ان الميزة الرئيسية التي تميز الانسان عن غيره من المخلوقات، هي العقل، فمن خلاله تمكنت البشرية من قطع اشواط مذهلة في العلوم والانسانيات كافة، ولهذا يضع العلماء المعنيون مزايا مهمة لمن يستخدم عقله من الناس بصورة مثلى، ويحدد هؤلاء مستويات التطور البشري على أساس درجة علمية العقل وذكائه، ومدى إصراره على المعرفة، ومجافاته لحالات الجهل، فالإنسان العاقل يتفوق من دون ادنى شك على الانسان الجاهل، خاصة أن الظواهر المتخلفة تكون من حصة الاخير دائما.

من هنا تبرز اهمية الربحية التي يكون مصدرها العقل، والانسان العاقل، والخسائر التي يتعرض لها الانسان الجاهل، فردا او مجتمعا، بسبب جهله، ولعل من أسوأ الصفات التي ترافق الانسان الجاهل هي العناد والاصرار على الخطأ، والتمسك بالرأي الخاطئ لدرجة التطرف، مما يجعله معرَّضا لخسائر فادحة قد تصل به الى فقدان حياته، فضلا عن ممتلكاته، وفي افضل الاحوال يخسر الجاهل طريقة العيش التي تضمن له كرامته وحسن معيشته ورفاهيته وذويه، في حالة مغادرته للجهل والتشبث بالخطأ مع سبق الاصرار، تدفع بذلك (العزّة بالإثم)، وتجعله اكثرا تطرفا وعداءً للآخرين..

يقول الامام علي بن ابي طالب عليه السلام: إن (الْجاهِلُ لا يَرْتَدِعُ)، وهذا دليل على تجميد العقل لديه، فالجاهل لا يكفّ ولا يمتنع عن فعل السوء، وهو في الغالب لا يكفّ عن ذلك، بخلاف العارف أو العالم الّذي يغلب عليه أنّه إذا فعل سوءاً كفّ عنه سريعاً وتركه الى الفعل الصحيح، ولعل هذا التناقض الكلّي بين الاثنين (العاقل والجاهل)، هو الفاصل الأهم بين التقدم والتخلف، وهو المحفّز أو المسبّب الأساس للربحية مقابل الخسارة وبالعكس.

بمعنى أن الربحية بشقّيها المادي والمعنوي، ستكون من حصة العاقل وعقله دائما، فيما الخسارة حصة الجاهل بسبب جهله، وقد يحدث أحيانا أن يحصل الجاهل (بسبب طيشه، و رعونته، وتهوره) على بعض الارباح السريعة غير المدروسة أو المحسوبة، ولكنها قد تكون حاصل أفعال وافكار وعادات عشوائية غير منظمة، لا تعتمد العقل السليم والتفكير والتخطيط الصحيح لتحقيقها، لذلك مثل هذه الارباح العشوائية التي قد يحققها الانسان الجاهل، تكون دائما مهددة بالضياع والفقدان، لأنها لم ترتكز من الاساس على التفكير العاقل، بل كانت حصيلة غير مدروسة لأفعال متسرعة، تقوم اساسا على التجاوز وهضم حقوق الآخرين بسبب الجهل، وربما تحصل نتيجة لأعمال عدوانية قد تصل الى حد ارتكاب الجريمة، فالمجرمون كما يؤكد العلماء المختصون بالنفس، والاجتماع، والجريمة، هم في الغالب من أصحاب العقول القاصرة أو الجاهلة.

كذلك يحصل الانسان العاقل على مزايا اخرى نتيجة لاكتسابه المعرفة، وتوظيفه لتجارب الآخرين كي تصب في صالحه، لذلك سوف يكتسب ربحية التغلّب على (الخداع)، فالحقائق تشير الى أن الانسان المخدوع (فردا أو مجتمعا)، هو الذي يتعرّض اكثر من غيره لخسائر مختلفة، قد يكون بعضها ذا حجم (مدمّر)، وعندما يتمكن الانسان العاقل من تأمين نفسه ضد الخداع، فإن يربح بذلك حصانة مضاعفة ضد الخسائر التي تندرج تحت هذا النوع.

في هذا المجال نقرأ قولا للامام علي عليه السلام في غرر الحكم ينص على أن: (الْعَقْلُ لا يَنْخَدِعُ)، فالعقل والفهم الصحيح لا يتعرض للخديعة، والانخداع يحدث كنتيجة لنقصان العقل، فإذا كان الانسان عاقلا، فاهما و عارفا بظواهر الامور وبواطنها، وقادرا على التحليل والاستنتاج والتدقيق والتوقّع الصحيح، فإنه سوف يكون في منأى عن الخسائر التي تنتج عن الجهل.

بالاضافة الى كل ما تقدم، فإن الانسان عندما يجهل شيئا ما، فإنه لن يقترب منه، بل سيكون هذا الشيء بمثابة العدو له، كما نقرأ ذلك في قول الامام علي عليه السلام، بأن (الْمَرْء عَدُوُّ ما جَهِلَ)، وربما تطول الانسان خسائر كبيرة بسبب هذا الجهل، كونه عندما يجهل الشيء، فإنه يبتعد عنه حتى لو كان يصب في صالحه، لذلك ينبغي أن يُزاح الجهل جانبا من خلال الاطلاع والمعرفة، حتى تتحقق ربحية الانسان العاقل والعارف بالأمور، وعندما تتطور علاقة الانسان بالأشياء، ويفهمها بسبب كونه كائنا عاقلا، فإنه سوف يشعر بوضوح تلك الاشياء وقربها منه ومن فهمه وعقله، فيوظفها لصالحه من دون تردد، لذا يقول الامام علي عليه السلام حول هذا الجانب: (الْمَرْءُ صَدِيْقُ ما عَقَلَ).

وهكذا تتضح لنا آفاق واسعة ومتعددة للربحية، في حالة مغادرة الجهل الى المعرفة، ولكن ينبغي بذل ما يكفي من الجهود في هذا المضمار، فضلا عن انتهاج الأساليب المشروعة لتحقيق هذا الهدف، إذ لا يصح معالجة الجهل بجهل آخر، كما يفعل بعضهم، فيبقى يراوح في مكانه، معتقدا انه انتقل الى ربوع العقل وبساتين المعرفة، ولكنه في حقيقة الامر لا يزال بعيدا عن ذلك، ولكي يتحقق الانسان من قدراته العقلية مخافة الانحدار في مستنقع الجهل، هناك معايير يمكنه الاعتماد عليها، وفحص معارفه المتعددة وفقا لتلك المقاييس، تحقيقا للربحية المشروعة، وتحاشيا للخسائر المعنوية والفكرية، والمادية التي قد تكون باهظة ومكلّفة، إذا لم تكن محصَّنة من الجهل، وهذا تحديدا ما يؤكد تفوّق الإنسان وربحيته العالية، عندما يستعين بشكل دائم بالعقل بدلا من الجهل.

اضف تعليق


التعليقات

سعد عبد الامير
العراق
نحن بحاجة الى تعليم مث هذه القيم ، ولكن ليس بالكلام وحده ، نريد من نجله نموذج نسير وراءه ، نقتفي خطواته .. الكلام قد يحقق نسبة قليلة من الهدف .. شكرا لكم2015-03-15