سياسة - عنف وارهاب

الاصولية والعنف

تعود تلك التصورات التي ترى الاسلام دينا (متخلفا) ومتعصبا، الى الارتباط الذي نشأ تدريجيا بين مفهوم التطرف والمسلمين. ويوجد الان تاريخ طويل من الاحداث والصور التي ينظر فيها الغرب الى المسلمين على انهم متطرفون متعصبون على خلاف مع الليبرالية الغربية المتسامحة. فبدءا من تأسيس الدولة (الاسلامية) في ايران في العام 1979 وخلال الاحداث المختلفة مثل قضية الآيات الشيطانية، وصولا الى حرب الخليج وتفجيرات الحادي عشر من ايلول 2001 وغيرها من الاحداث، كانت تلك الفترات عامرة بالمناسبات التي تجعل الغربيين يكونون الصورة النمطية للمسلمين على انهم متطرفون متعصبون. ولكن نادرا مايحاول احد التفكير في مدى سذاجة هذا المنظور او في اختلاف افكار المسلمين، وبالتالي لم يفكر احد ايضا في ان التهديد العربي الاسلامي ذو البعد الواحد ماهو الا رواية من نسيج خيال الاعلام.

على الرغم من ان تعريف مصطلح الاصولية اصبح مرتبطا بصفة اساسية بالمسلمين، فان هذا المصطلح لايستخدم للتعبير عن المسلمين فحسب، في الواقع يعود مصطلح الاصولية في الاصل الى الوصف الذاتي الخاص ببعض الجماعات المسيحية الامريكية في اوائل القرن العشرين، بعد أن تمكنت مجموعة من البروتستانت من طبع 12 مجلدا في الفترة ما بين 1910- 1915 بعنوان “أصول- شهادة -على الحقيقة” انتشرت في وقت وجيز بين الملايين من المسيحيين الأمريكيين.

ولم يبرز مصطلح الأصولية في المعاجم والموسوعات الغربية إلا حديثا، فهو لم يظهر في معجم روبير الكبير سنة 1966، ولم يظهر في الموسوعة العالمية في 1968 سوى ما ورد في قاموس لاروس الصغير سنة 1966 وبكيفية عامة جدا حيث يقول “إن الأصولية هي موقف أولئك الذين يرفضون تكيف عقيدة مع الظروف الجديدة”.

وفي قاموس لاروس الجيب الصادر في 1979 اقتصر المفهوم على الكاثوليكية وحدها حيث ورد “أنها استعداد فكري لدى بعض الكاثوليكيين الذين يكرهون التكيف مع ظروف الحياة الجديدة”.

أما هربرد كمجيان “أستاذ العلوم السياسية في جامعة نيويورك” فيرجع أصل الأصولية إلى فرقة من البروتستانت التي تؤمن بالعصمة الحرفية لكل كلمة في “الكتاب المقدس” ويدعي أفرادها التلقي المباشر عن الله بالإضافة إلى معاداتهم للتفكير العلمي وميولهم إلى استخدام العنف والقوة لفرض معتقداتهم.

وكانت هذه الجماعات تتمنى ان تقوم بتوجيه الممارسات الدينية الخاصة بها، وفقا للقواعد الاساسية (كما كانت تراها هذه الجماعات) الخاصة ببعض المذاهب والتعاليم المسيحية، فضلا عن هذا، فقد امتد المصطلح ليشمل العديد من الجماعات الدينية الاخرى، فعلى سبيل المثال، اطلق على الكثير من السيخ لفظ (الاصوليون) وذلك بسبب الحملة التي اطلقوها من اجل خاليستان.

في التسعينيات سمي الهندوس القوميون المتطرفون باسم (الاصوليون الهندوس). كما يوجد ايضا مصطلح (المتطرفون اليهود) الذي يشير الى اليهود الذين يرون ان ابادة الوجود الفلسطيني هو امر الهي واجب النفاذ، كما يوجد مصطلح (المتطرفون البوذيون) وهم الذين اشتركوا في الحرب الاهلية مع الهندوس التاميل في سريلانكا.

مصطلح الأصولية لدى العرب ترجمة للمصطلح الغربي وهو لغة مشتق من الأصل، والأصل هو المنهج، وهو الالتزام بالدين من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه السلام.

ويقول الدكتور عبد المنعم القصاص الأستاذ بجامعة الأزهر: “إن الأصولي هو الذي يوحد الله لأن أصول الإسلام هي الدعائم التي يقوم عليها، فالأصوليون بهذا الوصف والمعنى يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويدعون الله فهم الذين يسيرون على المنهج الرباني”.

تشترك كل هذه الحالات في اعتناقها لفكرة رئيسة مشتركة للهويات والقيم الدينية، حيث تساعد تلك الفكرة على خلق وتبرير الصراعات السياسية العنيفة. غالبا مايلقى مصطلح (الاصولي) الضوء على اسلوب معيشة قاس جدا. ولكن ليس بالضرورة ان يكون هذا مبررا للانتشار الواسع للمصطلح العام (الاصولي)، الذي اصبح يعمل بوصفه تفسيرا شاملا ومبسطا للمواقف المعقدة.

ان معظم المسلمين ليسوا متطرفين باي وجه من الاوجه، كما انه ليس من الحكمة او الحق ان ننظر الى اي مسلم على انه (متطرف عنيف ومتعصب وشرير) لمجرد انه مسلم وحسب.

من ناحية اخرى ان كثيرا من المتدينين هم اصوليون كونهم يعيشون ويحاولون ان يمارسوا مجموعة من الافتراضات الاصولية عن العالم.

في كتاب (الفلسفة في زمن الإرهاب- حوارات مع يورغن هابرماس) والتي أجريت معه هو و”جاك دريدا” على يد “جيوفانا بورادوري”.

يتناول هابرماس الأصولية ضمن أدوات السوق، وأطر العولمة، ومحفزات التوسع الأميركي، وهو إذ يحلل المفهوم إنما يسحب الهيمنة الأميركية، أو موضوع “إذلال الوعي الأميركي للعرب”، وهذا تحليل يقع ضمن أدوات الفيلسوف هابرماس، والذي لا يقبل أن تكون الأصولية ضمن الإطار الفكري (الديني)، بل ربطها بفشل الدول الوطنية العربية، وبالإحباط العام بالمجتمع، ولهذا يرى هابرماس أن الأصولية “ظاهرة حديثة”، بل ويشير إلى أنماطٍ من الإرهاب قام به علمانيون في أوروبا. لكن هذا التوسيع لدائرة تحليل مفهوم الأصولية الإسلامية يفرّغ الظاهرة من خطورتها على حساب الضخ القسري لجعل أسباب الإرهاب خارجه لا داخله، ولجعل الأصولية منفعلةً لا فاعلة، وهذا هو الخطر في المبالغة بالتحليل الواقعي التاريخي لموضوع الأصولية، وجعله ضمن مروحة السوق، ومكائن العولمة، وصرعات الهيمنة.

تسأل بورادوري هابرماس: دافعت في حديثك في كنيسة (بولسكريتشه) في فرانكفورت تشرين الأول/أكتوبر 2001 عن أن “الأصولية ظاهرة حديثة تحديدًا”. كيف تفسر ذلك؟

يجيب هابرماس: هذا يتوقف طبعًا على كيفية استخدام المرء لهذا الاصطلاح، والأصولي له واقع انتقاصي من الأصولية، نحن نستخدم هذا الحكم “الأصولية” لوصف ذهنية خاصة ذات موقف متصلب، تصرّ على فرض قناعاتها وأسبابها، ولو كانت بعيدةً عن أن تكون مقبولة عقليًّا.

ثم يضيف في إجابةٍ أخرى: “إن النزعة الأصولية الإسلامية اليوم تمثل غطاءً للدوافع السياسية أيضًا، وليس علينا حقًا أن نتغاضى عن مثل تلك الدوافع التي نواجهها بصيغة التعصب الديني، يفسر هذا حقيقة أن بعض الإرهابيين الذين شرعوا في “حرب مقدسة” كانوا قوميين علمانيين، قبل بضعة أعوام خلت، إذا ما نظر إلى سيرة هؤلاء الإرهابيين، فإنه ربما يجد أن خيبة الأمل من الأنظمة الوطنية الحاكمة ساهمت في جعل الدين يقدم اليوم -من الناحية الذاتية- لغة جديدة أكثر إقناعًا من التوجهات السياسية القديمة”.

ثم يتحدث عن أن الإرهاب العالمي أصبح متطرفًا لسببين هما: غياب أهدافه الواقعية، واستغلاله الوقح لهشاشة الأنظمة المعقدة.

 

اضف تعليق