q
ان دماء الشهداء ومداد العلماء هي امانة في اعناقنا من اجل حماية المكتسبات التي ناضل من اجلها الشهداء والعلماء الراحلون

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعل اهل بيته الطيبين الطاهرين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في البدء أقدم لكم الشكر الجزيل على حضوركم الكريم واهنئكم على الانتصارات الكبيرة التي حققتها مختلف قواتنا الأمنية على قوى الإرهاب الظلامية، وان يتغمد أرواح شهدائنا الابطال الذين قدموا ارواحهم فداء للوطن، سائلا الله تعالى بحق محمد واهل بيته الطاهرين وبحق دماء الشهداء ان ينزل على بلادنا الامن والاستقرار والسلام، وان يمكننا من تحقيق دولة الحقوق والحريات والمواطنة والرفاه والازدهار.

إن العراق هو مهد أقدم الحضارات في العالم وأكثرها تطورا ونتاجا على طول التاريخ ومهبط الأنبياء ومستقر الأئمة والأولياء ومرقد الأئمة المعصومين الأطهار (عليهم السلام) والمركز الذي تنتشر فيه الأماكن الدينية والمقدسة والموقع الذي انطلقت منه الحركات الإصلاحية الكبيرة مثل ثورة العشرين التي قادها الإمام الشيخ محمد تقي الشيرازي (قدس سره).

والعراق أيضا يسبح فوق ثروات هائلة من المعادن والنفط والمحاصيل الزراعية والحيوانية، ومن الناحية الجغرافية فإن العراق يحتل موقعا هاما في وسط العالم وهو المركز الذي يربط بين الشرق والغرب.. وخط الاتصال وملتقى الحضارات.

- لعشرات السنين ظل العراق يرزح تحت نير الاستبداد والظلم والقمع

- قاد الطغاة في العراق حروبا كبيرة ومدمرة لإرضاء نزواتهم وتحقيق مصالح المستعمرين حيث أدت هذه الحروب إلى تدمير بنية العراق وقتل وجرح الملايين واستنفاذ ثرواته وأمواله.

- تحطيم البنية الاقتصادية، فبعد ما كان العراق هو الذي يصدّر إلى العالم المحاصيل الزراعية.. أصبح يعتمد بشكل مطلق على الواردات، وإذا كان العراق يملك أكبر مخزون نفطي في العالم يجعله أثرى الأثرياء فإنه اليوم يحمل على كاهله المليارات من الديون.

- واجه العراق أكبر هجمة إرهابية شرسة يواجهها بلد في العالم حيث اجتاحت شياطين الظلام المدفوعة لتحطيم العراق وازالته من الخارطة، ولكن ببركة اهل البيت عليهم السلام، وتصدي المرجعية المباركة وسواعد قواتنا البطلة أحبطت هذا المخطط التؤامري المشؤوم.

هذه التحديات الكبيرة قرأها المرجع المرجع الراحل الإمام السيد محمد الشيرازي منذ بداياتها وتفاعل مع تطوراتها أكثر من خمسين عاما، حيث رأى أعمدة الحرية النسبية تتقوض في العراق وتحل محلها أعمدة البؤس والدكتاتورية، ورأى الانقلابات العسكرية المتوالية وهي تقوم بتحطيم العراق وتقطيعه..

ولكنه استثمر كل طاقاته لدعم حقوق العراقيين ومحاولة إنقاذ الشعب من هذا الكابوس الطويل، والبحث عن الحلول الجذرية والمناسبة، فإنه لم يتوقف على سطح المشكلة بل غاص في أعماقها ليكتشف أصلها وأسبابها الأساسية.

وفي مجال الحكم والسياسة يرى الإمام الشيرازي ضرورة وجود الحريات، حيث يعتبرها أساس تقدم الإنسان وتطور المجتمعات.

ويرى سماحته كذلك بأن الحكومة الناجحة لابد أن تستند إلى القدرة الواقعية المنبثقة من الشعب وهذه القدرة تعتمد بشكل أساسي على وجود الأحزاب والمنظمات والمؤسسات الدستورية والعشائر التي يحركها نظام التعددية فلاقدرة واقعية بدون وجود تعدد الأحزاب حتى تتنافس هذه الأحزاب بكفاءة وتراقب الحكومة لكي لا تنحرف.. أما الاستبداد فإنه حكم هش يقود البلاد نحو الكوارث. لذلك دعا الى ترسيخ التعددية والتداول السلمي للسلطة وفصل السلطات والانتخابات النزيهة.

ورأى ان طريق الاعتدال والتسامح واللاعنف وسياسة العفو هو الطريق الأفضل لتأسيس الامن والاستقرار في مواجهة العنف والتطرف والاحتراب والتنازع والفئوية الضيقة.

وفي المجال الاقتصادي يطرح الإمام الشيرازي نظريته التي تستند بشكل أساسي على قضية (الاكتفاء الذاتي) فما دام الشعب يعتمد اقتصاديا على دول أخرى فإنه يصبح تابعا لها وأسيرا لأوامرها كما قال أمير المؤمنين(ع): «احتج إلى من شئت تكن أسيره».

فلابد من تحقيق الاكتفاء الذاتي عبر الاعتماد على الصناعة الوطنية وتقويتها وتطوير الزراعة والثروة الحيوانية عبر إعطاء حرية العمل والتجارة والصناعة والزراعة.

وإذا أردنا أن نغير ملامح العراق ونبني دولة المواطنة والرفاه ونوجد واقعا جديدا مفعما بالأمل والسعادة والاستقرار فلابد نرسم خطوطا واقعية تعتمد على الحرية والتعددية والاستقلال والاكتفاء الذاتي والأخلاق الفاضلة والحفاظ على حقوق الناس وحرياتهم ومصالحهم والتفاني في خدمتهم، والتأكيد على التداول السلمي للسلطة، وفصل السلطات، ووجود نظام انتخابي نزيه يحقق الانصاف والعدالة للجميع.

ان دماء الشهداء ومداد العلماء هي امانة في اعناقنا من اجل حماية المكتسبات التي ناضل من اجلها الشهداء والعلماء الراحلون، فلابد من الاستمرار في حركة الإصلاح والبناء وتحقيق النزاهة والصلاح. واليوم الكل يتحمل هذه المسؤولية، النخب الحاكمة والنخب المثقفة والأكاديمية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والعشائر ومختلف شرائح الشعب العراقي الكريم.

يقول الامام الشيرازي:

من أسباب عزّة المسلمين، «العمل الصادق، فإنّ الإسلام أهدى للبشرية أرقى قوانين التقدّم وأجمع مواد التمدّن والتحضّر، وأفضل مناهج السعادة والهناء..

ويقول أيضا:

كلما كان القادة ممن يؤمنون بالله والرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأهل البيت عليهم السلام، وكانوا يخافون يوم الحساب، فإن نظام الحياة بأسره سيسير على طريق الخير والرشد والصلاح، فلا مكان فيه للفساد ولا مجال للإفساد، وبذلك تنمو الحسنات وتمحق السيئات ويكثر فعل الخير وينحسر فعل الشر في المجتمع.

نسأل الله تعالى ان يتغمد أرواح الشهداء والعلماء وان يوفقنا للسير في طريق الصلاح والإصلاح والسلام، وان ينزل على بلدنا الجريح الامن والاستقرار والازدهار.

* الكلمة التي ألقيت بالمهرجان الثقافي الذي اقامته مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام تحت شعار
(من وحي الانتصار نبني دولة المواطنة) بمناسبة الذكرى السادسة عشر لرحيل الامام السيد محمد الشيرازي، وبالتزامن مع اجواء احتفالات شعبنا العراقي بالإنتصار على قوى الظلام الإرهابية

اضف تعليق