q
تعيش العلاقات الدبلوماسية بين بريطانيا وروسيا ذروة التوتر على خلفية تسميم العميل الروسي السابق سيرجي سكريبال في جنوب شرق بريطانيا باستخدام غاز أعصاب في 4 مارس اذار، ووصل هذا التوتر ذروته بعد قرار رئيسة الوزراء البريطانية...

تعيش العلاقات الدبلوماسية بين بريطانيا وروسيا ذروة التوتر على خلفية تسميم العميل الروسي السابق سيرجي سكريبال في جنوب شرق بريطانيا باستخدام غاز أعصاب في 4 مارس اذار، ووصل هذا التوتر ذروته بعد قرار رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، طرد 23 دبلوماسيا روسيا وتجميد الاتصالات الثنائية، بعد أن أكدت تيريزا ماي مسؤولية موسكو عن تسميم الجاسوس الروسي السابق سكريبال، الأمر الذي وصفته روسيا بالإجراء "العدائي وغير المقبول"، وتعد هذه أكبر عملية طرد لدبلوماسيين منذ 30 عامًا. وتهديدات بريطانيا المستمرة يواجهها غضب روسي وإنكار مستمر لتورط روسيا في الحادث، في آخر التطورات كشفت بريطانيا تورط عناصر من المخابرات الروسية في هذه العملية التي اسفرت ايضاً عن اصابة اشخاص بريطانيين، وهو ما دفع السلطات البريطانية الى تصعيد حربها الاعلامية ضد موسكو وطالبت بتكثيف الضغوط الدولية ضد الروس، خصوصا وان كل من الولايات المتحدة ودول من الاتحاد الأوروبي قد اعلنت في وقت سابق دعمها للموقف البريطاني وهاجمت روسيا.

وأعلن الادعاء البريطاني اتهام روسيين بالتآمر لقتل الجاسوس الروسي السابق سيرجي سكريبال وابنته يوليا بغاز أعصاب في إنجلترا. وعثر على سكريبال، الكولونيل السابق بالمخابرات العسكرية الروسية الذي وشى بعشرات الجواسيس الروس لجهاز المخابرات البريطاني (إم.آي6)، وابنته يوليا مغشيا عليهما على مقعد في مدينة سالزبري بجنوب إنجلترا في الرابع من مارس آذار.

وألقت بريطانيا باللوم على روسيا في تسميمهما بغاز نوفيتشوك وهو غاز أعصاب قاتل كان يصنعه الجيش السوفيتي خلال السبعينات والثمانينات. ونفت روسيا مرارا ضلوعها في الهجوم. وقال المدعون البريطانيون إن الروسيين هما ألكسندر بيتروف ورسلان بوشيروف اللذان ذكرت الشرطة أنهما وصلا إلى مطار جاتويك بلندن قادمين من موسكو في الثاني من مارس آذار على متن طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الروسية (إيروفلوت) وغادرا البلاد في الرابع من مارس. ونشرت الشرطة صورا للرجلين. وقال نيل باسو رئيس شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية إن المشتبه بهما كانا مسافرين باسمين مستعارين ويبلغان من العمر حوالي 40 عاما ويحملان جوازي سفر روسيين أصليين.

وقال باسو إن كاميرات مراقبة أوضحت رش غاز نوفيتشوك أمام باب منزل سكريبال في سالزبري. وقال باسو إنه تم العثور على آثار غاز نوفيتشوك في غرفة فندق بلندن كان الرجلان يقيمان بها. وتابع ”تم فحص غرفة الفندق التي كان المشتبه بهما يقيمان بها. حملت ممسحتان آثار غاز نوفيتشوك بمعدلات أقل مما يمكن أن تمثل قلقا على الصحة العامة“. قال المدعون إن مذكرة اعتقال أوروبية صدرت بحق الروسيين.

اتهامات ومذكرات توقيف

وفي هذا الشأن اتهمت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ضابطين في الاستخبارات العسكرية الروسية بتنفيذ عملية تسميم الجاسوس السابق المزدوج سيرغي سكريبال وابنته بغاز نوفيتشوك على الأراضي البريطانية، في حين أصدرت الشرطة البريطانية مذكرتي توقيف بحقهما. وعرفت الشرطة البريطانية عن الرجلين الروسيين على أنهما الكسندر بتروف ورسلان بوشيروف. ويُشتبه بأنهما قاما بتسميم سيرغي سكريبال وابنته يوليا في الرابع من آذار/مارس في سالزبري في جنوب غرب بريطانيا. وتسببت القضية باندلاع أزمة دبلوماسية خطيرة بين الكرملين والدول الغربية.

وقالت ماي إنه استناداً إلى معلومات أجهزة الاستخبارات البريطانية "خلصت الحكومة إلى أن هذين الشخصين (...) هما ضابطان في مديرية الاستخبارات العسكرية الروسية". وكانت ماي قد اتهمت موسكو بالوقوف خلف التسميم لكن دون أن تورد معلومات محددة. وأكدت رئيسة الوزراء المحافظة في كلمة لها أمام النواب البريطانيين العثور على آثار نوفيتشوك في غرفة فندق الروسيين المشتبه بهما.

وأضافت أن العملية "تمت الموافقة عليها بالطبع خارج مديرية الاستخبارات الرئيسية، على مستوى رفيع في جهاز الدولة الروسي". وردا على إصدار الشرطة البريطانية مذكرتي التوقيف الأوروبيتين، اتهمت موسكو السلطات البريطانية بـ"التلاعب بالمعلومات"، هي التي نفت منذ البداية أي علاقة لها بالاعتداء. ونقلت وكالة "تاس" الرسمية عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قولها، إن "الاسمين والصورتين التي نُشرت في وسائل الإعلام لا تعني لنا أي شيء".

وصرّح رئيس شعبة مكافحة الإرهاب نيل باسو خلال لقاء مع الصحافيين أن اسمي الشخصين المطلوبين، الكسندر بتروف ورسلان بوشيروف، ليسا حقيقيين، داعيا الجمهور إلى الإدلاء بأي معلومات عنهما. وقال في مؤتمر صحافي "يرجح أنهما يتنقلان باسمين مستعارين وأن هذين ليسا اسميهما. لديهما جوازا سفر روسيان بهذين الاسمين". وعرض صورتي الرجلين موجها السؤال إلى الجميع "عبر العالم: هل تعرفونهما". وأشارت ماي أمام البرلمان إلى أن لندن لن تطلب تسليم المشتبهين، لعدم امكانية التأكد من أن موسكو ستنسق معها بشكل كاف. وقالت "كما استنتجنا من (قضية) مقتل الكسندر ليتفينينكو، كل طلب تسليم رسمي في هذه القضية سيكون خائباً" في إشارة إلى مقتل العميل السابق الكسندر ليتفينينكو بمادة إشعاعية عام 2006 في لندن. وقد اتهم قاض بريطاني موسكو بالوقوف خلف العملية.

وفي بيان أوضحت النيابة البريطانية أنها وجهت الى الرجلين تهمة التآمر لارتكاب جريمة قتل، ومحاولة قتل سكريبال وشرطي بريطاني أصيب بالسم بعد أن أسعف سكريبال وابنته في سالزبري في آذار/مارس، وباستخدام وحيازة نوفيتشوك وهو غاز أعصاب ذو مفعول قوي. وقال باسو إن المشتبه بهما وصلا "إلى لندن يوم الجمعة 2 آذار/مارس إلى مطار غاتويك عبر الرحلة رقم اي يو 2588" وأمضيا الليلة في فندق قبل التوجه في 3 آذار/مارس إلى سالزبري للقيام "برحلة استطلاع". وأضاف باسو أنه في 4 آذار/مارس، "نعتقد أنهما لوّثا باب مدخل (منزل سيرغي سكريبال) بالنوفيتشوك" قبل أن يغادرا البلاد عبر مطار هيثرو في اليوم نفسه.

وتعرض الجاسوس الروسي السابق المزدوج سيرغي سكريبال الذي يقيم في سالزبري وابنته يوليا التي كانت تزوره، للتسميم في بداية آذار/مارس في سالزبري بغاز نوفيتشوك وهو غاز أعصاب فتاك طوّره الاتحاد السوفياتي السابق خلال الحرب الباردة. وحملت لندن موسكو مسؤولية ما حصل لكن روسيا نفت اي ضلوع لها.

ورداً على هذا التسميم، فرضت بريطانيا وحلفاؤها سلسلة عقوبات بحق روسيا ثم فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية جديدة على روسيا دخلت حيز التنفيذ في 27 آب/أغسطس وتشمل خصوصا تصدير بعض المنتجات التكنولوجية مثل أجهزة أو معدات إلكترونية، ومبيعات الأسلحة الى روسيا. لكن واشنطن استثنت من اللائحة عددا من السلع وما له علاقة بالتعاون الفضائي، باسم "مصالح الامن القومي". بحسب رويترز.

ووعدت روسيا باتخاذ تدابير ردا على هذه العقوبات. وبعد ثلاثة أشهر على تسميم سيرغي سكريبال وابنته، أصيب بريطانيان بعوارض المرض في ايمزبري القريبة من سالزبري بعد تعرضهما لغاز نوفيتشوك، وتوفي أحدهما. ونُقل تشارلي راولي (45 عاما) وصديقته دون ستورغيس (44 عاما) إلى مستشفى سالزبري، في 30 حزيران/يونيو. وقد أصيبا بعد تعاملهما مع زجاجة اعتقدا أن بداخلها عطراً انما كانت تحتوي على غاز نوفيتشوك الفتاك. وتوفيت ستورغيس وهي أم لثلاثة أطفال، في الثامن من تموز/يوليو. وقد غادر راولي المستشفى بعد ثلاثة أسابيع من الحادثة لكن في أواخر آب/أغسطس أعيد إدخاله بسبب مشاكل في النظر، حسب ما أعلن شقيقه.

مزيد من العقوبات

على صعيد متصل قال دبلوماسيون في بروكسل إن من غير المرجح أن تلقى دعوة لندن للاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات جديدة على روسيا تضاهي العقوبات الأمريكية التي فرضت مؤخرا بسبب هجوم على جاسوس روسي سابق في بريطانيا ترحيبا في التكتل. وقال وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت في واشنطن إن على الاتحاد الأوروبي زيادة الضغط على روسيا بعد الهجوم على جاسوس سابق بغاز أعصاب في مدينة سالزبري الانجليزية. ويلقي الغرب بمسؤولية الهجوم على موسكو وهو أمر ينفيه الكرملين.

لكن دبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي يشككون في فرض المزيد من العقوبات على موسكو واستشهدوا على وجهة النظر تلك بالانقسامات المعتادة بين الدول الأعضاء في التكتل بين من يدعون إلى اتباع نهج متشدد مع موسكو ومن يقولون إن مزيدا من التواصل هو الحل الأمثل. وقال دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي ”لا سبيل لذلك. إيطاليا والنمسا وحتى فرنسا تريد بشدة أن تقوم بالأعمال مع روسيا“. ويحتاج فرض أي عقوبات جديدة لموافقة بالإجماع من كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وعددها 28 دولة. بحسب رويترز.

وقال دبلوماسي آخر من الاتحاد الأوروبي ”النقاشات أوضحت أن هناك حدودا واضحة لمدى العقوبات... لا يستبعد ذلك إضافة اسم أو كيان للقائمة السوداء هنا أو هناك. لكن ليس هناك مجال لمزيد من الإجراءات الموسعة التي تمس قطاعات بأكملها“. وبعد خطاب هانت في واشنطن قال مسؤولون من الاتحاد الأوروبي إن بريطانيا لم تقدم اقتراحا رسميا للتكتل لفرض عقوبات جديدة على روسيا..

اتهامات جديدة

في السياق ذاته أكد عالم كيمياء روسي، كان قد كشف وجود غاز نوفيتشوك، أن هذه المادة التي تعرض لها زوجان بريطانيان اخيرا لا يمكن أن يكون مصدرها الدفعة نفسها التي استهدفت الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته، معتبرا أن موسكو خططت لهذه الحادثة الجديدة "لتشتيت الانتباه". وصرّح فيل ميرزايانوف في مكالمة هاتفية من منزله في برينستون في الولايات المتحدة "أعتقد أنه هجوم جديد، من دون صلة مادية (بالاعتداء) الأول".

وردا على ما قاله علماء بريطانيون ان نوفيتشوك هو مادة ثابتة قادرة على أن تبقى (فاعلة) طوال اربعة أشهر، قال ميرزايانوف "هذا أمر غير صحيح على الاطلاق". وأوضح أن "نوفيتشوك ضعيف جدا أمام الرطوبة وهو يتلف ما إن يكون هناك ماء". واعتبر ميرزايانوف (83 عاماً) المعارض بشدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن تسمم الرجل البالغ 45 عاما وزوجته البالغة 44 عاما في مدينة ايمزبري (جنوب غرب بريطانيا) الواقعة على بعد 12 كلم من سالزبري حيث تعرض سيرغي سكريبال وابنته يوليا للتسميم في مطلع آذار/مارس، يهدف الى "تشتيت الانتباه". وقال "يهدف ذلك الى تشتيت الانتباه عن التحقيق حول (تسميم) سالزبري". بحسب فرانس برس.

ورأى أنه من خلال استهداف ناس "ليست لديهم أي صلة بروسيا على الاطلاق"، يريد الروس "اثبات أن هذه مشكلة بريطانية داخلية، وليست مشكلة دولية". وميرزايانوف الذي وصل الى الولايات المتحدة في 1995 بعد أن عمل نحو ثلاثين عاماً في معهد أبحاث الدولة للكيمياء والتكنولوجيا "غنيوخت"، كشف في بداية تسعينات القرن الماضي للمرة الأولى عن هذه التركيبة القوية من غازات الأعصاب.

اضف تعليق