إن معظم الناس اليوم في العالم إمّا لا يعرفون الإمام الحجة عجل الله فرجه أو يعرفونه ولكن معرفة غير صحيحة، بأن سمعوا عنه من خلال أعدائه الذين شوهوا صورته أمام العالم، حيث صوروه على أنه سفاك للدماء، يجلب للبشرية الويلات، بينما هو رحمة الله الواسعة وباب نجاة الأمة...
يستطيع المتخصص والعادي من البشر أن يكتشف صفات أو سمات يتسم بها عالمنا، يقف في المقدمة غياب العدل، وتضاؤل قيمة الإنصاف، وتصاعد العنف، واستفحال ظاهرة الاستحواذ والجشع، وحصر الثروات العالمية بقلة قليلة من الأفراد والشركات، وأدت هذه السمات أو الظواهر التي وسمت عالما إلى محصلة الجوع التي يعاني منها الملايين في العالم، مع انتشار العنف والحروب بمختلف أنواعها ما يعني أننا اليوم نعيش في عالم محتقن يعاني من عدم التوازن في ظل تغليب قانون الغلبة للأقوى الذي لا يختلف كثيرا عن قانون الغاب.
هذا التوصيف ليس وليد اللحظة ولا وليد الظروف التي يمر بها العالم اليوم، بل اكتشفه علماء أجلاء ومفكرون مبدعون منذ عشرات بل مئات السنين، حيث القيم الروحية والأخلاقية في تراجع مخيف في ظل تصاعد النزعات الأنانية والمادية التي سحقت مئات الملايين من البشر بغياب العدل وتنمّر عقول وشخوص وأدوات البطش، ليصبح العالم كله ساحة اضطراب وعنف وصراعات بين طرفين يمكن فرزهما بيسر، وهذا الصراع والاضطراب حصيلة لضمور القيم وانطفاء العدالة الاجتماعية والاقتصادية على المستوى العالمي.
هذا المشهد العالمي الواقعي للأسف، لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، وهذا ما يدعو إلى تعديل جذري وجوهري عجز عنه السابقون من مفكرين وفلاسفة وبعض الساسة والمهتمين، فصارت الأمم بأفرادها تبحث عمّن يخلصها وينقذها من بطش السلاطين الطغاة والحكومات والدول المتنمرة، وقد تنبّأ كثير من العظماء ومنهم الأنبياء عما سيؤول إليه حال البشرية، وذهبوا إلى أن ظهور المنقذ أمر حتمي لا مجال للشك فيه أو تكذيبه.
فقد ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أنه قال: (لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد ـ وفي حديث آخر إلاّ ساعة واحدة ـ لطوّل الله ذلك اليوم أو تلك الساعة حتى يخرج رجل من ذريتي اسمه كاسمي، وكنيته ككنيتي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً).
وهناك علماء أفاضل خلَّدتهم أفكارهم ومؤلَّفاتهم، رصدوا ما يتعرّض له عالمنا من حالة انحدار مخيفة، واستندوا في ذلك إلى أدلة لا مجال إلى دحضها كلها تؤكد ما يتعرض له غالبية البشر من ظلم واضطهاد وإفقار متعمَّد من قبل طغاة ظالمين، ما دفع بالناس إلى انتظار المخلَّص كي ينتشلهم من براثن هؤلاء الوحوش.
يقول الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي، (رحمه الله)، في كتابه القيم الموسوم بـ (الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه):
(يعيش الناس اليوم في مآسي كبيرة، وقد آل أمرهم إلى الاضطهاد وغلبة الطغاة والظلمة، وذلك في مختلف أنحاء العالم ولمختلف الشعوب، والكل ينتظر يوم الخلاص، وظهور المخلّص).
إن ظهور المخلّص يستدعي اشتراطات غاية في الأهمية، في المقدمة منها أن يعرف المحتاجون للخلاص من هو هذا المخلّص، وما هي الشروط التي تعجّل بظهوره، ومن أهم ما تبتغيه هذه المعرفة هو مبادئ المخلص وصفاته وسيرته، فالإمام المهدي عجل الله فرجه هو مخلص الأمة والعالم أجمع من الظلم وشروعه ببسط العدل، لكن هنالك الكثير على مستوى العالم لم يعرفوا بعد سيرة ومبادئ وخصال ومزايا مخلّصهم لأسباب كثيرة في المقدمة منها عدم تقديم من يؤمن به المعلومات والمعارف الكافية عن الإمام الحجة عجل الله فرجه.
الأمن والعدالة ستملأ الأرض
وهذا تقصير واضح يقع على المؤمنين، خصوصا أننا نعيش اليوم عصر الإعلام الشامل الذي يغطي العالم كله، لذلك لابد من التنبّه إلى هذه النقطة أو الاشتراط الأهم، لاسيما أن هناك جهات وأفراد وجماعات تسعى لإلحاق الإساءة بجوهر المبادئ المهدوية وتهدف إلى تشويه كل ما يتعلق بها.
يقول الإمام الشيرازي:
إن (معظم الناس اليوم في العالم إمّا لا يعرفون الإمام الحجة عجل الله فرجه أو يعرفونه ولكن معرفة غير صحيحة، بأن سمعوا عنه من خلال أعدائه الذين شوهوا صورته أمام العالم، حيث صوروه على أنه سفاك للدماء، يجلب للبشرية الويلات، بينما هو رحمة الله الواسعة وباب نجاة الأمة).
ومما يدفع الآخرين المعادين لنشر العدالة في العالم إلى التشكيك بسيرة ومبادئ وأهداف الإمام المهدي عجل الله فرجه، هي الخسائر الفادحة التي ستلحق بامتيازاتهم وإثرائهم على حساب المتبقي من البشرية في ظل عالم محتقن ومحتكِر وغير متوازن ولا عادل، ومن المحصلات البديهية لاندثار العدل غياب الأمن في ظل الصراعات التي تدور بين الأطراف الظالمة والمظلومة تحقيقا للعدالة على المستوى العالمي، حيث تقضى شعوب بأكملها عشرات السنين أو أكثر وهي تكافح من أجل العدالة واستتباب الأمن المفقود بسبب الاستخدام الظالم للقوة الغاشمة بكل أشكالها الحربية والاقتصادية والإعلامية وحتى الثقافية.
لذلك تتطلع الأمم والشعوب التي تعاني من القوى الغاشمة، لإحقاق الحق ونشر العدالة في عالمنا الذي يفتقر لهذه الحقوق والقيم بسبب الحكام والحكومات والدول التي تسعى للسيطرة على العالم، من خلال حملات الحروب بأشكالها الحادة والناعمة، وهذا الهدف الذي يجعل سكان الأرض سواسية في الحقوق والواجبات، لا يحققه إلا الإمام المهدي عجل الله فرجه في ظهوره الذي سيعيد الأمور إلى نصابها بعد أن انحرف المارقون الظالمون بالعالم عن جادة الصواب.
يقول الإمام الشيرازي في المصدر نفسه:
إنّ (العدالة بكل معانيها الشمولية ستملأ الأرض في جميع أنحائها، كذلك بالنسبة إلى الأمن والأمان، فبينما اليوم تفتقد معظم الشعوب الأمن والأمان وتقضي عمرها في الاضطراب والخوف من الحروب والجور، فهي تتطلع إلى الأمن الحقيقي، الذي يحققه الإمام المهدي عجل الله فرجه للبشرية جمعاء).
نشر الألفة والمودّة بين الناس
هناك صورتان للعالم، إحداهما مأخوذة من الواقع العالمي الذي نعيشه اليوم ونراه ونلمسه بحواسنا، وصورة أخرى لا تزال طيّ المستقبل، وما بين الصورتين الأولى (الواقعية) والثانية (المتخيَّلة أو المتوقَّعة)، فارق شاسع أو حاد يصل إلى حد الفرق بين الأسود والأبيض، فالواقع العالمي اليوم غير عادل ولا منصف ومدجج بالظلم والحروب والاحتقان وغائص بسياسة الكيل بمكيال القوي، لذلك تغيب فيه العدالة والإنسانية، أما العالم القادم بعد ظهور الإمام الحجة المنتظر عجل الله فرجه، فهو عالم مختلف تماما عما يمر به عالمنا اليوم، عالم لا فقر فيه ولا حرمان لأنه يقوم على ركيزتيّ العدل والإنصاف، وهاتان الركيزتان ينشأ عنهما نظام متوازن لا تُغبن فيه قدرة ولا يُهدَر فيه حق من حقوق الإنسان بغض النظر عن قوته وضعفه.
إن العالم القادم، عالم الإمام المهدي عجل الله فرجه، عالم مختلف، مميز، لا يحتاج فيه الإنسان للصراع أو التحايل أو الخداع، وهنا تنتفي ظاهرة الظلم، وينتهي منطق القوة لأن قوة الجميع تكمن في العدالة الحاسمة، فهي التي تنظم حياة الناس وتدير شؤونهم وتجعلهم في أوج نشاطهم وتدفقهم الفكري والعملي مما يضاعف عطاءهم إلى أقصى الحدود، فيُستكمَل بذلك شرط تحقيق الذات الذي يجعل الإنسان في قمة توازنه وتصالحه مع نفسه، فما بالنا بمجتمع إنساني كلّه متصالح مع نفسه لأنه مجتمع الإمام المهدي عجل الله فرجه.
يقول الإمام الشيرازي:
(إن البشرية اليوم تعيش أقسى درجات الفقر، وتعاني مضض الجوع والحرمان إلى غيرها من المشاكل التي تطل على العالم، ولكن في عهد الإمام المهدي عجل الله فرجه، لا فقر ولا حرمان، بل العالم مليء بالانتعاش والغنى بحيث لا يبقى فقير ولا محتاج إلاّ واستغنى حتى تصبح الثروات لا قيمة لها!).
المحصلة في النتيجة سوف تسود المحبة وتزدهر الألفة وتتوهّج المودّة بين جميع الناس، وتنتفي تماما مؤشرات وعلامات ومسببات التخاصم بينهم، لأن الأسباب سوف تنطفئ بفعل العدالة والإنصاف وهما معياران تقوم عليهما أنشطة الإنسان المختلفة لينتج عنهما نتائج منصفة وعادلة تُسهم في صناعة مجتمع عالمي سعيد هادئ مسالم محب ومنتج حيوي متميز بالمحبة وحب العدل والاندفاع العالي نحو الإبداع والابتكار والتميّز.
الإمام الشيرازي يقول في ذلك:
(في عهد إمام الزمان عجل الله فرجه تنتشر المحبة والألفة والمودة بين الناس بعد أن يكونوا متخاصمين كل منهم يسعى جاهداً من أجل أذية أخيه أو نظيره في البشرية. ولا يخفى أنّ إيجاد الألفة بين القلوب يحتاج إلى عناية خاصة).
هذا هو عالم الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف الذي نحلم به جميعا، على أننا يجب أن نعرف ونؤمن بأن الأحلام العظيمة لا يمكن أن تتحقق إلا بتضحيات والتزامات عظيمة أيضا، فمن يريد أن يتحقق هذا العالم عليه أن يؤاخي بين الانتظار والعمل المبدع المتميز، لأن الوصول إلى عالم الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف لا يُنجَز بالانتظار وحده.
اضف تعليق