q
على افتراض أن القمة والاجتماعات الأخرى ستعُقد كما هو مقرر، فمن المرجح أن ينبثق سيل من البيانات والاتفاقيات بشأن الاستثمار والتجارة خلال الأيام المقبلة. ومع ذلك، يكمن المقياس الحقيقي للعلاقة بين الصين والسعودية في تفاصيل القمة التي لن يعلن عنها، ناهيك عن الانسجام الواضح في اللقاءات بين كبار...
بقلم: سايمون هندرسون، كارول سيلبر

تُعد الصين أساساً أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين للسعودية، ومُورداً مهماً للتكنولوجيا العسكرية والنووية، إلّا أن الرياض تريد المزيد من هذه الشراكات.

في 7 كانون الأول/ديسمبر، وصل الرئيس شي جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية في زيارة تتضمن انعقاد "قمة صينية عربية" في التاسع من هذا الشهر. وكان قد عُقد آخر اجتماع بين كبار صنّاع القرار من كلا البلدين في عام 2019 عندما استضاف الرئيس شي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ووفقاً لـ "وكالة الأنباء السعودية"، تهدف الزيارة الحالية إلى تعزيز "الشراكة الاستراتيجية" مع بكين - وهي صياغة أثارت مخاوف واشنطن بسبب تأثيرها المحتمل على علاقات الرياض المتوترة مع الولايات المتحدة. وعندما زار الرئيس بايدن المملكة قبل خمسة أشهر، قال للقادة العرب المجتمعين، "لن ننسحب ونترك فراغاً تملأه الصين أو روسيا أو إيران ... والولايات المتحدة لن تذهب إلى أي مكان." وستختبر أحداث هذا الأسبوع هذا التعهد.

العلاقة الثنائية بدأت بتزويد الصواريخ

لم تُقيم الصين والسعودية علاقات دبلوماسية رسمية حتى عام 1990، ويعزى ذلك بالدرجة الكبرى إلى اعتراف حكومة الرياض منذ فترة طويلة بالحكومة الصينية المنفية في تايوان بدلاً من حكومة جمهورية الصين الشعبية في بكين (بيجينغ). إلّا أن الاتصالات مع بكين بدأت قبل ذلك بعدة سنوات.

في عام 1988، زودت الصين السعودية بخمسين صاروخاً باليستياً متوسط المدى من طراز "سي إس إس-2"، وهي صفقة لم تعلم بها واشنطن إلا بعد أن لاحظ محلل استخباراتي أن أحد الأسلحة يتم سحبها من مطار خاص يملكه الأمير سلطان بن عبد العزيز الذي كان وزير الدفاع السعودي في ذلك الوقت. وتم تسليم الصواريخ ذات القدرة النووية إلى المطار بواسطة طائرات شحن، وبعد ذلك تم وضع تلك الصواريخ في موقعين صحراويين لإطلاق الصواريخ وفي قاعدة إمداد في منطقة جنوبية نائية. وتفاقمت مخاوف الولايات المتحدة بعد أن أدركت أن الصفقة قد تمت بترتيبات أجراها الأمير بندر، نجل الأمير سلطان، الذي كان سفير السعودية في واشنطن. علاوة على ذلك، تبين من عمليات الاستطلاع بالأقمار الصناعية لمنصات الإطلاق الثابتة أن طهران وتل أبيب كانتا من أهدافها المحتملة.

وقد تم عرض صواريخ "سي أس أس-2" مرة واحدة فقط، وذلك في عام 2014، ومنذ ذلك الحين تم استبدالها بنسخ صينية أكثر حداثة. بالإضافة إلى ذلك، تم رصد ذخائر قصيرة المدى، يبدو أنها صواريخ صينية من نوع "أم-11" في القواعد السعودية، وربما تم توفير معدات تصنيع هذه الأسلحة عبر باكستان.

النفط والاستثمار

الصين هي الشريك التجاري الأكبر للسعودية. ففي نيسان/أبريل، على سبيل المثال، استوردت الصين أكثر من مليونَي برميل من النفط السعودي يومياً، أي أكثر من ربع صادرات المملكة (على الرغم من انخفاض هذا الحجم منذ ذلك الحين).

فضلاً عن ذلك، يستثمر كلا البلدين بشكل كبير في اقتصاد بعضهما البعض. ووفقاً لصحيفة "فاينانشال تايمز"، تتصدر المملكة قائمة الاستثمارات الصينية المعلنة في منطقة الخليج العربي، حيث فاقت قيمتها 100 مليار دولار على مدى السنوات العشرين الماضية.

الشؤون العسكرية

وفقاً لبعض التقارير زودت الصين السعوديين ببعض المدفعيات والطائرات المسيرة التي استخدموها في حربهم المستمرة ضد المتمردين الحوثيين في اليمن. ففي عام 2017، منحت بكين المملكة ترخيصاً لإنتاج طائرات مسيرة صينية محلياً، في دلالة على محاولة التهرب من ضغوط الولايات المتحدة التي سعت منذ فترة طويلة إلى تقييد التكتيكات التي تستخدمها الرياض في الصراع.

كما تشعر واشنطن بالقلق من أن السعوديين قد يسمحون للصين ببناء منشآت مدنية تخفي غرضاً عسكرياً - على غرار التحرّك الذي أثار الخلافات الأمريكية الأخيرة مع إسرائيل (فيما يتعلق بالإدارة الصينية لأقسام من ميناء حيفا) ومع الإمارات العربية المتحدة (بشأن تقارير عن منشأة بحرية صينية محتملة بالقرب من أبو ظبي والإتفاقيات المشبوهة مع شركة هواوي العملاقة لشبكات الهواتف المحمولة). بالإضافة إلى ذلك، أجرت القوات الصينية والسعودية مناورات عسكرية مشتركة بينها مناورات بحرية عام 2021.

الشؤون النووية

في عام 2020، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الصين ساعدت السعوديين على بناء منشأة لمعالجة خام اليورانيوم المستخرج محلياً لاستخلاص كعكة اليورانيوم الصفراء. وعلى الرغم من الاستخدامات السلمية المتاحة لمثل هذه الأعمال (على سبيل المثال، إنتاج الأسمدة)، إلا أنها قد تشكل أيضاً خطوة مبكرة نحو صنع مركّب اليورانيوم اللازم في محطات التخصيب، والقادر بدوره على إنتاج المواد اللازمة لصنع سلاح نووي. وفي حين نفت المملكة وجود أي نية عسكرية، إلا أنها لا تزال مترددة في الإرتقاء بمستوى التزاماتها لاستيفاء الضمانات لـ "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" لأن ذلك قد يتطلب عمليات تفتيش أكثر تشدداً لأنشطتها النووية.

ولكن ما ينذر بالسوء هو أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كان قد حذّر في عام 2018 من أنه "إذا طورت إيران قنبلة نووية، فسوف نحذو حذوها في أسرع وقت ممكن". وخلال تواصل الرياض مع المحاورين الأجانب، أظهرت بوضوح أنها تدعي الحق في مضاهاة قدرات طهران على تخصيب اليورانيوم إذا رغبت في ذلك - وهذا تصريح مقتضب بعد أن اقترب الآن برنامج إيران النووي من عتبة حيازة الأسلحة النووية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الانخراط الصيني المحتمل مثير للقلق بشكل خاص بسبب بيعها صواريخ للرياض عام 1988 وعملها سابقاً في انتشار المواد النووية وتصميمات الأسلحة إلى باكستان.

القمة الصينية - العربية

لم يتم إعطاء أي تفاصيل مسبقة عن القمة باستثناء انعقادها برئاسة الملك سلمان، وستضم قادة من «مجلس التعاون الخليجي» ودول عربية أخرى - على الأرجح مصر والعراق والأردن، في تقليد واضح للاجتماع السنوي لقمة "«مجلس التعاون الخليجي» + 3" ـ مع المسؤولين الأمريكيين. ووفقاً لصحيفة "عرب نيوز" السعودية اليومية، "من المتوقع أن يركز جدول الأعمال على تعزيز التعاون المشترك في الاقتصاد والتنمية".

ومن المفترض أن تشمل أهداف بكين من الاجتماع حشد دعم دول الخليج لسياساتها بشأن القضايا الداخلية الحساسة مثل مصير تايوان، وانتهاكات حقوق الإنسان ضد مسلمي الأيغور في مقاطعة شينجيانغ، علماً بأن المملكة التزمت الصمت بشكل واضح بشأن هذه القضية الأخيرة.

وقبل انعقاد القمة، أصدرت وزارة الخارجية الصينية "تقريراً عن التعاون الصيني - العربي في العصر الجديد". وأكدت الوثيقة، من بين نقاط أخرى، أن الصين ستتعاون مع الدول العربية على التعاون بما يحقق المنفعة المتبادلة للأطراف، لكنها ليست مهتمة بملء أي فراغ تتركه الولايات المتحدة.

النتائج المحتملة

على افتراض أن القمة والاجتماعات الأخرى ستعُقد كما هو مقرر، فمن المرجح أن ينبثق سيل من البيانات والاتفاقيات بشأن الاستثمار والتجارة خلال الأيام المقبلة. ومع ذلك، يكمن المقياس الحقيقي للعلاقة بين الصين والسعودية في تفاصيل القمة التي لن يعلن عنها، ناهيك عن الانسجام الواضح في اللقاءات بين كبار المسؤولين. على واشنطن أن تراقب كل هذه المؤشرات عن كثب لكي تحدد مدى دفء علاقاتها حقاً - وما هو التحدي الذي قد تمثله لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة.

* سايمون هندرسون، "زميل بيكر" ومدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن. كارول سيلبر هي مديرة الأبحاث في "برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر" التابع للمعهد حول "منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط".

اضف تعليق