هرمون الإستروجين له علاقة بذلك كما تلعب العوامل الوراثية دورًا، وكذلك الاختلالات الكيميائية العصبية التي تشمل السيروتونين والدوبامين والجلوتامات. الصداع النصفي يمكن أن يكون تصاعديًا، حيث يضرب بشكل متزايد، خاصة عندما لا يتعلم الناس كيفية إدارته أو لديهم عادات نمط حياة سيئة، مثل عدم انتظام النوم أو ارتفاع مستويات التوتر...
يعاني ما يقرب من 40 مليون شخص في الولايات المتحدة من الصداع النصفي، مما يجعل هذا الاضطراب المؤلم واحدًا من أكثر الأمراض شيوعًا التي يعالجها أطباء الأعصاب. كما أنه من أكثرها إرباكًا. وبسبب الطرق العديدة التي يمكن أن يظهر بها، قد يستغرق الأمر أكثر من عقد لتلقي تشخيص دقيق.
يقول الدكتور حميد س. حمدي، طبيب الأعصاب الذي يرأس عيادة الصداع في مركز يو تي هيلث هيوستن للعلوم العصبية: "المفهوم العام عن الصداع النصفي لدى عامة الناس هو أنه متلازمة صداع". وبالتأكيد، يعاني العديد من المصابين بالصداع النصفي –وإن لم يكن جميعهم– من صداع نابض. ولكن بعيدًا عن ذلك، "لا يعرف الناس جميع الأعراض الأخرى التي يمكن أن يسببها الصداع النصفي، ولذا يتفاجئون جدًا في البداية". ويضيف: "حتى نحن كأطباء أعصاب، لا نعزو دائمًا جميع الأعراض إلى الصداع النصفي إلا بعد استبعاد أمور مثل السكتة الدماغية".
لقد سألنا الدكتور حمدي وعددًا من أطباء الأعصاب الآخرين عن أعراض الصداع النصفي الأكثر شيوعًا التي يرونها والتي لا تتضمن الصداع.
1. الرغبة الشديدة في تناول الطعام
قبل يومين إلى ثلاثة أيام من الشعور بالصداع، يدخل الأشخاص عادة في مرحلة البادرة (Prodrome) المبكرة من الصداع النصفي. وتشمل الأعراض التهيج وتغيرات أخرى في المزاج، والتعب وصعوبة النوم، وصعوبة في التركيز، وآلام في الرقبة، وفرط النشاط. والأكثر إثارة للدهشة هو أن الكثيرين يبلغون عن رغبة شديدة في تناول الطعام – خاصة الأطعمة المالحة والحلويات والشوكولاتة.
لقد تطورت طريقة تفكير العلماء في هذا النوع من الرغبة. فبينما كان البعض يعتقد أن أطعمة مثل الشوكولاتة تسبب الصداع النصفي، تشير الأبحاث إلى أن الأمر ليس كذلك، ولا يوجد سبب ليتجنبها الناس. يقول الدكتور حمدي: "بشكل عام، كان يُعتقد أن الشوكولاتة يمكن أن تسبب الصداع النصفي. ولكن ما نعتقده الآن هو أنها ليست الشوكولاتة التي تسببت فيه؛ بل إن الناس كانوا يشعرون برغبة شديدة في تناول الشوكولاتة كجزء من بادرة الصداع النصفي". وقد وجد الباحثون أن الرغبة الملحة في تناول شيء حلو قد تكون ناجمة عن ارتفاع أو انخفاض مفاجئ في الجلوكوز وتغيرات أيضية (تمثيل غذائي) أخرى في الجسم.
2. تغيرات في الرؤية
يعاني حوالي 20% من الأشخاص المصابين بالصداع النصفي من هالة بصرية (Visual Aura)، أو تغيرات مؤقتة في الرؤية. يمكن أن تظهر هذه التغيرات على شكل بقع متلألئة، أو خطوط متعرجة، أو نقاط عمياء، أو رؤية نفقية، أو حتى عمى مؤقت. من المحتمل أن تكون الهالة البصرية ناتجة عن موجة من النشاط الكهربائي والكيميائي تنتشر عبر الدماغ.
يقول الدكتور توماس برافو، طبيب الأعصاب ومدير مركز الصداع في جامعة لوما ليندا هيلث في كاليفورنيا: "لقد وصفها الناس بطرق مختلفة. يمكن أن تكون مزعجة للمريض إذا كانت المرة الأولى"، ولكن بمجرد أن يعلموا أنها مرتبطة بالصداع النصفي وأنها ستزول في غضون 20 دقيقة إلى ساعة، فإنها لا تكون مخيفة إلى هذا الحد. ويضيف أن بعض الأشخاص يعانون من تغيرات في الرؤية مع كل صداع، بينما يبلغ آخرون أن هذه الأعراض تصاحب جزءًا فقط من نوبات الصداع لديهم.
3. صعوبات في النطق
قد تتذكر مقطع مراسلة التلفزيون الذي انتشر قبل أكثر من عقد من الزمان، عندما أصبحت فجأة غير واضحة في كلامها – مما جعل الكثيرين يشاهدونها في المنزل قلقين من أنها مصابة بسكتة دماغية. تبين أنها كانت تعاني من الحبسة (Aphasia)، أو ضعف مؤقت في اللغة، ناجم عن الصداع النصفي.
قد يجد الشخص المصاب بالحبسة صعوبة في تكوين جمل كاملة، وبدلاً من ذلك يكرر كلمات مختلطة، أو يبدأ في التلعثم. يقول الدكتور برافو: "نرى هذا طوال الوقت في قسم الطوارئ، ونقوم بإجراء تقييم، للتأكد من أنه ليس شيئًا مثل السكتة الدماغية". ويقوم الأطباء عمومًا بإجراء اختبارات تصوير مثل الأشعة المقطعية أو التصوير بالرنين المغناطيسي قبل الاستنتاج –غالبًا عن طريق عملية الاستبعاد– بأن المريض يعاني من صداع نصفي.
4. الحساسية الحسية
غالبًا ما يصاحب الصداع النصفي حساسية متزايدة للضوء والصوت والروائح. قد تبدو الروائح التي تتعرض لها كل يوم أقوى وأكثر نفاذة من المعتاد، على سبيل المثال، وقد تحتاج إلى ارتداء نظارات شمسية في الخارج لأن وهج الشمس الساطع يهيج عينيك. يقول الدكتور برافو: "يمكن أن تتراوح شدة الحساسية للضوء والصوت ما بين الانزعاج إلى الألم الفعلي، اعتمادًا على الشخص".
قد تجد أيضًا أنك لا تستطيع تحمل حتى ألطف لمسة. يعاني بعض الأشخاص من الألم المفرط باللمس (Tactile Allodynia)، والذي يحدث عندما يصبح الجهاز العصبي المركزي شديد الحساسية للأشياء التي تلامس الجلد. يقول الدكتور بريان جيرهاردشتاين، طبيب الأعصاب ومدير طب الصداع في معهد جيه إف كيه للعلوم العصبية: "لديك إحساس متزايد بالألم تجاه محفزات لا تسبب الألم عادةً، مثل لمسة خفيفة على جلدك". ويشمل ذلك أيضًا اللمس الخفيف على فروة رأسك عند تمشيط شعرك، أو الإحساس بفرك بطانية على جسمك، أو الشعور بنسيم يلامس جلدك.
5. تغيرات حركية
يرتبط الصداع النصفي الشقي (Hemiplegic Migraines) –وهو نادر ولكنه خطير– بتغيرات حركية، مثل الضعف أحادي الجانب في الجسم أو الشلل. يقول جيرهاردشتاين إن هذا النوع من الصداع النصفي له مكون وراثي قوي وغالبًا ما ينتقل من أحد الوالدين. يقول: "بشكل أساسي، يصبح وجهك وذراعك وساقك ضعيفًا أثناء نوبة الصداع النصفي، ثم يزول بعد ذلك". ويضيف جيرهاردشتاين: "يمكن أن يبدو تمامًا مثل السكتة الدماغية، لذلك ينتهي المطاف بالعديد من هؤلاء المرضى في غرفة الطوارئ". وطلب الرعاية العاجلة فكرة جيدة، لأنه من المهم للأطباء استبعاد الحالات التي قد تهدد الحياة.
6. آلام في البطن
يمكن أن يسبب "الصداع النصفي البطني" آلامًا فظيعة في المعدة، وغثيانًا، وقيئًا، وفقدانًا للشهية. يقول جيرهاردشتاين: "يتقيأ الناس مرارًا وتكرارًا، ولا يعانون بالضرورة من الصداع". وفي حين أن هناك نظريات مختلفة لسبب حدوث ذلك، تشير الأبحاث إلى أنه من المحتمل أن يكون مرتبطًا بالتغيرات في محور القناة الهضمية والدماغ (Gut-Brain Axis).
تعتبر هذه الأعراض المعدية المعوية شائعة بين الأطفال وقد يكون من الصعب تشخيصها، خاصة إذا كان المرضى الصغار لا يعانون من الصداع أو غير قادرين على التعبير عن ذلك. يقول جيرهاردشتاين: "أرى أطباء الأطفال في كثير من الأحيان يحاولون بجهد كبير معرفة ما الذي يحدث بالضبط. وعندما يستبعدون جميع الأسباب العضوية الأخرى، يتوصلون إلى الصداع النصفي باعتباره التشخيص النهائي".
كيفية علاج الصداع النصفي
هناك عدد من النظريات حول سبب إصابة بعض الأشخاص بالصداع النصفي دون غيرهم. يقول الدكتور حمدي إن النساء أكثر عرضة بثلاث إلى أربع مرات للإصابة به مقارنة بالرجال، "مما يجعلنا نعتقد أن هرمون الإستروجين له علاقة بذلك". كما تلعب العوامل الوراثية دورًا، وكذلك الاختلالات الكيميائية العصبية التي تشمل السيروتونين والدوبامين والجلوتامات. يضيف حمدي أن الصداع النصفي يمكن أن يكون تصاعديًا، حيث يضرب بشكل متزايد، خاصة عندما لا يتعلم الناس كيفية إدارته أو لديهم عادات نمط حياة سيئة، مثل عدم انتظام النوم أو ارتفاع مستويات التوتر.
لحسن الحظ، يقول الخبراء، أن هناك خيارات أكثر من أي وقت مضى لعلاج الصداع النصفي، بما في ذلك العلاجات الموجهة وأجهزة تحفيز الأعصاب. قد يعتمد الأشخاص الذين لا يتعرضون لهذه النوبات إلا في بعض الأحيان على أدوية الإنقاذ التي يتناولونها عند بدء الأعراض، بينما يتناول أولئك الذين يعانون من الصداع النصفي المنتظم علاجًا وقائيًا يوميًا. يقول الدكتور برافو: "عادة ما نقول، حسنًا، إذا كانت النوبات أكثر من يوم في الأسبوع، فقد نفكر في الوقاية. الأمر يرجع إلى مدى إعاقة النوبة، وتأثيرها على حياة الشخص".



اضف تعليق