q
مع استمرار الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية في لبنان ازادت حدة الأزمة السياسية بشكل كبير، فبعد مرور أسابيع على استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري على أثر احتجاجات مناوئة للنخبة الحاكمة، مايزال ملف تعيين رئيس وزراء وتشكيل الحكومة الجديدة بحسب بعض المصادر، من اصعب الملفات في ظل غياب...

مع استمرار الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية في لبنان ازادت حدة الأزمة السياسية بشكل كبير، فبعد مرور أسابيع على استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري على أثر احتجاجات مناوئة للنخبة الحاكمة، مايزال ملف تعيين رئيس وزراء وتشكيل الحكومة الجديدة بحسب بعض المصادر، من اصعب الملفات في ظل غياب التوافقات خصوصا وان الشارع اللبناني قد رفض في وقت سابق تعيين الحريري مرة أخرى على رأس حكومة جديدة. مما يبقى ذلك البلد دون قائد في ظل أسوأ أزمة اقتصادية يواجهها منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990. وتثير الأزمة الاقتصادية الخطيرة في هذا البلد، مخاوف متعلقة باستقرار لبنان في ظل فرض البنوك قيودا على حركة رأس المال وشح الدولار وفقد الليرة اللبنانية ثلث قيمتها في السوق السوداء.

ويرى بعض المراقبين ان فرص إنهاء الأزمة ربما تكون بعيدة بسبب الصراعات المستمرة بين القوى السياسية المدعومة من قبل اطراف خارجية، وعادت الأزمة إلى المربع الأول عندما سحب رجل الأعمال سمير الخطيب ترشحه لمنصب رئيس الوزراء بعد أن أبلغته المؤسسة السنية بأنها تريد أن يتولى الحريري المنصب الذي يجب أن يشغله سني.

وضع الحريري اختيار حكومة من المختصين شرطا لترشحه مجددا لمنصب رئيس الوزراء وقال إنه يؤمن بأن هذا هو السبيل الوحيد لحل الأزمة الاقتصادية وجذب مساعدات أجنبية وإرضاء المحتجين الموجودين بالشوارع منذ 17 أكتوبر تشرين الأول للمطالبة برحيل النخبة السياسية برمتها لتحميلهم إياها مسؤولية الفساد الحكومي وسوء الإدارة. غير أن حزب الله وحلفاءه، ومنهم الرئيس ميشال عون، يرون ضرورة أن تضم الحكومة ساسة.

وتتفاقم الأزمة الاقتصادية منذ سنوات بسبب الهدر والفساد الذي جعل لبنان صاحب واحد من أكبر أعباء الدين في العالم. وخلال مؤتمر في باريس العام الماضي نجح لبنان في الحصول على تعهدات بمنحه ما يزيد على 11 مليار دولار شريطة إجراء إصلاحات، لكنه فشل في تنفيذها.

الحريري والخطيب

وفي هذا الشأن ظهر اسم السياسي السني البارز سعد الحريري من جديد مرشحا لرئاسة وزراء لبنان بعد أن سحب رجل الأعمال سمير الخطيب ترشحه لرئاسة حكومة تواجه مهمة علاج أزمة اقتصادية حادة. ورد الرئيس اللبناني ميشال عون بتأجيل مشاورات مع النواب كانت مزمعة وكان من المتوقع أن تفضي هذه المشاورات إلى تكليف الخطيب بتشكيل الحكومة. وقالت الرئاسة اللبنانية في بيان إن هذا التأجيل تم ”في ضوء التطورات المستجدة في الشأن الحكومي، وبناء على رغبة وطلب معظم الكتل النيابية الكبرى من مختلف الاتجاهات، وإفساحا في المجال أمام المزيد من المشاورات والاتصالات بين الكتل النيابية المختلفة، ومع الشخصيات المحتمل تكليفها بتشكيل الحكومة الجديدة“.

وكان الحريري قد استقال من رئاسة الحكومة في 29 أكتوبر تشرين الأول بسبب احتجاجات حاشدة على النخبة الحاكمة. وحمل المحتجون الطبقة السياسية برمتها مسؤولية الفساد، ومنصب رئيس الحكومة مخصص للسنة في لبنان طبقا لنظام المحاصصة الطائفي. ولا يزال الحريري مكلفا بتصريف أعمال الحكومة لحين اختيار رئيس وزراء جديد. وبعد استقالة الحريري ساد خلاف حول تشكيل حكومة جديدة بين الحريري المتحالف مع الغرب ودول الخليج العربية وخصومه ومنهم جماعة حزب الله. وسحب الحريري في وقت سابق ترشحه لمنصب رئيس الوزراء.

وبدا أنه جرى التوافق بين الأطراف الرئيسية، بما في ذلك الحريري نفسه، حول اسم الخطيب. لكن الخطيب لم ينجح في كسب التأييد الكافي لهذا المنصب من المؤسسة السنية. وقال الخطيب بعد لقائه مع مفتي لبنان عبد اللطيف دريان إن السنة يريدون الحريري رئيسا للوزراء. وأضاف الخطيب ”علمت من سماحته أنه نتيجة اللقاءات والمشاورات والاتصالات مع أبناء الطائفة الإسلامية تم التوافق على تسمية الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة المقبلة“. وتوجه الخطيب لاحقا إلى منزل الحريري في بيروت حيث أعلن سحب ترشحه. بحسب رويترز.

وفي الأيام الماضية ناشد الحريري، انطلاقا من دوره كرئيس لحكومة تصريف الأعمال ، الدول الصديقة لمساعدة لبنان على تأمين خطوط ائتمان لاستيراد السلع الأساسية في ظل النقص في العملة الصعبة الذي تواجهه البلاد. واشترط الحريري في السابق لقبول منصب رئيس الوزراء تشكيل حكومة من وزراء متخصصين، إذ رأى أن ذلك سيرضي المحتجين كما أن هذا النوع من الوزراء سيكون قادرا على مواجهة الأزمة الاقتصادية وجذب مساعدات أجنبية.

ويتولى الخطيب إدارة احدى كبريات الشركات الهندسية في لبنان، وهو قريب من اوساط الحكم رغم عدم خبرته السياسية. ويطالب الحراك الاحتجاجي بحكومة اختصاصيين مستقلين بعيدا من الطبقة السياسية الحالية، في حين اتجهت الامور اخيرا الى تشكيل حكومة تضم سياسيين يمثلون الاحزاب الرئيسية اضافة الى اختصاصيين.

مساعدات أمنية

الى جانب ذلك قال مسؤولون بالكونجرس وبوزارة الخارجية الأمريكية إن إدارة الرئيس دونالد ترامب رفعت الحظر عن مساعدات أمنية للبنان تزيد قيمتها عن 100 مليون دولار، وذلك بعد أكثر من شهر من إعلام أعضاء الكونجرس بحجبها. كانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أبلغت الكونجرس في 31 أكتوبر تشرين الأول بأن مكتب الميزانية بالبيت الأبيض ومجلس الأمن القومي قررا حجب هذه المساعدات العسكرية، دون تقديم أي تفسير.

وطالب أعضاء الكونجرس الإدارة بتوضيح سبب قرار حجب المساعدات الذي شبّهه البعض بحجب مساعدات أمنية تقرب من 400 مليون دولار لأوكرانيا كان الكونجرس قد أقر أيضا تقديمها.. وكان أعضاء بالكونجرس ودبلوماسيون أمريكيون قد عارضوا بقوة حجب المساعدات للبنان قائلين إنها لازمة لدعم جيشه في وقت يواجه فيه حالة من عدم الاستقرار في البلد والمنطقة. وقال مساعدون بالكونجرس إن الإدارة لم تقدم بعد تفسيرا لقرار حجب الأموال التي كان الكونجرس ووزارة الخارجية قد وافقا عليها. بحسب رويترز.

وقالوا إن مكتب الميزانية بالبيت الأبيض أفرج عن الأموال وإن الإدارة بدأت في إضفاء اللمسات الأخيرة على العقود المتعلقة بكيفية إنفاقها. وأكد مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية الإفراج عن الأموال لكنه أحجم عن تقديم تفسير لقرار تعليقها أو قرار الرجوع عن ذلك سوى الإشارة إلى تصريحات أدلى بها وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية ديفيد هيل في الآونة الأخيرة. وكان هيل قد قال خلال شهادة بالكونجرس إن هناك خلافات في الرأي حول جدوى المساعدات الأمريكية للقوات المسلحة اللبنانية. وقال المسؤول الكبير بوزارة الخارجية إن الجيش اللبناني ”شريك رائع للولايات المتحدة“ في التصدي للتطرف.

وتصاعدت حدة التوتر في عدة مناطق من لبنان في وقت سابق بما في ذلك حي عين الرمانة الذي اشتعل فيه فتيل الحرب الأهلية. وانتشر الجيش لدرء خطر مواجهة بين أنصار فصائل مسيحية وأخرى شيعية. وحذر رجل دين شيعي بارز من أن الشارع قد يخرج عن السيطرة ويدفع بلبنان نحو الفوضى. ودعا علي الخطيب الساسة إلى علاج الموقف واحتواء التدهور.

وشهدت مدينة طرابلس ذات الأغلبية السنية توترا أيضا عندما هوجم مكتب للحزب السياسي الذي أسسه عون وكذلك صراف آلي. وقال المصدر إن قنبلة يدوية ألقيت لكنها لم تنفجر. وشهدت مدينة طرابلس، التي تعد من ساحات التظاهر المركزية في لبنان منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر، أعمال شغب بدأت مع محاولة محتجين اقتحام مكتب للتيار الوطني الحر، الذي يرئسه الوزير جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية ميشال عون.

الأوضاع المعيشية

من جانب اخر انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان في الأيام القليلة الماضية حملات لتوزيع الطعام والسلع العذائية الأساسية على العائلات والأفراد المحتاجين بعد تردّي الأوضاع المعيشية والاقتصادية إلى نحو غير مسبوق وانتشار أخبار انتحار أشخاص في مناطق عدة من لبنان بسبب الأوضاع الاقتصادية الحرجة. وهزّت قصة انتحار أب يدعى ناجي الفليطي البلاد، بعد عدم قدرته على توفير 1000 ليرة لبنانية لابنته، وتراكم ديون بقيمة 700 ألف ليرة عليه، وعدم قدرته على تأمين العلاج اللازم لزوجته المصابة بالسرطان.

وضجّت وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل اليوم بخبر انتحار رجلين آخرين بسبب الظروف المعيشية أيضاً، بحسب بعض وسائل الإعلام المحلية. ويدعى الأوّل داني أبو حيدر، وقد أطلق النار على نفسه بسبب طرده من العمل، وتراكم بعض الديون عليه، أما الآخر فهو فرد في قوى الأمن الداخلي، يدعى أنطونيو طنوس، ولم تنته التحقيق الرسمي بشأن مقتله بعد، إلا أنّ التحقيقات الأولية ترجح أنّه مات منتحرا بعدما أطلق النار على نفسه، بحسب وسائل إعلام محلية.

وفي محاولة لتخفيف العبء الاقتصادي والنفسي عن المواطنين، في ظلّ الفترة الحرجة التي تسبّبت في طرد آلاف الموظفين، وتخفيض رواتب آلاف آخرين إلى النصف، علقت بعض المحلات التجارية الصغيرة في البلاد لافتات تطلب من الأشخاص المحتاجين الدخول، وأخذ ما يريدونه مجاناً. كما تحاول مجموعة على موقع "فيسبوك" أنشئت منذ أكثر من أسبوعين، جمع تبرعات لتوفير صناديق بالمنتجات الغذائية الأساسية، أو الثياب أو الأدوية، للمواطنين المحتاجين.

وقالت إحدى منظمات الحملة، التي فضّلت عدم ذكر اسمها إنّ "مجموعة تتألف من 6 أشخاص تقريباً تعمل على تأمين حاجيات وسلع أساسية لعائلات محتاجة في مناطق مختلفة من لبنان". وأكدت أنّ غالبية العائلات التي تمّت مساعدتها حتى الآن، لم يطلب أحد من أفرادها تلك المساعدة. واستطاعت المجموعة الوصول إليها عبر "أشخاص قاموا بترك رسائل عن وجود عائلات محتاجة هنا وهناك". بحسب بي بي سي.

ويحاول أفراد المجموعة جمع سلع غذائية من أكثر من شخص لتعبئة صندوق يحتوي على أرز، وعدس، ومنتجات أخرى، وإرساله إلى العائلة المحتاجة. ويركّز أفراد آخرون من المجموعة على التواصل مع لبنانيين مغتربين لجمع تبرعات مالية منهم عبر موقع "غو فاند مي"، لمساعدة المتضرّرين من الأوضاع الاقتصادية السيئة داخل لبنان "لعدم قدرة اللبنانيين داخل البلاد على التبرع بالكثير من الأموال"، وتضيف السيدة أنه "بلبنان الكلّ وضعه تعبان".

اضف تعليق