في تجربة ثقافية ليست جديدة على مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، كونها سباقة ونشيطة في هذا المجال، تم عقد ندوة ثقافية أدبية نقدية، الجديد فيها، هو موضوعها المتميز والمهم، حيث ناقش عدد من المعنيين بالنص الأدبي وهم شعراء ونقاد وكتاب، التداخل الحاصل بين النقد الأدبي والثقافي مع النص في إطار الحداثة وما بعدها، وبدأت الندوة بتقديم كاتب السطور تمهيدا حول موضوع ورقة الندوة التي أعدّها الأديب عادل الصويري، بحضور عدد من المهتمين.

في هذا المقال لا أريد أن أقدم تقريرا عما دار في هذه الفعالية الثقافية الأدبية النقدية، فقد تصدت لهذه المهمة ورقة المحاضر، والمداخلات التي طرحها الحاضرون بصيغة توضيحات واستفسارات وتساؤلات، حيث أسهمت بدورها في إغناء الندوة وتعميق المضمون المطروح فيها، ولكنني بصدد طرح رؤية عن ندوات من هذا القبيل، تتبناها منظمات ثقافية إعلامية كمؤسسة النبأ، والسؤال هنا ما الجديد في هذا التبني والدعم؟ وماذا يفيد الثقافة؟ وهل يسهم في تطوير الوعي الثقافي؟ أم أنه لا يعدو كونه اجترارا لمحاولات سابقة ومعتادة في هذا الإطار؟.

في البدء لابد من القول أن المؤسسة والمنظمة التي تطلق على نفسها عنوان (ثقافية)، معنية بصورة حقيقية بكل ما يتعلق بالثقافة والأدب، ومن الواجبات الملقاة عليها، احتضان المواهب والطاقات الثقافية والفكرية والادبية، وعليها أن تهتم بتقديم الجديد، وطرح المواضيع المتميزة والتي غالبا ما تكون محل تناقض في النظر إليها والبحث فيها، كما هو الحال في طبيعة العلاقة بين النقد الثقافية والنقد الادبي وتعامل كل منهما مع النص نقدياً.

إذاً فالنقطة الاولى بخصوص هذه الندوة، أنها قدمت مضمونا وورقة حاولت أن تميط اللثام عن جانب من التناقضات الحاصلة بين النقد الثقافي والنقد الأدبي ازاء النص، وهو موضوع وإن تم طرحه، لكنه عندما يُثار في ندوة متخصصة، تتبناها مؤسسة كمؤسسة النبأ، ويديرها ويشترك فيها عدد من الكتاب والنقاد والشعراء وأهل الشأن، فإن الامر يأخذ صورة أخرى، أقرب الى التعامل الجاد من لدن هذه المؤسسة الثقافية مع المضامين والأفكار الثقافية التي قد تكون خافية على القارئ او الجمهور.

إلقاء حجر في برْكة النقد

فهي في هذه الحالة، ونقصد الندوة وما دار فيها من مداخلات، أشبه بإلقاء حجر في بركة ساكنة، إذ نلاحظ على الرغم من كثرة المؤسسات والمنظمات الثقافية في مدينة كربلاء المقدسة، لكن لم نرَ الاهتمام المطلوب بمضامين وندوات وافكار اشكالوية من هذا النوع، والدليل أنني شخصيا سألت طلاب جامعة يدرسون في كلية لغة عربية عن ما يعنيه النقد الثقافي ومفاهيم النقد والحداثة وما بعدها، والبنيوية والتفكيكية وما شابه من نظريات ومدارس نقدية وأدبية، فوجدت هناك عدم اهتمام في هذا الجانب.

لذلك أقول من وجهة نظر شخصية عندما تجتهد مؤسسة غير معنية بالدرجة الاولى بهذه المفاهيم، وتدعم مجموعة من الأنشطة، وتسعى الى عقد ندوة من هذا القبيل، فإن هذه الخطوة باعتقادي تعد علامة فارقة في مشهدنا الادبية والثقافي على حد سواء، ومع أن (النبأ) تعلن بأنها ثقافية إعلامية، وأن مثل هذه الأنشطة يقع في صلب أهدافها وواجباتها، إلا أن هناك منظمات اكثر قربا منها من حيث التخصص الى مواضيع وندوات من هذا النوع، ولكنها لم تبادر ولم تهتم بإثارة مواضيع من هذا النوع.

ربما هناك من ينظر الى مفاهيم الحداثة والنقد الثقافي وكتابة النص وما شابه، بأنها نوع من الكماليات والجماليات التي لا تقدم إضافة في للوعي الجمعي والثقافة الجماهيرية، لاسيما أننا كعراقيين وعرب ومسلمين، نمر في ظروف معقدة وملتهبة كوننا نقع في منطقة اقليمية حساسة ومحتقنة، ولكن هذه التبريرات وإن كانت قائمة فعلا في واقعنا، لكننا لا يصح أن نهمل المفاهيم الأدبية والنقدية والثقافية بحجة أنها ذات طابع جمالي، أو أننا نحتاج الى الأهم والأقرب للقارئ والجمهور، وما شابه من أعذار وتبريرات.

لذا أقول من وجهة نظر شخصية، وقد يتفق معي عدد من الادباء والشعراء الذين شاركوا في هذه الندوة، أن ما أقدمت عليه مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، يدخل في اطار التميز والتحفيز لإثارة مواضيع ومضامين مهمة يمكنها أن تسهم في تطوير الوعي الجمعي، فجميع الدلائل في الشعوب التي سبقتنا، والتي خرجت من الى فضاء النور بعد العتمة، وجدت في الاهتمام بمثل هذه المواضيع الثقافية، طريقا الى التطور في التعامل مع مستجدات الحياة.

اجترار التجارب في المشهد الثقافي

قد يقول قائل، إننا نتكلم بهذه الحماسة، لأننا أسهمنا في هذه الفعالية، ومع أننا نشعر بالرضا في هذا الخصوص، إلا أننا نؤكد أن معالجة أفكار وعقد ندوات من هذا النوع يدخل في اطار التجدد، والمغايرة، فقد تحدث اكثر من اديب واعلامي ومفكر وهو يصف المشهد الثقافي في مدينتنا وفي العراق عموما، فيقول أنه مشهد يكاد يكون ساكنا، ويدعم هؤلاء رأيهم، بأن معظم الأنشطة الثقافية التي تقيمها بعض المؤسسات والمنظمات الثقافية متشابهة وتكرر نفسها.

فهناك على سبيل المثال من يقيم قراءات لنصوص شعرية او سردية، وهناك من يضيف شخصيات ادبية لتقرأ الشعر او السرد وما شابه، وفي الحقيقة لقد ضج المشهد الثقافي والأدبي بمثل هذه الفعاليات والامسيات التي تدخل في اطار تكرار الوجوه نفسها، وسماع النصوص نفسها، واجترار التجارب نفسها، بل حتى طريقة التقديم وما شابه تكاد تتكرر في معظم هذه الأنشطة، لذا عندما نؤشر مثل هذه النقاط والملاحظات، فإننا في الحقيقة نريد أن نؤكد حقيقة موجودة فعلا، وخللا قائما بصورة فعلية في هذا الخصوص.

لذا أعود وأقول أن مؤسسة النبأ، عندما بادرت لتقيم هذه الندوة الثقافية النقدية الادبية، على الرغم من أنها لا تشكل فتحا جديدا في هذا المجال!، ولكن لابد أن نقول، على الأقل من وجهة نظر شخصية، ومن باب الاشارة الى الأفضل والمتميز، إن عقد ندوة من هذا النوع تشكل اضافة للمؤسسة نفسها، كما أنها تقدم دعما واضحا للادباء والمثقفين كي يقدموا كل ما يرونه مهما مطلوبا في المجال الادبي والثقافي.

علما أن هذه المؤسسة تضع كل إمكانياتها في خدمة المثقفين والمفكرين والادباء، وكل ما تطمح به هو الاسهام بتطوير الثقافية العراقية، والوقوف الى جانب المثقف والمفكر العراقي كي يبدع في مجال تخصصه، وهي مؤسسة فيها مراكز بحوث ودراسات تُعنى بالحقوق والقانون والتنمية والأفكار السياسية والاقتصادية التي تهدف الى تطوير السياسة والاقتصاد الوطني.

ومن باب أولى أن تميل الى الثقافة والافكار المتجددة، كونها مؤسسة ثقافية فكرية اولا واعلامية، كما يشير الى ذلك عنوانها او اسمها المعلن، ولذلك نحن نرى أن الندوة التي تك عقدها في اطار الحداثة والنقد الثقافي والأدبي، تأتي ضمن اهتمام القائمين على هذه المؤسسة، وهي دعوة مفتوحة لكل الادباء والمثقفين لكي ينضموا الى هذه القافلة، فالهدف الأول والأخير هو تطوير الثقافة العراقية، ومساندة الوعي الفردي والجمعي في وقت واحد.

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
مصر
أحبائي
مشكلة الحداثة ان البعض يكتب كلاما لاشأن له بالإبداع تحت اسمها
والبعض من الكتاب يحصر تجربته الكتابية في اللهث الطويل جدا خلف وهمها
وبعض المبدعين بالفعل يطور في أساليب كتابته مع الحفاظ على الإبداع في متنها
والطامة الكبرى أن بعض من يطلقون على أنفسهم نقادا يشجعون ويغررون بمن يضلون في سراديبها
أحبائي
دعوة محبة
أدعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه....واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات....مركز ثقافة الألفية الثالثة2019-01-17