q
تحدث البعض عن مفهوم الإصلاح الثقافي وهو مفهوم عائم وسائب، لاقترانه بمفهوم الثقافة، الذي من الصعب علينا وعلى كثير من المثقفين إعطاء تفسير جامع مانع له، فأي إصلاح ثقافي نقصد؟!، إن كان على وفق مقاس يختاره كاتب ما يقول به، ويتمكن من إقناعنا أنه توصل لتفسيره بما ينبغي وكما ينبغي...

بقيت الثقافة عصية على التعريف، لأنها قد تكون ثقافة الفرد نفسه بمعزل عن مجتمعه، يعيش فيها عالمه الذي تخلق عنده نتيجة اندكاكه بالمجتمع أو نتيجة عيشه في عوالم الخلق الجمالي، الذي تصنعه الذات للخلاص من ضغوطات الواقع المعاش.. قد تكون الثقافة فعل في الواقع يقاس بمقدار حضور الفرد في الجماعة، وهذا يصح حينما نجد كبار الفلاسفة والفنانين وبعض القادة السياسيين يصنعون للمجتمع حياة تنشد قيم الخير وتحقيق العدالة الاجتماعية.

يربط مالك بن نبي في كتابه «مشكلة الثقافة» بين الثقافة والقيم والعادات الاجتماعية، و"تصبح لا شعوريًا العلاقة التي تربط سلوك الفرد بأسلوب الحياة في الوسط الذي يعيش فيه"، بينما يرى مدني صالح أن (الثقافة هي الجانب المعنوي من الحضارة، وتلتقي فيها المدنية مع الحضارة بنتاجهما الإبداعي).

هناك من يقرن الثقافة بالثورة، فحينما لا يكون المثقف ثوريًا يثور ضد الاستبداد والظلم، فهو ليس بمثقف، إنما هو متعلم يعتاش مما تعلمه لخدمة نفسه وتحسين أحواله الاقتصادية والاجتماعية.

تندرج كتابات (غالي شكري) و(محمود امين العالم) و(مهدي عامل) و(هادي العلوي) وكثير من الماركسيين على ما بينهم من تباين، ضمن الرؤية التي تربط الثقافة بالثورة، لأن دور المثقف الحقيقي يكمن في قدرته على ربط النظرية بالواقع، وقدرته على استنهاض الوعي الجماهيري والعمل على ايقاد شعلة الثورة ضد الظلم والاستبداد.

نجد بعض المفكرين يربطون الثقافة بمقدار وعي المجتمع بخطاب المثقف، الذي يكشف لهم عن قيمة الانتماء الوطني أو القومي أو الديني أو المذهبي، فتجد المثقف في الحال هذا رهين نزعات الجماعة، التي وجده فيها، فيكون هو صوتهم الذي ينبري للدفاع عن حقوق أثنيته وأيديولوجيته.

الثقافة يعدها الانثربولوجيون تعبيرا عن المجتمعات وتدوينا لتقاليدها وقيمها وموروثاتها وعقائدها، بمعنى أن لكل إنسان مهما كان بسيطًا أو ساذجًا ثقافته، لأن الثقافة «رؤية عامة إلى الحياة والمجتمع تتجسد في السلوك الفكري الوجداني والأخلاق»، كما يؤكد (محمود أمين العالم) في كتابه «الثقافة والثورة».

يؤكد صاحب كتاب (الثقافة: التفسير الانثربولوجي) (آدم كوير)، صعوبة التمييز بين (العرق) و(الثقافة)، لأن الثقافي عادة ما يقترن بالعطاء والنزوع الفطري والروحي في المجتمعات أجمع بما فيها المجتمعات البدائية، ف «حتى أدنى الوحشيين لديهم ثقافة»، لأن الثقافة» ميراث جماعة»

هناك من ينحو منحى فلسفيًا يجد في الثقافة أنها المعبر الأساسي في الكشف عن قيم حضارية مشتركة بين الأمم، من مهمات الثقافة هي تنمية الشعور بالهوية الوطنية، والبحث عن العناصر التي تجعل أبناء المجتمع الواحد يشعرون بقيمة انتمائهم لقيم حضارية ومعنوية مشتركة.

حينما يُقال عن فرد ما بأنه مثقف، يعني أنه مدرك للقيم الحضارية والمعنوية التي تشكل هوية مجتمعه، ويعي في الوقت ذاته العلاقات الثقافية بين المجتمعات وتأصيلها الثقافي.

المشكل في الثقافة ببعدها الاجتماعي أنها هي التي تحكم سلوك الفرد، ويكون سلوك الفرد رهين سلطة الجماعة وثقافتها السائدة، أما المثقف فهو القادر على كسر الأطر الفكرية المغلقة بقصد البحث عن فاعلية الذات وتأثيرها في الجماعة، لا العكس.

يبقى موضوع الثقافة موضوعًا إشكاليًا، ومن الصعب التوصل إلى تعريف جامع مانع لها.

يؤكد (يحيى محمد) في كتابه» القطيعة بين المثقف والفقيه أن «الثقافة اقترنت بمن يعي الفكر الغربي وتحولاته المعرفية، ويُتقن اللغات الأجنبية، ويحمل معارف متعددة ومختلفة، ولا تنحصر عنده المعرفة في اختصاص معين.

الثقافة لا تُحد بعلم ما وبموضوع مُحدد، لأن من مقتضياتها أن يكون المثقف ذا أفق عال في المعرفة واتساع وعيه منهجيًا ومعرفيًا في قراءة الفكر المختلف، والمغاير، وأن يكون مستقلًا في التفكير لا تابعًا، يمتلك القدرة على النقد والتفكير بمساحات خارج المألوف والسائد والمتداول، بما يجعل فكره مؤثرًا في الوسط الذي يعيش فيه.

تحدث البعض عن مفهوم (الإصلاح الثقافي) وهو مفهوم عائم وسائب، لاقترانه بمفهوم الثقافة، الذي من الصعب علينا وعلى كثير من المثقفين إعطاء تفسير جامع مانع له، فأي إصلاح ثقافي نقصد؟!، إن كان على وفق مقاس يختاره كاتب ما يقول به، ويتمكن من إقناعنا أنه توصل لتفسيره بما ينبغي وكما ينبغي.

الإصلاح الثقافي وهم يصنعه مثقف يتبنى أيديولوجيا ما ليجعلها (مسطرة)، يقيس بها وعلى وفقها من هو مع نزعته الإصلاحية أو هو خارج عنها أو مُضاد لها..

الثقافة عنوان فيه من العمومية مما لا يمكن لأحد أن يحده.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق