q
استطاعت أوروبا إحراز تقدم ملحوظ في مجال أمن الطاقة بخطوات عديدة، لكن لا يمكن وصف الوضع بالمريح تمامًا، بعد مرور عام من الحرب في أوكرانيا؛ إذ لا تزال هناك مخاطر عديدة باقية، وأصبحت الأزمة في أوروبا أفضل بعد محاولات حثيثة من الاتحاد لتوفير بدائل لروسيا، وأسعار طاقة معقولة للحكومات وشعوبها...

استطاعت أوروبا إحراز تقدم ملحوظ في مجال أمن الطاقة بخطوات عديدة، لكن لا يمكن وصف الوضع بالمريح تمامًا، بعد مرور عام من الحرب في أوكرانيا؛ إذ لا تزال هناك مخاطر عديدة باقية، وأصبحت الأزمة في أوروبا أفضل بعد محاولات حثيثة من الاتحاد لتوفير بدائل لروسيا، وأسعار طاقة معقولة للحكومات وشعوبها، في ظل الأسعار القياسية، حسب تقرير لوكالة رويترز.

وغزت روسيا أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022؛ ما دفع الدول الغربية لفرض عقوبات عديدة عليها، رغم كونها من كبار منتجي النفط والغاز والفحم عالميًا؛ ما أثر سلبًا في أسعار الوقود بالأسواق العالمية، ودفعها لمستويات قياسية، خاصة في أعقاب الغزو مباشرة.

وكانت أوروبا تعتمد على الغاز الروسي بكثافة، إذ كانت دول الاتحاد تحصل على 40% من احتياجاتها من موسكو، وتصل إلى أكثر من النصف في بعض الدول، مثل ألمانيا، وفق بيانات اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

روسيا تخفض الصادرات

خفّضت روسيا صادراتها من الغاز إلى أوروبا، عقب غزو أوكرانيا بنسبة وصلت إلى 80% في الأشهر التالية، وفق معلومات اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، وتراجعت صادرات الغاز الروسية إلى القارة العجوز، عبر أنابيب نقل الغاز الطبيعي التي تربط موسكو مع أوروبا من خلال ألمانيا، مع نهاية 2022، إلى 10%، وهو أدنى مستوى منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتوقفت صادرات الغاز الروسي إلى بعض الدول الأوروبية بالكامل، وعلى رأسها ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في القارة.

ودفعت أزمة الحرب في أوكرانيا دول أوروبا، وفي إطار تحقيق أمن الطاقة بعيدًا عن روسيا، إلى البحث عن بدائل، مدفوعة بضغط غلاء الأسعار وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات هي الأعلى خلال عقود، واضطر عدد من الصناعات في القارة العجوز إلى تعليق عملياتها الإنتاجية تحت وطأة ضعف الإمدادات وغلاء أسعار الوقود، ورغم قدرة أوروبا على توفير بدائل عديدة، وملء مخازنها بالغاز الكافي لأشهر الشتاء المقبل؛ فإنه لا تزال هناك مخاطر تواجه أمن الطاقة بالقارة.

مستوى مخزون الغاز

بعد مرور عام على حرب أوكرانيا، يبلغ مستوى مخزونات الغاز في أوروبا -حاليًا- نحو 63%، مقارنة بمستوى 30%، الذي كان أعلى معدل وصلت إليه تلك المخزونات في المدة ذاتها العام الماضي 2022، كما تراجع سعر الغاز دون 50 يورو (47.17 دولارًا أميركيًا) لكل ميغاواط/ساعة في شهر فبراير/شباط الجاري، وذلك لأول مرة منذ ما قبل غزو روسيا لأوكرانيا، وتأتي هذه الأسعار مقارنة بنحو 350 يورو (330.19 دولارًا أميركيًا) للميغاواط/ساعة في أغسطس/آب 2022، وفق المعلومات التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، وكان أمن الطاقة في أوروبا محظوظًا بإغلاقات كورونا في الصين، التي قيدت الطلب على الغاز المسال نسبيًا؛ ما وفر كميات غير قليلة في جانب العرض، اقتنصتها شركات القارة العجوز، واتبعت الصين، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد عالمي، خلال الأشهر الأخيرة من 2022، سياسة (صفر كوفيد)، أغلقت فيها معظم الأنشطة الاقتصادية، إلى أن اضطرت إلى إلغائها في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ومع تخفيف القيود، الذي أعقب احتجاجات شعبية نادرة بسبب اندلاع حريق تسبب في مقتل عشرات الأشخاص بسبب الإغلاقات، استطاعت أوروبا تعويض نحو 70 مليار متر مكعب من الغاز من دول أخرى، كانت تحصل عليها من روسيا؛ حيث كانت صادرات الغاز الروسي إلى القارة، قبل الحرب في أوكرانيا، تبلغ 155 مليار متر مكعب سنويًا.

وقفزت واردات الغاز المسال في دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بنسبة 70% في 2022، جاءت معظمها من دول مثل أميركا وقطر، بعد جولات قام بها مسؤولون أوروبيون للبحث عن بدائل، إلا أن خطوات أوروبا ذات الدول الغنية، والقادرة على دفع الثمن الباهظ لبدائل الوقود الروسي، وتحقيق أمن الطاقة لدولها، جاءت على حساب الدول منخفضة الدخل، على سبيل المثال؛ عانت بلدان مثل باكستان وبنغلاديش انقطاعات طويلة للتيار الكهربائي، بعد اضطرارها لخفض واردات الغاز بسبب تضخم الأسعار العالمية.

الطاقة المتجددة

في سبيل تحقيق أمن الطاقة في أوروبا، بعد مرور عام على حرب أوكرانيا، اتبعت القارة وسائل عديدة إضافية لتوفير بدائل لإمدادات الطاقة من موسكو؛ منها زيادة معدلات توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة.

كما ارتفع معدل توليد الطاقة بحرق الفحم في 2022 بنسبة 7%؛ ما قد يقوّض الأهداف المناخية من وجهة نظر البعض، مقابل آخرين لا يرون في نسبة الارتفاع المحدودة مشكلة، وألزمت المفوضية دول الاتحاد بتخزين الغاز إلى مستوى 80% قبل الشتاء، وترشيد الاستهلاك في الشتاء بنسبة 15% طوعيًا، وفق معلومات اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، ومع أن المفوضية تركت مسألة الترشيد اختياريًا، هبط استهلاك الغاز في القارة بنسبة 13%، ما يعادل 55 مليار متر مكعب في 2022، مقارنة بعام 2021، وهو الأكبر في تاريخ القارة، وفق وكالة الطاقة الدولية.

وأشارت الوكالة إلى أن الطقس المعتدل في أوروبا أسهم في خفض استهلاك الغاز للتدفئة بالمنازل، بينما تراجع طلب القطاع الصناعي بنسبة 25%، نصفها جاء من الشركات التي قلصت إنتاجها.

مخاطر باقية

بينما نجحت أوروبا في تجنب أزمة أمن الطاقة؛ لا تزال هناك مخاطر كبيرة أمامها، وفق محللين، يرون أن هناك أضرارًا محتملة على البنية التحتية اللازمة لاستيراد أوروبا من بدائل روسيا، كما تظل الكمية التي تصدرها روسيا إلى أوروبا مهددة، وتبلغ 20 مليار متر مكعب في 2023، وفق توقعات المفوضية.

وقالت وكالة الطاقة الدولية إن منع موسكو لتلك الكمية عن أوروبا، وتراجع المعروض العالمي من الغاز الطبيعي المسال بسبب زيادة الطلب الصيني المتوقع، قد يسبب نقصًا بنحو 40 مليار متر مكعب الشتاء المقبل، خاصة إذا جاء الطقس باردًا أو غير اعتيادي، وهذا العجز أقل من ما توقعته الوكالة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وكان 57 مليار متر مكعب، وفق المعلومات التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

لذلك، تحتاج الحكومات إلى مواصلة الجهود لتوفير الطاقة، وتنفيذ تعهدات أوروبا بوقف الاعتماد على الغاز الروسي بالكامل في 2027، يُشار إلى أن قارة أوروبا استوردت ما يصل إلى 20% من احتياجاتها من اليورانيوم خلال عام 2020، وفق آخر إحصائيات متوفرة، وكان ممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل فونتيليس، قد كتب مقالًا، قبل يومين، تلقّت منصة الطاقة المتخصصة نسخة منه، أشار فيه إلى خفض الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي، وقال: "من خلال التعاون الوثيق مع الشركاء الأساسين، خفّضنا عائدات الطاقة التي كان يحصل عليها الكرملين لتمويل عدوانه بنسبة 50%"، وأضاف: "بالعمل معًا، خففنا الآثار العالمية المتلاحقة مع انخفاض أسعار الغذاء والطاقة، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى ممرات التضامن ومبادرة حبوب البحر الأسود".

اضف تعليق