q
جميع أركان النظرية المثالية، تعتمد على افتراض يدور حول التنظيم الاجتماعي، ومضمون هذا الافتراض من الأهمية بمكان. ومحوره هو أن الكل أهم من الجزء، وعلى ذلك فإن مصلحة الدولة القومية يجب أن يُنظر إليها على أنها أعظم أهمية من مصلحة أي فرد أو أية هيئة...

هناك ناحية أخرى من نواحي النظرية المثالية (في الدولة) تحتاج إلى شيء من الدراسة، فهي تبني دفاعها على الالتزام السياسي على فكرة الصالح العام الذي يشاطر فيه جميع أعضاء المجتمع ويمكن تحقيقه عن طريق الدولة. ففي الدولة يتمثل التضامن المتجسم في الهيئات الاجتماعية وهو تضامن الإرادات الحقيقية لجميع الأفراد، ولكن من الواضح:

 (١) أن وجهة النظر هذه تتوقف على نظرية الإرادة الحقة التي نبذناها من قبل. وإن الصالح العام فضلًا عن ذلك (٢) هو عبارة تشمل عددًا من الأفكار المختلفة، وكل فكرة متميزة عن غيرها، وربما تعني (أ) النفع أو الخير الذي حققه التعريف في الدولة المثالية. وذلك يعني عدم الوصول إلى حل بالنسبة للصالح العام، في الدول الحقيقية. وربما تعني (ب) مبدأ الرخاء الذي يجب أن تهدف إليه الدول، ولكن ذلك بطبيعة الحال لا يحدد مسألة ما إذا حاولت دولة بالفعل أن تحقق عملًا ما. ويقصد من العبارة أيضًا (ﺟ) تلك العادات والتقاليد والأغراض التي يهدف أي مجتمع إلى الاحتفاظ بها.

 وإننا نقرن فكرة إنجلترا بأفكار من هذا النوع، وإننا نشعر بأننا كإنجليز تشترك في صفتها حتى ولو كنا غير متيقنين من تعريفها. وإننا نتوقع أن الدولة ستستخدم سلطاتها للاحتفاظ بتلك الروح التي تتسم بصفة خاصة هي الصفة الإنجليزية. كما أننا نحس أيضًا بأن انتهاكها سيضعف على الأقل، أو فيما يمكن أن يقضي على الولاء لفكرتنا عما تسعى الدولة الإنجليزية إلى أن تكون عليه. أما إجراء التغييرات الضرورية، فذلك أمر حقيقي بالنسبة للدول الأخرى التي تساهم في تراث قومي يتشبث به الجميع.

أما ما عجزت النظرية المثالية عن تحقيقه، فهو الحقيقة الهامة التي تنادي بأن كل فكرة من هذه الأفكار عن الصالح العام هي العمل على ما يعتبر الأفراد أنهم يواجهونه في الحياة اليومية. وهم لا يقدرون الدولة على أساس النوايا التي تفصح عنها بالرغم من أن ذلك يدخل في حكمهم وتقديرهم. أما في كل الحالات العرضية -وهي الحالات الهامة في هذا الصدد- فهم يصدرون أحكامهم من وجهة نظرهم فيما تكشفه من سلوك حقيقي، وإن ما يطلبونه من الدولة هو أن يكون الصالح العام الذي تحققه شيئًا يشعر كل مواطن بأنه يساهم فيه بوسيلة ما؛ حتى يبعث ما تقوم به من عمل على رضاه. وليس مما يدعو إلى الاستكفاء أن نقول له: إن المثل الأعلى هو الناحية الواقعية، أما في الحالة العرضية فيجب عليه أن يعتقد في ذلك، وليس هناك من نظرية عن الدولة يجوز أن تدعي الكفاية أو الوفرة ما لم تشبع هذه الحاجة لتقنع الفرد -إذا كان في عزلة عن الآخرين- أن صالحه يكمن في الصالح العام الذي تشيده دولته وتحققه له.

ومما هو جدير بالإشارة أن روسو كان يسير على هذا المنوال، ويتفق في هذا أيضًا ت. ﻫ. جرين ولكن بدرجة أقل. فبالرغم من أن نظرية روسو في الإرادة العامة قد جعلت منه المؤسس الجديد للمدرسة المثالية في ميدان السياسة، وقد بنى تطبيقها -في أعماق دراسته- على مبادئ أُعدت بدقة للحيلولة دون انحراف أغراضها. أما الفكرة التي تنطوي عليها نظريته فهي قائمة على فكرة المساواة. ولأجل حماية دعائم المساواة في كيان المجتمع المدني يجب أن يتخلى جميع الأفراد عن ذاتيتهم للدولة، ولحماية أركان المساواة يجب أن يكون القانون -لكي يصير قانونًا- عامًّا، وأن يكون له أثره على الأفراد بقدر متساوٍ، ولحماية دعائم المساواة يجب أن يتناسب حجم الدولة دائمًا بحيث يحدد أعضاء المجتمع الإرادة العامة ثم يشكلونها.

 وأخيرًا، فإنه لحماية دعائم المساواة يجب وضع ديانة مدنية، وأن يدرب الأفراد بغيرة بالغة على الاحتفاظ بروح الدستور. ويمكن للملك عند روسو أن يطلب طاعة أعضاء المجتمع؛ لأنها هي المجتمع ذاته. أما الفكرة التي تقول بأن السلطة الملكية يمكن ممارستها على مصلحة المجتمع، وذلك عن طريق هيئة كالحكومة تزيل فكرة روسو عن الدولة الشرعية من أساسها.

وينطوي موقف ت. ﻫ. جرين على مثل هذه النظرة؛ ولذلك أذكر «أن مطالبة الفرد أو حقه في أن يكون لديه من السلطات المعينة التي يكفلها له المجتمع بأن يمارس بدوره بعض السلطات على الفرد - يعتمد على الحقيقة التي تقول بأن هذه السلطات ضرورية لإشباع احتياجات الفرد في مهنته باعتباره كائنًا فاضلًا، وكذلك لكي يكرس نفسه للعمل على تطوير نواحي الشخصية التي تبلغ حد الكمال في نفسه وفي الآخرين»، وهذا هو مضمون تعريفه الشهير عن الدولة التي يعتبرها «هيئة من الأشخاص يسلم كل فرد منهم بما له من حقوق، وما له من مؤسسات معينة تكفل له الاحتفاظ بتلك الحقوق»، ومن الواضح أن حقوقي كفرد من الأفراد ليست منفصلة عن الدولة، وأن الدولة التي تفشل في إدراك مثل هذه الحقوق، ستفشل حتمًا من وجهة نظر جرين في أن تكون دولة طالما ستكون خالية من الصفة الأخلاقية التي تجعل لها الحق في أن يدين لها المواطنون بالولاء. 

وذلك هو السبب في أن جرين قد أصر على أن الإرادة لا القوة هي الأساس الذي تقوم عليه الدولة. فاستخدام القوة له ما يبرره ما دام يتسنى عن طريقه تحقيق إمكانيات حياة رغدة. ولقد أكد أن المجتمع السياسي الذي يقوي من دعائمه عن طريق الإجبار والإلزام لا يستحوذ على السلطة الأخلاقية على المواطنين، وذكر في كتابه «إننا نعتبر روسيا دولة مجاملة على أساس أن سلطة القيصر بالرغم من عدم خضوعها لأية سيطرة دستورية لم تحدث ممارستها طبقًا لتقاليد معترف بها يتطلبها الصالح العام ويعتبرها سندًا لحقوقه.» ولقد داخله الشك في حق الدولة الروسية في أن تُطاع؛ نظرًا لما يبدو له من أن ما تقوم به من عمل لا يمت إلى الأهداف التي يجب على المجتمع السياسي أن يحققها. وليس هناك أي مجهود في نظرية جرين للمطابقة بين الواقع والمثاليات.

ومما هو جدير بالملاحظة معرفة التأكيدات المختلفة في وجهات النظر هذه من عرض هيجل للنظرية المثالية؛ إذ إننا نجد أن حق الفرد في أن يتمتع بحقوقه (وذلك بالنسبة لجرين روسو) يعتبر تفاعلًا لوضعه باعتباره كائنًا فاضلًا. وهذه الحقوق متساوية بين كل فرد وغيره، وليس من حق الدولة أن تختار بعض هذه الحقوق وتغدقها على بعض الأفراد بينما تحرمها على آخرين؛ ولذلك فإن ما يجب عليها أن تعمله هو إتاحة المساواة لأفراد المجتمع، فهم باعتبارهم كائناتٍ فاضلة لهم مصلحة مشتركة فيما تقوم به من حماية لذلك الرخاء؛ ولذلك فلهم الحق في أن يصدروا أي حكم على ما تقوم به من أعمال. وأما عن سيادتها فتعتبر في نظر كل فرد منهم محاولة في وجود المزاج المشترط، وتصبح ممارسة صحيحة للسلطة عند تحقيق إمكانيات حياة رغدة حيث يمكن «إشباع احتياجات الفرد في مهنته».

ولا نجد مثل ذلك المعنى عند هيجل، فهو لا يزيد عن مجرد إنكار إمكان تطبيق القواعد الأخلاقية على ما تقوم به الدولة من الأعمال، «فالدولة تعتبر العقل المطلق الذي لا يعترف بأية سلطة غير سلطتها التي لا تعترف بقواعد مجردة غير ملموسة عن الخير والشر … إلخ.» ويبدو اتجاهه في أن يقرن الدولة الحقيقية بتلك النواحي السامية التي تصدر عن تجسيمها واعتبارها من الكائنات البشرية الذين لديهم مثل أعلى عمل في حدوده الضيقة، يتحدد بما يقومون به من عمل. وإن كسب المال واحترام الجماعة التي ينتمون إليها هما المقياس الذي يقيسون به الأماني التي يهدفون إليها، فهم لا يمكنهم إدراك مزاج الجندي. لقد شغلهم جمع المال، فلم يهتموا بالوطنية، أما بالنسبة للعلاج فإن هيجل ينظر إليه نظرة عالية؛ إذ إنه قادر على الولاء وعلى الإخلاص، ويعتبر ذلك موجهًا لشخص ما لا موجهًا نحو فكرة بعينها. فالفلاح ماهر في عمله إلا أنه يفتقر إلى الذكاء الذي يمكنه من النهوض إلى مستوى أعلى من المصالح المعينة التي يعتبر فيها ذا كيان فردي.

ولذلك فإن الدولة التي تتكون من أمة واحدة نستطيع أن ندرك أنها تتكون من ثلاثة مظاهر؛ إذ نجد أنه ربما أوتي بعض العمال الصناعيين شيئًا من الذكاء، لا أنهم قد غرقوا في محيط ضيق الحدود تسوده الأنانية. إلا أننا ربما نجد الفلاح الذي يتصف بالولاء للمجموع، ولكننا نتبين أنه بسبب افتقارها إلى هذا الذكاء يتخذ ولاؤه للمجموع صفة الثقة السلبية العمياء. وهكذا يكون عنصرًا سليمًا في الدولة، لا أنه يظهر عدم كفاءته لممارسة تلك الصفات التي تتطلبها الحكومة. أما طبقة النبلاء فهي التي في إمكانها أن تسمو على المصالح الذاتية لوضعها في المستوى الذي يتمشى فيه الواجب الخاص مع الواجب العام، والهيئة التي تتسم ببعد نظرها هي وحدها التي تصلح لإصدار الأوامر باسم الدولة. وهي لإمكانها أن تسمو على المصالح الشخصية تستطيع أن تمثل أسمى أشكال الفضائل الاجتماعية، وهي أيضًا الهيئة الوحيدة التي تستطيع إخراج المثل الأعلى إلى حيز الوجود؛ هذا المثل الذي يناضل في الدولة القومية لكي يخرج إلى حيز الوجود.

وليس من العسير معرفة مصادر هذا الاتجاه، فهو يصدر عن الحماسة لتلك النظرة الإغريقية التي تحرم صفة الرعوية من هؤلاء الذين يعتمدون على أنفسهم للحصول على القوت، وهذه النظرة تجاري أيضًا نظرية بيرك في أن الأفراد الذين تحرروا من الحاجة إلى التفكير في المستقبل قد تحرَّروا -نتيجة لذلك- من الخضوع للمصالح الشخصية الضيقة. فهي تمثل تفاعل هيجل المتحمس مع التجارب والتطورات المرتبكة التي حدثت في العهد الثوري الذي كان يعيش فيه، وبناء على ما جاء في مؤلفات هيجل السياسية، نجد أنها تتسم بالإدراك التام لنواحي الضعف التي تتميز بها هذه الطبقات التي يمقتها ولا يحبُّها، إلا أنها تتميز أيضًا بنفس الغموض الذي كشف بيرك اللثام عنه.

وإن النتيجة التي تمخضت عنها طريقة عرض هيجل هي سلب فاعلية الرعوية من الجميع عدا أقلية في الدولة. فلقد استبعدوا من إرادة السيادة؛ لأن طبيعة المهنة كانت تندد دائمًا بتلك النظرة المحدودة الأفق التي تقدم الصالح العام قربانًا لمصالحهم الذاتية. فهم جديرون بتحقيق الخير العام، مضحِّين بأنفسهم في سبيل الأرستقراطية التي قال عنها هيجل: إنها تتلقى المساعدة منهم في مقابل المساهمة في الاتجاه السياسي للمجتمع. ومن الواضح هنا توافر تلك الافتراضات التي يقوم عليها هذا الاتجاه، بيد أن ذلك لا يظهر أي حرص، هذا الحرص الذي أبداه كل من روسو وجرين؛ لأنها تبدأ أول ما تبدأ باستبعاد جزء كبير من الجنس البشري من القدرة على اعتبار أنهم كائنات فاضلة. ثم إنها تستمر عن طريق الاعتقاد بأن الطبقة الأرستقراطية تستطيع معرفة الصالح العام دون أن تتعرض للوقوع في أي خطأ. وهي تقوم بعمل كل هذه الأشياء بالرغم من جميع شواهد التاريخ التي تدل على أنه لا دخل للمهنة في نشأة الكفاءة السياسية. كما أن كل الطبقات الأرستقراطية مهما بلغ سمو المثل الأعلى الذي تبدأ به تعجز دائمًا في النهاية عندما تتخذ وجهة نظر ضيقة جدًّا بشأن أهداف السياسة العامة. وإن وجهة النظر هذه لتعتبر نتيجة للحقيقة التي تنادي بأن الطبقة الأرستقراطية - مثل طبقة التجار أو العمال أو الفلاحين - تعتبر أسيرة للتجارب التي لا يستطيعون الإفصاح عنها. ولقد قرأ هيجل بتمعن كتاب بيرك «خواطر عن الثورة الفرنسية». ومما يدعو إلى الشفقة أنه لم يدرك أن كتاب «أفكار حول أسباب التذمر الحاضر» يعتبر آخر تعقيب على ما يتضمنه من المبادئ، وأن ما يقوم به حزب العمال لهو الجواب الأوفى على المثل الأعلى لحزب العمال.

ونجد وجهة نظر هيجل، وكذلك في الواقع جميع أركان النظرية المثالية، تعتمد على افتراض يدور حول التنظيم الاجتماعي، ومضمون هذا الافتراض من الأهمية بمكان. ومحوره هو أن الكل أهم من الجزء، وعلى ذلك فإن مصلحة الدولة القومية يجب أن يُنظر إليها على أنها أعظم أهمية من مصلحة أي فرد أو أية هيئة؛ ولذلك فإن هؤلاء الذين يسيطرون على سيادة الدولة - وذلك بسبب المصلحة العليا التي يُعتبرون مسئولين عن رعايتها - تكون دعواهم في المطالبة بالطاعة أجدر من دعوى أي كائن ممن يتولون رعاية أية مصلحة أخرى أقل شأنًا من مصلحة الدولة.

إلا أن مثل ذلك الافتراض تكتنفه مشاكل عديدة، فهو لا يوصلنا إلى حل لها. فإذا لم تتطابق الدولة مع المجتمع - وذلك ما تؤكد النظرية المثالية دون أي دليل - فإن مصالح الأمة لن تتطابق مع مصالح الدولة. فالدولة كما يقول بوزانكيه «هي مجتمع قد جرى العرف على الاعتراف به على أنه وحدة لها حق قانوني في استخدام القوة.» وهي باعتبارها الهيئة صاحبة السيادة نجد أن أية هيئة أخرى تخضع لقوانينها، وذلك في النطاق الذي حدد لها، ولكن ليس معنى ذلك أنها جزء منها، فالكنيسة الكاثوليكية في روسيا لا تعترف بأنها جزء من الدولة السوفيتية، وإننا لا نستطيع - عندما ندرك الحقائق - أن ننظر إلى الدولة على أنها تطوي بين جنباتها كل الأغراض الاجتماعية، وأنها تقوم بتحديد مشروعيتها، ولكنها تحدد النواحي القانونية فقط، وهي تستطيع أن تسعى إلى أن تلزمهم قانونًا بالخضوع لمطالبها، ولكن إذا افترضنا أن ذلك الخضوع للقانون يعتبر أكثر من نتيجة شكلية مجردة تمخضت عن طبيعة السيادة، فمعنى ذلك أننا قد أخطأنا معرفة طبيعتها، فالنواحي الشرعية تعتبر أمرًا منسوبًا إلى عالم مختلف تمام الاختلاف، هو عالم الجدل.

ونحن إذا قلنا: إن الدولة في ذاتها أعظم من مجموع مكوناتها؛ فإن هذا قول لا طائل تحته؛ لأنه أولًا ينطبق على جميع الهيئات كالكنائس والنقابات والأحزاب السياسية. وثانيًا: أن هذا القول لا يحل مسألة الاستنتاجات الممكن استخلاصها منه. ومن الواضح أننا نكون على يقين إذا قلنا: إن خير الدولة (حيث يتضمن ذلك خير الأفراد) أعظم شأنًا من خير الفرد الواحد. ولكن ذلك أيضًا لن يحل المسألة الكبرى الخاصة بما إذا كان ما تقوم به الدولة من عمل يحقق الخير لجميع الأفراد. والأكثر من ذلك هو أنه يجب علينا أن نتذكر أن «العمل الذي تقترحه الدولة» يعني العمل الذي تقترحه الحكومة التي تصدره باسمها. ولا يوحي أي فرد بأن ما تتخذه الحكومة يعتبر أمرًا شرعيًّا؛ لأن ذلك هو العمل الذي تقوم به الدولة، وليس ذلك أكثر من محاولة تقوم بها هيئة من الأفراد تسعى إلى تحقيق بعض الأغراض التي تعتبر مرضية بالنسبة لهم، وتنطوي على نوايا طيبة. ولكن لا يعتبر ذلك غرضًا حقًّا؛ لأنهم يعدونه كذلك. ولا يعتبر كذلك غرضًا حقًّا؛ لأنه ينطوي على تلك النوايا. ولقد ارتُكِبت أسوأ الأخطاء في التاريخ بأيدي بعض الأفراد في سبيل إحقاق الحق.

وإذا نحن تغاضينا عن الصعوبات التي تتعلق بنواحي ما وراء الطبيعة، فإن مغالطة وجهة النظر المثالية تعتمد على الخلط المتواصل بين أغراض الدولة المثالية، وسياسة الحكومة الواقعية. فالدولة تُعتبر منظمة تمارس السلطة الإلزامية لتحقيق الخير الاجتماعي. وتستطيع أن تؤدي ما تقوم به من أعمال عن طريق أفراد يتكلمون باسمها، ومن المفروض أنهم يقومون بذلك العمل من أجل الأغراض التي تكونت الدولة لتحقيقها، وإن أفعالهم هذه هي صاحبة الفضل في هالة الإجلال التي تحيط بالفكرة الفلسفية للدولة. ولكن لن يعزو أي شخص من أتباع ماركس، أو أي يهودي أو أي فرد من أتباع حزب الأحرار، هذا الفضل إلى هتلر عندما يقوم بعمل ما باسم الدولة الألمانية. كما أنه لا يوجد أي فرد يعارض الشيوعية قد ينسب هذا الفضل إلى ستالين إذا قام بعمل ما باسم الدولة السوفيتية. ففي كل حالة يمكن القول بأنه يجب إصدار حكم ما على العمل عن طريق ما نعتبره متمشيًا مع السياسة التي نعتبرها صحيحة في أي موقف من المواقف، كما أننا لا ننظر إلى حكم الدولة نفسها، وهو حكم هؤلاء الذين يمارسون سيادتها، على أنه جدير بأن يتبوأ المكان الذي نشغله لا لشيء إلا لأنه الحكم الذي أصدرته الدولة.

* مقتطف من كتاب (الدولة نظريًّا وعمليًّا) لمؤلفه هارولد ج. لاسكي

اضف تعليق