q
ملفات - شهر رمضان

القراءة بالتفكير والتأمل بالتدوين

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الحادِيةُ عشَرَة (٣)

التَّفكيرُ والتأَمُّل والفِهم والغَوص في العلمِ فعادةً ما يمنحكَ الوَقت الذي يستغرقهُ التَّدوين فُرصةً للتفكُّر والتأَمُّل بما تكتبهُ وتدوِّنهُ وتُهمِّش عليهِ. والغايةُ من القراءةِ، كما نعرِف، هو تَوسعةِ المداركِ الذِّهنيَّة والعقليَّةِ والمعرفيَّةِ للمرءِ، وهذا لا يتحقَّق بالقراءةِ والحفظِ فقط وإِنَّما بالتَّفكيرِ والتفكُّرِ والتأَمُّلِ ولذلكَ نلحظ...

 {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}. 

 لا شيءَ يعوِّضكَ عن القراءةِ إِذا أَردتَ أَن تتعلَّمَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} فالعلمُ المُكتَسب بالقِراءةِ يختلفُ جذريّاً عن العلمِ المُكتسبِ بالإِصغاءِ أَو المُشاهدةِ.

 وأَهمُّ من ذلكَ هو العِلمُ الذي تُسجِّلهُ وتدوِّنهُ وأَنتَ تقرأ أَو تسمع أَو تُشاهِد {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} فذلكَ يُساعِدكَ في أُمورٍ مُهمَّةٍ أَنت بحاجةٍ إِليها؛

 ١/ الحفظُ والتَّركيزُ فالفِكرَةُ التي تدوِّنها أَو تُهمِّش عليها لا تنساها، ولقد أَوصى رسولُ الله (ص) بذلكَ بقولهِ {قيِّدُوا العِلمَ بالكِتابِ (أَي بالكِتابةِ)} فالعِلمُ صيدٌ، كما وردَ في المأثورِ، والكِتابةُ تصطادهُ.

 وعنهُ (ص) كذلكَ {قيِّدُوا العلمَ، قيلَ؛ وما تقييدَهُ؟! قالَ؛ كِتابتهُ} وقَولهُ {أُكتبُوا العِلمَ قبلَ ذهابِ العُلماءِ، وإِنَّما ذِهابُ العلمِ بمَوتِ العُلماءِ}.

 أَمَّا حفيدهُ الإِمام الحسَن السِّبط (ع) فلقَد دعا بنيهِ وبني أَخيهِ وقالَ لهُم {إِنَّكم صِغارُ قَومٍ ويُوشَكُ أَن تكونُوا كِبارَ قَومٍ آخَرينَ، فتعلَّمُوا العِلمَ فمَن لَم يستطِع منكُم أَن يحفَظهُ فليكتُبهُ وليضَعهُ في بيتهِ} وقولُ الصَّادق (ع) {أُكتبُوا فإِنَّكم لا تحفظُونَ إِلَّا بالكِتابِ} وقولهُ {أُكتبُوا فإِنَّكُم لا تحفظُونَ حتَّى تكتبُوا}.

 وهنا أَنا أَنصحُ بحملِ ورقةٍ وقلمٍ دائماً وأَبداً، [أَو إِستعمالِ تطبيقِ (المُلاحظاتِ) في الهواتفِ الذَّكيَّةِ] لتدوينِ كُلِّ فكرةٍ أَو حكمةٍ أَو رأيٍ حصيفٍ تقرأَهُ أَو تسمعهُ أَو تُشاهدهُ، لاصطيادِ الحِكمةِ كُلَّما مررتَ بها ومرَّت بِكَ والله تعالى يقُولُ في مُحكمِ كتابهِ الكريمِ {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} ولقد قالَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَخُذِ الْحِكْمَةَ ولَوْ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ} وقولهُ (ع) {خُذِ الْحِكْمَةَ أَنَّى كَانَتْ فَإِنَّ الْحِكْمَةَ تَكُونُ فِي صَدْرِ الْمُنَافِقِ فَتَلَجْلَجُ فِي صَدْرِه حَتَّى تَخْرُجَ فَتَسْكُنَ إِلَى صَوَاحِبِهَا فِي صَدْرِ الْمُؤْمِنِ}.

 ٢/ التَّفكيرُ والتأَمُّل والفِهم والغَوص في العلمِ فعادةً ما يمنحكَ الوَقت الذي يستغرقهُ التَّدوين فُرصةً للتفكُّر والتأَمُّل بما تكتبهُ وتدوِّنهُ وتُهمِّش عليهِ.

 والسُّلوكُ الأَخير الذي يُسمَّى بالحاشيةِ أَمرٌ مُتعارَفٌ عليهِ حتى بينَ الفُقهاء والعُلماء والمُحقِّقينَ، فلقد كثُرت عِبرَ التَّاريخ الكُتُب المشهُورة بـ [الحواشي].

 والغايةُ من القراءةِ، كما نعرِف، هو تَوسعةِ المداركِ الذِّهنيَّة والعقليَّةِ والمعرفيَّةِ للمرءِ، وهذا لا يتحقَّق بالقراءةِ والحفظِ فقط وإِنَّما بالتَّفكيرِ والتفكُّرِ والتأَمُّلِ، ولذلكَ نلحظ أَنَّ القُرآن الكريم يحثُّ على التفكُّر أَكثر من القِراءة، فأَنت إِذا قرأَتَ ساعةً يلزمكَ أَن تتفكَّر [٣] ساعات، لأَنَّ التفكُّر هو الذي يُساعدُك على النُّضجِ العقلي وليسَ القِراءة.

 يقُولُ تعالى {لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.

 وعن رسولِ الله (ص) {إِنَّ التفكُّرَ حياةُ قَلبِ البَصيرِ كَما يمشي المُستنيرِ في الظُّلُماتِ بالنُّورِ، يُحسِنُ التخَلُّص ويقِلُّ الترَبُّص} وقَولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {فضلُ فِكرٍ وتفهُّمٍ أَنجعُ من فضلِ تكرارٍ ودِراسةٍ} وعنهُ (ع) {مَن أَكثرَ الفِكر فِيما تعلَّمَ أَتقنَ عِلمهُ وفهِمَ ما لمْ يكُن يفهَم} وعنهُ كذلكَ {لا عِلمَ كالتفَكُّرِ}.

 ويشرحُ أَميرُ المؤمنينَ (ع) العلاقةَ بينَ القِراءةِ [أَي طلبِ العلمِ] والتفكُّرِ في خلقِ الإِستنتاجاتِ السَّليمةِ بقَولهِ (ع) {والْعَدْلُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ؛ عَلَى غَائِصِ الْفَهْمِ وغَوْرِ الْعِلْمِ وزُهْرَةِ الْحُكْمِ ورَسَاخَةِ الْحِلْمِ، فَمَنْ فَهِمَ عَلِمَ غَوْرَ الْعِلْمِ ومَنْ عَلِمَ غَوْرَ الْعِلْمِ صَدَرَ عَنْ شَرَائِعِ الْحُكْمِ ومَنْ حَلُمَ لَمْ يُفَرِّطْ فِي أَمْرِه وعَاشَ فِي النَّاسِ حَمِيداً}.

وبالتَّفكير تُميِّز الغثَّ من السَّمينِ ممَّا تقرأ أَو تسمع أَو ترى، ولذلكَ قيلَ [حدِّثُ المرءَ بما لا يُعقَل، فإِن صدَّقكَ فلا عقلَ لهُ].

 ولهذا قالَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {الْعِلْمُ عِلْمَانِ مَطْبُوعٌ ومَسْمُوعٌ ولَا يَنْفَعُ الْمَسْمُوعُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَطْبُوعُ}.

 فالمسمُوعُ هو ما تقرأ أَمَّا المطبُوع فالذي ينتجُ عن التفكُّرِ والتأَمُّلِ، وهو النَّافعُ كما يُشيرُ (ع) إِلى ذلكَ.

اضف تعليق