بعد مرور عامين منذ بداية جائحة كوفيد-19، ومع ارتفاع معدلات الإصابة إلى مستويات قياسية بفعل مُتحوِّر أوميكرون شديد العدوى، أصبح لدى الأطباء الأمريكيين ترسانةٌ متناميةٌ من العلاجات التي تَحُد من تدهور الاعتلال الطفيف، وفي الوقت ذاته، فإن محدودية توافُر تلك العلاجات إضافةً إلى الصعوبات اللوجستية تؤدي إلى تعقيد القرارات...
بقلم إستر لاندهيوس

بعد مرور عامين منذ بداية جائحة «كوفيد-19»، ومع ارتفاع معدلات الإصابة إلى مستويات قياسية بفعل مُتحوِّر «أوميكرون» Omicron شديد العدوى، أصبح لدى الأطباء الأمريكيين ترسانةٌ متناميةٌ من العلاجات التي تَحُد من تدهور الاعتلال الطفيف، وفي الوقت ذاته، فإن محدودية توافُر تلك العلاجات إضافةً إلى الصعوبات اللوجستية تؤدي إلى تعقيد القرارات التي تتعلق بتحديد فئات المرضى الذين سيتلقون تلك العلاجات، فيما يلي ملخصٌ للعلاجات المتوافرة للمرضى الذين يتلقون الرعاية بالمستشفيات، وكذلك للمرضى الذين يتعافون بالمنازل.

الأجسام المضادة أحادية النسيلة: بالنسبة للمرضى الذين شُخِّصت حالاتهم مؤخرًا وتبيَّن أنهم أكثر تعرضًا لخطر الاعتلال الشديد نتيجة الإصابة بمرض «كوفيد-19»، كان العلاج الموصى به، على وجه العموم، هو الأجسام المضادة أحادية النسيلة، وهي عبارة عن بروتينات مُخلَّقة مختبريًّا تلتحم بفيروس «سارس-كوف-2» SARS-CoV-2 المُسبِّب لمرض «كوفيد-19»، وتمنعه من الالتصاق بالخلايا ونقل العدوى إليها، وإذا أُعطي هذا العلاج في غضون 10 أيام من التشخيص، سواء عن طريق الوريد أو عبر مجموعة من الحقن التي تُعطى تحت الجلد، فقد يُقلل ذلك من معدلات احتجاز المرضى بالمستشفيات والوفاة بنسبة تزيد على 80%.

تُنتج عدة شركات العلاجات القائمة على الأجسام المضادة، وفي أواخر عام 2020، بدأت هذه العلاجات في الحصول على تصريح الاستخدام في حالات الطوارئ من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، غير أن معظم حالات الإصابة بمرض «كوفيد-19» في الولايات المتحدة حاليًّا سببُها مُتحوِّر «أوميكرون» سريع الانتشار، وهو مُتحوِّرٌ جديد لفيروس كورونا يحمل طفرات في الجزء الذي تستهدفه الأجسام المضادة أحادية النسيلة من فيروس «سارس-كوف-2»، ومن ثم "لم يعد يوجد سوى [جسمٍ مضادٍّ] واحدٍ له تأثيرٌ فعلي"، على حد قول ميشيل بارون، أستاذة الطب في كلية طب جامعة كولورادو، والمديرة الطبية الأولى المختصة بالوقاية من العدوى ومكافحتها لدى منظومة «يوسي هيلث» UCHealth الصحية غير الربحية.

هذا العلاج الوحيد –وهو جسم مضاد أحادي النسيلة يُدعى «سوتروفيماب» sotrovimab من إنتاج شركة «جلاكسو سميث كلاين» GlaxoSmithKline وشركة «فير بيوتكنولوجي» Vir Biotechnology– لا يُعطى إلا عن طريق الوريد، تقول بارون: "من منظورٍ لوجستي، هذا يختلف بعض الشيء عن إعطائك حقنًا في ساقك أو ذراعك، إذ يتعين على المريض المكوث مدةً لا تقل عن ساعة كي يتلقى العلاج بالتسريب الوريدي، ويجب أن يكون قادرًا على الذهاب إلى موقع تلقِّي العلاج"، أما مقدم الخدمة العلاجية "فيتعين عليه أن يُحدِّد الموقع المناسب لإعطاء هذا العلاج، إذ هو لا يريد -بطبيعة الحال- أن يُضطر هؤلاء الأفراد المصابون بمرض «كوفيد-19» إلى الوجود في غرفة انتظار مزدحمة بالمرضى".

الأقراص المضادة للفيروسات: منحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية الشهر الماضي تصريحًا بالاستخدام في حالات الطوارئ لعلاجين مضادين للفيروسات على هيئة أقراص يمكن للمرضى تناوُلهما في المنزل، وهما: «باكسلوفيد» Paxlovid من إنتاج شركة «فايزر» Pfizer، و«مولنوبيرافير» molnupiravir من إنتاج شركتي «ميرك» Merck و«ريدجباك بيوثيرابيوتكس» Ridgeback Biotherapeutics، وفي دراساتٍ أُجريت على البالغين المُعرضين لخطر الإصابة والذين تلقوا هذين العلاجين في غضون الأيام الخمسة الأولى من ظهور أعراض «كوفيد-19»، أدى عقار «باكسلوفيد» إلى التقليل من الحاجة إلى إيداع المريض بالمستشفى أو من معدل الوفاة بنسبة 89%، في حين أسهَمَ عقار «مولنوبيرافير» في الحد من المضاعفات بنسبة 30%، مقارنةً بأقراص العلاج الوهمي.

لكن ثمة مشكلة تتعلق بعقار «باكسلوفيد»، وهي أنه يتكون من دواء مضاد للفيروسات يُدعى «نيرماتريلفير» nirmatrelvir ويُعطي مع «ريتونافير» ritonavir، وهو "دواءٌ قديم يُعطى لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية المُكتسب HIV، ويتفاعل -كما هو معلومٌ عنه- مع عددٍ كبير من الأدوية الأخرى"، على حد وصف بارون، التي تضيف قائلةً: "كثيرٌ من المرضى الأكثر تعرُّضًا للخطر سوف يتلقون على الأرجح دواءً يتفاعل مع أدوية أخرى"، لذا، يتعين على الصيدلي مراجعة جميع الأدوية الأخرى التي يتناولها المريض قبل وصف هذا العلاج له.

الحصول على العلاج: يظل التحدي الأكبر الذي يواجه أغلب تلك العلاجات الخاصة بالمرضى غير المحتجزين بالمستشفيات هو نقص الإمدادات؛ ففي الخريف الماضي، كان الجسم المضاد أحادي النسيلة «سوتروفيماب» متاحًا بشكلٍ مباشر من خلال إحدى شركات البيع بالجملة، ما سهّل على الأطباء والمرافق الطبية الحصول عليه، غير أنه مع الارتفاع الشديد في معدل استخدام هذا الجسم المضاد أحادي النسيلة نتيجةً لزيادة معدلات الإصابة بمرض «كوفيد-19» بسبب مُتحوِّر «أوميكرون»، بدأت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية تُشرف على توزيع العلاج على الولايات والأقاليم، وهكذا أضحت كل ولاية تتلقى حصةً محدودةً من الدواء وفق معدلات الإصابة بمرض «كوفيد-19» ونسبة إيداع المرضى بالمستشفيات، وتوصي التوجيهات الفيدرالية حاليًّا الولايات الأمريكية بأن يُعطى المرضى المُثبَّطون مناعيًّا أو المسنون الأشد تعرضًا لخطر تفاقم المرض الأولوية في تلقِّي الأجسام المضادة، ونظرًا إلى أن «سوتروفيماب» هو الجسم المضاد أحادي النسيلة الوحيد الذي أثبت فاعليةً في مواجهة مُتحوِّر «أوميكرون»، يتزايد الطلبُ عليه بشكلٍ خاص.

إضافةً إلى ذلك، لا تتوافر سوى كمياتٍ شحيحة من الأقراص المضادة للفيروسات، وبالمثل تُعطى الأولوية في تلقِّيها للمرضى الأكثر تعرضًا للخطر غير المُودَعين بالمستشفيات، يقول ديفيد بولوير، العالِم والطبيب المتخصص في الأمراض المُعدية بكلية طب جامعة مينيسوتا: "بالأمس أعطت منظومتنا الصحية جرعةً من عقار «باكسلوفيد» للمرة الأولى، لشخصٍ واحد"، جاء ذلك في حوارٍ أجرته معه مجلة «ساينتفك أمريكان» Scientific American في السابع من يناير الماضي.

وتصرح مونيكا جاندي -الطبيبة المتخصصة في الأمراض المعدية وفيروس نقص المناعة البشرية المُكتسب في جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو- بأنه في العاشر من يناير الماضي، كان مركز علاج الصدمات ومستشفى زوكربيرج سان فرانسيسكو العام –الذي يخدم 100 ألف مريض سنويًّا ويقدم 20% من خدمات رعاية المرضى المُودَعين في مستشفيات المدينة– قد تسلَّم 20 جرعةً من عقار «باكسلوفيد».

أما مدينة نيويورك، التي يزيد تعدادها السكاني على 8 ملايين نسمة، وتجاوزت معدلات الإصابة فيها 30 ألف إصابة يوميًّا في بداية شهر يناير، فكانت قد تسلَّمت 1600 جرعة من عقار «باكسلوفيد» في أول أسبوع كامل في يناير، وفق تصريح سيلين جوندر، الطبيبة وخبيرة الأمراض المعدية بكلية طب جروسمان بجامعة نيويورك، وتضيف أن وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية تُوزِّع الأقراص في الولاية لكل نسمة وليس استنادًا إلى معدلات العدوى.

إلا أنه في مقابل كل مريضٍ يتمكن من الحصول على الأقراص المضادة للفيروسات، يعجز كثيرٌ من المرضى الآخرين المُثبَّطين مناعيًّا والأكثر تعرضًا للخطر عن الحصول على تلك الأقراص، كما يُشير بولوير، الذي يستطرد قائلًا: "قيل لي: "بعض المرضى لا يتسنى لهم الحصول على أيٍّ من تلك العلاجات، فبِمَ توصي؟"، لقد طُلب رأيي في هذا الشأن"، أضف إلى ذلك أن عقاري «باكسلوفيد» و«سوتروفيماب» لم يُصرَّح بإعطائهما للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 12 عامًا، ناهيك بأن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تَقصُر استخدام عقار «مولنوبيرافير» على البالغين من سن 18 عامًا فأكثر.

في هذه الحالات، يقترح بولوير التفكير في استخدام «فلوفوكسامين» fluvoxamineأو عقار «باديسونايد» budesonide، وهما عقاران يُستخدمان لعلاج حالات مرضية أخرى لكنهما متاحان على نطاقٍ واسع ومنخفضا التكلفة، فضلًا عن توافر بيانات منشورة تفيد بفاعليتهما مع مرضى «كوفيد-19» غير المُودَعين بالمستشفيات.

العقاقير المعاد توظيفها لأغراض أخرى: يمكن أن يعمل عقار «فلوفوكسامين» على التخفيف من الاستجابات الالتهابية التي تزداد عادةً مع الإصابة الشديدة بمرض «كوفيد-19»، وهو في الأساس أقراصٌ مضادة للاكتئاب مُصرَّح باستخدامها في الولايات المتحدة لعلاج اضطراب الوسواس القهري؛ ففي تجربةٍ مُعشاة أُجريت في البرازيل وشملت 1497 مصابًا بمرض «كوفيد-19» غير مُحتجزين بالمستشفيات وأكثر تعرضًا للخطر، تراجع معدل الوفيات بنحو 90% بين المرضى الذين أكملوا برنامج علاج بعقار «فلوفوكسامين» استمر 10 أيام، وقلَّت كذلك حاجتهم إلى تلقِّي الرعاية الطارئة بنسبة 65%، مقارنةً بالمرضى الذين أُعطوا أقراص الدواء الوهمي عشوائيًّا.

أما عقار «باديسونايد» -وهو مركب ستيرويدي يُعطى عن طريق الاستنشاق ويُستخدم للوقاية من أعراض الربو– فقد أظهر فوائد محدودة في دراسةٍ كبيرة غير مُعماة أُجريت في المملكة المتحدة وشملت المرضى الأكبر سنًّا غير المحتجزين بالمستشفيات والمصابين بأمراضٍ أخرى مثل ارتفاع ضغط الدم وداء السكري، فبالنسبة للمرضى الذين بدأوا في استخدام المُستنشق في غضون أسبوعين من ظهور أعراض «كوفيد-19»، حدث انخفاضٌ مقداره ثلاثة أيام تقريبًا في مدة شعورهم بالأعراض، يعلق بولوير قائلًا: "ثمة فائدةٌ بسيطة للعقار، لا سيما خلال الأسبوع الثاني من الإصابة بالمرض".

العلاجات المُخصَّصة للمرضى المُحتجَزين بالمستشفيات

بالنسبة للمرضى المُحتجزين بالمستشفيات الذين يعانون انخفاضًا في نسبة الأكسجين بالدم يصل إلى مستوىً يستدعي مراقبة، تُوصي معاهد الصحة الوطنية الأمريكية (NIH) باستخدام «ديكساميثازون» dexamethasone، وهو عقار من عائلة الستيرويدات متوافر على نطاقٍ واسع، ومنخفض التكلفة نسبيًّا، ويمكن تناوله عن طريق الفم في شكل أقراص أو تلقِّيه من خلال الحقن الوريدي، ويُعطى كذلك «ريمديسيفير» Remdesivir، وهو عقارٌ مضاد للفيروسات يُعطى بالحقن الوريدي بجانب عقار «ديكساميثازون»، للمرضى المُحتجزين بالمستشفيات ممن بلغوا مرحلة تفاقُم الالتهاب بسبب إصابتهم بمرض «كوفيد-19»، ويُنوِّه بولوير قائلًا: "يُحقق العقار نتيجةً أفضل عند إعطائه في مرحلة مبكرة، ويقل نفعه بمجرد أن يُحتَجز المريض في وحدة العناية المركزة ويُوضع على جهاز تنفس اصطناعي".

ولمنع تدهور حالة المصاب بمرض «كوفيد-19» ووصولها إلى تلك المرحلة، تُوصي توجيهاتُ معاهد الصحة الوطنية -التي جرى تحديثها في شهر يناير- بإعطاء بعض المرضى جرعاتٍ عاليةً من «هيبارين» heparin عن طريق الحَقن الوريدي، وهو عقارٌ يُستخدم لمنع الجلطات الدموية لدى بعض المرضى، يُعلق فريد جلالي -أخصائي أمراض الجهاز الهضمي في لاجونا هيلز، بولاية كاليفورنيا الأمريكية، والذي نُشرت نظرياته حول إصابات الرئة الناتجة عن مرض «كوفيد-19» في مدونة طب الطوارئ «ريبيل إم» REBEL EM- بقوله: "الجديد أنه أصبحت هناك توصياتٌ الآن بإعطاء الجرعة العلاجية من عقار «هيبارين» للمرضى قبل أن يُنقَلوا إلى وحدة العناية المركزة".

وعلاوةً على ذلك، يمكن إعطاء عددٍ من العقاقير المضادة لالتهاب المفاصل، مثل «باريسيتينيب» baricitinib أو «توسيليزوماب» tocilizumab لتثبيط الالتهاب مع تفاقُم الحالة المرضية للمُحتجزين بالمستشفى من سن عامين فأكثر، يُعطى عقار «باريسيتينيب» في شكل أقراص تُؤخذ عن طريق الفم، في حين يُعطى عقار «توسيليزوماب» عبر التسريب بالتنقيط الوريدي.

أملٌ جديد في عقاقير سابقة لعلاج «كوفيد-19»

تُشير أبحاثٌ جديدة إلى أن عقار «ريمديسيفير» قد يكون مفيدًا كذلك في علاج مرضى «كوفيد-19» غير المُحتجزين بالمستشفيات، ففي دراسة مُعشاة نُشرت في ديسمبر الماضي بدورية «نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسن» New England Journal of Medicine، انخفضت معدلات الوفاة والاحتجاز بالمستشفيات المرتبطة بالإصابة بمرض «كوفيد-19» بنسبة 87% بين 279 مريضًا تلقوا عقار «ريمديسيفير»، وهم مصابون بمرض «كوفيد-19» عانوا أعراضًا مرضيةً ولم يُودَعوا بالمستشفيات، مقارنةً بـ283 مريضًا في المجموعة التي تلقت علاجًا وهميًّا، تصف بارون العقار قائلةً: "يبدو أنه علاجٌ جيد حقًّا، ولا يوجد نقصٌ في إمداداته"، لكنها تُشير إلى أن "إعطاء هذا العلاج قد تعرقله بعض الصعوبات اللوجستية؛ لأنه يُعطى عن طريق التسريب الوريدي على مدار ثلاثة أيام".

وقد أدت عقباتٌ لوجستية مماثلة -إلى جانب ما أسفرت عنه أبحاث سابقة من نتائج مبهمة- إلى إثارة تساؤلاتٍ حول فائدة بلازما المتعافين، التي تُجمع من متبرعي الدم المتعافين من مرض «كوفيد-19» وخضعت لدراساتٍ مكثفة قبلًا، فتشير بارون إلى أن هذا العلاج "لم يعد يحظى بإقبالٍ كبير في الوقت الحالي".

على الرغم من ذلك، قد تُعيد الأبحاث الجديدة هذا العلاج إلى دائرة الاهتمام، لا سيما في ظل محدودية إمدادات العلاجات المُخصَّصة للمرضى غير المُودَعين بالمستشفيات، إذ كشفت نتائج دراسةٍ جديدة شملت 1181 مريضًا ونُشرت في الحادي والعشرين من ديسمبر الماضي في صورة مُسوَّدة بحثية لم تخضع بعد لمراجعة الأقران، أن بلازما المتعافين قللت معدل الاحتجاز بالمستشفى بنسبة 54% عندما أُعطيت للمرضى خلال الأيام الثمانية الأولى من بدء ظهور أعراض «كوفيد-19» عليهم، عن هذا تقول بارون: "إن الدرس الأهم الذي تعلمناه جميعًا هو أن نتحلى بالمرونة، فما نفعله اليوم قد يختلف عما نفعله غدًا، وعلينا أن نتقبل ذلك".

اضف تعليق