ثقافة وإعلام - صحافة

مفتاح مقاومة إيران

الناشر: مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، نقلا عن موقع Stratfor
ترجمة: وحدة الترجمة في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

 

ستؤدي الضغوط السياسية والاقتصادية الامريكية الى توحيد النظام السياسي الايراني العنيد خلف فيلق القدس الثوري الاسلامي الذي يقبع في قلب الاستراتيجية الاقليمية لطهران.

ان الاضافة الامريكية الاخيرة للحرس الثوري الايراني الى قائمة وزارة الخزانة باعتبارها مجموعة ارهابية قد لا يكون له تأثير مهم على قدرة المنظمة في تمويل ذاتها والمجموعات المليشياوية المتحالفة معها على طول امتداد منطقة الشرق الاوسط.

ورداً على الموقف الامريكي، ستقوم ايران بتقوية اسنادها السياسي والعسكري لفيلق القدس بزيادة ميزانيته من العمليات غير المنتظمة، بضمنها النشاطات الخاصة بنخبتها من فيلق القدس وتطوير الصواريخ البالستية.

وفي خلاف دبلوماسي قد يبدو متزايداً، اتخذت الولايات المتحدة الامريكية موقفاً اخر تجاه ايران. ففي 13 تشرين الاول الجاري، اعلن الرئيس الامريكي دونالد ترامب قراره بالتخلي عن توثيق الصفقة النووية الايرانية مع الغرب قبل يومين من الموعد النهائي والتلويح بمجموعة جديدة من العقوبات تجاه حكومة طهران. وحسبما جاء في تكليف قانون مواجهة اعداء الولايات المتحدة من خلال العقوبات، لوح الرئيس ترامب بوصف الحرس الثوري الايراني – احد اعمدة القوة العسكرية الايرانية – باعتباره مجموعة ارهابية حيث توقف عن وصف الفيلق باعتباره منظمة ارهابية اجنبية، وهو اختيار قيل حسب الاشاعات ان البيت الابيض الامريكي قد درسه في بداية هذا العام.

ومن خلال الرمزية المتزايدة، قد يثير الوصف الجديد وضعاً خاصاً في ايران. فالضربة المضادة قد تصدر من اي من وحدات الحرس الثوري – مثل القوة الجوية، والقوات البحرية واقسام العمليات- وهو امر قليل يتم ذكره في الوقت الحاضر – تجاه الاهداف المختارة. ولخيبة الولايات المتحدة الامريكية الكبيرة، يمكن لهذه الخطوة ان تثير رد فعل ايران بعناصرها المنقسمة ولكن الموحدة خلف قيادتها القائمة.

حجر الاساس في الاستراتيجية الايرانية

لقد حدد البيت الابيض مساراته تجاه الحرس الثوري الايراني في ضوء موقفه الذي لا يمكن الاستغناء عنه في استراتيجية ايران الجديدة في منطقة الشرق الاوسط. وتحت ظل الحكم الملكي الذي حكم ايران خلال السبعينيات من القرن الماضي، قام ذلك الحكم بإنشاء اكبر القوى العسكرية في المنطقة مجهزة بالأسلحة الحديثة والمتطورة التي استطاع شراءها من حليفتها السابقة – الولايات المتحدة الامريكية. ولكن بعد قيام الثورة الايرانية في عام 1979، لم يثق الزعيم الايراني روح الله خميني بالجيش النظامي بسبب علاقته الوثيقة مع الشاه الذي ساعده في الاطاحة به. ونظراً لرغبته المتزايدة في تأسيس جيش يعتمد بالولاء له، قرر الخميني تأسيس الحرس الثوري بحيث تضاءلت قوة الجيش بسبب قلة التخصيصات، كما اصبحت اسلحته التقليدية وتكتيكاته ضعيفة بالنسبة للجيوش التركية والسعودية المقابلة.

وبدلاً من ذلك، قامت ايران ببناء استراتيجية امنية حول قدراتها غير المتماثلة في ضوء سيطرة الحرس الثوري، من اجل تجنب – نوعاً ما – الصراع المعلن الذي قد يكشف قدرات الدولة العسكرية الضعيفة. ومن ابرز المهام هي اسنادها للمجاميع المليشياوية عبر المنطقة، بضمنها منظمات مثل حماس وحزب الله والجهاد الاسلامي الفلسطيني وكتائب حزب الله – وجميعها منظمات اعلنت وزارة الخارجية الامريكية انها منظمات ارهابية اجنبية. ويقوم الحرس الثوري - وعلى وجه الخصوص وحدات فيلق القدس – بتنظيم هذه العلاقات وتوفير الاسناد المالي مقابل العمل ضد اعداء ايران. فمثلا، تكون حماس وحزب الله مفيدتان في الضغط على اسرائيل من حدودها الجنوبية والشمالية بالتناوب. وبنفس القدر، يمكن لإيران الاعتماد على حوثيي اليمن ولواء الاشتر البحريني في الضغط على المملكة العربية السعودية. ولكن ربما الامر المهم للولايات المتحدة الامريكية هو مشاركة ايران مع مليشيات شيعة العراق، التي تعمل واشنطن مع البعض منهن، بحيث تخشى الولايات المتحدة انه بوخزة من ايران تقوم هذه المليشيات في الهجوم على الاهداف الامريكية العسكرية الموجودة في العراق.

ومن بين الاستراتيجية الايرانية غير المتماثلة هو برنامجها البالستي والفضائي الذي تقوده القوات الفضائية التابعة للحرس الثوري. ورغم انه من غير المتوقع ان تقوم ايران بتوجيه اي من الصواريخ تجاه الولايات المتحدة الامريكية في المستقبل القريب، الا انها تستطيع استخدام الصواريخ البالستية – مثل بقية وكلائها – في الهجوم او صد هجمات منافسيهم القريبين المجهزين بأسلحة وقوات تقليدية افضل. كما تم تصميم القوة البحرية الخاصة بالحرس الثوري للقيام بهجمات سريعة، وهجمات صاروخية وعمليات الالغام البحرية في الخليج التي من الممكن ان تزعج الملاحة الدولية في مضيق هرمز والتأثير كثيراً على الاوضاع الاقتصادية والتكوينية والنفسية على اعداء ايران.

اثبت الفضاء الالكتروني انه مسرح اخر للعمليات التي يمكن لإيران الاستفادة منها. فالدولة الايرانية تؤمن انها كانت هدفاً لعمليات القرصنة المسماة (شمعون) التي غطت الكثير من دول الخليج عام 2012 قبل البدء بالظهور بشكل معدل في العام الماضي. ورغم ان ايران لا تمتلك برنامجاَ للفضاء الالكتروني، الا انها تمتلك العديد من مهام قيادة مثل هذا البرنامج. وقد قام الحرس الثوري في تموز الماضي بإلقاء القبض على 23 مسؤولاً لكشفهم ادلة ان هذه الوحدة مسؤولة عن العديد من عمليات القرصنة التي اصابت تركيا في عامي 2014 و 2015.

من الواضح ان للحرس الثوري يداً في العديد من العمليات الايرانية السرية في منطقة الشرق الاوسط، وبالتالي قررت الولايات المتحدة الامريكية قمع هذه النشاطات. وعندئذ، وبشكل افتراضي، فإن اي سياسة امريكية شاملة لمقاومة ايران يجب ان تحدد خطوات الحرس الثوري بشكل او بآخر.

ما هو الأسم ؟

عند تحديد الاسم كـ (منظمة ارهابية)، لم يكن الامر سهلاً، بحسب القانون الامريكي هناك طريقتان يمكن لواشنطن وصف هذه المجاميع كمنظمات ارهابية، وكل طريقة لها دلالاتها.

الطريقة الاولى، استخدام قانون الهجرة والمواطنة لعام 1965 لوصف هذه المجاميع كـ (منظمة ارهابية اجنبية)، ولكن من الصعب متابعة الوصف لأن تحديده ضيق ككيان يعمل في مجال الارهاب او النشاطات الارهابية، او لديه القدرة او النية على القيام بذلك. وهكذا يكون القانون مصمماَ لإستهداف الجناة الذين يقومون فعلاً بالعمليات الارهابية، مقارنة مع الافراد والشركات وممثلي الدول الذين يوفرون لهم وسائل الاسناد. وبما ان المجاميع التي تعمل في النيابة عن الحرس الثوري تستطيع القيام العمليات ضد معارضي ايران، فإن الولايات المتحدة الامريكية لا تستطيع بسهولة وصف الفرع العسكري للدولة كمنظمة ارهابية خارجية.

أما الطريقة الثانية لوصف " المجاميع الارهابية" (بالنسبة للافراد كمساندين للإرهاب) بموجب القانون التنفيذي المرقم 13224، كما اعلن الرئيس ترامب في 13/ تشرين الاول انه ينوي القيام به. وقد جرى توقيع هذا القانون التنفيذي من قبل الرئيس جورج دبليو بوش في خضم احداث الحادي عشر من ايلول، والذي هدف الى توسيع الاسس القانونية لمتابعة الشبكات المساندة للإرهاب. ولكن المجاميع الارهابية لم تكن توصف روتينيا كمنظمات ارهابية بموجب هذا القانون، وانما ايضاً مسانديهم الماليين التي حصلت ايران عليهم منذ عام 1984 كمساندين للدولة في مجال الارهاب. وبالتالي فإن الامر التنفيذي سيجعل الولايات المتحدة الجهاز القانوني والمنطقي الذي سيستهدف المواطنين والمجاميع الايرانية.

ومن ناحية خاصة، فإن الانضمام الى القانون التنفيذي المرقم 13224 ومصمميه، لن يستطيع فعل الكثير في قمع نشاطات الحرس الثوري، لأن الولايات المتحدة الامريكية وضعت اجراءات عقابية فيما يتعلق الامر بالارهاب، والاساءة الى حقوق الانسان وتطوير الصواريخ البالستية ضد عدد من اعضاء المجاميع، ومؤيديهم واجنحتهم، وبالتالي يكون الحرس الثوري من اوائل المنظمات الدولية التي سيتم معاقبتها بهذا الشأن. واضافة الى ذلك، كانت قوات فيلق القدس على رأس قائمة القانون التنفيذي المصمم ضد الافراد في عام 2007، الذي جمد ودائعه الامريكية ومنع الافراد والشركات من التعامل.

ومن سخرية القدر، ان التوصيف بموجب الامر التنفيذي يتعامل مع الضربات المالية القوية اكثر من المنظمات الارهابية. الا ان التوصيف الاخير يحمل فائدة مهمة اخرى، اي الاتهامات الجنائية. فأن أي شخص، بضمنهم الاشخاص غير الامريكيين، يقوم بتوفير الملجأ والخدمات المالية او اي من المساعدات الاخرى للإرهابيين او المنظمات الارهابية سيواجه امكانية المحاكمة داخل الولايات المتحدة الامريكية. وبالتالي، سيكون من السهل تصور المشكلات الاقتصادية والدبلوماسية التي قد تثار ضد واشنطن في حالة اضافة الحرس الثوري الى قائمة المنظمات الارهابية الخارجية. اذ يجب على العاملين في الشركات الدولية في ايران ان يخطو خطوات حذرة لتجنب احكام السجن، اضافة الى موظفي الحكومات العاملين على استقبال الوفود الايرانية في الخارج، التي غالباً ما تضم في عضويتها بعض اعضاء الحرس الثوري. واضافة الى ذلك، لم تحدد الولايات المتحدة الامريكية اي من الوحدات العسكرية لدولة اجنبية كمنظمة ارهابية اجنبية، واذا ارادت كسر هذا النمط، فعلى الدول الاخرى اتباع خطواتها، وربما معاملة سجناء الحرب كإرهابيين. وقد ادركت وزارة الدفاع الامريكية احتمالات هذه التعقيدات مما جعلها تضغط على ادارة الرئيس ترامب على عدم الاعتماد على قانون الهجرة والمواطنة لعام 1965 في استهداف الحرس الثوري.

وبالطبع، فإن معاقبة الحرس الثوري بموجب مواد الامر التنفيذي سيؤدى الى التأثير على قدراته، ولكن هذه المنظمة تقوم بعدد من المشروعات والشركات المساندة التي تدير الاقتصاد الايراني وبشكل يساعد الشركات الاجنبية في عملياتها داخل ايران من اجل عدم الخضوع للعقوبات الاوربية. وعلى كل حال، فإنه من غير المتوقع ان تجف منابع ايران الخارجية حتى ولو قلت نشاطات الحرس الثوري في العديد من الشركات الدولية.

واضافة الى ذلك، ستقوم الحكومة الايرانية بتعويض اي منفذ مالي قد يخسره الحرس الثوري. وفي الواقع، قد يتزايد التمويل لهذه المجموعة نظراً لدورها المحوري في الاستراتيجية الامنية القومية وتعزيز المتشددين الايرانيين الذين سيعارضون اي محاولة من الرئيس حسن روحاني في ازالة النفوذ السياسي والاقتصادي للحرس الثوري.

الاتحاد ضد الولايات المتحدة الامريكية

لم يكن الرئيس الايراني روحاني المعارض المحلي الوحيد للحرس الثوري، فقوته المتغلغلة في ايران عامل مهم في تقسيم المجتمع الايراني، وبالتالي وجد الرئيس روحاني مساندته الشعبية في منع بعض اشكال التمويل للحرس الثوري. وقد قيل ان اهمية الحرس الثوري الايراني في أمن البلاد لم يحقق المزيد من النتائج. وبما ان الولايات المتحدة زادت من ضغوطها على الحرس الثوري في الاسابيع القليلة الماضية، فإن هناك القليل من الوحدة قد برزت بين المعتدلين، امثال روحاني، والمجاميع العسكرية المحافظة. وقد يؤدي هذا النوع من الاسناد الى زيادة ميزانية الحرس الثوري في الاسابيع القادمة، بإحتمال اضافة 300 مليون دولار الى ميزانية فيلق القدس والبرنامج البالستي الايران وخصوصاً عندما بدأت الولايات المتحدة الامريكية بزيادة التوتر خلال هذا العام.

ولكن يجب ان نرى الامر لاحقا فيما اذا كان حلفاء الحرس الثوري المتشددين سيكونون قادرين على الاستفادة من المناخ السياسي وتعزيز مواقفهم داخل بلادهم. ففي الانتخابات الثلاثة الاخيرة، ظهر المتشددون في وضع ضعيف في محاولتهم التقارب مع الاغلبية الشبابية الايرانية. ولعله ليس من المدهش ان يقوم هذا المعسكر بعمليات مثيرة لم تكن تسمع في السابق بين الاطراف المحافظة، مثل الاجتماع مع الحملات الاعلامية.

وربما ستكون الضغوط الامريكية ضد ايران هي الوقود الذي سيحتاجونه في تعديل صورتهم بين الناخبين. واذا كان الامر كذلك، قد يعود المتشددون الايرانيون لمقاومة محاولة الرئيس حسن روحاني تحطيم نفوذ الحرس الثوري في السياسات الايرانية. واذا لم تكن الولايات المتحدة الامريكية حذرة، فإن محاولاتها لعزل هذا الفرع العسكري للقوى ستؤدي الى نجاح تعزيز وحدة القوى السياسية ضدها.

* قسم الترجمة/مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

................................
رابط المقال الاصلي :
https://worldview.stratfor.com/article/key-countering-iran?utm_campaign=B2C_LL_Push&utm_source=hs_email&utm_medium=email&utm_content=57459787&_hsenc=p2ANqtz-_9AzYC3VggokP60bwghd5_tQWjPHuOhxtjb4daUeIF-ypqdm7SjzYel00aQ6sjNTAjriuQ1VzLbdVMPMr9G24szCtipQ&_hsmi=57459992

اضف تعليق