أصبحت المدرسة الأهلية في كثير من الحالات مشروعا تجاريا أكثر من كونها مؤسسة تربوية، فالتركيز انصرف نحو جمالية البناية وتوفير قاعات مجهزة، بينما بقي الجوهر التعليمي في المرتبة الثانية، ولهذا تجد أن بعض إدارات المدارس تعتمد على مدرسين قليلي الخبرة أو غير مؤهلين تربويا؛ نظرا لانخفاض الرواتب مقارنة بالمؤسسات الحكومية...

يشهد قطاع التعليم الأهلي في العراق توسعا متسارعا فرضته التحديات التي تواجه المدارس الحكومية من اكتظاظ وضعف في البنى التحتية، غير أن هذا التوسع لم يُترجم بالضرورة إلى تحسين نوعي في مستوى التعليم، بل كشف في حالات عديدة عن اختلالات بنيوية تتعلق بالجانب الأكاديمي وبالبيئة التربوية على حد سواء.

وأمام تزايد الشكاوى المتعلقة بجودة الأداء، باتت الحاجة إلى تقييم شامل أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. في السنوات الأخيرة برزت ملامح واضحة لتراجع المستوى الأكاديمي في عدد كبير من المدارس الأهلية، فالبعض منها تحول تدريجيا إلى مشاريع استثمارية لا تستند إلى رؤية تربوية واضحة.

إذ تجد اهتمام المشرفين عليها منصرفا نحو المظاهر الخارجية من قاعات مجهزة ومباني حديثة، فيما يُترك الجوهر التعليمي في المرتبة الثانية، كما أن الاعتماد على ملاكات تدريسية محدودة الخبرة أو غير مؤهلة تربويا أسهم في تفاقم المشكلة، خاصة مع انخفاض الأجور التي تدفعها بعض المدارس مقارنة بالمؤسسات الحكومية.

 ومع ضعف الرقابة الرسمية وغياب معايير موحدة لتقييم الأداء، أصبح النجاح والمحاباة في بعض الأحيان وسيلة لاستقطاب الأهالي واسترضائهم، لا نتيجة مستحقة تستند إلى الجهد والتعليم الحقيقي المبني على أسس علمية رصينة.

والى جانب تراجع المستوى العلمي للمدارس الاهلية، برزت ظاهرة أخرى أكثر إثارة للجدل تتعلق بالأنشطة غير المنسجمة مع البيئة الاجتماعية العراقية، فقد شهدت بعض المدارس الأهلية ممارسات لا تتناسب مع القيم السائدة ولا مع الدور التربوي المفترض للمؤسسة التعليمية، ومن أبرزها السماح للتلاميذ بالمشاركة في رقصات وعروض احتفالية تُقدم في مناسبات مدرسية.

وبطبيعة الامر هذا الموضوع يعكس انحرافا في فهم الأنشطة اللاصفية ودورها، فقد تحولت بعض الاحتفالات إلى عروض استعراضية تُدار بهدف التسويق للمدرسة عبر منصات التواصل الاجتماعي، بعيدا عن مضمونها التعليمي أو الثقافي.

هذا التوجه، الذي يركز على الجذب الدعائي بدلا عن بناء شخصية الطالب، أسهم في تآكل هيبة المدرسة وإضعاف الثقة المجتمعية فيها، كما أثرت هذه الممارسات سلبا في العلاقة بين الأسرة والمدرسة. 

فالأهالي الذين يبحثون عن بيئة تعليمية منضبطة يشعرون بأن بعض المدارس الأهلية لم تعد تلتزم بالسلوكيات التي تعكس قيم المجتمع، ولا تؤدي دورها في غرس الانضباط والمسؤولية في نفوس التلاميذ، مما أدى الى بروز فجوة واضحة بين ما يتوقعه أولياء الأمور من المدرسة، وما تقدمه فعليا، خاصة حين يُنظر إلى التعليم بوصفه خدمة استهلاكية لا مشروعا تربويا متكاملا. 

وفي ظل هذا الواقع، تصبح الأسرة أمام مفاضلة صعبة بين مرافق تعليمية حديثة من جهة، وضعف تربوي من جهة أخرى، وهو ما يثير تساؤلات جدية حول مستقبل التعليم الأهلي في البلاد.

وفي الوقت الذي يبقى فيه التعليم الأهلي عنصرا مهما في دعم المنظومة التعليمية، فإن نجاحه مرهون بقدرته على تحقيق توازن دقيق بين الجودة الأكاديمية والحفاظ على القيم الاجتماعية.

المجتمع لا يحتاج إلى مدارس تتفوق في المظهر وتتعثر في الجوهر، بل إلى مؤسسات تعليمية قادرة على تقديم تجربة تربوية رصينة تواكب التطور دون التفريط في الأسس التي يقوم عليها البناء الاجتماعي.

وفي النهاية أصبحت المدرسة الأهلية في كثير من الحالات مشروعا تجاريا أكثر من كونها مؤسسة تربوية، فالتركيز انصرف نحو جمالية البناية وتوفير قاعات مجهزة، بينما بقي الجوهر التعليمي في المرتبة الثانية، ولهذا تجد أن بعض إدارات المدارس تعتمد على مدرسين قليلي الخبرة أو غير مؤهلين تربويا؛ نظرا لانخفاض الرواتب مقارنة بالمؤسسات الحكومية. 

اضف تعليق