q
لقد اصبح هذا الواقع يهدد وحدة العراق، لأنه يعني تقسيم العراق موضوعيا، آخذين بنظر الاعتبار لعبة ما يسمى بالبترودولار المخصص للمحافظات المنتجة للنفط! وكذلك حصص المحافظات الحدودية من ايرادات المنافذ! ما يعني ان هناك من اعدّ البلاد الى التقسيم الناعم، حيث لا تصبح هناك ضرورة لبقائها موحدة...

كنت وما زلت أكره العبارات التي تدعو الى اليأس من مستقبل العراق وتتحدث عن نهايته، مثل عبارة.. العراق انتهى.. العراق تقاسمته دول الجوار.. وغيرها من العبارات التي تشيع مشاعر الإحباط وتقتل الأمل في نفوس العراقيين وتدعوهم الى الإقرار بالأمر الواقع او ما يراد له ان يكون واقعا.. لكني في الوقت نفسه، أؤكد على مسألة اساسية تتعلق بمستقبل العراق، وهي ان ما فرض عليه من دستور وعرف سياسي في تقسيم السلطة، المتمثل بتوزيعها على (المكونات) سينتهي يوما ما، لأن الإرادة الوطنية التي عكستها رغبة غالبية العراقيين تؤكد إنهم لا يريدون لبلدهم ان يكون العمل السياسي فيه دكاكيني، يختزل الثقافة السياسية المتعددة التي يتسع لها فضاء العراق بمكونات تضيق ببعضها.

نقول هذا بلحاظ ان العراق متعدد ويجب ان يشارك في ادارته كل ابنائه، لكن ليس بشرط ان يأتوا الى مواقع المسؤولية من أرحام (المكونات) وانما من رحم الوطن الواحد وغير مقيّدين بحدود (المكون) الذي ينتمون اليه، لان هذه الصيغة المتعسفة والتي صارت تخجل الوطنيين، سعت اليها اغلب احزاب ما بعد الاحتلال ومازالت تسعى لتكريسها، كونها تضمن لها استمرارها في السلطة، وهو ما رفضه اغلب العراقيين وترجمته ثورة تشرين التي عبرت عن ارادة وطنية عراقية بشكل واضح.

الشيء الذي بات يخيف الوطنيين العراقيين اليوم، هو انه حتى الان، ترى اغلب قوى السلطة ان توزيع المناصب العليا يجب ان يبقى خاضعا للعرف الذي فرضته هي، مستندة الى دستور يصرخ الجميع بضرورة تعديله، كونه لم يعد صالحا لدولة مثل العراق.. خطورة استمرار هذا الوضع تكمن في ان الفضاء الوطني تقلّص امام الوطنيين ولم يجدوا غير الساحة الجهوية التي ينتمون اليها مكانا لنشاطهم السياسي، وصار الصراع يحتدم داخل كل (مكون) على احدى الرئاسات وغيرها بدلا من ان يكون الصراع في الفضاء الوطني.

وهنا يكمن التقسيم النفسي الذي اعدّه بمكر من كتبوا الدستور ونفذته الاحزاب والقوى الراغبة في استمرار هذه اللعبة، حتى بات اكتمال وصول الرئاسات الثلاث الى مواقعها بعد كل دورة انتخابية يعني نهاية أزمة! لأنهم جعلوا كل موقع منها شأنا (داخليا) للمكون ولا دخل (للآخرين) فيه، وباتت عبارات مثل (حصة المكون الفلاني) و(نحن ننتظر اختيار المكون الفلاني لمرشحه) وغيرها من العبارات، تكرّس حالة التشرذم وتتعامل مع العراق كما لو انه شركة مساهمة او منظمة دولية يتم فيها تقاسم المناصب بين الدول، بل اقل من ذلك بكثير، لان المنظمات في قوانينها لا تنزل للمستوى الذي نحن فيه.

لقد اصبح هذا الواقع يهدد وحدة العراق، لأنه يعني تقسيم العراق موضوعيا، آخذين بنظر الاعتبار لعبة ما يسمى بالبترودولار المخصص للمحافظات المنتجة للنفط! وكذلك حصص المحافظات الحدودية من ايرادات المنافذ! ما يعني ان هناك من اعدّ البلاد الى التقسيم الناعم، حيث لا تصبح هناك ضرورة لبقائها موحدة، بعد ان يصبح كل (مكون) يتعامل مع العراق بوصفه شركة له سهم معين فيها، وان انسحابه منها يبقى خيارا مطروحا، حين يحقق له ذلك مصالحه، مستذكرين هنا، حكاية الفيدراليات وتعالي الاصوات بإقامتها بين الحين والآخر، ولان البلاد بوجود هؤلاء الساسة، لن ترتقي الى مستوى الدولة او تبقى عند سقفها الأدنى كما هي الان!

المؤكد اننا لم ولن نيأس، لكننا في الوقت نفسه، صرنا نسمع ونقرأ الكثير عن الصراعات السياسية التي اخذت تتفاقم مؤخرا داخل كل (مكون) من اجل تسيّده او اخذ حصة الأسد من المناصب فيه، إذ لامجال امام اي حزب أو أحد من أبناء (المكونات) ليكون في ميدان الدولة الاّ من خلالها.. وهذا الصراع قد يقود بالنتيجة الى تفكك العراق، لان فكرة الدولة تم تفكيكها تدريجيا، ومنذ نحو عشرين سنة.. لكن المؤكد ايضا، ان عراق ما بعد ثورة تشرين لن يكون كما قبلها اطلاقا وعلى الجميع ان يدركوا ذلك!!

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق