q
تُـعَـد الكهرباء المنتج القياسي المطلق، فكل وحدة منها متماثلة مع الأخريات تماما. وشبكة الطاقة في تكساس مغلقة، ومعزولة عن التجارة بين الولايات، وهي بالتالي معفاة من الضوابط التنظيمية الفيدرالية. فأي مكان أفضل، وأي منتج أفضل من هذا، لإثبات مزايا نظام تنافسي غير خاضع للتنظيم؟ اقترح الاقتصاديون إنشاء سوق...
بقلم: جيمس ك. غالبريث

أوستن ــ يعود الفضل إلى ويليام هوجان من كلية كينيدي في جامعة هارفارد في تصميم سوق الطاقة في تكساس. وعندما تجمد سكان تكساس وانفجرت الأنابيب التي تمدهم بالمياه، يُـقَـال إن تعليقه على ذلك جاء بما يفيد أن سوق الطاقة في الولاية عملت بما يتفق مع ما صُـمِّـمَت له.

الواقع أن هوجان مُـحِـق، وهو ما ينبئنا بالكثير عن الطريقة التي يفكر بها بعض أهل الاقتصاد.

لسنوات، كانت إدارة مرافق الكهرباء عملا مستقرا مملا. ففي التصدي لتأثيرات الاحتكار، حددت مأموريات المرافق الأسعار وعملت على تثبيتها، وحصلت الشركات على معدل عائد على استثماراتها كان (من حيث المبدأ) كافيا لتغطية تكاليف الإنشاءات والصيانة بالإضافة إلى ربح عادل.

لكن خبراء الاقتصاد اشتكوا من أن المرافق لديها الحافز للإفراط في الاستثمار. فكلما ازداد حجم عملياتها وارتفعت تكاليفها الإجمالية، كلما ازداد ما يمكنها استخلاصه من القائمين على تحديد الأسعار.

تُـعَـد الكهرباء المنتج القياسي المطلق، فكل وحدة منها متماثلة مع الأخريات تماما. وشبكة الطاقة في تكساس مغلقة، ومعزولة عن التجارة بين الولايات، وهي بالتالي معفاة من الضوابط التنظيمية الفيدرالية. فأي مكان أفضل، وأي منتج أفضل من هذا، لإثبات مزايا نظام تنافسي غير خاضع للتنظيم؟

لذا، اقترح الاقتصاديون إنشاء سوق حرة: دع شركات توليد الطاقة تتنافس على توصيل الطاقة إلى المستهلكين من خلال الشبكة الكهربائية المشتركة. وسوف تحكم العقود المختارة بحرية الشروط والأسعار. وسوف تعمل المنافسة على تعظيم الكفاءة، وتعكس الأسعار تكاليف الوقود وأصغر هامش ربح ممكن.

وبهذا، يتلخص دور الدولة في إدارة شبكة الطاقة المشتركة التي تربط المنتجين بالمستهلكين. في أوقات النقص، قد ترتفع الأسعار، لكن أولئك الذين لا يرغبون في الدفع يمكنهم إغلاق مفاتيح الكهرباء لديهم.

في عام 2002، في عهد حاكم الولاية ريك بيري (وزير الطاقة في عهد الرئيس دونالد ترمب لاحقا)، حررت تكساس نظام الكهرباء من الضوابط التنظيمية وأنشأت سوقا حرة، أدارتها مؤسسة غير ربحية تحت مسمى مجلس تكساس لتأمين الطاقة الكهربائية، بالاستعانة بما يقرب من سبعين مزود للطاقة. وفي حين احتفظت قِـلة من المدن ــ بما في ذلك أوستن ــ بسلطتها العامة على الطريقة القديمة، فإنها أيضا كنت مرتبطة بنظام الولاية.

المشكلة هي أن الطلب على الكهرباء غير مرن: فهو لا يستجيب كثيرا للسعر، لكنه يستجيب للطقس. في أوقات الحرارة الشديدة أو البرد القارص، يصبح الطلب أقل مرونة. وعلى النقيض من السوق العادية، يجب أن يتساوى العرض مع الطلب كل دقيقة من كل يوم. وإذا لم يتحقق ذلك التساوي فقد يفشل النظام بأسره.

يعيب النظام في تكساس ثلاث نقاط ضعف. فأولا، كانت المنافسة الشديدة لتوفير الطاقة بأرخص طريقة ممكنة تعني أن الآلات، والآبار، والعدادات، والأنابيب، ودواليب الهواء غير معزولة ضد البرودة الشديدة ــ وهي نادرة لكنها ليست غير معروفة هنا. ثانيا، في حين كان من الممكن أن تتقلب أسعار الجملة بحرية، فإن أسعار التجزئة كانت تعتمد على العقد الذي وقعه المستهلك. ثالثا، كان من الوارد أن ترتفع الأسعار إلى أعلى مستوياتها في اللحظات عندما يكون الطلب على الطاقة عند أعلى مستوياته ــ ولا يتجه إلى الانخفاض.

كان النظام الجديد ناجحا في معظم الوقت. فقد ارتفعت الأسعار وانخفضت. وواجه العملاء الذين لم يوقعوا على عقود طويلة الأجل بعض المخاطر. كانت إحدى شركات تزويد الطاقة، واسمها Griddy، تقدم نموذجا خاصا: ففي مقابل رسوم عضوية شهرية بقيمة 9.99 دولارا، يمكنك الحصول على الطاقة بسعر الجملة. وفي أغلب الأوقات، كان ذلك رخيصا.

لكن الناس لا يحتاجون إلى الكهرباء "معظم الوقت"؛ بل يحتاجون إليها في كل وقت. وبحلول عام 2011 على الأقل، عندما شهدت ولاية تكساس فترة قصيرة من الصقيع الشديد، أدرك قادة الولاية أن النظام كان غير مستقر على الإطلاق في ظروف الطقس القصوى. وكان مهندسو النظام يدركون ذلك أيضا، أيا كان ما يدلون به من تصريحات الآن.

مع ذلك، لم يفعل ساسة تكساس أي شيء. فلم تكن شركات تزويد الطاقة في تكساس، وهي من المصادر الغنية للتبرعات للحملات الانتخابية، راغبة في الالتزام بالاستثمار في سبل الوقاية من عوامل الطقس والتي لم تكن ضرورية في معظم الوقت. وفي عام 2020، كانت حتى عمليات التفتيش الطوعية معلقة، بسبب جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19).

ثم أتى الصقيع الشديد في عام 2021، فتجمد بخار الماء في الغاز الطبيعي في الآبار، والأنابيب، ومحطات التوليد. وتوقفت دواليب الهواء غير المحمية من الطقس الشديد البرودة عن العمل، لكنها كانت تشكل جزءا صغيرا من القصة. ولأن شبكة تكساس منفصلة عن بقية البلاد، فلم يكن من الممكن استيراد أي احتياطيات؛ ومع انتشار البرد في كل مكان، لم يكن من الممكن توفر أي من هذه الاحتياطيات على أية حال. في الساعات الأولى من يوم الخامس عشر من فبراير/شباط، فاق الطلب المعروض إلى الحد الذي جعل الشبكة بالكامل على بُـعـد دقائق من الانهيار بسبب الحمل الزائد.

مع حدوث كل ذلك، فشلت آلية الأسعار تماما. حتى أن أسعار الجملة ارتفعت بما يعادل 100 ضعف ــ لكن أسعار التجزئة، الخاضعة للعقود، لم ترتفع بذات القدر، باستثناء تلك التي يدفعها عملاء شركة Griddy، الذين غرقوا في فواتير بآلاف الدولارات يوميا. وارتفع الطلب مع انهيار العرض.

ثم اضطر مجلس تكساس لتأمين الطاقة الكهربائية إلى قطع التيار الكهربائي، وهو ما كان ليصبح في حكم المحتمل لو حدث على أساس دائر عبر الأحياء في مختلف أنحاء الولاية. لكن هذا كان مستحيلا: فمن غير الممكن قطع الكهرباء عن المستشفيات، ومحطات الإطفاء، وغير ذلك من المرافق الحيوية، أو عن الشقق في البنايات الشاهقة التي تعتمد على المصاعد. ولهذا، ظلت الأنوار مضاءة في بعض المناطق، وظلت منقطعة ــ لأيام ــ عن مناطق أخرى.

ثم أعقب ذلك المرحلة التالية من الكارثة بتجمد المياه، فانفجرت الأنابيب، ولم تتمكن إمدادات المياه من مواكبة الطلب. وفي مختلف أنحاء ولاية تكساس، انخفض ضغط المياه، أو تلاشى تماما. ولم تتمكن المستشفيات من توليد البخار، وبالتالي الحرارة، واضطرت بعض المستشفيات إلى أخلاء مبانيها. وكل هذا، كما ينبئنا هوجان بدقة، كان بحكم التصميم.

الآن تعود الطاقة إلى تكساس؛ وسوف تستغرق إمدادات المياه بضعة أيام أخرى. لكن المواد الغذائية نادرة وسوف يستغرق إصلاح المنازل المتضررة عدة أشهر. لقد عانى الملايين من أهل تكساس من تأثيرات تصميم اخترعه خبراء الاقتصاد، بمساعدة أسطورة خدمت صناعة الوقود الأحفوري والساسة الذين تمولهم. وجاءت تصرفات أحد هؤلاء الساسة، السناتور تِـد كروز، متوافقة تماما مع منطق السوق الحرة الذي تبناه النظام، فقد ارتحل إلى كانكون.

يقول بيري إن أهل تكساس على استعداد للتضحية بأنفسهم لتجنب لعنة الاشتراكية. ولكن إذا كانت الاشتراكية تعني إسناد الأمور الفنية المتعلقة بالحياة والموت إلى المهندسين وغيرهم ممن يعرفون حق المعرفة مع أي شيء يتعاملون، وليس إلى أصحاب الإيديولوجيات والمخترقين والمستشارين، فقد يفضل العديد من أهل تكساس المرتجفين بردا لعنة الاشتراكية على تلك التي نعيشها الآن.

* جيمس ك. غالبريث، المدير التنفيذي السابق للجنة الاقتصادية المشتركة للكونجرس الأمريكي، وأستاذ الحكومة ورئيس العلاقات الحكومية/التجارية في كلية ليندون بي جونسون للشؤون العامة بجامعة تكساس في أوستن. وهو مؤلف كتاب "اللامساواة: ما يحتاج الجميع إلى معرفته والترحيب به في الكأس المسموم: تدمير اليونان ومستقبل أوروبا".
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق