تهدف قضية جونزاليس ضد جوجل إلى تحميل الشركات العملاقة العاملة في المجال التقني المسؤولية عن خوارزميات التوصية، وهي قضيةٌ معقدة قد تشهد تدخلًا من جانب المحكمة العليا في سياسة الإنترنت المعمول بها منذ ما يزيد على 25 عامً، ولا شك أن جميعنا أهدر ساعاتٍ لا حصر لها من وقته على شبكة الإنترنت بسبب خوارزميات التوصية...
بقلم: ميجان بارتلز
تهدف قضية جونزاليس ضد جوجل إلى تحميل الشركات العملاقة العاملة في المجال التقني المسؤولية عن خوارزميات التوصية، وهي قضيةٌ معقدة قد تشهد تدخلًا من جانب المحكمة العليا في سياسة الإنترنت المعمول بها منذ ما يزيد على 25 عامً.
لا شك أن جميعنا أهدر ساعاتٍ لا حصر لها من وقته على شبكة الإنترنت بسبب خوارزميات التوصية التي تقترح علينا أن نشاهد مقطع فيديو جديدًا عن القطط أو أن نتابع شخصيةً جديدة مؤثرة، لكن منصات التواصل الاجتماعي قد تحتاج خلال فترة لا تتجاوز شهورًا إلى البحث عن طرق بديلة للحفاظ على تفاعُل مستخدميها، وقد تشهد شبكة الإنترنت تغييراتٍ كبيرة.
بدأت المحكمة العليا للولايات المتحدة يوم الثلاثاء الموافق الحادي والعشرين من فبراير في الاستماع إلى مرافعاتٍ في قضيةٍ تحمل اسم «جونزاليس ضد جوجل»، وتهدف هذه القضية إلى بحث مسألة ما إذا كان ممكنًا تحميل الشركات التقنية العملاقة المسؤولية القانونية عن المحتوى الذي تُروِّج له عبر خوارزمياتها، وتستهدف تلك القضية إحدى الركائز الأساسية التي تستند إليها شبكة الإنترنت بوضعها الحالي، وهي المادة (230) التي تحمي منصات شبكة الإنترنت من المسؤولية عن المحتوى الذي يُنتِجه آخرون، والتي كانت في الأساس جزءًا من قانون آداب الاتصالات الأمريكي الصادر عام 1996، وفي حال استطاعت المحكمة العليا إضعاف هذا القانون، فقد تحتاج تلك المنصات إلى مراجعة خوارزميات التوصية التي تهيمن على ما تعرضه من محتوى أو إلغاء تلك الخوارزميات بالكلية، أما إذا قضت المحكمة بإلغاء ذلك القانون بالكامل، فربما توضع الشركات العاملة في المجال التقني في مواجهة دعاوى قضائية تتعلق بالمحتوى الذي يُنتِجه المستخدمون.
وفي هذا الشأن، يقول هاني فريد، اختصاصي علوم الحاسوب في جامعة كاليفورنيا، في بيركلي: "إذا لم تتوافر أي سُبُلٍ لحماية المحتوى الذي يُنتِجه المستخدمون، فلا أرى أنه من المبالغة القول بأن هذا سيضع على الأرجح نقطة النهاية لمنصات التواصل الاجتماعي"، تعتمد المنصات الاجتماعية مثل «تويتر» و«يوتيوب» اعتمادًا كبيرًا على عنصرين أساسيين هما المحتوى الذي يُنتِجه المستخدمون وخوارزميات التوصية التي تُروِّج لهذا المحتوى الذي قد يجذب انتباه مستخدمين آخرين، مُبقيًا إياهم على المنصة لأطول مدةٍ ممكنة، ومن ثمَّ، قد تُمثِّل إحدى هاتين الإستراتيجيتين أو كلتاهما خطورةً أكبر على الشركات التقنية إذا ما أصدرت المحكمة هذا الحكم.
نشأت قضية «جونزاليس ضد جوجل» في خضم الأحداث التي وقعت في نوفمبر 2015، عندما قتل مسلحون ينتمون إلى تنظيم داعش الإرهابي 130 شخصًا في ست هجماتٍ مُنسَّقة في أماكن متفرقة من العاصمة الفرنسية باريس، كانت الطالبة نويمي جونزاليس -البالغة من العمر 23 عامًا- هي المواطنة الأمريكية الوحيدة التي لقيت حتفها في تلك الهجمات، وفي أعقاب تلك الأحداث قررت عائلة جونزاليس ملاحقة شركة «جوجل» المالكة لمنصة «يوتيوب» قضائيًّا، بدعوى أن خوارزمية التوصية على تلك المنصة روَّجت لمقاطع فيديو تابعة لهذا التنظيم الإرهابي.
من جانبها، ترى شركة «جوجل» أن استخدام الخوارزميات لفرز المحتوى هو أحد عناصر النشر الأساسية التي يتمكن المستخدمون عن طريقها من تصفُّح شبكة الإنترنت بحرية، وبالتالي فإن هذا الإجراء محميٌّ بموجب المادة (230) التي تنص على أنه بموجب القانون، لا يمكن اعتبار مقدمي الخدمات الحاسوبية ناشرين لمعلومات يُنتجها شخصٌ آخر، ويعود تاريخ هذه المادة إلى الأيام الأولى من انطلاق شبكة الإنترنت، وكان الهدف منها منع الشركات التقنية من التدخل بشكل مُكثَّف فيما يحدث على الشبكة.
على هذا يُعلق جوتام هانز، أستاذ القانون المشارك في كلية الحقوق بجامعة كورنيل: "سُنَّ هذا القانون بهدف تعزيز حرية التعبير، فعندما تُمنح الشركات حمايةً كبيرةً من المسؤولية، تُتاح أمامها فرصة إنشاء منصات تتيح للأشخاص التحدث دون الخضوع لقدرٍ كبير من المراقبة الاحترازية".
ومن جهة أخرى، يرى ممثلو عائلة جونزاليس أن خوارزميات التوصية لا تكتفي بتقرير المحتوى الذي سيُعرَض فحسب –مثلما هو الحال في الأدوات المحايدة مثل محركات البحث- لكنها تعمل جاهدةً على الترويج له، لكن بعض الخبراء يخالفون ممثلي عائلة جونزاليس الرأي؛ إذ تقول براندي نونيكي، اختصاصية السياسات التقنية ومديرة مختبر السياسات بمركز أبحاث تكنولوجيا المعلومات في مصلحة المجتمع (CITRIS) التابع لجامعة كاليفورنيا في بيركلي: "هذا التمييز يفتقر تمامًا إلى المنطق، شاركت نونيكي في إعداد موجز عن القضية يُفيد بأن كلا النوعين من الخوارزميات يستخدم معلوماتٍ موجودةً مسبقًا لتحديد ماهية المحتوى الذي سيُعرَض، تضيف نونيكي قائلةً: "التفريق بين عرض محتوى والتوصية بمحتوى لا طائل من ورائه".
ومن المتوقع أن تسلُك المحكمة العليا أحد مساراتٍ ثلاثة للبت في قضية «جونزاليس ضد جوجل»، فإذا انحازت المحكمة إلى شركة «جوجل» وأعلنت أن المادة (230) لا غُبار عليها بصيغتها الحالية، فسيبقى الحال على ما هو عليه، أما إذا جاء الحكم صارمًا وقررت المحكمة إلغاء المادة (230) بالكامل، فإن الشركات التقنية العملاقة ستصبح في مرمى ملاحقاتٍ قضائية لا تقتصر على المحتوى الذي توصي به خوارزمياتهم، بل ستشمل أيضًا أي شيء ينشره المستخدمون على مواقعها.
أما المسار الثالث الذي يمكن للمحكمة أن تسلكه فهو مسارٌ وسط؛ إذ قد تُجري تعديلاتٍ على تلك المادة بطريقة محددة تفرض على الشركات التقنية مسؤوليةً إضافية في ظروف معينة، ربما يكون هذا السيناريو مشابهًا إلى حدٍّ ما للتعديل المثير للجدل الذي أُجري على المادة (230) في عام 2018، والذي جعل المنصات مسؤولةً عن محتوى يتعلق بالاتجار بالجنس ينشره طرفٌ ثالث، ويرى هاني فريد أنه بسبب قيود قضية «جونزاليس ضد جوجل»، فإن تعديل المادة (230) ربما يتضمن تغييراتٍ مثل استبعاد المحتوى المرتبط بالإرهاب، أو مطالبة الشركات بالحد من الخوارزميات التي تدفع بمحتوى أكثر تطرفًا، والتي تعطي الأولوية للمكاسب الإعلانية على حساب مصالح المستخدمين أو المجتمع.
ولا يتوقع هانز أن يصدر قرار المحكمة العليا قبل أواخر يونيو، لكنه يُشير محذرًا إلى أنه في حالة إلغاء المادة (230)، سيعم شبكة الإنترنت تغييراتٌ كبيرة متتالية ومتسارعة، ولن يكون التأثير مقتصرًا على «جوجل» و«يوتيوب» بل سيتجاوزهما، وربما تتحد المنصات التقنية التي تهيمن عليها حفنةٌ من الشركات القوية أكثر من ذلك، أما الشركات الأخرى المُتبقية فقد تتخذ إجراءاتٍ صارمة ضد ما ينشره مستخدموها، ومن ثم ستؤثر هذه القضية على حرية تعبير الأفراد، يقول هانز: "ذاك هو التأثير النهائي الذي يدعونا جميعًا إلى القلق بشأنه".
ويرى الخبراء أنه حتى وإن أيدت المحكمة شركة «جوجل»، فإن الزخم يتزايد باتجاه ضرورة أن تكبح الحكومة جماح الشركات العملاقة العاملة في المجال التقني، سواء من خلال تعديل المادة (230) أو اتخاذ تدابير أخرى، ومن جانبه يأمل هانز أن يتولى الكونجرس زمام المبادرة، وإن كان يُشير في الوقت ذاته إلى أن المشرِّعين لم ينجحوا بعدُ في تمرير أي تشريعٍ جديد لتحقيق هذه الغاية، ومن جانبها تُشير نونيكي إلى أنه يمكن اعتماد نهجٍ بديل يرتكز على منح المستخدمين مزيدًا من التحكم في خوارزميات التوصية، أو طريقة يمكنهم من خلالها عدم تزويد تلك الخوارزميات ببياناتهم الشخصية.
لكن لا يبدو أن المحكمة العليا ستصير بمنأى عن هذه المسألة هي الأخرى؛ فقد رُفعت هذا الأسبوع قضيةٌ ثانية تتعلق بمسؤولية المنصات التقنية عن المحتوى الداعم للإرهاب، وهي قضية «تويتر ضد طعامنه»، ويتوقع الخبراء في وقتٍ قريب -وتحديدًا الخريف القادم- أن تنظر المحكمة العليا في قضايا تضارب قوانين الولاية المتعلقة بإشراف منصات وسائل التواصل الاجتماعي على المحتوى.
يقول هانز: "بصرف النظر عن الحكم الذي سيصدر في هذه القضية، سيظل التنظيم الرقابي للشركات العاملة في المجال التقني مشكلةً قائمة أمام المحكمة، وسيتعين علينا التعامل مع المحكمة العليا ومسألة تنظيم المجال التقني بُرهةً من الوقت".
اضف تعليق