرمون في بعض الدول من الجنسية، أو من وضع الهجرة القانوني، بسبب تصورات معادية للأجانب، تفيد بأن المسلمين يمثلون تهديدات للأمن القومي والإرهاب، بينما تتعرض النساء المسلمات إلى الجانب الأكبر من جرائم الكراهية في تلك المجتمعات، بفعل لباسهن الذي يشير إلى عقيدتهن، وفق ماتقوله المادة المنشورة على موقع الأمم المتحدة.

ويوم الجمعة الماضي 10 آذار/مارس، وخلال فعالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، لإحياء اليوم العالمي الأول لمكافحة الإسلاموفوفيا، وصف أنطونيو غوتيريش الأمين العام للمنظمة الدولية، كراهية الإسلام بأنها سم، وقال إن مسلمي العالم، الذين يبلغ عددهم نحو ملياري نسمة، هم تجسيد للإنسانية بكل تنوعها، مشيرا إلى أنهم ينحدرون من كل ركن من أركان المعمورة، لكنهم يواجهون في كثير من الأحيان، تعصبا وتحيزا لا لسبب سوى عقيدتهم.

وأضاف غوتيريش أن رسالة السلام والتعاطف، والتراحم التي جاء بها الإسلام، منذ أكثر من 1400 عام، تشكل إلهاما للناس حول العالم، مشيرا إلى أن كلمة إسلام ذاتها مشتقة من الجذر نفسه لكلمة سلام.

من جانبه أكد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامى، حسين إبراهيم طه، في كلمة له عبر الفيديو لفعالية الجمعية العامة للأمم المتحدة، على ضرورة عدم إفساح أي مجال للكراهية الدينية بالمجتمعات، داعيا جميع البلدان والمنظمات الدولية والإقليمية إلى الاحتفال بيوم 15 مارس يوما عالميا لمكافحة الإسلاموفوبيا.

ويبقى التساؤل قائما، بعد بدء الإحتفال بهذا اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا،عن إمكانية أن يسهم اليوم في رفع وعي شعوب العالم خاصة الغربية منها، بالجوانب المضيئة للإسلام، في وقت تبدو فيه الظاهرة في ازدياد وفق ما كشفت عنه تنسيقية محاربة الإسلاموفوبيا في أوروبا، مؤخرا إذ تحدثت عن أرقام صادمة، في تقريرها السنوي الذي يتعلق بانتشار ظاهرة كراهية الإسلام، في مختلف الدول الأوروبية عامة وفرنسا خاصة.

وكان السياسي السويدي- الدنماركي، المتطرف راسموس بالودان، قد أعاد قضية "الإسلاموفوبيا" في أوروبا، إلى الواجهة وبقوة وأثار مخاوف الجاليات العربية والمسلمة في السويد، وفي أوربا بشكل عام، عندما أقدم مجددا على حرق نسخة من القرآن الكريم يوم السبت 21 كانون الثاني/ يناير الماضي، أمام السفارة التركية، بالعاصمة السويدية ستوكهولم، وهو ما أدى إلى موجة غضب من قبل العديد من المسلمين في أنحاء العالم ومن العديد من الناشطين من غير المسلمين في أوربا على حد سواء.

ويعتبر العديد من المراقبين، أن قوى اليمين المتطرف في أوروبا، والتي شهدت صعودا سياسيا على مدى السنوات الماضية، تعمل على تغذية نزعة الخوف من المسلمين والإسلام في المجتمعات الأوربية، بهدف الحصول على مكاسب سياسية، تتمثل في زيادة عدد الأصوات التي تحصدها عبر صناديق الانتخاب، في طريق وصولها للسلطة، وهي تستغل في خطابها الشعبوي ذلك، حالة الركود الاقتصادي، والأزمات التي تعاني منها العديد من الدول الأوربية، بما يكسب خطابها زخما لدى فئات واسعة في المجتمع.

أربع حقائق عن ظاهرة خطيرة

ينتشر بشكل كبير لفظ الإسلاموفوبيا أو "رهاب الإسلام" في العالم منذ سنوات. حالياً هناك يوم عالمي لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة. فكيف تم إقرار هذا اليوم؟ وما هي خطورة الظاهرة؟ وكيف تنتشر في ألمانيا؟

تتراوح التقديرات حول أعداد المسلمين في ألمانيا بين 5.3 و 5.6 مليون. نسبة مهم تعاني من ظاهرة "رهاب الإسلام."

في العام الثاني الذي يشهد الاحتفاء به، يمثل اليوم العالمي لمكافحة رهاب الإسلام مناسبة لتأكيد خطر الإسلاموفوبيا على التعايش العالمي. الأمر ملح خصوصاً في العالم الغربي حيث تعيش جاليات مسلمة كبيرة أضحت اليوم في مرمى عدد من التنظيمات السياسية اليمينية المتطرفة والشعبوية، تحاول إلصاق صفات العنف والتشدد على مجموعات بأكملها، لأهداف سياسية أو إيديولوجية.

ويشير لفظ الإسلاموفوبيا إلى رهاب الإسلام أو كراهية الإسلام. ويعرّفه موقع الأمم المتحدة بأنه هو "الخوف من المسلمين والتحيز ضدهم والتحامل عليهم، بما يؤدي إلى الاستفزاز والعداء والتعصب بالتهديد وبالمضايقة وبالإساءة وبالتحريض وبالترهيب للمسلمين ولغير المسلمين، سواء في أرض الواقع أو على الإنترنت".

وفيما يلي معلومات عن هذا اليوم.

كيف تمّ إقرار اليوم العالمي لمكافحة رهاب الإسلام؟

اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار تخصيص هذا اليوم بالإجماع يوم 15 مارس/آذار 2022، ما يعني أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 عضوا وافقت على إقرار هذا اليوم. الاقتراح جاء من باكستان وقدمته باسم منظمة التعاون الإسلامي التي وافقت مسبقاً على تبني قرارٍ مماثل.

ويتزامن القرار مع ذكرى الجريمة الإرهابية في نيوزيلندا، عندما اقتحم يميني متطرف مسجدين في مدينة كرايست تشيرش، وأطلق النار على المصلين، ما أدى إلى مقتل 51 شخصا وجرح آخرين، وأدان القضاء المنفذ برينتون تارانت بالسجن المؤبد، فيما اتخذت الحكومة النيوزيلندية إجراءات مشددة على حيازة الأسلحة وسنت قوانين ضد خطاب الكراهية.

وقال رئيس الحكومة الباكستاني السابق، عمران خان، غداة إقرار هذا اليوم، إن "صوت المسلمين عبر العالم ضد ارتفاع الإسلاموفوبيا قد تمّ الاستماع له"، وكتب على تويتر حينها: "اليوم اعترفت الأمم المتحدة بالتحدي الكبير الذي يواجه العالم وهو الإسلاموفوبيا"، متحدثا عن أن التحدي القادم هو تنفيذ هذا القرار.

ماذا تقول الأمم المتحدة؟

يدعو نص القرار غير الملزم إلى "تكثيف الجهود الدولية لتقوية الحوار العالمي بشأن تعزيز ثقافة التسامح والسلام على جميع المستويات، على أساس احترام حقوق الإنسان وتنوع الأديان والمعتقدات".

أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، وصف قبل أيام رهاب الإسلام أو الإسلاموفوبيا بأنه "سم"، متحدثا عن أن "مسلمي العالم الذين يبلغ عددهم نحو ملياري نسمة هم تجسيد للإنسانية بكل تنوعها"، وأضاف في كلمته التي نقلها موقع الأمم المتحدةأن "المسلمين يواجهون في كثير من الأحيان تعصباً وتحيزاً لا لسبب سوى عقيدتهم".

وأكد المسؤول الأممي أن رهاب الإسلام "ليس حدثاً منعزلاً، بل جزء أصيل من عودة القومية الإثنية للظهور وأيديولوجيات النازيين الجدد الذين يتشدّقون بتفوق العرق الأبيض"، مبرزاً أن هناك "عنف يستهدف الشرائح السكانية الأضعف، بمن في ذلك المسلمون واليهود وبعض مجتمعات الأقلية المسيحية وغيرهم".

كيف تتجلى الإسلاموفوبيا في أوروبا؟

باعتبارها أكبر تجمع للجاليات المسلمة خارج البلدان الأصل، تعاني عدد من الدول الأوروبية من ارتفاع نمط الإسلاموفوبيا. وسبق أن بيّن استطلاع للوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية أجري عام 2017 أن حوالي 31 بالمئة من المسلمين في أوروبا، تعرّضوا للإقصاء غداة البحث عن عمل، وأن 42 بالمئة منهم تم إيقافهم في عام واحد من طرف الشرطة لأسباب تخصّ خلفياتهم الثقافية.

وفي ألمانيا ذكر تقرير حكومي بداية هذا العام، قدمته المفوضة الفدرالية لمواجهة العنصرية، أن المسلمين هم ثاني مجموعة دينية تواجهها أفكار نمطية سلبية في ألمانيا بعد الروما والسنتي.

وذكر التقرير أن 27 بالمئة من الألمان الذي استطلعت المفوضية آراءهم يقولون إن هناك "الكثير من المسلمين" في البلاد. كما أحصى 732 جريمة ضد المسلمين و54 هجمة على مؤسسات تمثل أو تابعة لهيئات إسلامية.

وتتراوح التقديرات حول أعداد المسلمين في ألمانيا بين 5.3 و5.6 مليون نسمة من أصل 83 مليون نسمة حسب إحصائيات المكتب الاتحادي لشؤون الهجرة واللاجين في عام 2021. ويشكل المسلمون الأتراك غالبية المسلمين في ألمانيا بما يزيد عن النصف.

ما هي الجهود لمواجهة الظاهرة؟

يعاقب القانون في جلّ الدول على جرائم الإسلاموفوبيا، سواء تعلّق الأمر بالإيذاء الجسدي أو المعنوي أو التمييز في العمل وفي شؤون الحياة العامة لأسباب تتعلّق بالخلفية الدينية. وتتنوع العقوبة حسب خطورة الفعل.

فعندما يتعلق الأمر بجرائم قتل يكون العقاب سالباً للحرية لدرجة الحكم بالمؤبد، ويمكن أن يصنف العمل إرهابيا، كما جرى في الاعتداء الإرهابي على مقهى شيشة في مدينة هاناو، الذي راح ضحيته 11 شخصاً من الجالية المسلمة.

وسنت ألمانيا منذ عام 2006 القانون العام للمساواة في المعاملة، الذي يحمي الأفراد من التعرّض للتمييز لدواع عنصرية أو بسبب الأصل الإثني أو الحالة الجسدية أو المعتقد الديني أو السن أو التوجه الجنسي وغير ذلك من أشكال التمييز.

وتدخل عدد من جرائم الإسلاموفوبيا في هذا السياق خصوصا ما يتعلق بمجال العمل والاستفادة من الخدمات الإدارية والعثور على سكن أو متابعة الدراسة أو العثور على حضانات ومدارس للأطفال.

بيد أنّ هناك انتقادات توجه لهذا القانون بأنه لا يحمي الأفراد عندما يتعلّق الأمر بإجراءات الدولة، بمعنى أنه وحسب الوكالة الفدرالية لمواجهة التمييز، لا ينظم العلاقة بين المواطن وبين الدولة، أي أنه يمكن أن يجعل من الصعب على المتضررين تأكيد حقوقهم في الحماية من التمييز من قبل الدولة. وهناك مطالب بأن تقتفي الولايات الألمانية أثر ولاية برلين التي سنت قانوناً إضافياً، يحمي السكان من التمييز الذي تمارسه السلطات العمومية.

مطالبات بمكافحة "الإسلاموفوبيا" في الذكرى الرابعة لمذبحة المسجدين بنيوزيلندا

شهدت منصات التواصل الاجتماعي، اليوم الأربعاء، تجديدا للمطالبات بمكافحة الإسلاموفوبيا (كراهية الإسلام) وتعزيز أمن وحقوق الأقليات المسلمة في المجتمعات، وذلك بمناسبة الذكرى الرابعة للهجوم المسلح على مسجدين في نيوزيلندا واليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا، وكانت الأمم المتحدة تبنت قرارا العام الماضي يجعل 15 مارس/آذار من كل عام يوما لمكافحة الإسلاموفوبيا، إذ تقدمت باكستان بالقرار نيابة عن منظمة التعاون الإسلامي.

ويصادف اليوم الذي اقتحم فيه مسلح مسجدين في كرايست تشيرتش النيوزيلندية وفتح النار على المصلين، مما أسفر عن مقتل 51 شخصا وإصابة 40 آخرين.

ووصفت وسائل إعلام نيوزيلندية ذلك اليوم بأنه نقطة محوريّة "غيّر المدينة والمجتمع الإسلامي إلى الأبد"، كما أشارت إلى معاناة عائلات الضحايا حتى اللحظة من عدم قدرتهم على تجاوز محنتهم.

وتشير صحف نيوزيلندية إلى استمرار التحقيقات حول إذا ما كانت قوات الشرطة تأخرت في الاستجابة للهجوم الذي وقع مارس/آذار 2019، وإن كانت استجابة الشرطة بشكل أسرع ستزيد من فرص بقاء بعض الضحايا على قيد الحياة، وجددت وزارة الخارجية والتجارة النيوزيلندية إدانتها للهجوم في كرايست تشيرتش.

كما أشارت منظمات أوروبية حقوقية إلى ضرورة مكافحة "تعصب العرق الأبيض" والنظريات المتطرفة والعنصرية التي تتبناها الأحزاب اليمينية، حيث ألقى عدد من المنظمات باللوم على نظريات "تفوق العرق الأبيض" في القارة الأوربية في ما يتعلق بالجرائم ضد المسلمين والأقليات.

من جهته، كتب معهد الحوار الإستراتيجي البريطاني "اليوم نتذكر أولئك الذين قُتلوا في ذلك الهجوم وغيره منذ ذلك الحين، في اعتداءات عززتها أيديولوجية اليمين المتطرف وغذتها الكراهية"، وأضاف -في بيان على تويتر- أن الهجوم على مسجدين في نيوزيلندا "ما هو إلا نتيجة للنمو الكبير في الأيديولوجية اليمينية المتطرفة السائدة عالميا منذ العقد الأول من القرن الـ21".

بدوره، نعى اتحاد مؤتمر القيادة الأميركي -الذي يضم عدة منظمات حقوقية- ضحايا الهجوم قائلا "بينما نكرم ذكراهم اليوم، يجب أن نظل متحدين في الكفاح من أجل إنهاء سيادة العرق الأبيض والقضاء على الكراهية والتعصب بجميع أشكاله".

من جانبها، قالت منظمة "الاندماج والتنمية الإسلامية" (MEND) البريطانية إن اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا يتزامن مع الذكرى السنوية للهجوم المروع على المصلين من قبل مسلح في مدينة كرايست تشيرتش بنيوزيلندا.

وأشارت إلى أن الإسلاموفوبيا غذت الكراهية والانقسام والعنف، وهو ما أسفر عن عواقب سلبية على المجتمع ككل، كما غرّدت عضو مجلس الشيوخ الأسترالي مهرين فاروقي: "قبل 4 سنوات، تسببت العنصرية في مقتل 51 شخصا في نيوزيلندا"، وأضافت أن "مطلق النار في كرايست تشيرتش كان من إنتاج أستراليا ولا يزال التطرف اليميني يهدد سلامتنا ورفاهيتنا"، ودعت فاروقي -في اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا- إلى التزام "القضاء على جميع أشكال العنصرية بشكل نهائي".

عندما تتحول الكراهية الى وباء

أخذ منحى ظاهرة الإسلاموفوبيا في التصاعد، ليس فقط في الدول الغربية وإنما أيضا إلى حد كبير في العديد من أنحاء العالم. وقد جرى تحديد عدد من العوامل بوصفها المساهم الرئيسي في هذا الاتجاه المقلق ومنها تزايد أيدولوجيات اليمين المتطرف، وأزمات اللاجئين، والهجرة، والتصورات السلبية بين أتباع الديانات المختلفة، والخطاب الاستفزازي من قبل بعض وسائل الإعلام، يقابل كل ذلك خطاب متطرف وسلوكيات عنيفة من قبل بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة أدت إلى ارتكاب جرائم بشعة باسم الإسلام، مما جعل ظاهرتي الإرهاب والتطرف من جانب، والإسلاموفوبيا من جانب آخر تتغذيان من بعضهما البعض.

وبمناسبة الذكرى السنوية الثانية للهجوم الإرهابي الذي وقع يوم 15 مارس 2019 في مدينة كرايستشيرش بنيوزيلندا والذي أودى بحياة 51 من المصلين المسلمين الأبرياء، دعت منظمة التعاون الإسلامي، لاعتماد يوم 15 مارس من كل عام يوماً دولياً لمكافحة الإسلاموفوبيا من أجل تعزيز الوعي العالمي بهذه الظاهرة لاحتوائها ومواجهة ما يستهدف المسلمين من كراهية وتمييز. واعتبار الإسلاموفوبيا، شكلاً معاصراً من أشكال العنصرية والتمييز الديني، ما انفكت تتنامى في أنحاء كثيرة من العالم.

من جهته شارك أمين عام الأمم المتحدة، عبر رسالة مصورة، في فعالية عقدتها منظمة التعاون الإسلامي بمناسبة اليوم الدولي لمكافحة الإسلاموفوبيا، دعا خلالها إلى مواصلة السعي لتحقيق العدالة "لأخواتنا وإخواننا المسلمين وللبشرية جمعاء".

وشكر الأمين العام أنطونيو غوتيريش المنظمة على تركيز الاهتمام على التحدي الدولي المتمثل في الإسلاموفوبيا وكراهية المسلمين والتمييز ضدهم. وأشار، في رسالته، إلى تقرير قُدم إلى مجلس حقوق الإنسان قبل أيام حول تصاعد الشكوك والتمييز والكراهية ضد المسلمين ووصولها إلى "أبعاد وبائية".

وأشار الأمين العام إلى أن التقرير يتضمن أمثلة على ذلك التمييز منها قيود تحد من قدرة المسلمين على إظهار معتقداتهم، والإقصاء الاجتماعي والاقتصادي والوصم المستشري للمجتمعات المسلمة في بعض المناطق. وأشار التقرير إلى التمييز الثلاثي الذي تواجهه المسلمات بسبب الجنس والعرق والمعتقد، وقال الأمين العام إن الصور النمطية غالبا ما تتفاقم بسبب محتويات إعلامية وفي بعض الأحيان بسبب أشخاص يتولون مناصب في دوائر السلطة، وذكر أنطونيو غوتيريش أن كراهية المسلمين تصاحب توجهات مقلقة أخرى بأنحاء العالم منها عودة ظهور العنصرية القومية والنازيين الجدد، والوصم وخطاب الكراهية ضد جماعات مستضعفة منهم مسلمون ويهود وأقليات مسيحية وغيرهم.

وأكد الأمين العام أن التمييز يضعف الجميع ويمنع الناس والمجتمعات من تحقيق كامل إمكاناتهم. وشدد على ضرورة التركيز على حقوق الأقليات التي تعيش معظمها تحت التهديد في أنحاء العالم.

وقال إن الأقليات جزء من ثراء الثقافات والنسيج الاجتماعي، ولكنه أضاف أن هناك أشكالا من التمييز ضدها وسياسات تسعى لمحو هوياتها الثقافية والدينية. وشدد على ضرورة السعي لوضع سياسات تحترم بشكل كامل حقوق الإنسان والهوية الدينية والثقافية والإنسانية الفريدة.

وأضاف الأمين العام "كما يذكرنا القرآن الكريم: ’وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا‘. التنوع ثراء وليس تهديدا. وفيما نتوجه نحو مجتمعات أكثر تنوعا في العرق والدين، نحتاج إلى استثمارات سياسية وثقافية واقتصادية لتعزيز التماسك الاجتماعي والتصدي للكراهية. لكل هذه الأسباب تعد محاربة التمييز والعنصرية وكراهية الأجانب أولوية لدى الأمم المتحدة".

ولهذه الأسباب أيضا أُطلقت أول استراتيجية أممية من نوعها حول خطاب الكراهية وخطة عمل حماية المواقع الدينية. وأكد الأمين العام الدعم الكامل للعمل المهم الهادف إلى تعزيز الانسجام بين الأديان مثل وثيقة الأخوة الإنسانية التي وضعها قداسة البابا فرنسيس وفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب.

ودعا الأمين العام إلى مواصلة العمل المشترك للنهوض بالقيم المشتركة المتمثلة في الشمول والتسامح والتفاهم المتبادل، وهي قيم في جوهر جميع الأديان الرئيسية ومـيثاق الأمم المتحدة.

وقال الأمين العام أنطونيو غوتيريش إن "خطاب الكراهية هو بحد ذاته هجوم على التسامح والإدماج والتنوع وجوهر معايير ومبادئ حقوقنا الإنسانية. على نطاق أوسع، إنه يقوض التماسك الاجتماعي والقيم المشتركة، ويمكن أن يرسي الأساس للعنف، معيقا بذلك قضية السلام والاستقرار والتنمية المستدامة وكفالة حقوق الإنسان للجميع".

الكراهية ضد المسلمين ترتفع إلى أبعاد وبائية

في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر الإرهابية وغيرها من الأعمال الإرهابية المروعة التي يُزعم أنها نُفِّذت باسم الإسلام، تصاعدت الشكوك المؤسسية بشأن المسلمين وأولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم مسلمون إلى "أبعاد وبائية"، حسبما قال خبير في الأمم المتحدة لمجلس حقوق الإنسان اليوم.

وفي كلمته، قال المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الدين أو المعتقد، أحمد شهيد، إن العديد من الدول - إلى جانب الهيئات الإقليمية والدولية - استجابت للتهديدات الأمنية عن طريق تبني تدابير استهدفت المسلمين بشكل غير متناسب وعرّفتهم على أنهم شديدو الخطورة وبأنهم معرضون لخطر الانحراف نحو التطرف.

وقال أحمد شهيد: "الإسلاموفوبيا تبني هياكل خيالية حول المسلمين تُستخدم لتبرير التمييز الذي ترعاه الدولة والعداء والعنف ضد المسلمين، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة بالنسبة للتمتع بحقوق الإنسان بما في ذلك حرية الدين أو المعتقد".

في تقرير لمجلس حقوق الإنسان قال شهيد إن التمثيل السلبي واسع الانتشار للإسلام، والخوف من المسلمين بشكل عام، والسياسات الأمنية ومكافحة الإرهاب، عملت على إدامة وإقرار وتطبيع التمييز والعداء والعنف تجاه المسلمين ومجتمعاتهم.

وقال: "في مثل هذه المناخات التي يسودها الإقصاء والخوف وانعدام الثقة، يفيد المسلمون بأنهم غالبا ما يشعرون بالوصم والعار والشعور بأنهم ’مجتمعات مشبوهة‘ تُجبر على تحمل المسؤولية الجماعية عن أفعال أقلية صغيرة".

يستشهد التقرير بمسوحات أوروبية في عامي 2018 و2019 تظهر أن 37٪ في المتوسط من السكان لديهم آراء غير مواتية تجاه المسلمين. في عام 2017، نظر حوالي 30٪ من الأمريكيين الذين شملهم الاستطلاع إلى المسلمين من منظور سلبي.

قال شهيد إن التمييز ضد الإسلام في المجالين العام والخاص يجعل من الصعب على المسلم أن يكون مسلما. القيود غير المتناسبة على قدرة المسلمين على إظهار معتقداتهم، وإضفاء الطابع الأمني على المجتمعات الدينية، والقيود المفروضة على الحصول على الجنسية، والإقصاء الاجتماعي والاقتصادي، والوصم المنتشر للمجتمعات المسلمة هي من بين الشواغل الملحة المذكورة في التقرير.

النساء المسلمات يواجهن عقوبة ثلاثية

وأضاف أنه في دول بها أقلية مسلمة، كثيرا ما يتم استهداف المسلمين بناءً على سمات "المسلمين" الظاهرة، مثل أسمائهم ولون بشرتهم وملابسهم، بما في ذلك الملابس الدينية، ومنها الحجاب.

قال المقرر الأممي إن التمييز والعداء بسبب الإسلاموفوبيا كانا في كثير من الأحيان متقاطعين، إذ "قد تواجه النساء المسلمات ’عقوبة ثلاثية‘ لكونهن نساء وأقلية عرقية ومسلمات". وأضاف: "الصور النمطية الضارة والمجازيات عن المسلمين والإسلام تُعـَزز بشكل كبير من قبل وسائل الإعلام الرئيسية والسياسيين ذوي النفوذ والمؤثرين في الثقافة الشعبية والخطاب الأكاديمي".

وشدد التقرير على أنه لا ينبغي الخلط بين الانتقادات الموجهة للإسلام وكراهية الإسلام، مضيفا أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يحمي الأفراد وليس الأديان. إن انتقاد أفكار أو قادة أو رموز أو ممارسات الإسلام ليس معاديا للإسلام في حد ذاته؛ ما لم يقترن بكراهية أو تحيز تجاه المسلمين عامة.

وقال خبير الأمم المتحدة: "إنني أشجع الدول بقوة على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمكافحة الأشكال المباشرة وغير المباشرة للتمييز ضد المسلمين وحظر أي دعوة إلى الكراهية الدينية التي تشكل تحريضا على العنف".

قنوات جديدة تسرّع انتشار الكراهية

خلال الـ 75 سنة الماضية، رأى العالم كيف كان خطاب الكراهية بمثابة نذير لجرائم الفظائع، بما في ذلك الإبادة الجماعية، من رواندا إلى البوسنة وكمبوديا. وفي الآونة الأخيرة، ارتبط ارتباطا وثيقا بالعنف الذي أسفر عن عمليات قتل جماعية في العديد من أنحاء العالم، بما في ذلك جمهورية إفريقيا الوسطى وسري لانكا ونيوزيلندا والولايات المتحدة. وتكافح الحكومات وشركات التكنولوجيا على حد سواء لمنع الكراهية المدبَّرة عبر الإنترنت والرد عليها.

وقال غوتيريش "مع وصول قنوات جديدة لخطاب الكراهية إلى جمهور أوسع من أي وقت مضى وبسرعة البرق، نحن جميعا - الأمم المتحدة والحكومات وشركات التكنولوجيا والمؤسسات التعليمية - نحتاج إلى تصعيد استجاباتنا".

من ناحيته قال أداما ديانغ، المستشار الخاص للأمين العام المعني بمنع الإبادة الجماعية، "تمشيا مع التزام الأمم المتحدة طويل الأمد بحماية جميع معايير حقوق الإنسان الدولية وتعزيزها وتنفيذها، فإن الاستراتيجية وخطة العمل لا تستدعيان مطلقا فرض قيود على حرية التعبير والرأي لمعالجة خطاب الكراهية. وأوضح قائلا إن الاستراتيجية، على النقيض من ذلك، "تتبنى مقاربة كلية تهدف إلى معالجة دورة حياة خطاب الكراهية بأكملها، من جذوره إلى تأثيره على المجتمعات. كما يُعتبر أن إكثار الكلام - البديل والإيجابي والروايات المضادة - هو الرد على خطاب الكراهية".

أهداف الاستراتيجية

وبحسب الأمين العام، لاستراتيجية وخطة عمل الأمم المتحدة على نطاق المنظومة هدفان رئيسيان.

أولا، تعزيز جهود الأمم المتحدة لمعالجة الأسباب الجذرية للخطاب الذي يحض على الكراهية، بما يتماشى مع رؤية الأمين العام الوقائية. وتشمل هذه الأسباب الجذرية العنف والتهميش والتمييز والفقر والإقصاء وعدم المساواة وانعدام التعليم الأساسي وضعف مؤسسات الدولة.

وفيما تعالج الأمم المتحدة العديد من هذه القضايا وتدعم الحكومات في تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030، فإن هذه الاستراتيجية الجديدة تذهب أبعد من ذلك، حيث أوصت باستجابة منسقة، بما في ذلك الجهود المبذولة لتحديد أولئك الذين يشاركون في خطاب الكراهية، والأشخاص الذين هم في وضع أفضل لتحديها. وتعزز الاستراتيجية التعليم كأداة وقائية يمكنها رفع الوعي وتحقيق شعور مشترك بالهدف المشترك للتصدي لبذور الكراهية.

والهدف الأسمى الثاني هو تمكين الأمم المتحدة من الاستجابة بفعالية لتأثير خطاب الكراهية على المجتمعات.

وتشمل التوصيات جمع الأفراد والجماعات من ذوي الآراء المتعارضة؛ العمل مع منصات وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية؛ الانخراط في الدعوة؛ ووضع إرشادات للاتصالات لمواجهة اتجاهات وحملات خطاب الكراهية. على الرغم من أن التكنولوجيا الرقمية قد وفرت مجالات جديدة يمكن أن ينمو فيها خطاب الكراهية، إلا أنها يمكن أن تساعد أيضا في مراقبة النشاط وتوجيه الاستجابة وبناء دعم للروايات المضادة.

وأشار الأمين العام إلى أن خطة العمل الجديدة تتجاوز نيويورك. وتتضمن طرقا يمكن بها لفرق الأمم المتحدة القطرية والبعثات في جميع أنحاء العالم اتخاذ إجراءات للدفاع عن الحقيقة ومكافحة خطاب الكراهية. وهي تتجاوز الأمم المتحدة؛ إذ يجب عليها إشراك الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص والشركاء الآخرين.

وقد تعهدت وكالات ومكاتب الأمم المتحدة بتعزيز تعاونها على أساس الالتزامات المنصوص عليها في الاستراتيجية. كما طلب الأمين العام منها إعداد خططها الخاصة، بما يتوافق مع هذه الاستراتيجية وبالتنسيق مع مستشاره الخاص لمنع الإبادة الجماعية، السيد أدما ديانغ.

وفي هذا السياق، حث غوتيريش الدول الأعضاء وجميع الشركاء على دعم مستشاره الخاص، الذي سيكون جهة التنسيق لتنفيذ وتنسيق خطة العمل الجديدة.

التمييز ضد المسلمات في سويسرا

أعرب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن الأسف لانضمام سويسرا إلى عدد قليل من الدول يسمح فيها القانون بالتمييز ضد المسلمات، وذلك بعد استفتاء أيدت فيه غالبية الناخبين فرض حظر على تغطية الوجه في الأماكن العامة عقب "حملة دعاية سياسية اتسمت بمعاداة الأجانب".

وردا على أسئلة الصحفيين في المؤتمر الصحفي الدوري في جنيف قالت رافينا شامداساني المتحدثة باسم المكتب إن استخدام القانون للإملاء على النساء ما يتعين عليهن ارتداؤه يعد إشكالية من منظور حقوق الإنسان. وأعربت عن التقدير لمعارضة الحكومة الفيدرالية السويسرية لتلك المبادرة، واقتراحها لحل بديل مقبول.

وقالت "يجب ألا تُجبر النساء على تغطية وجوههن، وفي نفس الوقت فإن الحظر القانوني على تغطية الوجه سيحد حرية النساء في إظهار دينهن أو معتقداتهن، ويؤثر بشكل أوسع على حقوق الإنسان الخاصة بهن".

وأشارت شامداساني إلى المادة الثامنة عشرة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أنه "لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية".

وقالت المتحدثة إن المبررات الغامضة لكيفية تهديد تغطية الوجه للسلامة والصحة وحقوق الآخرين، لا يمكن أن تكون سببا مشروعا لمثل هذا التقييد التعسفي للحريات الأساسية.

وأضافت أن الحجج المؤيدة لمثل هذا الحظر في عدة دول أوروبية، بما فيها سويسرا، تشكك في تمتع النساء بحرية اتخاذ قرار تغطية الوجه، ثم تعاقبهن على شيء خارج عن إرادتهن إنْ صحت تلك الفرضية.

وقالت "بغض النظر عما إذا كان الحجاب مفروضا على المرأة من زوجها أو فرد من أسرتها أو كان مفروضا ذاتيا نابعا من رغبتها في الالتزام بمعتقداتها الدينية أو الثقافية، فإن حظره سيؤدي إلى مزيد من التهميش والإقصاء من الحياة العامة".

وقالت رافينا شامداساني المتحدثة باسم مكتب حقوق الإنسان إن ذلك يأتي في وقت تُبلغ فيه المسلمات في أوروبا عن زيادة التمييز والصور النمطية والعداء وفي بعض الأحيان العنف الجسدي ضدهن، بسبب ملابسهن.

اضف تعليق