q
يعيش العراق الذي دخل وللمرة الأولى منذ سقوط نظام صدام حسين، في فراغ تشريعي بعد انتهاء الدورة الثالثة للبرلمان وغياب برلمان جديد بانتظار إعادة فرز أصوات الانتخابات التشريعية الأخيرة يدويا وكما نقلت بعض المصادر. ازمة جديدة وخطيرة بسبب ازدياد رقعة التظاهرات التي انطلقت من محافظات الجنوب وامتدت الى مدن ومحافظات جديدة...

يعيش العراق الذي دخل وللمرة الأولى منذ سقوط نظام صدام حسين، في فراغ تشريعي بعد انتهاء الدورة الثالثة للبرلمان وغياب برلمان جديد بانتظار إعادة فرز أصوات الانتخابات التشريعية الأخيرة يدويا وكما نقلت بعض المصادر. ازمة جديدة وخطيرة بسبب ازدياد رقعة التظاهرات التي انطلقت من محافظات الجنوب وامتدت الى مدن ومحافظات جديدة، احتجاجات شعبية جاءت بعد ان فشلت الحكومات المتعاقبة في توفير الخدمات وعجزت عن إحداث أية إصلاحات جديدة تفيد الشعب. وشهدت مدن العراق احتجاجات تخللتها اشتباكات بين متظاهرين وقوات الأمن وأعمال تخريب استهدفت مقرات تابعة لأحزاب ومحاولات لاقتحام مقرات إدارية وغيرها ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى.

ويرى بعض المراقبين ان ما يحدث اليوم وفي هذا الوقت بذات يعد تحدي كبير للكتل والاحزاب الفائزة وللحكومة العراقية ورئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، الذي يسعى ايضا الى ايجاد تحالفات قويه من اجل تشكيل الحكومة القادمة، والتي ستكون ايضا حكومة محاصصة وتوافقات سياسية الامر الذي سيسهم باستمرار الازمة الحالية، واعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أن حكومته وجهت قوات الأمن بسلامة المواطنين والممتلكات، وطالب المتظاهرين بالتعاون مع السلطات لكشف المندسين داخل الاحتجاجات. وقال العبادي،: "نؤكد على أهمية حماية المتظاهرين وحفظ الأمن في عموم البلاد. وجهنا القوات الأمنية بالحفاظ على سلامة المواطنين ومنع الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة". وأضاف العبادي: "نتابع مطالب المتظاهرين باهتمام، ووجهنا بتلبية ما يمكن تلبيته في الوقت الحاضر، والحكومة بحاجة إلى تعاون كبير مع المواطن لمواجهة الفاسدين".

وشدد العبادي على "أهمية حماية المتظاهرين وحفظ الأمن في عموم البلاد"، موضحا: "نحن مع التظاهرات المطالبة بالحقوق المشروعة شرط أن لا تتحول لممارسة العنف". ودعا العبادي المتظاهرين إلى "التعاون مع الحكومة في كشف المندسين ومن يستهدف الأمن العام". واتخذت الحكومة قرارات لاحتواء الاحتجاجات من بينها، تخصيص وظائف حكومية وأموال لمحافظة البصرة، فضلا عن خطط لتنفيذ مشاريع خدمية على المدى القصير والمتوسط.

وكشف مصدر سياسي عراقي مطلع، عن وجود تريث في عمل اللجان المفاوضة بخصوص التحالفات السياسية في العراق، لما بعد انتهاء التظاهرات في البلاد. وقال المصدر "منذ اندلاع الاحتجاجات في البلاد، تراجعت اللقاءات والمفاوضات والاجتماعات بين الكتل السياسية، وعملت أغلبها على التريث في اتخاذ أي قرار لحين انتهاء الاحتجاجات". وأضاف: "توقفت المفاوضات بشكل شبه كامل، وما هو موجود الآن هو عمليات تواصل وتنسيق لا أكثر، ولن يكون هناك أي قرار أو أي موقف قبل انتهاء التظاهرات".

توزيع عادل للثروات

وفي هذا الشأن تتواصل الاحتجاجات في العراق لتتوسع رقعتها في مناطق جديدة. ويطالب العراقيون الذين خرجوا للتظاهر بتوزيع عادل للعائدات النفطية، خصوصا بجنوب البلاد المتوتر منذ ايام. ودخلت التظاهرات أسبوعها الثاني، في تحرك احتجاجي شهد عنفا أسفر عن قتلى وجرحى، ما يسلط الضوء على الضائقة الاجتماعية التي تعاني منها شريحة كبيرة من هذا البلد الذي أنهكته 15 عاما من النزاعات الدامية.

وبعد نحو ستة أشهر على إعلان السلطات العراقية "النصر" على تنظيم داعش، ووسط انخفاض كبير في معدل العنف في البلاد، التي سقط ثلثها بأيدي الإرهابيين قبل أربع سنوات، عادت المشاكل الاجتماعية لتحتل رأس سلم الأولويات. وسبق للعراقيين أن عاقبوا الطبقة الحاكمة بالإحجام الكبير عن التصويت في الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد في 12 أيار/مايو الماضي، ويطالبون اليوم بتوزيع عادل للعائدات النفطية، خصوصا بجنوب البلاد وتشكل الموارد النفطية للعراق 89% من ميزانيته، وتمثل 99 بالمئة من صادرات البلاد، لكنها تؤمن واحدا بالمئة من الوظائف في العمالة الوطنية لأن الشركات الأجنبية العاملة في البلاد تعتمد غالبا على عمالة أجنبية.

فيما تبلغ نسبة البطالة بين العراقيين رسميا 10,8 %. ويشكل من هم دون 24 عاما نسبة 60 بالمئة من سكان العراق، ما يجعل معدلات البطالة أعلى مرتين بين الشباب. وبالنسبة للمحتجين الذين هاجموا مقار مختلف الأحزاب السياسية في كل المحافظات الجنوبية، حيث أحرقوا بعضها أو أنزلوا صورا علقها السياسيون أنفسهم، فإن المشكلة الكبرى الأخرى، هي الفساد. ويؤكد هؤلاء أنه منذ الغزو الأمريكي للعراق الذي أطاح بنظام صدام حسين في العام 2003، استولت الطبقة الحاكمة على الأموال العامة والموارد الطبيعية والمشاريع العامة، وحرمت العراقيين من البنى التحتية الأساسية.

ويقول المتظاهر حسين غازي (34 عاما) من البصرة إن "هذه الحقول ملك لنا، ولا شيء لنا فيها". فيما يشير عقيل كاظم (27 عاما) العاطل عن العمل إلى "أننا سمعنا كلاما كثيرا ولم يقدموا لنا شيئا، الآن سنحاسبهم بهذه التظاهرات". بالإضافة إلى ذلك، فإن الجفاف العام الحالي وإقدام تركيا المجاورة على بناء سدود على الأنهار التي تمر عبر العراق، ضربت الموسم الزراعي بشكل كبير، وسط معاناة العراقيين أيضا من الانقطاع المزمن للكهرباء في ذروة الصيف الذي تلامس درجات الحرارة فيه 50 درجة.

وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي زار البصرة لتهدئة النفوس، أصدر بيانا أمر فيه "بتوسيع وتسريع آفاق الاستثمار للبناء في قطاعات السكن والمدارس والخدمات وإطلاق درجات وظيفية لاستيعاب العاطلين عن العمل وإطلاق تخصيصات مالية لمحافظة البصرة بقيمة 3,5 تريليون دينار فورا (حوالى ثلاثة مليارات دولار)". ودعا العبادي "كل الأجهزة الأمنية إلى أن تكون على أهبة الاستعداد لأن الإرهاب يريد أن يستغل أي حدث أو خلاف" مؤكدا "أهمية العمل الأمني والاستخباري". بحسب فرانس برس.

وتصاعد التوتر في التظاهرات التي خرجت في البصرة ضد البطالة وانعدام الخدمات العامة، وخصوصا الكهرباء، بعد مقتل متظاهر في الثامن من تموز/يوليو، لدى إطلاق نار خلال تفريق التظاهرة، وامتدت لتشمل محافظات جنوبية أخرى، بما فيها النجف وميسان وكربلاء وذي قار والمثنى. وانقطعت خدمة الإنترنت في جميع أنحاء العراق، مع سريان شائعات بوصول التظاهرات إلى بغداد. لكن السلطات أكدت أن الانقطاع سببه عمليات صيانة. وعادت الخدمة للعمل. وأعلنت المرجعية الشيعية العليا تضامنها مع المحتجين، مطالبة الحكومة بإيجاد حلول سريعة. وتأتي موجة الاحتجاج هذه فيما ينتظر العراق انتهاء عملية إعادة الفرز اليدوي النسبي لأصوات الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد في 12 أيار/مايو، على خلفية شبهات بالتزوير. ويجد العراق نفسه اليوم من دون سلطة تشريعية للمرة الأولى منذ الاطاحة بنظام صدام حسين في 2003.

من جانب اخر أعيد فتح البوابات الرئيسية لميناء أم قصر، أكبر موانئ محافظة البصرة الذي يستقبل السلع والبضائع، بحسب ما قاله مسؤولون، بعد أيام من الاحتجاجات. وقال مسؤولون إن العمل استؤنف في الميناء بعد التفاوض مع المحتجين الذين تظاهروا بسبب البطالة وفقر الخدمات الحكومية التي تعانيها منها مدن الجنوب في العراق. ويستقبل ميناء أم قصر شحنات القمح، والزيوت النباتية، والسكر، والمعدات الخاصة بشركات الطاقة العاملة في العراق.

وقطع متظاهرون الطريق المؤدي إلى شركة الغاز الكويتية، في منتصف الطريق بين أبي الخصيب والسيبة، على بعد 20 كم جنوب البصرة. كما اشتبك محتجون في كرمة علي مع رجال الشرطة، مما أسفر عن جرح 3 من المتظاهرين، واعتقال عدد آخر منهم. ويسود هدوء مشوب بالحذر اليوم المحافظات الجنوبية التي شهدت خلال الأيام الماضية موجة احتجاجات رافقتها أعمال عنف.

وكانت الشرطة العراقية ومصادر في قطاع الطاقة قد قالوا إن نحو 200 متظاهر تجمعوا عند مدخل حقل السيبة للغاز في جنوب العراق بينما تتواصل الاحتجاجات والاضطرابات، ولكن مسؤولين في الحقل قالوا إن الاحتجاج لم يؤثر في العمليات في حقل السيبة الذي تديره شركة كويت إنرجي. وقال مسؤول أمني إن اثنين من المحتجين قتلا في اشتباكات مع قوات الأمن العراقية في بلدة السماوة وسط تزايد حدة الاضطرابات في المدن الجنوبية بسبب سوء الخدمات العامة وتفشي الفساد. وأفاد مسؤولون محليون بأن الاحتجاجات لم تؤثر على إنتاج النفط في مدينة البصرة والتي تدر صادرات النفط منها أكثر من 95 في المئة من عوائد العراق، عضو منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).

الكويت والعراق

من جانب اخر أبدى أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في محادثة هاتفية مع رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، استعداد بلاده لمساعدة بغداد في تجاوز انعكاسات الاحتجاجات الحالية. وذكرت وكالة "كونا" الإخبارية الكويتية الرسمية أن الصباح تلقى اتصالا هاتفيا من العبادي "جرى خلاله استعراض العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين الشقيقين والقضايا ذات الاهتمام المشترك". وأضافت الوكالة أن العبادي "طمأن" الصباح "على الأوضاع الأمنية الجارية في بعض المحافظات" بالعراق.

بدوره، أعرب أمير الكويت "عن خالص تقديره لهذا التواصل الذي يجسد أواصر العلاقات الوطيدة بين البلدين والشعبين الشقيقين"، كما أكد الصباح "استعداد دولة الكويت لتقديم كل دعم ممكن للعراق الشقيق ليتمكن من تجاوز ما يمر به من أحداث ومتمنيا أن يسود به الأمن والسلام وأن يسعى نحو توحيد صفوفه وتكاتف أبنائه وتظافر كافة الجهود؛ سعيًا لتحقيق كل الخير والصالح له ولشعبه، وأن يتمكن البلد الشقيق من تجاوز هذه الظروف". وأفادت مصادر إعلامية بأن هذه التطورات دفعت سلطات الكويت إلى رفع مستوى التأهب الأمني على الحدود مع العراق وإرسال 400 عسكري إضافي إلى المنطقة الحدودية.

من جانبه اعتبر رئيس مجلس الأمة الكويتي، مرزوق الغانم، أنه لا يوجد ما يدعو إلى القلق أو الهلع بشأن الأوضاع الأمنية في البلاد، إلا أنه أكد على ضرورة الاحتراز والاستعداد لكل طارئ. وقال الغانم، في تصريح صحفي أدلى به في مجلس الأمة عقب انتهاء اجتماع نيابي حكومي عقد على خلفية مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية في العراق: "ليس هناك ما يدعو للقلق أو الهلع ولكن هناك حاجة ضرورية للاحتراز والاستعداد والجاهزية لأي طارئ، لاسيما أننا في الكويت قد تعرضنا إلى تجربة مريرة أثناء الغزو... ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين".

وأضاف الغانم مشددا: "إن الواجب علينا كنواب أن نطمئن أبناء الشعب الكويتي عن جاهزية الأجهزة الحكومية لمواجهة أي طارئ أو أمر مستقبلي والاستعداد لأسوأ الاحتمالات، ونتمنى ألا تحدث". وأضاف: "إننا لا نتدخل في الشؤون الداخلية للعراق... وهناك تنسيق حكومي كامل معه بما يضمن استقراره وعدم حدوث أي تداعيات تؤثر علينا في الكويت".

وتابع الغانم: "لا نريد إعطاء الموضوع أكثر من حجمه لكن في الوقت نفسه ينبغي أن نكون مستعدين لكل الاحتمالات... والحكومة أكدت لنا عدم وجود أي تهديد أمني أو عسكري من الجانب العراقي رغم الاستعدادات". وأوضح أن الحكومة ردت على الاستفسارات النيابية في حال تفاقمت الأوضاع داخل العراق وانتشرت الفوضى واحتمال وجود نازحين عراقيين بالقول إنه تم التنسيق مع المنظمات الدولية المعنية لمواجهة هذا الأمر وتم اتخاذ الإجراءات الاحترازية.

وبين الغانم أن هناك تنسيقا وغرفة عمليات لمواجهة أي طارئ يتعلق بكل جوانب الأمن العسكري والغذائي والاجتماعي والحرب الإلكترونية الرامية إلى إثارة الفوضى والهلع بين المواطنين وهناك استعدادات كاملة في هذا الجانب، وأضاف: "من وجهة نظري الشخصية، التي أعتقد أن النواب يتفقون معي حولها، يجب على كل مواطن الابتعاد عن الشائعات التي تثير القلق والهلع وغير المستندة لمصادر موثوقة". وشدد على ضرورة الاستعداد في الوقت الحالي لأمر قد يكون أكبر مما هو حادث الآن في شأن أسباب الأحداث الجارية في العراق

اضف تعليق