يواجه اتفاق أوبك على تمديد خفض المعروض النفطي اختبارا حاسما في الشهرين القادمين مع بدء موسم الطلب الصيفي حيث سيحتاج تجار الخام والمستثمرون دليلا، لا محض تطمينات، على أن السوق في طريقها لاستعادة التوازن، وهبطت أسعار النفط عن 50 دولارا للبرميل للمرة الأولى خلال أربعة أسابيع رغم تعهد وزير الطاقة السعودي خالد الفالح بأن أوبك ستفعل ما يلزم لخفض المخزونات العالمية وإعادة التوازن إلى السوق، ويشير عدم وجود علاوة سعرية تذكر في العقود الآجلة لشهور الاستحقاق القريبة مقارنة مع عقود التسليم الأبعد أجلا إلى أن التجار والمستثمرين لا يعتقدون بأنه سيكون هناك شح حقيقي في الإمدادات.
وحين أبرمت أوبك اتفاقها الأصلي لخفض الإمدادات في نوفمبر تشرين الثاني من العام الماضي راهن البعض على زيادات سريعة في إنتاج الخام في أنحاء أخرى أو على تباطؤ نمو الطلب في اقتصادات ناشئة مهمة مثل الهند والصين، ولم تشهد المخزونات في معظم الدول المتقدمة تغيرا يذكر. وبحسب وكالة الطاقة الدولية، فإن المخزونات ارتفعت 24.1 مليون برميل في الأشهر الثلاثة الأولى من العام إلى 3.025 مليار برميل وبعد خمسة أشهر من الاتفاق خفضت بعض بنوك الاستثمار توقعاتها لأسعار النفط، وبعد اتفاق أوبك وشركائها الأحد عشر العام الماضي على خفض الإنتاج بمقدار 1.8 مليون برميل يوميا لستة أشهر جرى تداول العقود الآجلة لخام برنت تسليم 2018 بأسعار أقل كثيرا من تسليمات نهاية العام الحالي.
توقعات أسعار النفط تزداد ضبابية رغم تمديد تخفيضات أوبك
أظهر استطلاع للرأي أن محللي النفط أصبحوا أكثر تشاؤما إزاء توقعات الخام ويتكهنون بأسعار عند نحو 55 دولارا للبرميل في المتوسط هذا العام حتى بعدما اتفقت أوبك وشركاؤها على كبح الإنتاج حتى نهاية الربع الأول من 2018، اذ ذكرت كايلين بيرش المحللة لدى وحدة ايكونوميست انتلجنس أن المزيد من القيود من جانب أوبك على الإنتاج سيساعد في دعم الأسعار لكننا لا نتوقع أن يكون كافيا لقيادة الأسعار صوب ما يزيد على 55 دولارا للبرميل في المتوسط في 2017-2018، وعزت بيرش ذلك إلى استمرار التخمة في الإمدادات ونمو محدود في الاستهلاك، وتوقع المسح الذي شمل 34 من خبراء الاقتصاد والمحللين أن يبلغ متوسط سعر خام القياس العالمي مزيج برنت 55.57 دولار للبرميل في 2017 انخفاضا من 57.04 دولار في توقعات الشهر الماضي.
ومن المتوقع أن يبلغ سعر الخام الخفيف الأمريكي 53.52 دولار للبرميل في المتوسط هذا العام انخفاضا من 54.73 دولار في توقعات الشهر الماضي، والرقمان هما الأضعف في توقعات هذا العام إذ تسجل التوقعات انخفاضا قليلا كل شهر منذ بداية 2017.
واتفقت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وبعض المنتجين غير الأعضاء بها في الخامس والعشرين من مايو أيار على تمديد تخفيضات الإنتاج البالغة نحو 1.8 مليون برميل يوميا حتى مارس آذار 2018. وكان من المقرر أن ينتهي سريان الاتفاق الأصلي البالغة مدته ستة أشهر في 30 يونيو حزيران، لكن زيادة الإنتاج في الولايات المتحدة تقوض حتى الآن جهود أوبك لتقليص فائض المخزونات العالمية إلى متوسط خمس سنوات. وبلغ إنتاج الخام الأمريكي 9.34 مليون برميل يوميا الأسبوع الماضي، وهو أعلى مستوى له منذ أغسطس آب 2015.
وقد يتبين أن قرار أوبك بتمديد نفس المستوى من التخفيضات لتسعة أشهر إضافية عوضا عن خفض أكبر في الإنتاج غير كاف لتقليص الفائض على الرغم من التزام أوبك الصارم بالتخفيضات، ويرى محللون إن المنظمة تواجه خطر خسارة حصة سوقية أخرى لصالح منتجي النفط الصخري الأمريكي، مما قد يتسبب في انخفاض مستوى الالتزام بالاتفاق في النصف الثاني من العام، وتشجع زيادة الأسعار، التي انخفضت من فوق 100 دولار للبرميل في 2014، منتجي النفط الصخري الأمريكي على زيادة أنشطة الحفر، وإنه بعيدا عن طفرة النفط الصخري يفرض تعافي الإمدادات في نيجيريا وليبيا، عضوي أوبك المعفيين من اتفاق خفض الإنتاج، مخاطر إضافية على أسواق الخام، لكن محللين أوضحوا إن ارتفاع الطلب بسبب عوامل موسمية في النصف الثاني من 2017 قد يتسبب في انخفاض كبير في المخزونات ما من شأنه أن يقرب السوق من التوازن، فقد ذكر نوربرت رويكر رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي والسلع الأولية لدى جوليوس ياير "سيكون نمو الطلب العامل الأساسي في سحب فائض النفط العالمي لكن بوتيرة أبطأ مما كان متوقعا بوجه عام".
وفاق سعودي روسي
ذكرت مصادر اطلعت على ما دار في المحادثات في مدينة الظهران السعودية بين السعودية وروسيا فتحت آفاقا جديدة وإن الاثنين ناقشا السبل الممكنة للتعاون في آسيا مثل اندونيسيا والهند وفي أسواق أخرى، ويمثل الاجتماع، الذي ذكرت المصادر إن جولة تخللته في المقر الرئيسي لشركة أرامكو رافق فيها الناصر سيتشين، دليلا على الشراكة الجديدة المتسارعة وغير المتوقعة بين البلدين، وهي شراكة تتابعها عن كثب الدول الكبرى المستهلكة للنفط في العالم والتي ظلت تعتمد لفترة طويلة على المنافسة الساخنة بين البلدين في الفوز بصفقات أفضل.
وحتى عام مضى لم يكن هناك أي نوع من الحوار بين الجانبين حتى في مواجهة ارتفاع إنتاج النفط الصخري الأمريكي الذي أدى إلى انهيار أسعار النفط العالمية بدءا من منتصف عام 2014. وكان سيتشين يعارض بشدة أن تخفض روسيا إنتاجها بالترادف مع منظمة أوبك، وفي علامة على التنافس الشديد في السوق الآسيوية تفوق عرض روسنفت على عرض أرامكو لتشتري الشركة الروسية مصفاة إيسار الهندية العام الماضي وترفع نصيبها في أسرع أسواق الوقود نموا في العالم.
ولم تكد شهور تمضي حتى كانت موسكو والرياض تتوليان الدور الرئيسي في اتفاق لخفض إنتاج النفط تم التوصل إليه في ديسمبر كانون الأول وتقرر تمديده في الأسبوع الماضي، بل إنهما تناقشان إمكانية التعاون في أسواقهما الرئيسية في آسيا، ومن جهة أخرى استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولي ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان في الكرملين حيث سيعملان على تعميق التعاون في مجال النفط وتقليل الخلافات بينهما فيما يتعلق بسوريا حيث تؤيد كل من موسكو والرياض طرفا مختلفا في الحرب الأهلية الدائرة فيها.
وقد كان الفشل الذريع مصير المحاولة الأولى للتعاون بين البلدين إذ عجز الجانبان عن الاتفاق على تدابير مشتركة في اجتماع لمنظمة أوبك في ديسمبر كانون الأول عام 2014 أي بعد ستة أشهر من بداية الانهيار في أسعار النفط بعد أن كان سعر البرميل يتجاوز 100 دولار، ومما زاد الطين بلة أن سيتشين تعهد بمواصلة العمل على زيادة الانتاج حتى إذا انخفضت أسعار النفط إلى 20 دولارا للبرميل. ورد وزير البترول السعودي آنذاك علي النعيمي بإن إنتاج النفط الروسي سينهار نتيجة لانخفاض الأسعار واتضح فيما بعد خطأ هذا التنبؤ.
ومع ذلك تغير الكثير منذ ذلك الحين على الصعيدين الاقتصادي والسياسي ومن رحم الضرورة خرجت الشراكة غير المتوقعة بين موسكو والرياض إلى الوجود، وعندما انهارت أسعار النفط سجل اقتصاد كل من البلدين عجزا بعد سنوات من الإنفاق السخي وبدأ الآن فقط يشهد انتعاشا بطيئا. ولا يستطيع أي من البلدين أن يتحمل الآن صدمة أخرى من أسعار النفط إذ تتجه روسيا إلى انتخابات رئاسية في أوائل 2018 كما تعهد الأمير محمد بإصلاح الاقتصاد السعودي وبيع حصة من شركة أرامكو في طرح عام أولي، وبدا أيضا أن تغيير وزير البترول المخضرم النعيمي وتعيين خالد الفالح الأكثر ميلا للاتجاه البراجماتي ليحل محله كان له دور في التحول وسهل الأمين العام الجديد لأوبك محمد باركيندو الحوار بين الجانبين.
وتبحث كل من السعودية وروسيا الان توقعات إنتاج النفط من خارج منظمة أوبك بما في ذلك النفط الصخري الأمريكي الذي عاود النمو من جديد خلال العام الأخير إذ عمل منتجو النفط الأمريكيين في القطاع الخاص على خفض التكاليف والتكيف مع أسعار النفط المنخفضة، ويصدر الخام الأمريكي الآن إلى جميع أنحاء العالم كما أن احتمالات موافقة المنتجين في القطاع الخاص على التعاون مع أوبك شبه منعدمة بسبب تشدد تشريعات مكافحة الاحتكار الأمريكية.
وافدون جدد لأوبك
صرح مسؤولون في وزارة الطاقة والموارد المعدنية إن اندونيسيا أرسلت خطابا إلى أوبك لتفعيل عضويتها في المنظمة من جديد طالما يمكنها تفادي المشاركة في تخفيضات الإنتاج، وذكر سوجاتميكو المتحدث باسم الوزارة في رسالة نصية حين طلبت منه التأكيد على النبأ "نعم هذا صحيح" مضيفا أن الخطاب أرسل لأوبك في 24 مايو أيار، وبين نائب وزير الطاقة والموارد المعدنية اركاندرا تاهار لرويترز إن الخطاب أرسل بعد توجيه الدعوة لإندونيسيا للانضمام من جديد لأوبك وأضاف أن العودة ممكنة في حالة تجنب بلاده المشاركة في خفض الإنتاج.
وتابع "تواصلت معنا عدة دول وطلبت منا العودة لأوبك من جديد ولكن كان ردنا أن استراتيجية أوبك لخفض الإنتاج لا تتفق مع أولوياتنا الوطنية"، وأضاف "نحن من مؤسسي أوبك ويريدون عودتنا. ندرس الدعوة طالما لن نخفض إنتاجنا"، كما أفاد هادي مصطفي المساعد الخاص لوزير الطاقة إن اقتراح اندونيسيا "أقر من حيث المبدأ" من جانب أعضاء في أوبك لكنه ينتظر رد الفعل الرسمي من المنظمة في هذا الصدد.
وكانت اندونيسيا علقت عضويتها في أوبك في ديسمبر كانون الأول بعد أقل من عام من عودتها للمنظمة بعدما أعلنت أنها لن توافق علي تخفيضات الإنتاج التي اقترحتها أوبك حينئذ، ووافق أعضاء أوبك في 25 مايو أيار على تمديد خفض إنتاج الخام بواقع 1.2 مليون برميل يوميا لكبح المعروض العالمي ودعم الأسعار. ووافق منتجون آخرون في مقدمتهم روسيا على خفض إنتاجهم بواقع 600 ألف برميل يوميا، وأنتجت اندونيسيا 829 ألف برميل يوميا في مايو أيار مقارنة مع 815 ألف برميل يوميا حجم الإنتاج المستهدف في ميزانية 2017.
اضف تعليق