q
مواجهة تغيّر المناخ وتأثيراته السلبية تستلزم الكثير من الاجراءات والقرارات المهمة، وهذه الاجراءات والقرارات ينبغي ان تكون باتجاهين، الاتجاه الاول يتمثل بالعمل على السيطرة على العوامل المؤدية الى تغيير المناخ وذلك بحفظ نسبة الانبعاثات من خلال تحويل انظمة الطاقة التي تعتمد على الوقود الاحفوري الى مصادر الطاقة المتجددة...

التغيّر في المناخ هو التحولات والتبدلات طويلة الأجل في درجات الحرارة وحالات الطقس المختلفة، وتكون هذه التحولات اما طبيعية بسبب حدوث ظواهر طبيعية كالتغيّرات في الدورة الشمسية على سبيل المثال، او قد تكون التحولات المناخية بسبب الأنشطة البشرية وخصوصا الاستخدام المتزايد لمصادر الطاقة غير النظيفة كالفحم والنفط والغاز، اذ يؤدي استخدام هذه المصادر الى انبعاث الغازات الدفيئة التي ينتج عنها ما يشبه الغطاء الذي يلتف حول الكرة الأرضية لينتج عنه ظاهرة الاحتباس الحراري عندما يتم حبس حرارة الشمس لترتفع بذلك حرارة الارض، ومن الاسباب الاخرى لتغيّر المناخ هو قطع الغابات وتجريف البساتين والقضاء على المساحات الخضراء في الارض مما يؤدي الى زيادة اطلاق ثاني اوكسيد الكربون.

ارتفعت درجة حرارة الارض بمقدار 1,1 درجة مئوية عما كانت عليه قبل قرن من الزمن تقريبا، وذلك نتيجة للعوامل السالفة الذكر، لكن ارتفاع درجة الحرارة ليست الوحيدة من بين مظاهر تغيّر المناخ فهناك مظاهر اخرى مثل شحة المياه والجفاف الشديد وذوبان الجليد وارتفاع مستويات سطوح البحار وتدهور التنوع البيولوجي، فضلا عن كثرة الحرائق والعواصف الكارثية.

تأتي الانبعاثات الغازية التي تسبب تغيّر المناخ من كل مناطق العالم، كما ان تغيّر المناخ يلقي بظلاله على كل مناطق العالم، لكن هناك عشرة دول تنتج 68% من مجمل الانبعاثات في العالم، وتأتي في مقدمة هذه الدول، الصين والولايات المتحدة وروسيا واليابان والمانيا وبريطانيا وكوريا الجنوبية والاتحاد الاوروبي وكندا، ولذلك فإن المسؤولية الاكبر في مواجهة مشكلة تغيّر المناخ تقع على الدول الاكثر اسهاما في الانبعاثات الغازية.

يؤثر تغيّر المناخ سلبيا على حياة المجتمعات والافراد لأنه يؤدي الى الحاق ضرر كبير بالزراعة والصحة وسلامة الانسان وفرص العمل، لذلك قد نشهد في المستقبل وبسبب تغيّر المناخ نقصا حادّا في الأغذية نتيجة انحسار الاراضي القابلة للزراعة بسبب موجات الجفاف، وكذلك نقص فرص العمل خصوصا في حقول الزراعة والرعي، وهذا سيؤدي بلا شك الى موجات نزوح جماعي من الريف الى المدينة او الى مناطق اخرى يتوفر فيها الماء مما يؤدي الى اختلال واضح في التوزيع السكاني، ينتج عنه مشكلات تتعلق بالخدمات وبالاندماج والامن، مما يضع الحكومات امام معضلات اخرى قد تشكل عقبة امام تحقيق اهدافها وخططها الأساسية الثابتة.

اما في مجال تغيّر المناخ المؤدي الى العواصف والكوارث الطبيعية وتزايدها فإن ذلك سيزيد من حجم الدمار والضرر الاقتصادي والاجتماعي والصحي الذي يفرض اعباءً جديدة على الحكومات والشعوب قد لا تستطيع تحمّل تكاليفها ونتائجها، خصوصا اذا كانت الخسائر المادية والبشرية كبيرة جدا، وفي ظل التوقعات التي تتنبأ بزيادة درجة حرارة الارض الى ما يقرب من ثلاث درجات مئوية تقريبا بحلول نهاية القرن الحالي، فإن ذلك من شأنه ان يهدّد حياة وجود الكثير من البشر وخصوصا الذين يعيشون في الدول الجزرية او الشاطئية بسبب استمرار ارتفاع مستوى سطوح البحار وازدياد نسبة ملوحة مياهها، الامر الذي يجبر مجتمعات بكاملها الى الانتقال الى مناطق الى اخرى اكثر ملائمة للعيش، لذلك من المتوقع ان يرتفع عدد اللاجئين بسبب تغيّر المناخ الامر الذي سيخلق مشكلات انسانية كبيرة قد تنعكس سلبا على العلاقات الدولية في ظل استمرار غياب الاتفاق الدولي على آلية واضحة لمواجهة تغيّر المناخ.

ان توتر العلاقات بين الدول قد ينتج ليس بسبب اللاجئين فقط بل قد يبرز نتيجة الخلاف والنزاع على الحصص المائية وخصوصا بين الدول التي تمر فيها الانهار الدولية او المشتركة كما هو الحال بين تركيا وايران وسوريا والعراق، فعندما تشحّ المياه فإن ذلك يلقي بظلاله على العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية بين هذه الدول، وقد يؤدي التوتر المتصاعد الى حروب محدودة على الموارد المائية لأهميتها في ضمان الامن الغذائي.

وفي مجال الطاقة فإن تغيّر المناخ يؤثر بشكل مباشر على امدادات الوقود وانتاج الطاقة وكذلك على الخطط المستقبلية في التحكّم بالبنى التحتية الحالية والمستقبلية للطاقة، وذلك لان موجات الحر والجفاف تضغط على عمليات انتاج الطاقة.

ان مواجهة تغيّر المناخ وتأثيراته السلبية تستلزم الكثير من الاجراءات والقرارات المهمة، وهذه الاجراءات والقرارات ينبغي ان تكون باتجاهين، الاتجاه الاول يتمثل بالعمل على السيطرة على العوامل المؤدية الى تغيير المناخ وذلك بحفظ نسبة الانبعاثات من خلال تحويل انظمة الطاقة التي تعتمد على الوقود الاحفوري الى مصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية او طاقة الرياح وذلك بهدف ضبط الانبعاثات والوصول بها الى نسبة واطئة من اجل حماية البيئة وتحسين ظروف العيش.

وبالتأكيد فإن هذا المسعى يتطلب عقد اتفاقيات عالمية جديدة فضلا عن تفعيل الاتفاقيات القائمة مثل اتفاقية الامم المتحدة بشأن تغيّر المناخ واتفاقية باريس للمناخ، وفضلا عن الاعتماد على الطاقة المتجددة يتوجب على المجتمع الدولي الحفاظ على المناطق الخضراء والتوسّع في زيادة مساحاتها وايقاف عمليات ازالة الغابات وقطع الاشجار لما لها من اثار سلبية على المناخ.

امّا الاتجاه الثاني في مواجهة تغيّر المناخ فيتمثل في التكيّف مع تأثيرات تغيّر المناخ بهدف حماية الناس والمدن والحفاظ على البنى التحتية والنظم البيئية الطبيعية، وذلك من خلال تطوير انظمة الانذار المبكر للكوارث الطبيعية بهدف انقاذ الارواح والممتلكات وهذا الامر يتطلب توفير ورصد مبالغ مالية كبيرة من قبل الحكومات والشركات وانفاقها في المشاريع والبرامج التي تحد من تأثيرات تغيّر المناخ ويجب اعطاء الأولوية في تنفيذ هذه البرامج للدول الفقيرة، وبما ان الدول الصناعية هي المسبّب الاكبر للانبعاثات الغازية فالواجب عليها ان تفي بالتزاماتها المالية وفقا لاتفاقية باريس من خلال تقديم 100 مليار دولار سنويا للدول النامية لمساعدتها على مواجهة مخاطر تغيّر المناخ.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/ 2001–2022Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق