q
يتجه العالم لثورة جديدة في عالم الطاقة، فبعد سنوات من استحواذ الوقود الأحفوري على الطاقة، إلا أن البطل القادم هو الهيدروجين الأخضر، ببساطة فالهيدروجين الأخضر هو عبارة عن وقود خالٍ من الكربون، مصدر إنتاجه هو الماء، تشهد عمليات الإنتاج فصل جزيئات الهيدروجين عن جزئيات الأكسجين بالماء...

يتجه العالم لثورة جديدة في عالم الطاقة، فبعد سنوات من استحواذ الوقود الأحفوري على الطاقة، إلا أن البطل القادم هو الهيدروجين الأخضر، ببساطة فالهيدروجين الأخضر هو عبارة عن وقود خالٍ من الكربون، مصدر إنتاجه هو الماء.

تشهد عمليات الإنتاج فصل جزيئات الهيدروجين عن جزئيات الأكسجين بالماء، بواسطة كهرباء يتم توليدها مصادر طاقة متجددة، ويلتزم الهيدروجين الأخضر بأهداف حماية البيئة ومكافحة الاحتباس الحراري، لكونه يعتمد إزالة الكربون وتقليص نسبته في الهواء.

اذ يُعد الهيدروجين مصدر طاقة واعد في المستقبل. وبعض شركات النفط الكبرى تستثمر في هذه التقنية الجديدة. والحكومة الألمانية تسعى بخط حثيثة للاعتماد على "الهيدروجين الأخضر" لتحقيق الإكتفاء من الطاقة وحماية المناخ.

الهيدروجين يعد معقد آمال إذا تحقق النجاح في تسيير الاقتصاد حتى 2050 بطريقة "محايدة التأثير على المناخ". فهذا الغاز يُعتبر باستخدامه المتعدد الجوانب في الصناعة وحتى في حركة الشاحنات وربما حتى في الطيران مصدر طاقة مثالي. وبالنسبة إلى الحكومة الألمانية يكون الهيدروجين بكل حال "مكون محوري في تحول سياسة الطاقة".

والمحللون في المعهد البريطاني Aurora Energy Research يرون ذلك بنفس الطريقة: فقد لاحظوا في مقارنة دولية للسوق الأوروبية أن "المانيا لها الخطة الطموحة والمفصلة وكذلك سلسلة تزود قائمة بالهيدروجين". فألمانيا هي بفارق كبير السوق الأكثر جاذبية للهيدروجين. والألمان يتفوقون في ذلك على هولندا وبريطانيا وفرنسا والنرويج. وباستمرار يتبين أن مستثمرين كبار مهتمون ويعلنون عن مشاريع هيدروجين جديدة في المانيا. والحكومة الألمانية قررت من جهتها وفقا لـ"استراتيجية الهيدروجين" إقامة شراكات مع موردين أجانب ودعم الإنتاج المحلي بتسعة مليارات يورو.

وعلى هذا النحو أعلنت شركة الطاقة البريطانية بي بي وشركة الطواحن الرياح أورستيد من الدنمارك الثلاثاء (11 نوفمبر 2020) تشييد منشأة لتوليد الهيدروجين في لينغن في وسط شمال المانيا. وبـ 50 ميغاوات سيتعدى هذا المشروع الطاقة المبرمجة لمشروع Westküste 100 في ولاية شليزفيش هولشتاين. والشركة الدنماركية أورستيد مشاركة في المشروع. والمشغل الدنماركي للطواحن الهوائية في بحر الشمال يُتوقع أن يقدم الكهرباء ـ الأخضر ـ. وموعد انطلاقة التشغيل في كلا الحالتين مقرر لعام 2024. وحتى شركة النفط شيل تتطلع لتصبح عارضا رائدا "للهيدروجين الأخضر"، وهذا ما أعلنت عنه في سبتمبر. كما أن الشركة تريد من خلال المزج بين طواحين الرياح البحرية وإنتاج الهيدروجين المشاركة في إنتاج الطاقات المتجددة وحتى 2030 توفير نحو 1000 محطة شحن للسيارات الكهربائية في محطات الوقود لديها.

وزير الاقتصاد الألماني يضغط حاليا لاعتماد معايير مشتركة في استراتيجية الهيدروجين للاتحاد الأوروبي. وهذه من شأنها تحديد ما هو الهيدروجين "الأخضر"، كما طالب الوزير مطلع أكتوبر في مستهل مؤتمر دولي:" التوجهات الأحادية الوطنية لا تخدم أحدا". وحسب استراتيجية الهيدروجين لدى ألتماير يجب حتى 2040 على أبعد تقدير تشييد طاقات تحليل كهربائي بقوة عشرة ميغاوات ـ وهذا يعادل طاقة عشر محطات نووية. والإنتاج يراد دعمه هنا من خلال الإعفاء من الرسوم على الكهرباء من الرياح أو الشمس.

ومفوضة الطاقة الأوروبية كادري سيمسون أشارت أيضا إلى ضرورة التعاون الدولي وذكرت بلدانا مثل أوكرانيا والمغرب كشركاء. وألمانيا سبق وأن أبرمت اتفاقيات أولى للتعاون مع بلدان افريقية حيث تُستخدم الشمس والرياح كمصادر طاقة بشكل أقوى. "الهيدروجين يمثل فرصة لا نحصل عليها في الغالب"، كما قالت سيمسون.

ووزير الاقتصاد في ولاية شمال الراين وستفاليا، اندرياس بينكفارت أشار إلى مشكلة في المانيا: فحسب تقديرات، كما قال الوزير، ستكون هناك حاجة في المانيا حتى عام 2050 إلى نحو 6000 كلم من أنابيب الهيدروجين، وإلى حد الآن لا يوجد إلا جزء صغير. وتنظيم شبكات الهيدروجين وجب بالتالي استيعابه في أسرع وقت ممكن ضمن قانون اقتصاد الطاقة. والهيدروجين المستخرج من الطاقات المتجددة وجب تحريره من الضريبة، كما قال بينكفارت:" فقط على هذا النحو يمكننا إيجاد تحفيز اقتصادي لإنتاج واستخدام الهيدروجين الأخضر". والضريبة لدعم الطاقات المتجددة تعرقل إلى حد الآن تنفيذ استراتيجية الهيدروجين الألمانية.

وتبين دراسة أخرى الجانب الملح لتشييد البنية التحتية بحكم أن الحاجة إلى الكهرباء في المانيا حتى عام 2050 ستزداد. بنسبة 60 في المائة بالمقارنة مع 2018 سيرتفع الاستهلاك من خلال التحول من النفط والغاز إلى الطاقة الكهربائية ويجب تغطيته كليا من مصادر متجددة، كما يفيد أصحاب الدراسة. ومنذ 2030 ستكون الحاجة للكهرباء أعلى مما افترضته وزارة الاقتصاد.

ومن الناحية الاقتصادية قد تصبح الاستثمارات في تقنية الهيدروجين مثمرة: بتفويض من اتحاد الطاقات المتجددة حسَب معهد المناخ والبيئة والطاقة وشركة الاستشارة DIW Econ أنه من خلال تنفيذ استراتيجية الهيدروجين قد تنشأ مئات آلاف فرص العمل. فإذا تم تحصيل 90 في المائة من الهيدروجين في المانيا لتحقيق هدف الحياد المناخي من الإنتاج المحلي، فمن الممكن الحصول في عام 2050 على أكثر من 800.000 فرصة عمل إضافية ومفعول ذو قيمة مضافة حتى 30 مليار يورو.

والهيدروجين المنتج في المانيا ليس تلقائيا أغلى من الهيدروجين من شمال افريقيا أو مناطق أخرى، كما يؤكد أصحاب الدراسة. والسبب هي تكاليف النقل العالية. وألمانيا تتطور باستراتيجيتها الطموحة في الهيدروجين والطاقة المتزايدة لاستغلال الشمس والطواحين الهوائية في مقارنة أوروبية إلى السوق الأكثر جاذبية لاستثمارات، لاسيما في "الهيدروجين الأخضر".

ملهم أسواق الطاقة

من المقرر أن يلعب الهيدروجين دوراً رئيسياً في أسواق الطاقة العالمية خلال العقود القادمة، ليحل محل جزء كبير من الطلب على النفط. ووفقاً لمحلل الأبحاث العالمية في «بنك أوف أمريكا»، فإنه بينما لا تزال هناك حاجة للنفط والغاز في سوق الطاقة الكبير، إلا أن هذين المصدرين يقتربان من ذروة الطلب. وربما خلال هذا العقد، أي أسرع بكثير مما يعتقد الجميع.

هناك عدة عوامل من شأنها أن تؤثر في الطلب على النفط والغاز في المستقبل، بما في ذلك الطاقة المتجددة الأرخص، والسيارات الكهربائية، وتابع محلل البنك الأمريكي: «نعتقد أن الهيدروجين سيأخذ 25% من إجمالي الطلب على النفط بحلول عام 2050»، مضيفاً أن «النفط يواجه رياحاً معاكسة يميناً ويساراً. نعم، سنظل بحاجة إليه، نعم، سيظل موجوداً، لكن حصة السوق من النفط ستنخفض بشدة».

إلى ذلك، لاحظت وزارة الطاقة الأمريكية، أن الهيدروجين ناقل للطاقة، وليس مصدراً لها فقط، مما يعني أنه مصدر طاقة ثانوي مثل الكهرباء. وأضافت الوزارة أن الهيدروجين باستطاعته أن يولد أو يخزن كمية هائلة من الطاقة، ويمكن استخدامه في خلايا الوقود لتوليد الكهرباء أو الحرارة.

هل تغير الزمن؟

في السنوات الأخيرة، أعلنت الحكومات والشركات في جميع أنحاء العالم عن أهداف لتقليل تأثيرها البيئي والابتعاد عن الوقود الأحفوري. وتستهدف كل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، صافي انبعاثات غازات دفيئة صفرية بحلول عام 2050. وإذا تحققت هكذا أنواع من الأهداف، فإن مزيج الطاقة في العالم سيشهد تحولاً كبيراً إلى مصادر متجددة ومنخفضة الكربون، وهي مهمة عظيمة حقاً. يشدد المحللون على أهمية تنويع مصادر الطاقة للشركات العاملة في مجال الوقود الأحفوري والذهاب أكثر إلى المتجددة منها مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أو المياه. في سبتمبر الماضي، تم الإعلان عن موافقة شركة بريتيش بيتروليوم للطاقة «بي بي» على الحصول على حصص بنسبة 50% في مشروعي «إيمباير ويند» و«بيكون ويند» لتوليد الكهرباء عن طريق الرياح من شركة «إيكونور» النفطية النرويجية. ومن المقرر إغلاق الصفقة البالغة قيمتها 1.1 مليار دولار في أوائل هذا العام، عندما يتم تشغيل المشروعين بالكامل، وبحسب الشركة، سيكونان قادرين على توليد الكهرباء لأكثر من مليون منزل قبالة الساحل الشرقي للولايات المتحدة.

بالنسبة للهيدروجين، هو مجال آخر بدأ يكتسب الزخم. فقد وضع الاتحاد الأوروبي خططاً لتوليد 40 جيجاوات من المحلل الكهربائي للهيدروجين المتجدد وإنتاج ما يصل إلى 10 ملايين طن متري من الهيدروجين المتجدد بحلول عام 2030.

يمكن إنتاج الهيدروجين بعدة طرق؛ كاستخدام التحليل الكهربائي، مع تيار كهربائي يقسم الماء إلى أكسجين وهيدروجين. وإذا كانت الكهرباء المستخدمة في العملية قادمة من مصدر متجدد مثل الرياح، فستتم تسميتها بالهيدروجين الأخضر أو «المتجدد».

في الوقت الحالي، تعتمد الغالبية العظمى من توليد الهيدروجين على الوقود الأحفوري. ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة انخراط شركات كبرى مثل «ريبسول» و«سيمنز إنرجي» و «بي بي» في مشاريع مرتبطة بإنتاج الهيدروجين الأخضر. ومن المقرر أن تمتلك كندا أحد أكبر مصانع الهيدروجين الأخضر في العالم، حيث خطى المشروع الضخم خطوة كبيرة إلى الأمام من خلال منح عقد هندسي بالتعاون مع شركة «تيسين كروب» الألمانية الصناعية العملاقة، لتنفيذ مشروع تركيب محطة التحليل الكهربائي للمياه بقدرة 88 ميجاوات لشركة «هايدرو كيبيك» الكندية، ستكون قادرة على توليد نحو 11 ألف طن متري من الهيدروجين الأخضر سنوياً. وستكون الكهرباء المستخدمة لهذا المشروع قادمة من الطاقة الكهرومائية. ووفقاً للحكومة الكندية، فإن الطاقة المائية مسؤولة عن 59.6% من توليد الكهرباء في البلاد

وقالت شركة الطاقة الدنماركية «أورستد» إنها تمضي قدماً في خطط تطوير مشروع تجريبي من شأنه تسخير طاقة الرياح البحرية لإنتاج الهيدروجين الأخضر.

من جهتها أعلنت وكالة الطاقة الدولية أن إنتاج الهيدروجين العالمي المخصص يصل إلى ما يقرب من 70 مليون طن متري سنوياً، وأشارت إلى أن الطلب مستمر في النمو، وأنه ازداد بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ عام 1975. ووفقاً للوكالة، هناك أقل من 0.1% من إنتاج الهيدروجين العالمي المخصص اليوم يأتي من التحليل الكهربائي للماء. في هذا السياق، تعتبر فكرة الهيدروجين الأخضر جذابة للغاية، على الرغم من أن دوره في مزيج الطاقة الإجمالي صغير ولا يمثل سوى 0.1% من إنتاج الهيدروجين العالمي في عام 2020، لكن بحسب تقرير صادر عن «وود ماكنزي» للأبحاث واستشارات الطاقة، فإن تكاليف إنتاج الهيدروجين الأخضر قد تنخفض بنسبة تصل إلى 64% بحلول عام 2040.

تحول عالمي

يحظى الهيدروجين الأخضر (أو المتجدد) باهتمام عالمي متزايد في الفترة الأخيرة، باعتبار أنه وقود نظيف ويمكن أن يساند الجهود العالمية المبذولة حاليًا لتخفيف الانبعاثات الكربونية العالمية، والتعامل مع قضية التغير المناخي. وجرى تنفيذ عدد من المشاريع التجريبية لإنتاج الهيدروجين مؤخرًا في أنحاء مختلفة من العالم، والتي من المحتمل أن تكون نواة للتوسع التجاري في استخدامه في العديد من التطبيقات في مجالات الصناعة والنقل والإسكان وغيرها. ويقتضي تحول الهيدروجين الأخضر لعنصر رئيسي في مزيج الطاقة العالمي مستقبلًا عدة متطلبات، يأتي في صدارتها استمرار الحكومات في دعم جهود البحث العلمي والتطوير لخفض كُلفة إنتاج الهيدروجين، وتقديم حزم من الحوافز المالية والتنظيمية لمشاريع إنتاج الهيدروجين الناشئة، لكي يصبح أكثر جاذبية من الناحية اللوجستية والتسعير بالنسبة للمستخدمين النهائيين.

يُعد الهيدروجين ناقلًا كيميائيًا للطاقة قابلًا للنقل والتخزين، ويمكن إنتاجه عن طريق وسيلتين رئيسيتين هما: إما إجراء عملية تبخير لمصادر الوقود الأحفوري مثل الفحم والغاز الطبيعي، أو من خلال عملية التحليل الكهربائي للماء المعروفة بــــElectrolysis، وعلى نحو يسمح بالحصول على جزيئات الهيدروجين بعد فصلها عن الأكسجين، وهي أكثر الطرق شائعة الاستخدام حتى الآن.

وبالإمكان خلط الهيدروجين بعناصر كيميائية منفصلة ليمكننا الحصول على منتجات أخرى، على غرار الميثان الصناعي، والأمونيا، والوقود السائل الصناعي، والميثانول، وغيرها، فيما يشار إليه بــ”الوقود المعتمد على الهيدروجين”، والذي يمكن استخدامه لاحقًا كمادة وسيطة في العديد من الصناعات، مثل التكرير والبتروكيماويات والأسمدة وغيرها.

وهناك ثلاثة أنواع رئيسية للهيدروجين، طبقًا لمدى خلوه من الكربون وهي الآتي: (1) الهيدروجين الأخضر: ويتم إنتاجه عن طريق التحليل الكهربائي، باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. (2) الهيدروجين الأزرق: وينتج عن طريق إعادة تشكيل غاز الميثان، المكون الرئيسي لخام الغاز الطبيعي، بالتبخير مع إزالة الكربون أثناء المعالجة. (3) الهيدروجين الرمادي: يتم إنتاجه عن طريق إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار، دون إزالة الكربون.

وحاليًا، يستحوذ الهيدروجين الرمادي، المُنتج من مصادر الوقود الأحفوري، على حصة 95% من الإمدادات العالمية الإجمالية للهيدروجين، بينما النسبة المتبقية عن طريق التحليل الكهربائي، وهما يلبيان معًا نحو 4% من الاستهلاك النهائي للطاقة وفق الوكالة الدولية للطاقة. وفي عام 2019، بلغ إجمالي الطلب العالمي على الهيدروجين نحو 120 مليون طن متري (60% للهيدروجين النقي، و40% للوقود القائم على الهيدروجين)، وبقيمة اقتصادية قُدرت بنحو 135.5 مليار دولار.

الهيدروجين النظيف

منذ أكثر من عقدين تصاعد الاهتمام العالمي بالتحول نحو استخدام مصادر الطاقة النظيفة بما في ذلك الطاقة الشمسية والرياح إلى جانب المصادر الأخرى، وذلك من أجل معالجة مشكلة الانبعاثات الكربونية العالمية التي تفرض تغيرات مناخية عديدة ذات تبعات اقتصادية وسلبية جسيمة. ولكي يحافظ العالم على الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية عند أقل من 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، ينبغي خفض صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 45% بحلول عام 2030 من مستويات عام 2010، على أن تصل إلى صفر بحلول عام 2050.

ويعتبر التحول نحو استخدام الهيدروجين الأخضر أو المتجدد ضمن الحلول الرئيسية التي طُرحت مؤخرًا من جهة العديد من الحكومات العالمية من أجل مساندة الجهود العالمية الرامية لخفض الانبعاثات الكربونية. وبإمكانه أن يلعب دورًا حيويًا في تعزيز الانتقال نحو استخدام الطاقة النظيفة نظرًا لما يتمتع به من الوفرة في الطبيعة، وإمكانية تخزينه ونقله لمسافات طويلة، وذلك دون إطلاق ثاني أكسيد الكربون.

وفي هذا الإطار، اكتسبت برامج إنتاج الهيدروجين الأخضر زخمًا قويًا في أوروبا بجانب الصين واليابان والإمارات وفي أنحاء أخرى من العالم، وتتطلع هذه الدول للتوسع في استخدامه بقطاعات متنوعة بما في ذلك الصناعة والنقل والإسكان. وكآلية للتحرك الجماعي، أصدرت المفوضية الأوروبية، وهي من أبرز الداعمين العالميين للطاقة النظيفة، في يوليو 2020، استراتيجية لتوسيع استخدام الهيدروجين الأخضر عبر القطاعات الملوثة مثل البتروكيماويات والصلب.

وبموجب الاستراتيجية الأوروبية، سيتم تدشين منشآت محللات كهربائية للهيدروجين بقدرة 6 جيجاوات لإنتاج ما يصل إلى مليون طن من الهيدروجين الأخضر في المرحلة الأولى (2020-2024)، على أن يتم زيادة الطاقة الإنتاجية بالمرحلة الثانية (2025-2030) بما قدره 40 جيجاوات لإنتاج ما يصل إلى عشرة ملايين طن من الهيدروجين الأخضر، وسوف يخصص الاتحاد الأوروبي أموالًا تتراوح بين 180 مليار و470 مليار يورو من أجل تحفيز التوسع في استخدام الهيدروجين الأخضر حتى 2050.

وعلى جانب موازٍ، تُحضر كثير من شركات الطاقة الكبرى، على غرار “ريبسول” الإسبانية “وسيمنز إنرجي” الألمانية و”بي بي” البريطانية، لتعديل نموذج أعمالها، والتحول نحو استثمارات الطاقة النظيفة بما في ذلك “الهيدروجين الأخضر”. بينما تعمل بدورها العديد من شركات السيارات العالمية الكبرى على تطوير مركبات تعمل بخلايا الهيدروجين قادرة على منافسة المركبات الكهربائية، وتلك المعتمدة على محركات الاحتراق الداخلي.

وحاليًا، يوجد بالعالم نحو 11.200 ألف سيارة تعمل بالطاقة الهيدروجينية، وهذه الأعداد مرشحة للزيادة في العقود المقبلة. ووفق تقرير سابق لشركة “شل”، فمن المرجح أن تعمل نحو 113 مليون مركبة بخلايا الوقود في عدة أماكن بالعالم، ولا سيما في اليابان والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بحلول 2050. وتتطلب هذه الزيادة بلا شك تطوير بنية تحتية قوية لمحطات الهيدروجين، فضلًا عن تعزيز كفاءة تشغيل البطاريات وخفض كُلفتها مستقبلًا، لكي تجذب المستخدمين.

وبالإضافة للسابق، تُجري عدد من الشركات الصناعية الدولية التجارب الأولية للتوسع في استخدام الهيدروجين في عملية إنتاج الحديد والصلب والتكرير، وهي خطوة من شأنها أن تُساهم في خفض الانبعاثات الكربونية الناجمة عن أنشطتها. كما تتحول حاليًا بعض من شركات إدارة المرافق في العالم نحو تزويد القطاع المنزلي بالكهرباء عبر وحدات خلايا الهيدروحين. وحاليًا، هناك ما يقارب 225 ألف وحدة هيدروجين تزود المنازل بالكهرباء في أنحاء مختلفة حول العالم حتى نهاية عام 2018، ويتواجد غالبيتها العظمى في اليابان.

آفاق مستقبلية

تدور النقاشات العالمية بالوقت الراهن على أن هناك تحديات لا تزال تواجه الطموح العالمي لزيادة تمثيل الهيدروجين الأخضر في مزيج الطاقة العالمي في المستقبل، ولعل أبرزها يتمثل في تكاليف إنتاجه المرتفعة التي تعتمد بنهاية المطاف على أسعار توليد الكهرباء عن طريق مصادر الطاقة المتجددة، علاوةً على التكلفة الاستثمارية للمحلل الكهربائي، وهي حاليًا أعلى مرتين أو ثلاث من تكلفة الوقود الرمادي، مما يجعل الأخير أكثر جاذبية للمستخدمين حتى الآن.

وطبقًا للوكالة الدولية للطاقة، فإن تكلفة إنتاج كيلوجرام واحد حاليًا من الهيدروجين الأخضر (ما يعادل حوالي 33.3 كيلو وات في الساعة) تتراوح بين 3.50 يورو إلى 5 يورو، أي ما بين 0.10 يورو/ كيلو وات ساعة و0.15/ كيلووات ساعة، بينما تكلفة الهيدروجين الرمادي عند مستوى 1.5 يورو للكيلو جرام الواحد (أو 0.045 يورو/ كيلووات في الساعة).

وإضافة للسابق، إذا كان من المتوقع أن يلبي الهيدروجين النظيف ما نسبته 22% من الاحتياجات العالمية للطاقة بحلول عام 2050 طبقًا لـ”بنك أوف أمريكا سيكيورتيز” BofA Securities، فهذا سيتطلب بلا شك توليد كميات هائلة من توليد الكهرباء المتجددة الإضافية. وسيتطلب إنتاج ما يكفي من الهيدروجين الأخضر لتلبية ربع الاحتياجات العالمية من الطاقة، كهرباء أكثر مما يولده العالم حاليًا من جميع المصادر مجتمعة، ومجموع استثمارات قدرها 11 تريليون دولار في مجالات البنية التحتية للإنتاج والتخزين والنقل وغيرها طبقًا لـ”بلومبرج إن إي إف” (BloombergNEF).

وفي ضوء المعطيات السابقة، يمكن القول إن الرهان على تعزيز الجدوى الاقتصادية لاستخدام الهيدروجين الأخضر عالميًا، يتوقف على مساندة منظومة الابتكار العالمية الداعمة لخفض التكلفة الاستثمارية والتشغيلية لإنتاج ذلك الوقود النظيف، وعلى نحو يجعله مستقبلًا أكثر جاذبية بالنسبة للمستخدمين النهائيين في مختلف الأنشطة الاقتصادية.

11 تريليون دولار استثمارات مطلوبة

أشارت تقديرات لوحدة شئون تمويل مصادر الطاقة الجديدة بوكالة الأنباء "بلومبرج" إلى أنه حتى يتم إنتاج كمية من الهيدروجين الأخضر تغطي 25% من الطلب العالمي من الطاقة، لابد من إنتاج كهرباء أولا تفوق حجم الإنتاج العالمي الآن.

وأوضحت أن استثمارات الإنتاج والتخزين تتطلب مبلغ ضخم يصل إلى 11 تريليون دولار، لذلك التوجه الآن إنتاج كمية من هذا الوقود لتوفير 15% من احتياجات الاقتصاد العالمي، وحدد التقرير مجموعة من الصناعات المرشحة للاستفادة من هذا الوقود، تشمل الطائرات، والسفن، والشاحنات، التي تقطع مسافات طويلة، والصناعات الثقيلة.

وتعلق ريتشيل فخري، محللة شئون الطاقة في مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية، في نيويورك: "أن الهيدروجين الأخضر واعد للغاية، ويعد مكملا لمصادر الطاقة المتجددة"، وأضافت أنه في الوقت الذي يمكن فيه الاعتماد على الطاقة الشمسي والرياح في توفير كهرباء المنازل والسيارات الكهربائية، يمكن استخداد هذا الوقود الجديد في الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة.

تشهد العديد من الدول تنفيذ مشروعات توليد الهيدروجين الأخضر ومنها المملكة العربية السعودية، إذ تعكف شركة "آير برودكَتس آند كيميكالز" الأمريكية على إنشاء وحدة صناعية في مشروع نيوم، هذه الوحدة هي الأكبر من نوعها على الصعيد العالمي حتى الآن، وفي أوروبا، خصص الاتحاد الأوروبي ميزانية لإنتاج هذا الوقود الواعد ونقله وتخزينه ضمن جهود إزالة وتقليص نسبة الكربون في الهواء، كما افتتحت اليابان قرب مدينة فوكوشيما وحدة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بغرض تشغيل خلايا الوقود الهيدروجيني الموجودة في المركبات أو في أي أماكن ثابتة.

التحديات والصعوبات

على الجانب الآخر، ألقى متخصصون الضوء على صعوبات تواجه الهيدروجين الأخضر، أبرزها أن طريقة الإنتاج الأكثر انتشارا حاليا تعتمد على استخدام أنواع من الوقود الأحفوري مثل الغاز الطبيعي لإنتاج ما يعرف بغاز الاصطناع، وهو عبارة عن مزيج من الهيدروجين وأحادي أكسيد الكربون.

ويعني ذلك أن عملية الإنتاج تنطوي على وجود انبعاثات لثاني أكسيد الكربون، كما أن هناك صعوبات تتعلق بطبعية تهزين ونقل الوقود الهيدروجيني، لاسيما فيما يتعلق بارتفاع التكلفة، وعلق علي بِن جالاجار، محلل شئون الطاقة في مجموعة وود ماكنزي الاستشارية لأبحاث الطاقة والكيماويات والمعادن والتعدين: "مستقبل الهيدروجين الأخضر كوقود يكتنفه الكثير من الغموض"، وأكد أنه لا يستطيع أحد الفصل في مستقبل الهيدروجين الأخضر أو اعتباره نوعا جديدا من النفط.

اضف تعليق