q
أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية تتفاقم بشكل كبير بسبب الضغوط والتدخلات الخارجية، التي اثرت سلباً حياة المواطن في هذا البلد، ومنذ الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو أيار الماضي عطلت الخلافات السياسية تشكيل حكومة وحدة وطنية...

أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية تتفاقم بشكل كبير بسبب الضغوط والتدخلات الخارجية، التي اثرت سلباً حياة المواطن في هذا البلد، ومنذ الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو أيار الماضي عطلت الخلافات السياسية تشكيل حكومة وحدة وطنية مما أثار المخاوف والشكوك في بلد يعاني من أحد أعلى معدلات الدين العام في العالم. وتتنافس الاحزاب في نظام تقاسم السلطة الطائفي بلبنان على الوزارات فيما حث المانحون الاجانب على تجنب أي تأخير وحذر الساسة اللبنانيون من حدوث أزمة اقتصادية. ويريد صندوق النقد الدولي أن يرى تغييرات مالية فورية وجذرية لتحسين القدرة على خدمة الدين العام للبنان الذي بلغ أكثر من 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية 2017. وتمخض مؤتمر للمانحين في باريس في أبريل نيسان عن تعهدات بتقديم مليارات لكنها كانت مشروطة بالإصلاح.

وأزمة تشكيل الحكومة اللبنانية بحسب بعض المراقبين، هي افراز طبيعي لجملة من الخلفات الكبيرة في لبنان، بسبب تضارب المصالح بين الاحزاب والشخصيات الحاكمة التي تسعى الى تامين مصالحها ومصالح الدول الداعمة لها وخصوصا السعودية وايران، وفيما يخص اخر تطورات هذا الملف قال رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري في مقابلة تلفزيونية إنه يتوقع تشكيل حكومة جديدة في غضون أسبوع الى عشرة أيام وإن الوضع الاقتصادي في البلاد لم يعد يحتمل مزيدا من التأخير، خطوة اعتبرها بعض المراقبين مجرد حديث اعلامي لتهدئه الرأي العام وطمئنه الدول المانحة وباقي الحلفاء, حيث اكدوا ان مثل هكذا امور يجب ان تحددها حكومات اخرى تتحكم بقرارات لبنان من خلال داعمها لأحزاب وتيارات متنفذه.

وقال الحريري ”الوضع الاقتصادي في البلد لا يتحمل الخلافات اللبنانية الداخلية يجب علينا كأحزاب لبنانية كلنا...نشتغل لحماية لبنان وكلنا نتعاون مع بعض لكي نقدر نصل إلى بر الامان. أقول إن الاقتصاد بوضع صعب؟ نعم بوضع صعب جدا ولذلك أنا أدق ناقوس الخطر“ وأضاف ”يوجد حلول. أنا وفخامة الرئيس ناقشناها وإن شاء الله ستتشكل الحكومة“. وخلال الشهور الخمسة التي تلت إجراء الانتخابات، عبر الحريري مرارا عن تفاؤله إزاء حدوث انفراجة قريبة.

وقال رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري إنه يوجد ”بصيص أمل“ بشأن تشكيل الحكومة وذلك وفقا لنائب من حزب بري تحدث نيابة عنه عقب اللقاء. ونقلت قناة الجديد التلفزيونية عن النائب علي بزي قوله إن بري ”يرى أنه حصل نوع من التوازن في التنازلات بموضوع تشكيل الحكومة“. والنقطة الشائكة الرئيسية في المفاوضات هي كيفية تلبية المطالب المتضاربة لعون المنتمي للطائفة المارونية وحزبه التيار الوطني الحر من ناحية ومنافسه الماروني سمير جعجع وحزبه القوات اللبنانية من ناحية أخرى. واستمرت آخر حكومة لبنانية في العمل لتصريف الأعمال منذ انتخابات مايو أيار لكن البلاد بحاجة لحكومة مستقرة تنفذ الإصلاحات المطلوبة لتحسين استدامة الدين اللبناني.

حكومة جديدة

وفي هذا الشأن قال رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري إنه قدم للرئيس ميشال عون ”صيغة“ لتشكيل حكومة جديدة بعد المأزق السياسي الذي يمر به لبنان منذ أشهر. وتتنافس الأحزاب الرئيسية على الحقائب الوزارية منذ الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو أيار الماضي بينما يبدي المسؤولون والمانحون الدوليون القلق من أن التأخير سيزيد من حدة المشاكل الاقتصادية في البلاد. ويعاني لبنان، الذي اعتاد على المفاوضات المطولة لتشكيل الحكومات، من أحد أعلى معدلات الدين العام في العالم.

والحكومة الأخيرة مستمرة في تصريف الأعمال منذ الانتخابات التي أفرزت برلمانا يميل لصالح جماعة حزب الله. وقال الحريري بعد اجتماع مع عون في قصر بعبدا ”هذه الصيغة سلمتها لفخامة الرئيس وإن شاء الله بصير حكي مع فخامة الرئيس. نحن تشاورنا وسنكمل تشاورات وسنرى.“ ومن المتوقع أن تضم حكومة الوحدة الوطنية المقبلة معظم الأحزاب الرئيسية في إطار نظام تقاسم السلطة الطائفي شأنها في ذلك شأن الحكومة الأخيرة.

ويريد صندوق النقد الدولي أن يرى تغييرات مالية فورية وجذرية لتحسين القدرة على خدمة الدين العام للبنان الذي بلغ أكثر من 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية 2017. وتمخض مؤتمر للمانحين في باريس في أبريل نيسان عن تعهدات بتقديم مليارات الدولارات لكنها كانت مشروطة بالإصلاح. وسيتعين على الحكومة أيضا تناول العلاقات مع سوريا حيث رجحت كفة الصراع لصالح الرئيس بشار الأسد في الحرب الأهلية المستمرة منذ سبع سنوات ونصف. ويريد حلفاء الأسد اللبنانيون بقيادة حزب الله عودة العلاقات كاملة.

من جانب اخر نقل علي بزي، وهو نائب ينتمي لحركة أمل الشيعية، عن بري رئيس الحركة قوله ”لبنان في العناية الفائقة وهو لا يشبه لا تركيا ولا إيران والوضع الاقتصادي خطير جداً وعلى الجميع التواضع“. ونقل بزي عن بري قوله أيضا ”أي طرف لا يستطيع أن يصل إلى ما يراه أو يريده في تشكيل الحكومة، وعلى الجميع دون استثناء أن يقدموا التنازلات لمصلحة الوطن والخروج من هذه الازمة.“

ولطالما كان تشكيل الحكومة مهمة صعبة، ففي العام 2009 احتاج الحريري خمسة أشهر لتأليف حكومته مقابل عشرة أشهر لرئيس الوزراء السابق تمام سلام بين العامين 2013 و2014. ويعتبر رئيس قسم الأبحاث في بنك عوده مروان بركات أن "من شأن التأخر في تشكيل الحكومة أن ينعكس (سلباً) على الاستثمارات وبالنتيجة على النمو الاقتصادي". ويتحدث بركات عن تدهور سبعة مؤشرات اقتصادية من أصل 11 في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، بينها الجمود في القطاع العقاري حيث تراجعت تراخيص البناء بنسبة 20,1 في المئة.

وتراجعت كذلك قيمة الشيكات المتداولة، التي تدل على مستوى الاستهلاك والاستثمار، 13 في المئة بين كانون الثاني/يناير وتموز/يوليو، وفق المصرف المركزي. وإلى جانب ذلك كله، تزداد الخشية من تدهور الليرة اللبنانية مقابل الدولار ما دفع المصارف إلى زيادة الفوائد على الليرة ووصل الأمر ببعضها إلى تحديدها بنسبة 15 في المئة.

ولا يمكن للبنان الحصول على القروض والمساعدات التي تعهد بها المجتمع الدولي طالما الحكومة لم تشكل بعد. وربطت معظم الجهات الدولية والمانحة مساعداتها بتحقيق لبنان سلسلة إصلاحات بنيوية واقتصادية وتحسين معدل النمو الذي سجل واحد في المئة خلال السنوات الثلاث الماضية مقابل 9,1 في المئة في السنوات الثلاث التي سبقت اندلاع النزاع في سوريا المجاورة. بحسب فرانس برس.

وبلغ الدين العام في لبنان 82,5 مليار دولار، ما يُعادل نسبة 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ويحتل لبنان بذلك المرتبة الثالثة على لائحة البلدان الأكثر مديونية في العالم. وحذر البنك الدولي، الذي قدم للبنان أكثر من أربعة مليارات دولار في مؤتمر سيدر، في وقت سابق من "دقة" وضع الاقتصاد اللبناني، خصوصاً في ظل وجود قروض "عالقة" في أدراج مجلس الوزراء أو البرلمان بانتظار تحويلها استثمارات فعلية.

أمر لبناني صرف

في السياق ذاته التقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على هامش مشاركته في أعمال القمة الفرنكوفونية السابعة عشرة المنعقدة في العاصمة الارمينية يريفان. وبدأ اللقاء بخلوة بين الرئيسين دامت قرابة العشرين دقيقة، ثم انضم اليهما وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل والمستشار الدبلوماسي للرئيس ماكرون السفير فيليب اتيان.

وبعد اللقاء اوضح الرئيس عون في دردشة مع الصحافيين ان "التفاهم كان تاما مع الرئيس الفرنسي حول كل المواضيع، ونحن نتعاون دائما مع بعضنا كأصدقاء". وعن تشكيل الحكومة أكد أن "الاجتماع مع الرئيس ماكرون ليس بهدف تشكيل الحكومة، لأن هذا شأن لبناني بحت، لكنه يرغب طبعا بتشكيلها وخصوصا بعد اجراء الانتخابات النيابية".

وعما اذا كان سيلتقي الرئيس الحريري بعد عودته الى بيروت، اكد رئيس الجمهورية ان "الرئيس الحريري مرحب به ساعة يشاء". وعما اذا كان الرئيس الفرنسي قد أبلغه ان مؤتمر سيدر في خطر، اجاب: " عندما يصرح الرئيس ماكرون بذلك سوف تعلمون بالأمر". وقالت مصادر الوفد اللبناني ان "الرئيسين عون وماكرون اجريا جولة افق تناولت الاوضاع في لبنان ودول المنطقة، وتطرق البحث خصوصا الى موضوع التهديدات الاسرائيلية حيث كان الرأي متفقا على ضرورة العمل لإبقاء الوضع مستقرا في الجنوب، كما شمل البحث موضوع النازحين السوريين وضرورة عودتهم الى الاماكن الآمنة والمستقرة في بلادهم، وان تقدم الامم المتحدة مساعدات لهم في مناطقهم داخل سوريا". وفي الشأن الحكومي، أكد الرئيس عون أن "الاتصالات جارية لتشكيل الحكومة التي اعتبر الرئيس ماكرون انه لا بد من تشكيلها بعد الانتخابات النيابية".

وفي وقت لاحق، اجتمع الرئيس عون مع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في حضور الوفد الرسمي التونسي. وقد حضر عن الجانب اللبناني وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، وسفيرة لبنان في ارمينيا مايا داغر، ومدير مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية رفيق شلالا، والمستشار أسامة خشاب.

ثأر الحريري

الى جانب ذلك قال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إنه لا يسعى للثأر لمقتل والده رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في تفجير عام 2005 وإنه سيعمل على الحفاظ على استقرار بلاده. وأدلى بتصريحاته في الوقت الذي تقدم فيه المدعون بالمرافعة الختامية في القضية المقامة أمام محكمة دولية ضد أربعة مشتبه بهم متهمين بتنفيذ الهجوم الذي أسفر عن مقتل الحريري و21 آخرين. وقال الحريري الذي حضر الجلسة إن الاستماع لتفاصيل اغتيال والده في المحكمة كان صعبا لكنه نحى مشاعره جانبا.

وأضاف ”اليوم صعب لأن رفيق الحريري اليوم مش موجود معنا. رفيق الحريري وشهداء 14 آذار كلهم سقطوا لحماية لبنان لا لخراب لبنان“. وتابع ”منذ البداية طالبنا بالعدالة لأن إيماننا أن العدالة بتحمي لبنان... وما بحياتنا لجأنا للثأر“. ويحاكم أربعة مشتبه بهم ينتمون لجماعة حزب الله اللبنانية غيابيا بتهمة التخطيط للتفجير الذي أودى بحياة رفيق الحريري وتنفيذه. وقال رئيس فريق الادعاء نايجل بوفوس في المرافعة الختامية إن ”الظلام والفزع“ اكتنفا لبنان بعد مقتل زعيمه. وأضاف أن الانفجار كان يهدف ”لإحداث حالة من الهلع الشديد والذعر والألم“.

وقال بوفوس إن الادعاء قدم ”أدلة لا تترك مجالا للشك بأنهم جميعا مذنبون بالتهم الموجهة إليهم“. واستمرت المحاكمة لأكثر من أربعة أعوام وشهدت استدعاء 307 شهود. ويواجه المتهمون الذين ما زالوا مطلقي السراح أحكاما أقصاها السجن مدى الحياة. وفي ظل غياب دليل دامغ عرض الادعاء قضية معقدة استندت بالأساس إلى الكشف عن خمس شبكات مختلفة ومتداخلة لهواتف يجري التخلص منها قالوا إنها استخدمت في تنفيذ التفجير ومحاولة تضليل الإعلام بعد ذلك بتدبير إعلان زائف عن المسؤولية. بحسب رويترز.

وركز الادعاء كذلك على صلات بين المتهمين الأربعة، وهم سليم جميل عياش وحسن حبيب مرعي وأسد حسن صبرا وحسين حسن عنيسي، وبين جماعة حزب الله. وقال بافوس إن الأربعة ”تجمعهم صلة مشتركة هي تأييدهم لحزب الله وعلاقاتهم به“. وينفي حزب الله أي صلة له بقتل الحريري، كانت تربطه صلات وثيقة بالسعودية الخصم الإقليمي لإيران. ويقول الحزب إن المحكمة أداة في يد إسرائيل والولايات المتحدة.

اضف تعليق