q

لاتزال قضية غسيل الاموال تحظى بأهمية كبيرة لدى الجميع سواء كانوا اقتصاديين او سياسيين او قانونين او حتى لدى المواطن العادي في المجتمع، فهل تمثل احدى اوجه الاقتصاد الاسود او مايعرف باقتصاد الجريمة، وبمثابة الغطاء لعملية الفساد، لاسيما وان طبيعة الاقتصاد العالمي الحالية هي ذات نزعة رأسمالية مالية اكثر من كونها نزعة رأسمالية انتاجية.

وان الانتشار السريع للاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا ساعد في تطور هذه الظاهرة فضلا عن دور العولمة والمؤسسات المالية والمصرفية التي ساهمت في استفحال وتطور ظاهرة غسيل الاموال، اذ قدّر رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب جوزيف طربية حجم الأموال المغسولة سنويا بنحو 3 تريليونات دولار وأنها تعادل ما لا يقل عن 5% من إجمالي الناتج العالمي و8% من حجم التجارة الدولية، وفي افتتاح أعمال مؤتمر مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الذي ينظمه الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب بالتعاون مع اتحاد المصارف العربية بالعاصمة اللبنانية بيروت، بيّن طربية أن صناعة تبييض الأموال تأتي في المرتبة الثالثة عالميا من حيث الحجم بعد تداول العملات وتصنيع السيارات.

ولفت إلى أن تطور عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب استدعى بلورة جهود عالمية منسقة ومنظمة لمكافحتها، شاركت فيها أعداد متزايدة من الدول والتنظيمات والمؤسسات العامة والخاصة في مختلف أنحاء العالم، ووصف طربية موضوع تبييض الأموال بالدقيق والحساس حيث يلقي بتأثيراته على إدارات المصارف لما له من انعكاسات على سلامتها ودورها الاجتماعي والإنساني وإبعاد الأموال القذرة عن المصارف حتى تبقى هيكلا للمال النظيف.

وعن جهود مكافحة تبيض الأموال، أشار إلى أن إجراءات عالمية اتخذت في السنين الأخيرة مع توسع انتشار الظاهرة نتيجة العولمة وسهولة التحويلات المالية، وذكر طربية أشكالا أخرى للفساد تؤثر في الاقتصاد كالرشوة والاختلاس والتزوير والمتاجرة بالمخدرات والرقيق الأبيض وتزوير النقود من جهته بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إن بلاده أولت موضوع مكافحة تبييض الأموال أهمية قصوى وشاركت بكل مؤسساتها في العمل على مكافحة تبييض الأموال.

وأضاف أن البلدان كافة عرضة لعمليات تبييض أموال وتمويل إرهاب، وبالتالي فان التحدي الكبير في هذا المجال هو في إيجاد الوسائل الناجعة للمساعدة على كشف هذه العمليات والحد من تطورها وانتشارها، باعتبار أن مبيضي الأموال وممولي الإرهاب في سعي دائم للبحث عن البلدان التي لا تتوفر لديها أنظمة حماية فعالة حيث يسهل خرقها دون إثارة أي شكوك أو تساؤلات.

ايران ضمن القائمة السوداء لغسل الاموال

بقت مجموعة دولية تراقب عمليات غسل الأموال على مستوى العالم إيران في القائمة السوداء التي تضم البلدان عالية المخاطر، وقررت المجموعة أمس تعليق بعض الإجراءات ضد طهران لمدة عام، لتراقب التقدم الذي تحرزه في تطبيق خطة العمل، وذكرت المجموعة في بيان إنها ترحب بتبني إيران خطة عمل لمعالجة أوجه القصور الاستراتيجية لديها في مكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب والالتزام السياسي رفيع المستوى بذلك.

وأوضح البيان نفسه أنه إذا لم تحسن طهران سجلها كما وعدت فإن المجموعة تدعو لإعادة تطبيق إجراءات مضادة قوية، وفي المقابل ستدرس المزيد من الخطوات الإيجابية إذا حدث تحسن، لكنها دعت في الوقت نفسه كل دول العالم "لمواصلة الإيعاز لمؤسساتها المالية بتعزيز الفحص للعلاقات التجارية والمعاملات" مع إيران.

وكانت طهران سعت بقوة للحصول على الدعم من أجل رفع اسمها من القائمة السوداء، وتشتكي من أنها لا تحصل على الفائدة الاقتصادية التي تلقت وعودا بها خلال مفاوضات العام الماضي حول الاتفاق النووي مع ست قوى دولية كبرى، وخلال اجتماع الدول الأعضاء (37 دولة( بكوريا الجنوبية أبقت المجموعة نفسها كوريا الشمالية على قائمتها السوداء، ودعت الدول إلى أن تظل متيقظة لمحاولات بيونغ يانغ تجاوز العقوبات لتمويل برامج الأسلحة غير المشروعة.

من جهتها زادت البنوك العالمية خلال الأعوام الثلاثة الماضية متوسط إنفاقها على إجراءات مكافحة غسيل الأموال بنسبة 58%. وأشارت دراسة نشرتها اليوم مؤسسة كي.بي.إم.جي إنترناشيونال للدراسات الاقتصادية والمراجعة المحاسبية وشملت 224 بنكاً في 55 دولة إلى أن كبار مسؤولي البنوك بالعالم أصبحوا أكثر تركيزاً على إجراءات مكافحة غسيل الأموال. وأضافت الدراسة أن الإنفاق على مكافحة غسيل الأموال زاد في أميركا الشمالية بنسبة 71% وفي الشرق الأوسط وأفريقيا بنسبة 70%. وفي روسيا زادت نفقات تحسين إجراءات مكافحة غسيل الأموال بنسبة 60% وفي أميركا الوسطى والجنوبية بنسبة 59% وفي أوروبا بنسبة 58% وفي آسيا بنسبة 37% وأشارت الدراسة إلى أن نسبة كبار المسؤولين الذين يبدون اهتماماً مباشراً بإجراءات مكافحة غسيل الأموال بلغت خلال العام الحالي 71% مقابل 61% خلال 2000، حيث أصبح الالتزام بمعايير مكافحة غسيل الأموال على رأس أولويات كبار المسؤولين في البنوك بما في ذلك أعضاء مجلس المديرين. يذكر أن عمليات غسيل الأموال الناتجة عن الأنشطة غير القانونية مثل تجارة المخدرات وتهريب السلاح والأنشطة غير القانونية الأخرى تتجاوز تريليون دولار سنوياً.

سنغافورة تزيد من حجم العقوبات على غسل الاموال

وعالميا تعتزم سنغافورة رفع الحد الأقصى لغرامة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب نحو عشرة أضعاف قيمتها الحالية لتصبح مليون دولار سنغافوري (600 ألف دولار أميركي)، اذ صرح وزير المالية ثارمان شانموغرتنام إن التشدد المقترح في قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب ضروري لمحاربة الارتفاع في "الأنشطة الإرهابية في جميع أنحاء العالم"، وأوضح الوزير السنغافوري أنه في إطار التغييرات المقترح إدخالها على القانون، فإن المؤسسات المالية ومديريها وكبار المسؤولين الإداريين فيها سيقعون تحت طائلة المسؤولية إذا ظهرت لديهم بوادر "موافقة أو تواطؤ وإهمال" في النشاطات التي يشتبه في عدم قانونيتها، وأكد شانموغرتنام الذي كان يتحدث أمام البرلمان أن "الزيادة في النشاطات الإرهابية حول العالم قد ضاعفت ضرورة أن تبذل الحكومات جهدها لكبح تمويل الإرهاب".

وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد أدرجت سنغافورة عام 2004 بوصفها "مصدر قلق رئيسي" في مسألة غسيل الأموال، وتطمح سنغافورة، الدولة الغنية في جنوب شرق آسيا، إلى أن تصبح المركز الأساسي في التعاملات المصرفية وإدارة الأصول المالية في عموم قارة آسيا، وتعد سنغافورة رابع أكبر مركز للنقد الأجنبي وإدارة الأصول، وتدير نحو 720 مليار دولار سنغافوري.

جدل واسع حول قانون غسيل الاموال في مصر

تباينت آراء الخبراء القانونيين والاقتصاديين بشأن أهداف وجدوى التعديل الذي أجرته الحكومة المصرية مؤخرا على بعض أحكام قانون مكافحة غسل الأموال، بحيث يتسع نطاق عمل وحدات مكافحة غسيل الأموال ليشمل مكافحة جرائم تمويل الإرهاب، ويشمل القانون فرض عقوبات رادعة على كل من يقوم بجمع أو تلقي أو حيازة أو نقل أو توفير أو إمداد الإرهابيين بشكل مباشر أو غير مباشر وبأي وسيلة، وذلك للعمل على تجفيف منابع تمويل العمليات الإرهابية، حسب ما قالت الحكومة.

واختلف الخبراء بشأن جدوى هذا التعديل في مكافحة العمليات الإرهابية التي ارتفعت وتيرتها منذ عزل الجيش للرئيس محمد مرسي في 2013، واتسع نطاقها بعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة منتصف 2013، وبينما اعتبر البعض التعديل خطوة مهمة على طريق مواجهة الإرهاب، رأى آخرون أنه لا يعدو كونه خطوة جديدة تهدف إلى التضييق على جماعة الإخوان المسلمين، ويرى الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب أن التعديل الأخير "لا يقدم ولا يؤخر"، وأنه "لا يعدو أن يكون محاولة لمزيد من الضغط على جماعة الإخوان المسلمين"، وأضاف أن المجتمع المصري حتى الآن "يتعامل بالكاش، ولا يوجد قانون يجرم حمل المبالغ المالية"، وتابع إنه رغم وجود قواعد صارمة داخل الجهاز المصرفي المصري لمتابعة العملاء، والشركات التي تعمل في مجال تحويل الأموال فليس ثمة قواعد واضحة لمصادرة الأموال المشكوك في مصدرها.

وضرب عبد المطلب مثلا على ذلك بالعديد من تسويات الصادرات التي تتم من خلال الدفع المباشر، خاصة مع بعض الدول التي لا يوجد بينها وبين مصر تحويلات بنكية، وأوضح أن الحكومة لن تستطيع تضييق الخناق على جماعة الإخوان من خلال هذا القانون "لأن أغلب مصادر تمويل الجماعة تتمثل في مشروعات تجارية أو صناعية معروفة، ولها وجود رسمي سواء داخل مصر أو خارجها"، واعتبر أن هذا التعديل ليس سوى محاولة لزيادة الضغط على المعارضة لتقبل الانخراط في العملية السياسية طبقا للشروط التي يصر عليها النظام الحاكم.

تأثير سلبيات للقانون

وعن أثر التعديل على الاقتصاد المصري، يقول الخبير الاقتصادي إن القانون لن يحقق مكاسب للدولة، وربما يتسبب في عزوف بعض المصريين العاملين في الخارج عن الاستمرار في إرسال أموالهم إلى مصر عبر الطرق المصرفية، خوفا من وقوعها تحت طائلة المصادرة إعمالا لبنود القانون الجديد، لا سيما وأن تهمة الانتماء إلى جماعة إرهابية "تهمة مرنة" ويمكن تطبيقها على أي فرد أو مؤسسة دون قواعد محددة، وهذا ما سيزيد من استفحال حالة عدم اليقين في الاقتصاد المصري، على حد قوله.

وخلص عبد المطلب إلى أن مثل هذه التعديلات قد تمثل رسالة سلبية للمصريين الراغبين في تحويل استثماراتهم في الخارج أو جزء منها إلى الاقتصاد المصري، في المقابل، رأى خبراء قانونيون وأمنيون أن القانون سيحد فعليا من تمويل الإرهاب الموجود في الشارع، في حين أفاد أستاذ القانون الجنائي بهاء الدين أبو شقة إن تضمين القانون جرائم تمويل الإرهاب "سيسهل منع دولة بعينها من تمويل العمليات الإرهابية شريطة إثبات أن الأموال الآتية منها تستخدم لتمويل الإرهاب"، وأضاف أن شمول قانون غسل الأموال للجزء الخاص بتمويل الإرهاب عالج ثغرة كانت موجودة في القانون، وكانت تمنعه من مواجهة حالات تمويل موجودة على أرض الواقع.

غسيل الاموال والاقتصاد السياسي

ان أهم مايمكن ذكره هنا، هو هل ستنجح هذه الدول لنخفيف حدة انتشار غسيل الاموال داخل اقتصاداتها، لاسيما دول الخليج بالذات، كون ان اكثر شبهات غسيل الاموال مرتبطة دائماً بالطبقات الحاكمة والسياسيين، وهنا نكون امر قد يبدو محيراً، فمثل هؤلاء قد لايمكن ردعهم او مواجهتهم بسبب طبيعة الانظمة السياسية في هذه الدول وبالتالي كل مايثار ويصاغ من قوانين ستبوء بالفشل، كونها لن تمس من هم على شاكلة هؤلاء، والذي بطبيعة الحال سيكونون محميين وفي منأى عن الحساب والرقابة، وبالتالي فأن الفساد السياسي سينقل تبعاته وأثاره الى الاقتصاد، مما يساهم في استفحال هذه الظاهرة، وتكون كل تلك المساعي من عقد مؤتمرات وتشريع قوانين ماهي الا دعاية واعلام لاااكثر.

وصحيح ان مثلما هناك فساد او غسيل اموال موجود لدى الكثير من التجار ورجال الاعمال الا ان اغلب الدراسات والمتابعات اثبتت ارتباط هؤلاء بشبكة من السياسيين الفاسدين في اي حكومة اما بالداخل او مدفوعة من الخارج، وبالتالي نجد ان غالبية قضايا غسيل الاموال لايتم الكسف عنها او التستتر عليها، او تسويفها لأنها دائما ماتكون مرتبطة بجهات سياسية او تشمل افراد محسوبين على السلطة، وعليه فأن غسيل الاموال ماهو الا فساد سياسي بصبغة اقتصادية، لأنه حتى وا جزمنا بأنه اقتصادي فأن طبيعة النظام السياسي هي من تساعد على انتشاره وتوسعه.

اضف تعليق